المنشورات

الحسن العسكري

المفسر: الحسن بن علي الهادي بن محمّد الجواد بن علي الرضا ... نسبته إلى الحسين بن علي بن أبي طالب.
الإمام الحادي عشر عند الإمامية الاثنى عشرية، الحسيني، الهاشمي، العسكري.
ولد: سنة (231 هـ) إحدى وثلاثين، وقيل: اثنتين وثلاثين ومائتين.
كلام العلماء فيه:
* تاريخ بغداد: "كان ينزل بسر من رأى، وهو أحد من يعتقد فيه الشيعة الإمامة" أ. هـ.
* تاريخ الإسلام: "هو والد منتظر الرافضة.
أحد أئمة الشيعة الذين تدعي الشيعة عصمتهم" أ. هـ.
* الأعلام: "بويع بالإمامة بعد وفاة أبيه، وكان على سنن سلفه الصالح تُقىً، ونسكًا وعبادة" أ. هـ.
* قلت: وقد ذكر الدكتور محمّد حسين الذهبي في كتابه "التفسير والمفسرون" بحثًا حول تفسير حسن العسكري، قال فيه: "عثرنا على هذا التفسير في دار الكتب المصرية فوجدناه منسوبًا إلى الإمام أبي محمّد الحسن العسكري، ومرويًا عنه برواية أبي يعقوب يوسف بن محمّد بن زياد، وأبي الحسن علي بن محمّد بن محمّد بن سيار، وهما من الشيعة الإمامية، وقد تلقيا هذا التفسير، وكتباه عن الحسن العسكري في سبع سنين، ولهما في تلقي هذا التفسير عن الحسن العسكري قصة غريبة في مقدمة الكتاب .. " أ. هـ. وقد ذكرها الدكتور الذهبي، وهي في الإرشاد لأتباع الإمام علي - رضي الله عنه - من الشيعة، ولأهل البيت كرمهم الله تعالى، فمن أراد التفصيل فليراجع "التفسير والمفسرون" والله تعالى الموفق.
والآن نذكر بحث الدكتور الذهبي حول تفسير العسكري هذا نصه، مع أنه قد ذكر لكل ما وجد أو طبع من هذا التفسير، فقال: "هذا هو كل ما وجد وطبع من التفسير المنسوب إلى الحسن العسكري رحمه الله تعالى، وأرى أن أسوق لك بعض النماذج لتقف بنفسك على مسلكه في التفسير، وتأثره بمذهب الإمامية، ولترى بعد ذلك هل يمكن أن يكون هذا التفسير حقيقة لهذا الإمام الصالح، أو نسب إليه زورًا وبهتانًا" أ. هـ.
قال الدكتور الذهبي: "ولاية علي: فمثلًا عند تفسيره لقوله تعالى في الآية (8) من سورة البقرة {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ  وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} يقول: قال العالم موسى بن جعفر: إن رسول الله لما أوقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في يوم الغدير موقفه المشهور المعروف، ثم قال: يا عباد الله انسبوني، فقالوا: أنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ثم قال: يا أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فنظر إلى السماء وقال: اللهم اشهد بقول هؤلاء -وهو يقول ويقولون ذلك ثلاثا- ثم قال: ألا فمن كنت مولاه وأولى به فهذا علي مولاه وأولى به، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، وأخل من خله، ثم قال: قم يا أبا بكر له بإمرة المؤمنين، فقام وبايع له، ثم قال: قم يا عمر فبايع له بإمرة المؤمنين، فقام فبايع له، ثم قال بعد ذلك لتمام التسعة رؤساء المهاجرين والأنصار فبايعوا كلهم، فقام من بين جماعتهم عمر بن الخطاب فقال: بخ بخ يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاه ومولى كل مؤمن ومؤمنة، ثم تفرقوا عند ذلك وقد وكدت عليهم العهود والمواثيق. ثم إن قومًا من متمرديهم وجبابرتهم تواطئوا بينهم لئن كان محمّد كاننة ليدفعن هذا الأمر من علي ولا يتركونه، فعرف الله ذلك إلى الله وإليك هالينا فكفيتنا مؤنة الظلمة لنا، والمتجبرين في سياستنا، وعلم الله من قلوبهم خلاف ذلك من مواطأة بعضهم لبعض أنهم على العداوة مقيمون، ولدفع الأمر عن مستحقه مؤثرون، فأخبر الله عزَّ وجلَّ محمّدًا عنهم فقال: يا محمّد {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} الذي أمرك بنصب علي إمامًا وسايسًا لأمثك ومدبرًا، {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} بذلك، ولكنهم يتواطئون على إهلاكك وإهلاكه. يوطنون أنفسهم على التمرد على علي إن كانت بك كائنة) أ. هـ.
وعند قوله تعالى في الآية (13) من سورة البقرة {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} يقول: "قال موسى بن جعفر: إذ قيل لهؤلاء الناكثين للبيعة، قال خيار المؤمنين كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار: آمنوا برسول الله وعلى الذي أوقفه موقفه وأقامه مقامه وأناط مصالح الدين والدنيا كلها به، وآمنوا بهذا النبي وسلموا لهذا الإمان، وسلموا له في ظاهر الأمر وباطنه كما آمن الناس المؤمنين كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار، قالوا في الجواب ولكنهم يذكرون لمن يفضون إليه من أهلهم والذين يثقون بهم من المنافقين ومن المستضعيفين من المؤمنين الذين هم بالستر عليهم واثقون بهم، يقولون لهم: {أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} يعنون سلمان وأصحابه لما أعطوا علينا خالص ودهم ومحض طاعتهم، وكشفوا رؤوسهم بموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه حتى أن اضمحل أمر محمّد طحطحهم أعداؤه، وأهلكهم سائر الملوك والمخالفين لمحمد، فهم بهذا التعرض لأعداء محمد جاهلون سفهاء، قال الله عزَّ وجلَّ: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ} الأخفاء العقول والاراء، الذين لم ينظروا في أمر محمّد حق النظر فيعرفوا نبوته، ويعرفوا صحة ما ناطه بعلمه من أمر الدين والدنيا، حتى بقوا لتركهم تأمل حجج الله جاهلين، وصاروا خائفين وجلين من محمّد وذريته ومن مخالفيهم، لا يأمنون أيهم يغلب فيهلكون معه، فهم السفهاء حيث لا يسلم لهم بنفاتهم هذا لا محبة محمّد والمؤمنين ولا محبة  اليهود وسائر الكافرين، لأنهم يظهرون لمحمد من موالاته وموالة أخيه علي ومعاداة أعدائهم، فهم يقدرون فيهم نفاقهم معهم كنفاقهم مع محمّد وعلي، ولكن لا يعلمون أن الأمر كذلك وأن الله يطلع نبيه على أسرارهم فيخشاهم ويلعنهم ويسقطهم" أ. هـ.
وعند تفسيره لقوله تعالى في الآيتين (159، 160) من سورة البقرة {مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} يقول (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات من صفة محمّد وصفة علي وحليته، والهدى بعدما بيناه للناس في الكتاب).
قال: والذي أنزلناه هو ما أظهرناه من الآيات على فضلهم ومحلهم، كالغمامة التي تظل رسول الله في أسفاره، والمياه الأجاجة التي كانت تعذب في الآبار بريقه، والأشجار التي كانت تتهدل ثمارها بنزوله تحتها، والعاهات التي كانت تزول بمسح يده عليها أو بنفث ريقه فيها، وكالآيات التي ظهرت على عليّ من تسليم الجبال والصخور والأشجار قائلة: يا ولي الله ويا خليفة رسول الله، السموم القاتلة التي تناولها من سمي باسمه عليها ولم يصبه بلاؤها. وسائر ما خصه الله تعالى به من فضائله، فهذا من الهدى الذي بينه الله للناس في كتابه ... الخ.
روايات مكذوبة في فضل أهل البيت: وعند تفسيره لقوله تعالى في الآية (3) من سورة البقرة { ... الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيبِ} يقول "ثم وصف هؤلاء المتقين الذين هذا الكتاب هدى لهم فقال: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيبِ} يعني بما غاب عن حواسهم من الأمور التي يلزمهم الإيمان بها، كالبعث، والنشور، والحساب، والجنة، والنار، وتوحيد الله تعالى، وسائر ما لا يعرف بالمشاهدة وإنما يعرف بدلائل قد نصبها الله عزَّ وجلَّ عليها كآدم، وحواء، وإدريس، ونوح، وإبراهيم، والأنبياء الذين يلزمهم الإيمان بهم بحجج الله تعالى وإن لم يشاهدوهم، ويؤمنون بالغيب وهم من الساعة مشفقون، وذلك أن سليمان الفارسي مر بقوم من اليهود فسألوه أن يجلس إليهم ويحدثهم بما سمع من محمّد في يومه هذا، فجلس إليهم لحرصه على إسلامهم فقال. سمعت محمدًا يقول: إن الله عزَّ وجلَّ يقول: يا عبادي: أو ليس من له إليكم حوائج كبار لا تجودون بها إلا أن يتجمل عليكم بأحب الخلق إليكم تقضونها كرامة لشفيعه؟ ألا فاعلموا أن كرم الخلق علي وأفضلهم لدى محمّد وأخوه علي، ومن بعده الأئمة الذين هم الوسائل إلى، ألا فليدعني من أهمته حاجة برد نفعها، أو دهته دهياء يريد كف ضررها بمحمد وآله الأفضلين الطيبين الطاهرين أقضها له أحسن مما يقضيها من تشفعون إليه بأعز الخلق عليه. قالوا لسلمان -وهم يستهزؤون به- يا عبد الله فما بالك لا تقترح على الله وتتوسل بهم أن يجعلك أغنى أهل المدينة؟ فقال سلمان: قد دعوت الله عزَّ وجلَّ بهم، وسألته ما هو أجل وأفضل وأنفع من ملك الدنيا بأسرها، وسألته بهم أن يهب لي لسانًا لتمجيد شأنه شاكرًا، وقلبًا لآلائه ملتمسي من ذلك، وهو  أفضل من ملك الدنيا بحذافيرها وما يشتمل عليه من خيراتها مائة ألف مرة. قال: فجعلوا يهزؤون ويقولون: يا سلمان، لقد ادعيت مرتبة عظيمة يحتاج أن يمتحن صدقك من كذبك فيها وها نحن إذًا قائمون إليك بسياط عذابنا فضاربوك، فاسأل ربك أن يكف أيدينا عنك، فجعل سلمان يقول: اللهم اجعلني على البلاء صابرًا، وجعلوا يضربونه بسياطهم حتى أعيوا وملوا، وجعل سلمان لا يزيد على قوله: اللهم اجعلني على البلايا صابرًا، فلما ملوا وأعيا قالوا: يا سلمان، ما ظننا أن روحًا تثبت في مقرها على مثل هذا العذاب الوارد عليك، فما بالك لا تسأل ربك أن يكفنا عنك؟ قال: لأن سؤال ذلك ربي خلاف الصبر، بل سلمت؛ لإمهال الله تعالى لكم، وسألته الصبر، فلما استراحوا قاموا بعد إليه بسياطهم فقالوا: لا نزال نضربك بسياطنا حتى تزهق روحك أو تكفر بمحمد، فقال: ما كنت أفعل ذلك؛ فإن الله قد أنزل على محمّد {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيبِ} وإن احتمالي لمكارهكم لأدخل في جملة من مدحه الله بذلك سهل عليَّ يسير، فجعلوا يضربونه بسياطهم حتى ملوا، ثم قعدوا وقالوا: يا سلمان، لو كان لك عند ربك قدر لإيمانك بمحمد لاستجاب دعاءك وكفنا عنك، فقال سلمان: ما أجهلكم .. كيف يكون مستجيبًا دعائي إذا فعل بي خلاف ما أريد منه، أنا أردت منه الصبر فقد استجاب لي فصبرت، ولم أسأله كفكم عني فيمنعني حتى يكون ضد دعائي كما تظنون، فقاموا إليه ثالثة بسياطهم فجعلوا يضربونه وسلمان لا يزيد على قوله: اللهم صبرني على البلايا في حب صفيك وخليلك محمد، فقالوا له: يا سلمان، ويحك أو ليس محمّد قد رخص لي ذلك ولم يفرضه علي، بل أجاز لي ألا أعطيكم ما تريدون واحتمل مكارهكم، وجعله أفضل المنزلين، وأنا لا أختار غيره ثم قاموا إليه بسياطهم وضربوه ضربًا كثيرًا وسيلوا دماءه. وقالوا له وهم ساخرون: لو لم تسأل الله كفنا عنك ولا تظهر لنا ما نريد منك لنكف به عنك فادع علينا بالهلاك إن كنت من الصادقين في دعواك أن الله لا يرد دعاءك بمحمد وآله الطيبين الطاهرين، فقال سلمان: إني لأكره أن أدعو الله بهلاكهم نحافة أن يكون فيكم من قد علم الله أنه سيؤمن من بعد فأكون قد سألت الله اقتطاعه عن الإيمان، فقالوا: قل: اللهم أهلك من كان في علمك أنه يبقى إلى الموت على تمرده، فإنك لا تصادف بهذا الدعاء ما خفته، قال فانفرج له حائط البيت الذي هو فيه مع القوم وشاهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: يا سلمان ادع عليهم بالهلاك فليس فيهم أحد يرشد، كما دعا نوح على قومه لما عرف أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، فقال سلمان: كيف تريدون أن أدعو عليكم بالهلاك؟ فقالوا: تدعو الله بأن يقلب سوط كل واحد منا أفعى تعطف رأسها ثم تمشش عظام سائر بدنه .. فدعا الله بذلك، فما من سياطهم سوط إلا قلبه الله تعالى أفعى لها رأسان تتناول برأس رأسه وبرأس آخر يمينه التي كان فيها سوطه ثم رضضتهم ومششتهم وبلعتهم والتقمتهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في مجلسه: معاشر المؤمنين، إن الله تعالى قد نصر أخاكم سلمان ساعتكم هذه على عشرين فرقة من اليهود والمنافقين، قلبت سياطهم أفاعي  رضضتهم ومششتهم وهشمت عظامهم والتقمتهم فقوموابنا ننظر إلى تلك الأفاعي المبعوثة لنصرة سلمان، فقام رسول الله وأصحابه إلى تلك الدار وقد اجتمع إليها جيرانها من اليهود والمنافقين لما سمعوا ضجيج القوم بالتقام الأفاعي لهم، فإذا هم خائفون منها، نافرون من قربها، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرجت كلها إليه عن البيت إلى شارع المدينة، وكان شارعًا ضيقًا فوسعه الله تعالى وجعله عشرة أضعافه، ثم نادت الأفاعي: السلام عليك يا محمد يا سيد الأولين والآخرين، السلام عليك يا علي يا سيد الوصيين، السلام على ذريتك الطيبين الطاهرين الذين جعلوا على الخلق قوامين، ها نحن سياط هؤلاء المنافقين الذين قلبنا الله تعالى أفاعي بدعاء هذا المؤمن سلمان قال: رسول الله: الحمد لله الذي جعل من يضاهي بدعائه عند قبضه وعند انبساطه نوحًا نبيه. ثم نادت الأفاعي: يا رسول الله .. قد اشتد غضبنا على هؤلاء الكافرين، وأحكامك وأحكام وصيك علينا جائزة في ممالك رب العالمين، ونحن نسألك أن تسأل الله تعالى أن يجعلنا أفاعي جهنم حتى نكون فيها لهؤلاء معذبين كما كنا لهم في هذه الدنيا ملتقمين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قد أجبتكم إلى ذلك فالحقوا بالطبق الأسفل من جهنم، بعد أن تقذفوا ما في أجوافكم من أجزاء أجسام هؤلاء الكافرين ليكون أتم لخزيهم وأبقى للعار عليهم إذا كانوا بين أظهرهم مدفونين، يعتبر بهم المؤمنون المارون بقبورهم، يقولون هؤلاء الملعونون المخزيون بدعاء ولي محمّد سلمان الخير من المؤمنين، فقذفت الأفاعي ما في بطونها من أجزاء أبدانهم، فجاء أهلوهم فدفنوهم، وأسلم كثير من الكافرين، وأخلص كثير من المنافقين، وغلب الشقاء على كثير من الكافرين والمنافقين، فقالوا: هذا سحر مبين. ثم أقبل رسول الله على سلمان فقال: يا عبد الله، أنت من خواص إخواننا المؤمنين، ومن أحباب قلوب ملائكة الله المقربين، إنك في ملكوت السموات والحجب والكرسي والعرش وما دون ذلك إلى الثرى أشهر في فضلك عندهم من الشمس الطالعة في يوم لا غيم ولا قتر ولا غبار في الجو، فأنت من أفاضل الممدوحين بقوله {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيبِ}.
وعند تفسيره لقوله تعالى في الآية (210) من سورة البقرة {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} يقول ما نصه ( ... قال علي بن الحسين: طلب هؤلاء الكفار الآيات ولم يقنعوا بما أتاهم به منها بما فيه الكفاية والبلاغ، حتى قيل لهم {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} أي إذا لم يقتنعوا بالحجج الواضحة الدامغة، فهل ينظرون إلا أن يأتيهم الله؟ وذلك محال، لأن الإتيان على الله لا يجوز، كذلك النواصب اقترحوا على رسول الله في نصب أمير المؤمنين علي إمامًا، واقترحوا ... حتى اقترحوا المحال وذلك أن رسول الله لما نص على علي بالفضيلة والإمامة، وسكن إلى ذلك قلوب المؤمنين وعاند فيه أصناف الجاحدين من المعاندين، وشك في ذلك ضعفاء من الشاكين، واحتال في السلم من الفريقين من النبي وخيار أصحابه ومن أصناف أعدائه جماعة المنافقين، وفاض في صدورهم العداوة والبغضاء، والحسد والشحناء، حتى قال  قائل المنافقين: لقد أسرف محمّد في مدح نفسه، ثم أسرف في مدح أخيه علي، وما ذاك من عند رب العالمين، ولكنه في ذلك من المتقولين، يريد أن يثبت لنفسه الرياسة علينا حيًّا ولعلي بعد موته، قال الله تعالى: يا محمّد، قل لهم وأي شيء أنكرتم من ذلك؟ هو عظيم كريم حكيم، ارتضى عبادًا من عباده، قد اختصهم بكرامات، لما علم من حسن طاعتهم ولانقيادهم لأمره، ففوض إليهم أمور عباده، وجعل إليهم سياسة خلقه بالتدبير الحكيم الذي وفقهم له: أفلا ترون لملوك الأرض إذا ارتضى أحدهم خدمة بعض عبيده ووثق بحسن اصطناعه بما يندب له من أمور ممالكه، جعل ما وراء بابه إليه واعتمد في سياسة جيوشه ورعاياه عليه؟ كذلك محمّد في التدبير الذي رفعه له ربه، وعلى من بعده الذي جعله وصيه وخليفته في أهله، وقاضي دينه ومنجز عداته، والموازر لأوليائه والمناصب لأعدائه فلم يقنعوا بذلك ولم يسلموا، وقالوا: ليس الذي تسنده إلى ابن أبي طالب أمرًا صغيرأ أنما هو دماء الخلق، ونساؤهم، وأولادهم، وأموالهم، وحقوقهم، وأنصباؤهم، ودنياهم وأخراهم، فلتأتنا بآية تليق بجلالة هذه الولاية، فقال رسول الله: أما كفاكم نور على المشرق في الظلمات الذي رأيتموه ليلة خروجه من عند رسول الله إلى منزله؟ أما كفاكم أن عليًّا جازو الحيطان بين يديه ففتحت له وطرقت ثم عادت والتأمت؟ أما كفاكم يوم غدير خم أن عليا لما أقامه رسول الله رأيتم أبواب السماء مفتحة والملائكة فيها مطلعين تناديكم: هذا ولي الله فاتبعوه والا حل بكم عذاب الله فاحذروه؟ أما كفاكم رؤيتكم على ابن أبي طالب وهو يمشي والجبال إلى أماكنها؟ ثم قال اللهم زدهم آيات فمنها عليك سهلات يسيرات لتزيد حجتك عليهم تاكيدًا. قال: فرجع القوم إلى بيوتهم فارادوا دخولها فاعتقلتهم الأرض ومنعتهم ونادتهم: حرام عليكم دخولها حتى تؤمنوا بولاية علي، قالوا. آمنا ... ودخلوا ... ثم ذهبوا يلبسون ثياب الليل فثقلت عليهم ولم يقلوها، ونادتهم: حرام عليكم سهولة نزعنا حتى تقروا بولاية علي، فأقروا .. ونزعوها .. ثم ذهبوا يلبسون ثياب الليل فثقلت عليهم ونادتهم: حرام عليكم لبسنا حتى تعترفوا بولاية علي، فاعترفوا، ثم ذهبوا يأكلون فثقلت عليهم اللقم وما لم يثقل منها استحجز في أفواههم وناداهم: حرام عليكم أكلنا حتى تعترفوا بولاية علي، فاعترفوا ... ثم ذهبوا يبولون ويتغوطون فتعذبوا وتعذر عليهم، ونادتهم بطونهم ومذاكيرهم حرام عليكم السلامة منا حتى تعترفوا بولاية علي بن أبي طالب، فاعترفوا .. ثم ضجر بعضهم وقال: (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) قال الله عزَّ وجلَّ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} (1) ... الخ.
الشجرة التي نهي آدم عن الأكل منها:
وعند تفسيره لقوله تعالى في الآية (35) من سورة البقرة {وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ  الشَّجَرَةَ} يبين المراد من الشجرة ويعلل النهي عنها فيقول {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ: شجرة العلم، شجرة علم محمّد وآل محمد، الذين آثرهم الله عز وجل به دون سائر خلقه، فقال الله تعالى: لا تقربا هذه الشجرة، شجرة العلم، فإنها لمحمد وآله خاصة دون غيرهم، ولا يتناول منها أمر الله إلا هم ... ومنها ما كان يتناوله النبي، وعلي، وفاطمة والحسن، والحسين، لعد إطعامهم المسكين واليتيم والأسير حتى لم يحسوا بعد جوع ولا عطش ولا تعب ولا نصب، وهي شجرة تميزت من بين أشجار الجنة، إن سائر أشجار الجنة كان كل نوع منها يحمل نوعًا من الثمار والمأكول، وكانت هذه الشجرة وجنسها تحمل البر، والعنب والتين والعناب وسائر أنواع الثمار والفواكه والأطعمة، فلذلك اختلف الحاكون لتلك الشجرة، فقال بعضهم: هي برة، وقال آخرون: هي عنبة، وقال آخرون: هي عنابة. قال الله تعالى: ولا تقربا هذه الشجرة تلتمسان بذلك دوحة محمّد وآل محمّد في فضلهم، فإن الله تعالى خصهم بهذه دون غيرهم، وهي الشجرة التي من يتناول منها بإذن الله عز وجل ألهم علم الأولين والآخرين من غير تعلم. ومن تناول منها بغير إذن الله خاب من مراده وعصى ربه، (فتكونا من الظالمين) بمعصيتكما والتماسكما درجة قد أوثر بها غيركما كما إذا أردتما بغير حكم الله) أ. هـ.
توسل الأنبياء والأمم السابقة بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبأهل البيت:
وقد جاء في هذا التفسير من الأخبار ما يدل على أن الأنبياء والأمم السابقين كانوا إذا حزبهم أمر وأهمهم توسلوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته رضوان الله تعالى عليهم.
فمثلًا عند قوله تعالى في الآية (38) من سورة البقرة {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} نراه يقول " ... فلما زلت من آدم الخطيئة واعتذر إلى ربه عزَّ وجلَّ قال: يارب، تب علي واقبل معذرتي، وأعدني إلى مرتبتي، وارفع لديك درجتي فما أشد تبين بعض الخطيئة وذلها، بأعضائي وسائر بدني، قال الله تعالى: يا آدم، أما تذكر أمري إياك بأن تدعوني بمحمد وآله الطيبين عند شدائدك ودواهيك في النوازل تنزل بك؟ قال آدم: يا رب بلى، قال الله عزل وجل له: فتوصل بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين خصوصًا، فادعني أجبك إلى ملتمسك وأزدك فوق مرادك، وتغفر خطيئتي، وأنا الذي أسجدت له ملائكتك. وأبحته جنتك، وزوجته حواء أمتك وأخدمته كرام ملائكتك؟ قال الله: يا آدم .. إنما أمرت الملائكة بتعظيمك بالسجود إذ كنت وعاء لهذه الأنوار، ولو كنت سألتني بهم قبل خطيئتك أن أعصمك منها وأن أفطنك لدواعي عدوك إبليس حتى تحذر منها لكنت قد جعلت ذلك، ولكن المعلوم في سابق علمي يجري موافقًا لعلمي، فالآن بهم فادعني لأجبك، فعند ذلك قال آدم: اللهم بجاه محمّد وآله الطيبين، بجاه محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم لما تفضلت بقبول توبتي، وغفران زلتي. وإعادتي من كراماتك إلى مرتبتي، فقال الله عزَّ وجلَّ: قد قبلت توبتك وأقبلت برضواني عليك، ورزقت آلائي ونعمائي عليك، وأعدتك إلى مرتبتك من كراماتي، ووفرت نصيبك من رحماتي. فذلك  قوله عزَّ وجلَّ {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (1) " أ. هـ.
ومثلًا عند قوله تعالى في الآية (50) من سورة البقرة: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَينَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} نجده يقول: (قال الله عز وجل واذكروا إذ جعلنا ماء البحر فرقًا ينقطع بعضه من بعض، فأنجيناكم هناك وأغرقنا فرعون وقومه وأنتم تنظرون إليهم وهم يغرقون، وذلك أن موسى لما انتهى إلى البحر أوحى الله عزَّ وجلَّ إليه: قل لبني إسرائيل جددوا توحيدي، وأمروا بقلوبكم ذكر محمّد سيد عبيدي وإمائي، وأعيدوا على أنفسكم الولاية لعلي محمّد وآله الطيبين، وقولوا: اللهم جوزنا على متن هذا الماء، فإن يتجول لكم أرضًا، فقال موسى لك، فقالوا: أتورد علينا ما نكره، وهل فررنا من آل فرعون إلا من خوف الموت، وأنت تقتحم بنا هذا الماء الغمر بهذه الكلمات، وما يدرينا ما يحدث من هذه علينا؟ فقال لموسى كالب بن يوحنا وهو على دابة له -وكان ذلك الخليج أربعة فراسخ- يا نبي الله، أمرك الله بهذا أن تقوله وندخل الماء؟ قال: نعم، قال وأنت تأمرني به؟ قال: نعم، فوقف وجدد على نفسه من توحيد ونبوة محمّد وولاية علي والطيبين من آلهما ما أمر به، ثم قال: اللهم بجاههم جوزني على متن هذا الماء، وإذا الماء قصته كأرض لينة، حتى بلغ آخر الخليج ثم عاد راكضًا، ثم قال لبني إسرائيل: يا بني إسرائيل ... أطيعوا موسى، فما هذا الدعاء إلا مفتاح أبواب الجنان، ومغاليق أبواب النيران، ومستنزل الأرزاق، وجالب على عباد الله وإمائه رضا المهيمن الخلاق. فأبوا وقالوا: لا نسير إلا على الأرض، فأوحى الله: يا موسى .. اضرب بعصاك البحر وقل: اللهم بجاه محمّد وآله الطيبين لما فقلته، ففعل فانفلق وظهرت الأرض إلى آخر الخليج، فقال موسى: ادخلوها، قالوا: الأرض وحلة، نخاف أن نرسب فيها، فقالها الله عزَّ وجلَّ: يا موسى .. قل: اللهم بحق محمّد وآله الطيبين جففها، فقالها فأرسل الله عليها ريح الصبا فجفت، فقال موسى: ادخلوها، فقالوا: يا نبي الله .. نحن اثنتا عشرة قبيلة بنو اثني أبًا، وإن دخلناها رام كل فريق منا تقدم صاحبه ولا نأمن من وقوع الشر بيننا، فلو كان لكل فريق منا طريق على حدة لأمنا ما نخافه، فأمر الله موسى أن يضرب البحر بعددهم اثني عشر ضربة، في اثنتي عشرة موضعًا إلى جانب ذلك الموضع ويقول: اللهم بجاه محمّد وآله الطيبين بين الأرض لنا، وأقصر الماء عنا فصار فيه تمام اثني عشر طريقًا، وجف قرار الأرض بريح الصبا، فقال: ادخلوها، فقالوا: كل فريق منا يدخل سكة من هذه السكك لا يدري ما يحدث على الآخرين، فقال الله عزَّ وجلَّ: فاضرب كل طود من الماء بين هذه السكك، فضرب فقال: اللهم بجاه محمّد وآله الطيبين لما جعلت في هذا الماء طيقانًا واسعة يرى بعضهم بعضًا، فحدثت طيقان واسعة يرى بعضهم بعضًا، ثم دخلوها، فلما بلغوا آخرها جاء فرعون وقومه فدخل بعضهم، فلما دخل آخرهم وهمّ أولهم بالخروج أمر الله تعالى فانطبق عليهم فغرقوا، وأصحاب موسى ينظرون إليهم،  فذلك قوله عزَّ وجلَّ {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} أ. هـ.
التقية:
وهو يعترف بالتقية ويدين بها، ويروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث فيها، فمن ذلك أنه روى عن الحسن بن علي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الأنبياء إنما فضلهم الله على الخلق أجمعين لشدة مدارتهم لأعداء دين الله، وحسن تقيتهم لأجل إخوانهم في الله) أ. هـ.
وروى عن أمير المؤمنين، أنه قال "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من سئل عن علم فكتمه يجب إظهاره وتزول عنه التقية، جاء يوم القيامة ملجمًا بلجام من النار" أ. هـ.
وعند تفسيره لقوله تعالى في الآية (163) من سورة البقرة {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} يقول ... الرحيم بعباده المؤمنين من شيعة آل محمد، وسعة لهم في التقية، يجاهرون بإظهار موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه إذا قدروا، ويسرونها إذا عجزوا) أ. هـ.
وعند تفسيره لقوله تعالى في الآية (173) من سورة البقرة {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيكُمُ الْمَيتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ... } إلى نهاية الآية، يقول: " .. نظر الباقر إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة، وأحس الشيعي بأن الباقر قد عرف ذلك منه بقصده وقال: أعتذر إليك يابن رسول الله عن صلاتي خلف فلان فإنها تقية، ولولا ذلك لصليت وحدي، قال له الباقر: يا أخي ... إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت، يا عبد الله المؤمن .. ما زالت ملائكة السموات السبع والأرضين السبع تصلى عليك، وتلعن إمامك ذاك، وإن الله تعالى أمر أن تحسب صلاتك بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك. فعليك بالتقية أ. هـ.
تأثره بمذهب المعتزلة:
وإنا لنجد في هذا التفسير تأثرًا بمذهب المعتزلة ومعتقداتهم، فمثلًا عند قوله تعالى في الآية (7) من سورة البقرة {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} نجد المؤلف لا يرتضى نسبة الختم إلى الله على ظاهره، ونراه يتأول هذا الختم بما يتفق ورأي المعتزلة فيقول "أي وسمها بسمة يعرفها من يشاء من ملائكته إذا نظروا إليها بأنهم الذين لا يؤمنون، وعلى سمعهم كذلك بسمات، وعلى أبصارهم غشاوة، وذلك أنهم لما أعرضوا عن النظر فيما كلفوه، وقصروا فيما أريد منهم، جهلوا ما لزمهم من الإيمان به، فصاروا فيما على عينه غطاء لا يبصر ما أمامه؛ فمن الله عزَّ وجلَّ يتعالى عن العبث والفساد، وعن مطالبة العباد بما قد منعهم بالقهر منه، فلا يأمرهم بمغالبته ولا بالمسير إلى ما قد صدهم بالعجز".
تأثره في تفسيره بآراء الشيعة في الفروع الفقهية.
كذلك نجد المؤلف يجري في تفسيره على وفق ما يميل إليه من الأحكام الفقهية التي يقول بها الإمامية الاثنا عشرية.
فمثلًا عند قوله تعالى في الآية (43) من سورة البقرة {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} نراه يروي حديثًا طويلًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤخذ منه صراحة أن فرض الرجلين في الوضوء مسحهما لا غسلهما وأن غسلهما لا يجوز إلا للتقية، وهذا الحديث هو: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن العبد إذا  توضأ فغسل وجهه تناثرت ذنوب وجهه، وإذا غسل يديه إلى المرفقين تناثرت عنه ذنوب يديه، وإذا مسح رأسه تناثرت ذنوب رأسه، وإذا مسح برجليه، أو غسلهما تقية تناثرت ذنوب رجليه ... الخ.
... وهكذا نجد هذا التفسير يسير مع الهوى الشيعي، سيرًا فيه كثير من التطرف والغلو والخروج عن دائرة المعقول المقبول. وإذا كان هذا التفسير من عمل الحسن العسكري، الإمام المعصوم، الذي عنده علم القرآن كله، فتلك أكبر شهادة على أنه لا عصمة له ولا علم عنده، وكيف يصدر هذا التلاعب بنصوص القرآن من إمام له قيمته ومكانته.
وإذا كان ما يذكره صاحب أعيان الشيعة من علمه وصلاحه أمرًا حقيقيًّا، فالظن بهذا الكتاب أن يكون منسوبًا إلى هذا الإمام زورًا وبهتانًا، وهذا ما أرجحه وأختاره، لأني لم أعثر على نقل صحيح يدل على غلو الرجل وتطرفه في التشيع كما فعل غيره" أ. هـ.
* قلت: وهنا نذكر إشارة لطيفة، بل مهمة في قول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "منهاج السنة" حول صاحب الترجمة (حسن العسكري)، وابنه منتظر الرافضة وردهِ على الرافض ابن مطهر الحلي، وما قاله الأخير في صاحب الترجمة (4/ 85): "وكان ولده الحسن العسكري عالمًا زاهدًا فاضلًا عابدًا، أفضل أهل زمانه، وروت عنه العامة كثيرًا" أ. هـ. كلام الرافضي.
فقال شيخ الإسلام: "فهذا من نمط ما قبله من الدعاوى المجردة، والأكاذيب البيّنة، فإن العلماء المعروفين بالرواية الذين كانوا في زمن هذا الحسن بن علي العسكري ليست لهم [عنه] رواية مشهورة في كتب أهل العلم، وشيوخ [أهل] الكتب الستة: البخاري، ومسلم، وأبي داود، [والترمذي] والنسائي، وابن ماجة كانوا موجودين في ذلك الزمان، وقريبًا منه: قبله وبعده.
وقد جمع الحافظ أبو القاسم بن عساكر أخبار شيوخ النبل، يعني شيوخ هؤلاء الأئمة، فليس في هؤلاء [الأئمة] من روى عن الحسن بن علي [هذا] العسكري مع روايتهم عن ألوف مؤلفة من أهل الحديث، فكيف يقال: روت عنه العامة كثيرًا؟ وأين هذه الروايات؟ وقوله: "إنه كان أفضل أهل زمانه" هو من هذا النمط" أ. هـ.
ثم قال الرافضي في منتظرهم (محمد بن الحسن بن علي) ولد صاحب الترجمة (4/ 86): "وَوَلَدُهُ مولانا المهدي [محمد]- عليه السلام -.
روى ابن الجوزي بإسناده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي، اسمه كاسمي وكنيته كنيتي، يملأ الأرض عدلًا، كما ملئت جورًا) فذلك هو المهدي" انتهى كلام رافضي ..
قال شيخ الإسلام: "فيقال: قد ذكر محمد بن جرير الطبري وعبد الباقي بن قانع وغيرهما من أهل العلم بالأنساب والتواريخ: أن الحسن بن علي العسكري لم يكن له نسل ولا عقب. والإمامية الذين يزعمون أنه كان له ولد يدَّعون أنه دخل السرداب بسامرًا وهو صغير. منهم من قال: عمره سنتان، ومنهم من قال: ثلاث، ومنهم من قال: خمس سنين وهذا لو كان موجودًا  معلومًا، لكان الواجب في حكم الله الثابت بنص القرآن والسنة والاجماع أن يكون محضونًا عند من يحضنه في بدنه، كأمه، وأم أمه، ونحوهما من أهل الحضانة، وأن يكون ماله عند من يحفظه: إما وصى أبيه إن كان له وصي، وإما غير [الوصي]: إما قريب، وإما نائب لدى السلطان، فإنه يتيم لموت أبيه.
والله تعالى يقول: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيهِمْ أَمْوَالهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء: 6]، فهذا لا يجوز تسليم ماله إليه حتى يبلغ النكاح ويؤنس منه الرشد، كما ذكر الله تعالى ذلك في كتابه، فكيف يكون من يستحق الحجر عليه في بدنه وماله إمامًا لجميع المسلمين معصومًا، لا يكون أحد مؤمنًا إلا بالإيمان به؟ ! "أ. هـ.
* قلت: وهذه فائدة طيبة في معرفة مدى الضلال الذي عليه الشيعة على مختلف فرقهم قد تكلم شيخ الإسلام عن ردِّ ادعاء الشيعة، إمامهم المنتظر ووجوه أيضًا، (8/ 248 و 249) وغيرها فلتراجع والله ولي التوفيق.
قال محقق كتاب "منهاج السنة": (إن الإمامية الرافضة أنفسهم يسجلون في كتبهم أنه لم يولد. يقول الأستاذ إحسان إلهي ظهير في كتابه "الشيعة وأهل البيت" (ص 294): "هذا وأما الثاني عشر الموهوم فكفى فيه القول أنهم يصرّحون في كتبهم أنفسهم أنه لم يولد ولم يعثر عليه ولم ير له أثر مع كل التفتيش والتنقيب، ثم يحكون حكايات، وينسجون الأساطير، ويختلقون القصص والأباطيل في ولادته وأوصافه: إما موجود ولد، وإما معدوم لم يولد؟ . ثم يورد الأستاذ إحسان نصًّا طويلًا من كتبهم يذكر أنه في كتاب الحجة للكافي (ص 505)، الأرشاد للمفيد (ص 339، 340)، كشف الغمة (ص 408، 409)، الفصول المهمة (ص 289)، جلاء العيون (2/ 762)، إعلام الورى (ص 377، 378).
ووجدت هذا النص عندي في كتاب "الأصول من الكافي" للكليني (ط. طهران، 1381) في كتاب الحجة، باب مولد أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام وهو من (ص 503 - 506). وسند هذا الخبر في الكافي هو: "الحسين بن محمّد الأشعري ومحمد بن يحيى وغيرهما قالوا: كان أحمد بن عبيد الله بن خاقان على الضياع والخراج بقُم، فجرى في مجلسه يومًا ذكر العلويّة ومذاهبهم، وكان شديد النصب، فقال: ما رأيت ولا عرفت بسرّ من رأى رجلا من العلوية مثل الحسن بن علي بن الرضا في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته وبني هاشم" ثم يستطرد راوي الخبر إلى أن يقول (ص 504 - 506): "ولقد ورد على السلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسين بن عليّ ما تعجبت منه وما ظننت أنه يكون، وذلك أنه لما اعتل بعث إلى أن ابن الرضا قد اعتلّ، فركب من ساعته فبادر إلى دار الخلافة، ثم رجع مستعجلًا ومعه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلهم من ثقاته وخاصته، فيهم نحرير، فأمرهم بلزوم دار الحسن وتعرّف خبره وحاله، وبعث نفر من المتطبين فأمرهم بالاختلاف إليه وتعاهده صباحًا ومساء، فلما  كان بعد ذلك بيومين أو ثلاثة أخبر أنه قد ضعف، فأمر المتطّبين بلزوم داره، وبعث إلى قاضي القضاة، فأحضر مجلسه وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه وأمانته وورعه، فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن وأمرهم بلزومه ليلًا ونهارًا، فلم يزالوا هناك حتى توفي - عليه السلام -، فصارت سرّ من رأى ضجة واحدة، وبعث السلطان إلى داره فتّشها وفتش حجرها وختم على جميع ما فيها، وطلبوا أثر ولده، وجاؤوا بنساء يعرفن الحمل، فدخلن إلى جواريه ينظرن إليهن، فذكر بعضهن أن هناك جارية بها حمل، فجُعلت في حجرة، ووكل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم، ثم أخذوا بعد ذلك في تهيئته وعطلت الأسواق وركبت بنو هاشم والقواد وأبي وسائر الناس إلى جنازته ... فلما دفن أخذ السلطان والناس في طلب ولده، وكثر التفتيش في المنازل والدور، وتوقفوا عن قسمة ميراثه، ولم يزل الذين وكّلوا بحفظ الجارية التي، تُوهم عليها الحمل لازمين حتى تبين بطلان الحمل، فلما بطل الحمل عنهن قُسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر وادّعت أمه وصيتّه وثبت ذلك عند القاضي، والسلطان على ذلك يطلب أثر ولده، فجاء جعفر بعد ذلك إلى أبي .... فلم يأذن له في الدخول عليه، حتى مات أبي، وخرجنا وهو على تلك الحال، والسلطان أثر ولد الحسن بن عليّ) أ. هـ.
وفاته: سنة (260) ستين ومائتين.
من مصنفاته: "كشف الحجب" في التفسير.





مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید