المنشورات

حسنين مخلوف

المفسر: حسنين (1) محمد مخلوف، العدوي، المالكي.
ولد: سنة (1277 هـ) سبع وسبعين ومائتين وألف.
من مشايخه: محمّد الروجي، وحسن العدوي وغيرهما.
كلام العلماء فيه:
• الأعلام: "أول من بدأ في إنشاء مكتبة الأزهر فقيه عارف بالتفسير، والأدب، مصري" أ. هـ.
• معجم المؤلفين: "المالكي الأزهري الخلوتي" أ. هـ.
• معجم الشيوخ: "من أشهر علماء الأزهر 
اليوم، وذوي المشاركة التامة في كثير من العلوم كالفقه والأصلين والتصوف والمنطق وغيرها. دؤب على نشر العلم درسًا وتأليفًا وقد بلغت مؤلفاته (30)، كلها تدل على تضلعه وتحقيقه، وجودة نظره" أ. هـ.
• قلت: هو مفتي الديار المصرية السابق، وعضو جماعة كبار العلماء وعند مراجعة تفسيره هذا يتضح للقارئ الكريم منهجه الاعتقادي فيه وهو المذهب الذي كانت عليه الأمة والسلف الصالح، ونذكر هنا بعض كلامه في مقدمته وخلال تفسيره لآيات الله تعالى:
قال في المقدمة (1/ 8) في بحث المحكم المتشابه من القرآن الكريم:
"من آيات القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب وأصله، وأخر متشابهات".
والمحكم: ما عرف المعنى المراد منه. والمتشابه: ما استأثر الله تعالى بعلمه، كقيام الساعة، والحروف المقطعة في فواتح السور.
وقيل: الحكم ما لا يحتمل من التأويل بحسب وضع اللغة إلا وجهًا واحدًا. والمتشابه: ما احتمل أوجهًا عديدة واحتاج إلى النظر؛ لحمله على الوجه المطابق.
وقيل: المحكم ما اتضح معناه. والمتشابه بخلافه. وهناك أقوال أخرى في تفسيرهما. وسيأتي لذلك مزيد من بيان أول سورة آل عمران.
وجعل الخطابي المتشابه على ضربين: أحدهما ما إذا رد إلى المحكم واعتُبر به عُرف معناه. والآخر ما لا سبيل إلى الوقوف على حقيقته. فمن المتشابه ما يمكن الاطلاع على معناه، ومنه ما لا يعلمه إلا الله تعالى.
ومن المتشابه آيات الصفات؛ نحو: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} {كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَينِي} {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيدِيهِمْ} {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْويَّاتٌ بِيَمِينِهِ}. ومنه أحاديث الصفات.
ومذهب جمهور أهل السنة -ومنهم سفيان الثوري وابن المبارك وابن عُيينة ووكيع، والأئمة الأربعة- أنه يجب الإيمان بها وتفويض علم معناها المراد منها إلى الله تعالى، وترك تأويلها مع تنزيهه تعالى عن حقيقتها؛ لاستحالة مشابهته تعالى للحوادث؛ قال تعالى: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
عن أم سلمة - رضي الله عنها - في تفسير قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإقرار به من الإيمان، والجحود به كفر.
وعن مالك فيه: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وعن محمّد بن الحسن: اتفق الفقهاء كلهم على الإيمان بالصفات من غير تفسير ولا تشبيه.
وقال ابن الصلاح: على هذه الطريقة مضى صدر الأمة وساداتها، وإيّاها اختار أئمة الفقهاء وقادتها، وإليها دعا أئمة الحديث وأعلامهم.
وقال إمام الحرمين أخيرًا (1) في الرسالة النظامية:


الذي نرتضيه دينًا، وندين به عقدًا، اتباع سلف الأمة، فإنهم درجوا على ترك التعرض لمعانيها.
وممن ذهب إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام ابن القيم ومن تبعهما، وكثير من المفسرين كالبغوي والرازي والجلالين والآلوسي، وصاحب فتح البيان، وغيرهم.
وذهبت طائفة من أهل السنة إلى تأويل هذه الآيات والأحاديث الواردة في الصفات بما يليق بجلاله تعالى، مع تنزيهه عن حقيقتها؛ وهو مذهب الخلف.
وقال الإمام الرازي: إن الذي اختاره الأئمة المحققون من السلف والخلف ترك الخوض في تعيين التأويل، بعد إقامة الدليل القاطع على أن حمل اللفظ على ظاهره محال.
ومن المتشابه: الحروف المقطّعة في أوائل السور، فقد افتتحت تسع وعشرون سورة في القرآن بنصف أسماء حروف المعجم؛ وهي: الألف واللام، والميم والصاد، والراء والكاف، والهاء والياء، والعين والطاء، والسين والحاء، والقاف والنون.
فالمبدوء منها بالألف واللام ثلاثة عشر، وبالحاء والميم سبعة، وبالطاء أربعة، وبكل من الكاف والياء والصاد والقاف والنون واحدة. وبعض هذه الحروف المبدوء بها أحادى، وهو: ص، ق، ن. وبعضها ثنائي، وهو: طه، وطس، ويس، حم. وبعضها ثلاثي، وهو: الم، والر، وطسم. وبعضها رباعي، وهو: المص، والمر. وبعضها خماسي، وهو: كهيعص، وحم. عسق. ولا تزيد على ذلك.
والمختار فيها كما ذكره الجلال في الإتقان-: أنها من الأسرار التي لا يعلمها إلا الله تعالى.
وعن أبي بكر الصديق: في كل كتاب سر، وسرّه في القرآن أوائل السور.
وعن ابن عباس: عجزت العلماء عن إدراكها.
وعن الشعبي: هي سر الله فلا تطلبوه. وممن ذهب إلى ذلك عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وسفيان والربيع.
وخاض في معناها آخرون؛ فقال بعضهم: إن كل حرف منها مأخوذ من اسم من أسمائه تعالى؛ والعرب تنطق بالحرف الواحد، تدل به على الكلمة التي هو منها. وقيل: هي أسماء للسور. قال الزمخشري: وعليه إطباق الأكثر.
وأما الحكمة التي اقتضت إيراد هذه الحروف في أوائل السور مع قطع النظر عن معانيها في أنفسها فقيل: إنما ذكرت في مفتتح السور بيانًا لإعجاز القرآن، وأنه كلمات مركبة من حروف الهجاء التي تتألف منها الكلمات التي ينطقون بها، وقد عجز الخلق عن معارضته؛ فلو لم يكن وحيًا من عند الله تعالى لم تتساقط مقدرتهم دون معارضته. حكاه الرازي عن المبرد وجمع من المحققين، وحكاه القرطبي عن الفراء، ورجحه الزمخشري، وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ المزي.
وقد ذكر العلماء لوقوع المتشابه في القرآن فوائد، منها في المتشابه الذي يمكن علمه: أنه يوجب مزيد المشقة في الوصول إلى المراد، وهي توجب مزيد الثواب. ومنها: ظهور التفاضل وتفاوت درجات الخلق في معرفة القرآن، إذ لو  كان كله محكمًا لا يحتاج إلى تأويل ونظر، لاستوت منازل الخلق فيه، ولم يظهر فضل العالم على غيره. ومنها في المتشابه الذي لا يمكن علمه: ابتلاء العباد بالوقوف عنده، والتوقف فيه، والتفويض والتسليم، والتعبد بالاشتغال به من جهة التلاوة، وإقامة الحجة علهم، لأنه لما نزل بلسانهم وعجزوا عن الوقوت على معناه مع بلاغتهم وأفهامهم، دلّ على أنه منزل من عند الله تعالى".
وقد تتبعنا بعض آيات الصفات في تفسيره هذا فكان قول السلف هو القاطع في الأمر فيها كما في تفسيره لقوله تعالى من آية الكرسي {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ} [البقرة: 255] (1/ 83) قال: "الكرسي غير العرش، وهما مخلوقان لله تعالى؛ كالسماوات والأرض. ومن المتشابه الذي استأثر الله بعلمه، فتفوض علم حقيقتها إليه تعالى، مع كمال تنزيهه عن الجسمية، وعن مشابهة المحدثات، {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. وعن ابن عباس رضي الله عنهما تفسير الكرسي بالعلم؛ وهو قول مجاهد. وفُسّر بالملك والسلطان والقدرة، وهي معان مجازية".
وأما في صفة اليد بقوله تعالى {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [البقرة: 64] (1/ 198) قال: "قال اليهود ذلك حين كفّ الله عنهم ما بسط لهم من الرزق، عقوبة على عصيانهم أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكنّوا بذلك على بخله تعالى بالعطاء، كما يكنى ببسط اليد الكناية من الجود والسخاء ومثله في الكتابة عن البخل: فلان جعد الأنامل مقبوض الكف".
ولكن قال في قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: 42]، (2/ 454):
"ذكر لهم يوم يشتد الأمر ويعظم الخطب .. ، وهو يوم القيامة.
وكشف الساق والتشهير عنها: مثلٌ في ذلك. وأصله في الرّوع والهزيمة، وتشمير المخدرات عن سُوقهن، وإبداء حزامهن عند الهرب واشتداد الخطب. فكنى به عمّا ذكر؛ فلا ساق ولا كشف ثمّة. وهو كما يقال للأقطع الشحيح: يدُه مغلولة. ولا يد ثمة ولا غلّ، وإنما هو كناية عن البخل".
وفي قوله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22 - 23] (2/ 487) فسرها بقوله: "ناظرة إلى ربها يوم القيامة، تراه على ما يليق بذاته سبحانه وكما يريد أن تكون الرؤية له عزَّ وجلَّ، بلا كيفية ولا جهة ولا ثبوت مسافة"أ. هـ.
أما ما قاله في قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] (2/ 539): "هذه الآية من آيات الصفات التي يجب الإيمان بها كما جاءت، من غير تكييف ولا تمثيل ولا تأويل، على ما ذهب إليه جمهور السلف وروى عن الحسن: جاء أمره وقضاءه وقيل: هو تمثيل لظهور آيات قدرته وسلطانه" أ. هـ.
• قلت: هذه بعض النقولات التي تبين القول السديد في تفسيره لتلك الآيات وغيرها بما قاله جمهور سلف الأئمة، ولعله اعتمد في تفسيره هذا على تفسير ابن كثير، لأن هناك كثير من التشابه في النقول وتفسير الآيات عنده، والله أعلم بالصواب. والمعلوم بصوفيته الطريقة الخلوتية.  

وفاته: سنة (1355 هـ) خمس وخمسين وثلاثمائة وألف.
من مصنفاته: "تفسير القرآن الكريم" ومعه صفة البيان، "المدخل المثير في مقدمة علم التفسير"، ورسالة في حكم ترجمة القرآن الكريم وقراءته وكتابته بغير اللغة العربية، و"أوراد السادة الخلوتية المأثورة عن الحضرة الأحمدية" وغير ذلك.




مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید