المنشورات

الرَّاغِب الأَصْفهانِي

النحوي، اللغوي، المفسر: حسين بن محمّد بن المفضل (1)، الأصفهاني، أو الأصبهاني (بالباء)، المعروف بالراغب، أبو القاسم.

من تلامذته:
* تاريخ حكماء الإسلام: "كان من حكماء الإسلام هو الذي جمع بين الشريعة والحكمة في تصانيفه" أ. هـ.
* معجم الأدباء: "أحد أعلام العلم، ومشاهير الفضل متحقق بغير فن من العلوم، وله تصانيف كثيرة" أ. هـ.
* السير: "العلامة الماهر، المحقق البارع .. كان من أذكياء المتكلمين، لم أظفر له بوفاة ولا بترجمه (1) "أ. هـ.
* بغية الوعاة: "وقد كان في ظني أن الراغب معتزلي، حتى رأيت بخط الشيخ بدر الدين الزركشي على ظهر نسخة من القواعد الصغرى لابن عبد السلام ما نصه: ذكر الإمام فخر الدين الرازي في تأسيس التقديس في الأصول أن أبا القاسم الراغب من أئمة السّنة وقَرَنه بالغزالي، قال: وهي فائدة حسنة، فإن كثيرًا من الناس كانوا يظنون أنه معتزلي" أ. هـ.
* الكنى والألقاب: "قال الماهر الخبير الميرزا عبد الله في ترجمته، ونقل الخلاف في اعتزاله وتشيعه ما هذا لفظه لكن الشيخ حسن بن علي الطبرسي قد صرح في آخر كتابه أسرار الإمامة أنه -أي الراغب- كان من حكماء الشيعة الإمامية " أ. هـ.
* روضات الجنات: "صاحب اللغة والعربية والحديث والشعر والكتابة والأخلاق، والحكمة والكلام وعلوم الأوائل، وغير ذلك، فضله أشهر من أن يوصف ووصفه أرفع من أن يعرف، وكفاه منقبة أن له قبول العامة والخاصّة، وفيما تحقق له من اللغة خاصة وكان من الشافعية كما استفيد لنا من فقه محاضراته، وفي بعض الكتب أنه اختلف في تشيّعه وكأنه لما يترائى من تقويته جانب الحقّ في بعض مصنّفاته، وأنت خبير بأنّ مثل ذلك لو كان دليلًا على حقيّة الرّجل لما وجد للباطل بعد مصداق، كيف ولمّا يوجد بحمد الله لأشد النواصب إلى الآن مصنّف لم يكن فيه شيء من مديح أهل البيت، وشطر من مثالب مخالفيهم بالكناية أو التصريح، وإذن فالمرجع في تشخيص المذهب الحق إلى الموافقة لأهله في جملة الضروريات والاقتفاء لآثارهم المحمودة في أصول  المذهب وفروعه لا غير، نعم في كثرة روايته عن أهل البيت المعصومين عليهم السلام وتعبيره عن سيّدنا الإمام الهمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام دائمًا بأمير المؤمنين المطلق، وعدم نقله عن سائر الخلفاء مهما استطاع، هداية المتدرب الفطن إلى رشده وهدايته إن شاء الله فلا تغفل".
ثم قال ضمن إيراده لمصنفاته:
"-له- كتاب في (الإيمان والكفر) بديع الطراز حسن الفوائد، قيل: ويظهر منه أنه كان أشعري في الأصول ... " أ. هـ.
* قلت: مما سبق من المصادر يتضح اعتقاده الذي ادعاه أصحاب كتب الشيعة، وما ذكره السيوطي في البغية في أنه سُني، واختلف في ذلك، ولذلك سوف نورد بعض التحقيقات من محققي بعض كتب الراغب الأصبهاني في اعتقاده.
ونذكرها بالنص، وإليك أولًا: قول محقق "رسالته في ذكر الواحد الأحد" (1) للدكتور عمر عبد الرحمن الساريسي في اعتقاده:
"لقد تكرر إطلاق الراغب لقب أمير المؤمنين على الإمام علي بن أبي طالب من بين سائر الخلفاء الراشدين الذين قلما ذكرهم في مصنفاته. وهذا دعا بعض مؤلفي تراجم كتب الشيعة أن يعتدّوه من أئمتهم، وحينما صنف بعض مؤلفيهم "بيلوغرافيا" في مصنفات الشيعة جعله واحدًا ممن ذكر آثاره، ولم يفت صاحب أعيان الشيعة أن يدرجه واحدًا منهم، بل يحدد باحث آخر منهم أنه من حكماء الشيعة الإمامية.
وحسبته العامة، وبعض الخاصة، من المعتزلة، وذلك للتوافق في بعض الأصول كما يذكر بعض الباحثين وهكذا كان يظن جلال الدين السيوطي، يقول: "حتى رأيت بخط الشيخ بدر الدين الزركشي .. أن أبا القاسم الراغب من أئمة السنة .. وقرنه بالغزالي ... "، وهذا الذي يذكره كثير من الباحثين حينما يكررون أنه من حكماء الإسلام وأعلامه، بل يحدد بعضهم أنه من الشافعية (كما استفيد من فقه محاضراته).
وقد يرجح الباحث هذا الرأي الأخير، فيما يدين به الراغب من بين الفرق الإسلامية، إذا قرأ مخطوطة له بعنوان (رسالة في الاعتقاد)، واكتفى منها بفقرة واحدة: (الفرق المبتدعة هي: المشبهة ونفاة الصفات والقدرية والمرجئة والخوارج والمخلوقية والمتشيعة.
فالمشبهة ضلت في ذات الله، ونفاة الصفات ضلت في صفات الله، والقدرية في أفعاله، والخوارج في الوعيد، والمرجئة في الإيمان، والمخلوقية في القرآن، والمتشيعة في الإمامة، والفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة الذين اقتدوا بالصحابة. فمعلوم أن الله عزَّ وجلَّ رضي عنهم حيث قال: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}، ومعلوم أنه لم يرض عنهم إلا بعد صحة اعتقادهم وصدق مقالهم وصلاح أفعالهم) (2).
وفي المخطوطة نفسها أن أئمة الإسلام هم:

مالك بن أنس، والليث بن سعد، والأوزاعي، وسفيان الثوري، وابن عيينة، والشافعي، وأحمد بن حنبل.
على أن للراغب نصيبًا من الحكمة والاشتغال بالأدلة العقلية إلى جانب أدلة الشرع النقلية" أ. هـ.
ثانيًا: قول محقق كتاب "مقدمة جامع التفاسير، مع تفسير الفاتحة" (1) للدكتور أحمد حسن فرحات في مقدمته أيضًا (ص 13):
"لقد أوتي الراغب الأصفهاني عقلًا كبيرًا، وقدرة فائقة على الجمع بين الأقوال التي يبدو أنها متعارضة كما يظهر ذلك من خلال كتبه ومؤلفاته، وكتابه هذا (جامع التفاسير) خير مثال لما نقول، وقد جرى في تفسيره على نفس الأصول التي قررها في المقدمة، وهو يحاول دائمًا تصحيح كل قول باعتبار يشهد له إن أمكن، ولا يردُّه إلا إذا كان ظاهر الفساد واضح البطلان، وقد وُفق الراغب في هذا النهج الذي سلكه توفيقًا كبيرًا نتيجة لقدرته الفائقة على السبر والتقسيم وإدراك الدقائق والفروق، ورد الجزئيات إلى كلياته، وعدم تعصبه لمذهب معين، مما جعله صاحب شخصية مستقلة في الفهم يصعب إدراجه ضمن مذهب محدد من المذاهب الكلامية المعروفة وهذا ما دعا المترجمين له إلى الاختلاف في بيان عقيدته".
ثم ذكر الدكتور أحمد فرحات قول السيوطي في بغيته كما ذكرناه سابقًا وعقب عليه قائلًا:
(فالسيوطي رغم اطلاعه الواسع وقراءاته الكثيرة كان يظن أن الراغب معتزلي حتى وجد نصًّا للزركشي يبين أنه من أهل السنة ويفرح لذلك ويعلّق عليه بقوله: "وهي فائدة حسنة فإن كثيرًا من الناس يظنون أنه معتزلي، ومبعث هذا الظن هو ما قدّمناه من عدم التزامه بمذهب معين، ومحاولته الجمع بين الأقوال باعتبارات متعدّدة ما أمكنه ذلك، إلا إذا كان الأمر لا يصح بأي اعتبار فإنه يردّه ولا يقبله.
ويرى صاحب "روضات الجنات" أنه أقرب لأن يكون أشعريًا وذلك حين يقول: "قيل: ويظهر أنه كان أشعريّ الأصول".
ولا يمكن الجزم بذلك نظرًا لعدم الالتزام الكامل كما قلنا بمذهب من المذاهب، نعم قد يستفاد هذا من بعض المواقف أو بعض الأقوال، لكن تعميم ذلك يحتاج إلى استقراء، وذلك يصعب توافره نظرًا لمنهج الراغب الذي يقوم على قبول الأقوال المتعددة باعتبارات مختلفة، ولعلّ الذي ينفي أنه من المعتزلة ويُثْبت أنه من الأشاعرة يعتمد على مثل هذا القول الذي ذكره الراغب في كتابه المفردات حيث قال في معرض تفسيره لمادة جبر:
.. فأما في وصفه تعالى نحو "العزيز الجبار المتكبر": فقد قيل سُمِّي بذلك من قولهم: جبرتُ الفقير لأنه هو الذي يَجْبُر الناس بفائض نعمه.
وقيل: لأنه يَجبُرُ الناس -أي: يقهرهم- على ما يريده، ودَفَع بعض أهل اللغة ذلك من حيث اللفظ فقال: لا يقال من "أفْعَلْتُ": "فَعَّال" فـ"جبّار" لا يبني من "أجبرت" فأجيب عنه بأن ذلك من لفظ "جَبَرَ" المرويّ في قوله: "لا جبر ولا تفويض" لا من لفظ "الإجبار". وأنكر جماعة من المعتزلة ذلك من حيث المعنى فقالوا: يتعالى الله عزَّ وجلَّ ذلك، وليس ذلك بمنكر فإن الله تعالى قد أجبر الناس على أشياء لا انفكاك لهم منها حسبما تقتضيه الحكمة الإلهية، لا على ما تتوهمه الغواة الجهلة، وذلك كإكراههم على المرض والموت والبعث، وسخّر كلًّا منهم لصناعة يتعاطاها وطريقةٍ من الأخلاق والأعمال يتحراها، وجعله مُجبرًا في صورة مخيّر فإمّا راضٍ بصنعته لا يريد عنها حِوَلًا، وإما كاره لها يكابدها مع كراهيته لها لا يجد عنها بدلًا، ولذلك قال تعالى: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَينَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيهِمْ فَرِحُونَ} وقال عزَّ وجلَّ: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَينَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، وعلى هذا الحدّ وصف بالقاهر وهو لا يقهر إلّا على ما تقتضي الحكمة أن يقهر عليه.
وواضح من هذا النص ردُّه على قول المعتزلة واستعماله لمصطلح الأشاعرة: مجبر في صورة مخير. وذلك كما قلنا لا يكفي دليلًا جازمًا على أنه كان يلتزم مذهب الأشاعرة دائمًا.
ولم ينحصر الخلاف بين المترجمين للراغب في كونه أشعريًا أو معتزليًا، بل إن بعض كتاب الشيعة ترجم له في طبقات أعلام الشيعة، فقد قال آغا بزرك الطهراني في كتابه طبعات أعلام الشيعة: اختلف في كونه شيعيًا، والعامّة صرّحوا بكونه من عامة المعتزلة، وكذا بعض الخاصة، لكن الشيخ حسن بن علي الطبرسي صاحب كامل بهائي صرح في آخر كتابه أسرار الإمامة أنه من حكماء الشيعة الإمامية.
ويبدو أن الذين حاولوا نسبته إلى التشيُّع اعتمدوا في ذلك على بعض عباراته التي تجلُّ الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كأن يقول عنه دائمًا "أمير المؤمنين"، أو أن يقول أحيانًا " - صلى الله عليه وسلم -" بدلًا من " - رضي الله عنه -" وقد صرّح بذلك الدكتور محمّد أحمد خلف الله أثناء تعريفه بالراغب في مقدمة تحقيقه لكتاب المفردات حيث قال: "وكما يختلف الناس في تاريخ وفاته يختلفون في مذهبه الديني فهو سني عند البعض وشيعي عند البعض ومن المعتزلة عند الآخرين" إلى أن يقول: "ويبدو لي من احترامه الشديد للإمام علي -كرّم الله وجهه- أنه كان من الشِّيعة ويذكر الشيخ حسن بن علي الطبرسي أنه كان من حكماء الشيعة الإمامية".
ولا شك أن هذا لايصلح دليلًا يعتمد عليه في مثل هذا المجال، وكما ذهب إلى ذلك صاحب "روضات الجنات" حيث قال: " .. وفي بعض الكتب أنه اختلف في تشيُّعه، وكأنه لما يتراءى من تقويته جانب الحق في بعض مصنّفاته، وأنت خبير بأن مثل ذلك لو كان دليلًا على حقيقة الرجل لما وجد للباطل بعد مصداق. كيف ولما يوجد بحمد الله لأشد النواصب إلى الآن مُصنّف لم يكن فيه شيء من مديح أهل البيت وشطر من مثالب مخالفيهم بالكتابة أو التصريح" ثم يقول بعد ذلك:
"وإذن فالمرجع في تشخيص المذهب الحق إلى الموافقة لأهله في جملة الضروريات والاقتفاء لآثارهم المحمودة في أصول المذهب وفروعه لا غير". ويقصد بذلك أن الراغب لم يكن كذلك بالنسبة للشيعة فهو لا يوافقهم في أصل المذهب كما لا يوافقهم في فروعه، وهذا من أوضح الواضحات. ثم يقول صاحب "روضات الجنات" عن الراغب: "نعم في كثرة روايته عن أهل البيت المعصومين، وتعبيره عن سيدنا الإمام الهمام علي بن أبي طالب بأمير المؤمنين المطلق وعدم نقله عن سائر الخلفاء مهما استطاع هداية المتدرِّب الفطن إلى رشده وهدايته".
فرجع الأمر كله إلى ما سبق أن أشرنا إليه من إجلال علي - رضي الله عنه - وتسميته بأمير المؤمنين، فأما عدم نقله عن سائر الخلفاء مهما استطاع، فهذا كلام لا يصح لأنه ينقل عن سائر الخلفاء الراشدين ولا يفرق بين واحد وواحد، كل ما هنالك أن الذي يتحكم في النقل طبيعة الموضوع وطبيعة المروي عن الخلفاء ودلالته بالنسبة لما يستشهد به عليه.
ورغم هذا الاختلاف المذهبي بين الشيعة من جانب والراغب الأصفهاني من جانب آخر فإنهم يقدرونه ويحترمونه لما سبق أن أشرنا إليه من بعض عباراته في تمجيد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بل ربما يستفيدون من كتبه اللغوية خاصة وكما يشير إلي ذلك صاحب "روضات الجنات": "وكفاه منقبة أن له قبول العامة والخاصة وفيما تحقق له من اللغة خاصة"- يريد بقوله: العامة والخاصة: السنة والشيعة.
وكما رجح صاحب "روضات الجنات" أنه أشعري الأصول كذلك رجح أنه كان من الشافعية في الفروع حيث يقول: "وكان من الشافعية كما استفيد لنا من فقه محاضراته".
ورغم أن الراغب سنيٍّ غيرُ شيعي بيقين إلا أنه لا يمكن حصره في واحد من مذاهب أهل السنة والجماعة نظرًا لِسَعَةِ إدراكه وبُعدِ نظراته، وقدرته على استيعاب وجوه الخلاف وتصحيحه للأقوال المتباينة باعتبارات متعددة) أ. هـ.
ثالثًا: قول محقق كتاب "الذريعة إلى مكارم الشريعة" (1) الدكتور أبي اليزيد العجمي، قال في مقدمة حول اعتقاد الراغب الأصبهاني وما اتهم به (ص 26) ما نصه: (اتهام الراغب الأصفهاني بالتشيع والاعتزال:
وضح من الإشارات السابقة أن الراغب لم يكن من رجال الدولة ولا مشايعًا لحزب معين فيها، وقد عرف عن الراغب كذلك أنه لم يمحص كتابًا بعينه ليرد به على مذهب أو طائفة، وإنما كان جل اهتمامه بالإنسان وقضاياه في معاشه ومعاده (2).
يضاف إلى هذا الغموض الذي شاب سيرة حياته، ولم يكن الغموض خاصًّا بأسفاره وأعماله، وإنما تخطى ذلك إلى مذهبه وانتمائه الفكري، وكان من نتيجة هذا أن عدّه أصحاب التراجم السنية عالمًا من علماء أهل السنة، كما عدّه أصحاب التراجم الشيعية علمًا وحكيمًا من حكمائهم، ونتج عن كل هذه الظروف أن ألصقت به تهمة التشيع حينًا، وتهمة الاعتزال حينًا آخر، وواضح أن هذا الاتهام لم يكن في حياته، وإنما كان بعد موته ولدى من ترجموا له،  ولعله من باب الشغف بتصنيف الناس وكأن الأصل أن يكون المسلمون شيعًا وأحزابًا! !
اتهامه بالتشيع:
بدهي أن الذين أثاروا هذه التهمة هم مترجمو الشيعة وإن بدا عندهم بعض الاضطراب كما في روضات الجنات حين ذكر صاحبه أن الراغب شافعي المذهب كما بدا في فقه محاضراته، وذكر أنه أشعري الأصول، ثم يذكر كذلك أنه مختلف في تشيعه، والدليل عنده على ذلك: حب الراغب لآل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وروايته عنهم ومديحه إياهم، ثم تبلغ المبالغة بالخوانساري حدًّا يحتاج إلى نظر حين يقرر أن الراغب لم ينقل في كتبه عن الخلفاء غير علي وحاول ذلك جاهدًا.
أما العاملي فيقول مثل سابقه بأنه مختلف في تشيع الرجل ثم يقول: "ولكن الشيخ حسين الطبرسي قد صرح في آخر كتابه أسرار الإمامة بأنه كان من حكماء الشيعة".
ويربط العاملي بين هذا وبين اتهام الراغب بالاعتزال ليخلص من ذلك إلى أن هذا يؤكد شيعيته "أقول يؤيد تشيعه قول من قال إنه معتزلي فإنهم كثيرًا ما يخلطون بين الشيعي والمعتزلي للتوافق في بعض الأصول".
وكأني به يوضح -عن غير قصد- اضطراب الخوانساري حين ذكر أنه أشعري الأصول ثم ذكر أنه شيعي وقيل إنه معتزلي، لأنه ما دامت -كما يقول العاملي- أصول الشيعة والمعتزلة متفقة في بعضها فليس من المنطقي أن تتفق أصول الأشاعرة مع واحدة منهما.
أما دليل تشيعه الأكيد فهو كثرة رواياته عن أهل البيت وإيراده لبعض الأحاديث في فضل عليّ - رضي الله عنه -.
وليت الأمر وقف عند هؤلاء الشيعة، فإن باحثًا معاصرًا حاول أن يفسر شيعية الراغب كما حاول أن يفسر اعتزاله، ومحاولته تتسم في نظرنا بالتوفيق المضطرب بين الآراء. إذ يرى هذا الباحث أنه -الراغب- كان شيعيًا معتدلًا بعيدًا عن المغالاة مستشهدًا على ذلك بكونه من أصفهان -وهي بيئة شيعية- وبروايته عن آل البيت رضوان الله عليهم، وبكونه اتهم بالاعتزال لقربه من التشيع -ولنلاحظ هنا كلام العاملي فيما سبق- ويورد عدة نقاط لا تخرج عن هذا الذي ذكرنا.
ويرى أنه وضع بين أهل السنة لأنه لم يكفر الخلفاء ولم يشطح في تفسيره شطحات الشيعة.
أما اعتزال الرجل فلأنه -كما يقول الباحث- اهتم بالعقل وبالإنسان ثم يقول: "كذلك سار الراغب على منهجهم -المعتزلة- في نفي الصفات عن الله وهو أحد الأصول الهامة في مذهب المعتزلة، وإن لم يفرد لها بابا خاصًّا في كتاباته، ولكنه جعلها في مفترق كلامه" ويشير الباحث إلى صفحة معينة في كتاب الذريعة. ويحاول الباحث أن يعتذر عن فهمه السابق حين يذكر أن الاهتمام بالعقل عند الراغب لعله من عدوى الفكر اليوناني، فكان عذره هذا أقبح من الذنب، لأنه -كما سنذكر- ليس غريبًا على الإسلام اهتمامه بالعقل.
تعقيب:
لعله وضح من أدلة هؤلاء أنهم يركزون على  حب الرجل لآل البيت، وعلى نقله عن الإمام عليّ - رضي الله عنه -، وهذا أمر لا يخلو منه قلب مؤمن بكتاب الله وسنة رسوله، فليس لهم في هذا دليل دامغ.
أما أن الراغب ركز روايته عن علي متعمدًا عدم روايته عن غيره فهذا لا يتفق وحقيقة ما جاء في كتب الرجل، ففي "الذريعة" و"تفصيل النشأتين" روايات عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، كما أن الرجل يروي عن الزهاد كالحسن البصري والفضيل بن عياض وغيرهما، ولعل هذا يرد على سؤال لماذا يكثر النقل عن عليّ - رضي الله عنه -؟ إذ الأمر مرتبط بمناسبة النقطة التي يبحثها، هذا إلى جانب أن للإمام عليّ كلامًا مجموعًا يسهل الاستدلال منه.
كذلك فإن أهل السنة الذين ترجموا للشيخ الراغب لم يشيروا إلى هذه النقطة، ولو كانت واردة كشائعة أو متضمنة في كتبه لما سكتوا عنها، بل ربما ما ترجموا للرجل ولا اهتموا به. وما أظن أن هناك مسوغًا لمحاولة افتعال موقف متوسط للرجل بين السنة والشيعة، وحسبنا أن نتذكر ما أجمع عليه المترجمون له، من عدم تمذهبه، ولا تورطه في فكر حزبي بل كان مشغولًا باستخراج طريق شرعي للإنسان من خلال فهمه للكتاب والسنة) أ. هـ.
ثم ذكر المحقق اتهامه بالاعتزال، وأورد أيضًا "قول السيوطي في البغية" ثم قال المحقق معقبًا على قول السيوطي:
(واستخدام كلمة "في ظني" من السيوطي العالم المؤرخ أمر له دلالته، فلم يكن الأمر عنده محققًا وبالغًا حد الاعتقاد مع معرفته بالفكر وغوصه في أبوابه وفروعه.
كذلك نلحظ أن "كثيرًا من الناس يظنون" عبارة تدل على أن الأمر بين الناس كان في دائرة الشائعات التي تدور بين العامة، ربما عن قصد ممن أثارها لغرض بعيد، وربما لكلمة أطلقت بحسن قصد.
ويبدو أن الاتهام بالاعتزال في هذا العصر كان شيئًا مألوفًا حتى بين العلماء أنفسهم أحيانًا، فقد اتهم ابن الصلاح الماوردي صاحب أدب الدنيا والدين (ت 450 هـ) بالاعتزال، كما جاء في طبقات السبكي، وبنى ابن الصلاح اتهامه على فهم فهمَه من كلام الماوردي، وإن كان قد أنصف الرجل حين قال "رجل لا يتظاهر بالانتساب إلى المعتزلة ... ثم هو ليس معتزليًا مطلقًا فإنه لا يوافقهم في جميع أصولهم مثل خلق القرآن كما دل عليه تفسيره في قوله عزَّ وجلَّ: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} وغير ذلك". ويدفع هذه التهمة محقق أدب الدنيا والدين فيقول: "غير أنا نقول أن اتهام المحدثين للعلماء بالإعتزال والتشيع وبما هو أكبر من ذلك. وقد كثر وشاع. ولعل هذا الذي ذكره ابن الصلاح كان نوعًا من اجتهاد الماوردي، وترجيحه بين الآراء العلمية ترجيحًا عقليًا، يوافق بعض آراء المعتزلة أحيانًا. وهو بريء من الإعتزال جملة، وكل ما في الأمر أنه غلبت عليه صفة الفقيه العالم الذي يوازن بين الآراء، ويرجح بعضها على بعض، دون نظر إلى القائل بهذا الرأي أو ذاك" (1).
ويؤكد هذا بأن موافقة عالم من العلماء لطائفة ما في بعض آرائهم لا يسوغ عده منهم بل الموضوعية تقضي بأن نتحرى الموقف العلمي، وغاية ما نرتضيه أن نحكم على الرجل أنه حاد في كذا عن سمته الفكري.
هذا والأمر لا يزال في دائرة الظن، والظن هنا لا يغني عن الحق شيئًا، لأن الأمر لا يخص واحدًا من عامة الناس، بل يخص عالمًا يملأ دنيا عصره، فكيف يقبل أن يكون فكره ومذهبه فيه مجهولين إلى حد الظن الذي يستوي فيه هنا العلماء والعامة.
أما أن هذه التهمة ألصقت بالراغب لاهتمامه بالعقل في كتاباته، ونفي الصفات عن الله كما يقول البعض فهذا أمر يحتاج إلى وقفة ولو موجزة) أ. هـ.
ثم ذكر المحقق الدكتور أبو اليزيد العجمي ثلاث نقاط جعل منها منطلقًا حول قيمة العقل بالإسلام، وجعله الله تعالى له ليكرمه عن بقية المخلوقات، ثم ذكر أقوال العلماء في ذلك، وكيف اهتم علماء المسلمين بذلك على مختلف الأزمان ثم تكلم المحقق حول أنواع العقل وجعل العقل عقلان: عقل غريزي وهو القوة المتهيئة لقبول العلم من حيث القوة موجود في كل خليفة من الآدميين.
والثاني عقل مستفاد وهو الذي تقوى به تلك القوة. (2)
ثم ذكر المحقق كما أنه قد اهتم الراغب بالعقل والكلام فإن شيخ الإسلام ابن تيمية قد اهتم بهذا الأمر فوق كل اهتمام سبقه، وقد أفرد لذلك سفرًا ضخمًا عديدة وهو "درء تعارض العقل والنقل"، ثم ينقل المحقق بعض النقولات من كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية لإسناد تفصيل ذلك حول اتهام الراغب بالاعتزال، ثم قال المحقق (ص 35) عند نهاية النقطة الثانية:
(فبعد هذه الإشارات الدالة على اهتمام العلماء يصلح أن نبني حكمًا بالاعتزال على عالم مسلم لمجرد أنه اهتم بالعقل في بحوثه؟ يغلب على الظن أن أمانة البحث تقضي بالإجابة بـ لا يصح هذا، وإلا اتهمنا الجميع بالاعتزال حتى أشد الناس سلفية وارتباطًا باهل السنة) أ. هـ.
ثم بدأ المحقق بالنقطة الثالثة قائلًا:
(بعد أن تداعت حجة الاهتمام بالعقل سببًا لاتهام الراغب بالاعتزال، نقول: أما بالنسبة لما ذكره أحد الباحثين من أن الشيخ الأصفهاني يوافق المعتزلة في نفيهم الصفات عن الله سبحانه. نقول: تفرد بهذا الزعم هذا الباحث، فلم نجده عند غيره ممن ذكرنا تعريفاتهم بالرجل شيئًا كهذا.
وإلى جانب تفرده به فهو محض افتراء لأن الصفحة التي أشار إليها من "الذريعة، ليس بها  ما نسبه إلى الرجل، فضلًا عن أن دراستنا للذريعة تثبت أن الراغب الأصفهاني يذكر في أكثر من موضع أن صفات الله سبحانه نعلمها من الكتاب والسنة، ويقرر أنه لو لم ترد صفات كالرؤف والرحيم في القرآن وصفا لله لما تجاسر أحد على وصفه بها لأن البشر يصفون أنفسهم بها، وهو العالم اللغوي يدرك الفرق بين إطلاق اللفظ بالنسبة لله سبحانه وبينه صفة للبشر المخلوقين.
وبهذا لم يبق لزاعم حجة، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. والله من وراء القصد) أ. هـ.
ثم قال الدكتور أبو اليزيد العجمي في الهامش معقبًا:
(الذريعة إلى مكارم الشريعة مبحث ذكر المكر والحيل والخديعة، وكذا الفصل السابع بمباحثه كلها هذا فضلًا عن عبارات عديدة تؤكد أنه ليس من النفاة للصفات كما زعم الزاعم) أ. هـ.
* قلت: لقد نقلنا قول بعض محققي كتب الراغب الأصبهاني، والذي يُلخص من بحثهم أن الراغب هو نسيجٌ وحده، فإنه يدور مع العلم أو الدليل الذي يظنه يقع بالصحيح عند مسألة ما، ولذلك لغزارة علمه وذكائه فإنه لا يقف عند مذهب ما في تحرير مسألة أو تحقيقها، فهو ليس شيعيًا كما ذكره أصحاب تراجم الشيعة ومصنفيهم، ولا هو معتزليًا كما قال محققو الكتب آنفًا، وليس هو بأشعري فمن غير المعقول أن تتلاقى أصول المعتزلة مع الأشعرية فإن بينهما لتنافرًا، وما كان أبو الحسن الأشعري قد حرر مذهبه قبل رجوعه إلا ردًّا على كثير من أصول وكلام المعتزلة، وإنما الراغب هو خليطًا بينهم، يأخذ بقول أحد على أساس الإقتناع بالدليل في تلك المسألة إن وافق الأشعرية وإن وافق أصل من أصول الشيعة، وهكذا. والذي قاله السيوطي في "البغية" نقلًا عن الزركشي في القواعد الصغرى لابن عبد السلام: حول ما ذكره - عن الإمام فخر الدين الرازي، وهو أحد علماء الأمة على مذهب الأشعرية في (تأسيس التقديس) في الأصول: أن الراغب من أئمة السنة انتهى أي -من الأشعرية-، وهكذا قول آخر يؤيد ما يذهب إليه القراء إلى أن الراغب نسيجٌ وحدهُ في أمر معتقدهِ. والله أعلم بالصواب.
إذًا فالرجل يأتي بالعلم وبمذهب على ما يقدمه من القول الذي يرتايه، وسوف ننقل إليك بعض المواضع من كتابه "مفردات ألفاظ القرآن" في تأويل بعض الصفات.
قال في مادة سوا (1): " ... ومتى عُدّيَ بعلى اقتضى معنى الاستيلاء، كقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، وقيل معناه استوى له ما في السموات وما في الأرض، أي: استقام الكل على مراده بتسوية الله تعالى إياه، كقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}، وقيل: معناه استوى كل شيء في النسبة إليه، فلا شيء أقرب إليه من شيء، إذ كان تعالى ليس كالأجسام الحالة في مكان دون مكان، وإذا عُدّيَ بإلى اقتضى معنى الانتهاء إليه إما بالذات أو بالتدبير وعلى الثاني قوله {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ}.


وفاته: في المائة الخامسة للهجرة، وقيل سنة (502 هـ) اثنتين وخمسمائة وقيل غير ذلك (1).
من مصنفاته: "مفردات ألفاظ القرآن"، "الذريعة في مكارم الشريعة"، "مقدمة جامع التفاسير مع تفسير الفاتحة"، ورسالة في ذكر الواحد الأحد، وغير ذلك.







مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید