المنشورات

الطيِّبي

اللغوي، المفسر: الحسين (1) بن محمّد بن عبد الله الطيبي، شرف الدين.
من مشايخه: أبو حفص السهروردي وغيره.
كلام العلماء فيه:
* الدرر: "عقد مجلسًا عظيمًا لقراءة كتاب البخاري فكان يشتغل من بكرة إلى الظهر في التفسير ومن ثم إلى العصر لإسماع البخاري إلى أن كان يوم مات فإنه فرغ من وظيفة التفسير وتوجه إلى مجلس الحديث فدخل مسجدًا عند بيته فصلى النافلة قاعدًا وجلس ينتظر الإقامة للفريضة فقضى نحبه متوجهًا إلى القبلة.
كان كريمًا متواضعًا حسن المعتقد شديد الرد على الفلاسفة والمبتدعة مظهرًا فضائحهم مع استيلائهم في بلاد المسلمين حينئذ، شديد الحب لله ولرسوله كثير الحياء، ملازمًا للجماعة ليلًا ونهارًا شتاءً وصيفًا مع ضعف بصره بآخرة عمره ملازمًا لأشغال الطلبة في العلوم الإسلامية بغير طمع بل يجد لهم ويعينهم ويعير الكتب النفيسة لأهل بلده وغيرهم من أهل البلدان من يعرف ومن لا يعرف محبًا لمن عرف منه تعظيم الشريعة مقبلًا على نشر العلم آية في استخراج الدقائق من القرآن والسنن" أ. هـ.
* طبقات المفسرين للداودي: "الإمام المشهور العلّامة في المعقول والعربية والمعاني والبيان " أ. هـ.
* بغية الوعاة: "ذكر في شرحه على "الكشاف" أنه أخذ من أبي حفص السهروردي وأنه قبيل الشروع في هذا الشيء رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد ناوله قدحًا من اللبن فشرب منه" أ. هـ.
* قلت: ذكره الشمس الأفغاني في كتابه "الماتريدية" ضمن: "أسماء بعض كبار أئمة الإسلام الذين صرحوا بإجماع السلف على إثبات الصفات، وتقرير نصوصها بلا تأويل ولا تعطيل، وبلا تكييف، ولا تمثيل، ولا يختلف فيه منهم اثنان، ولم يتناطح في ذلك ... ".
ثم أورد صاحب الترجمة من ضمنهم وقال: "علامة المعقول، والمنقول الإمام حسن بن محمّد الطيبي" أ. هـ.
قال ابن حجر في "فتح الباري" من كتاب التوحيد نقلًا عن الطيبى في الصفات قوله: "قال الشيخ شهاب الدين السهروري في كتاب (العقيدة) له، أخبر الله في كتابه وثبت عن رسوله إخبار الله ورسوله الاستواء والنزول والنفس واليد والعين، فلا يتصرف فيها بتشبيه ولا تعطيل، إذ لولا إخبار الله ورسوله ما تجاسر عقل أن يحوم حول ذلك الحمى. قال الطيبي: هذا هو المذهب المعتمد وبه يقول السلف الصالح " أ. هـ.
* قلت: قال محقق كتاب "شرح الطيبي على  مشكاة المصابيح" (1) في مقدمته ذاكرًا لعقيدة صاحب الترجمة بعد قول ابن حجر، وابن خلدون فيه (1/ 19): "وهذا يدلنا على أن الطيبي كان على عقيدة أهل السنة والجماعة، مجانبًا مذاهب أهل الأهواء والبدع، وقد ظهر ذلك جليًا في مؤلفات الطيبي عامة، وفي حاشيته خاصة، بل لعل من أهم أهدافه في الحاشية هو الرد على الزمخشري في اعتزاله، وبيان أن البلاغة تتنزل على مذهب أهل السنة، لا على مذهب المعتزلة، كما يقول ابن خلدون، وإن لم يصرح الطيبي بذلك في مقدمة حاشيته.
هذا، وقد كان لهذه العقيدة أثرها فيما كان عليه الطيبي من الورع والتقوى، والميل إلى الزهد في الدنيا، مع قدرته وغناه، فظل ينفق في وجوه الخيرات، حتى صار إلى الفقر في آخر عمره ... أما مذهب الطيبي التعبدي أو الفقهي فقد رجح محقق حاشيته (فتوح الغيب) أنه شافعي، غير أنه لم يذكر في طبقات الشافعية أو غيرها، ولم يتعرض لهذا الأمر أحد من الذين ترجموا له، ولا يبعد عندي أن يكون الطيبي غير ملتزم مذهبًا بعينه" أ. هـ.
* قلت: أما قول المحقق: أنه من أهل السنة والجماعة ... هذا بعيد نسبيًا، لأن القارئ سوف يقرأ بعد قليل ما نقلناه عنه في "شرح الطيبي على مشكاة المصابيح" لتأويله للصفات وقوله على مذهب الأشاعرة، وميله لهم لأسباب كثيرة -قد تكون- الرد على المعتزلة، فالأشعرية هم أحد أقوى المذاهب التي تصدت إلى المعتزلة كلامهم، وأيضًا نقل الطيبي الكثير لأقوال أئمة الأشعرية، كالإمام الفخر الرازي، والخطابي، وأبوحامد الغزالي وغيرهم، وسوف تنقل بالنص ما وجدناه في شرحه حول تأويله للصفات، أما رده على غير المعتزلة، مثل الزنادقة والرافضة، والخوارج، والحلولية، وأهل التجسيم والتشبيه ومنحرفي الصوفية وغيرهم، فذلك واضح لديه كما في: (8/ 2454) و (8/ 2497) وغيرهما.
وأما مذهبه الفقهي، فهو كأنه يميل إلى الشافعية، وقد يكون ذلك واضحًا خلال كلامه على قنوت الفجر، الذي أوجبه الإمام الشافعي، دافع عنه الطيبي وقال (4/ 1232): "وقد شهد جماعة بالإثبات .. " أ. هـ. وتصحيح الرواية وثباتها .. مع ما يذكره في مواضع كثيرة من شرحه لقول الشافعي وتبنيه كما في مواضع: (4/ 1252) و (4/ 1257) وغيرها.
وقد تكلم الطيبي أيضًا عن التصوف والمتصوفة، ذاكرًا أقوال الأئمة التصوف ومشايخهم، كذكره لكلام شيخه أبو جعفر السهروري في أهل التصوف، وأهل التصوف الأول: الذين علومهم كلها البناء عن وجدان، وانجراف إلى عرفان .... إلى آخر كلامه، واندراسهم في حقائقهم وأسرارهم.
ثم قال الطيبي بعد إيراد قول أبو حامد الغزالي في تصوفه أهل الزمان على مختلف أزمانهم وأحوالهم، كمتصوفة السلف كالجنيد والشيخ عبد القادر الجيلاني وغيرهما من أهل العلم  والخير والاتباع لكتاب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ومن جاء بعدهم على مدى القرون والسنين ممن خاض في الانحرافات والانحلال، وسوء الفعل كالموسيقى والرقص والأمور المشينة للدين والنفس والجسد: " ... وأصناف غرور أهل الإباحة من المشتبهين بالصوفية لا تحصى، وأنواع الغرور في طريق السلوك إلى الله تعالى لا تحصر في مجلدات، ولا تستقصى إلا بعد شرح علوم المكاشفة، وذلك مما رخصة في ذكره، إذ السالك لهذا الطريق لا يحتاج إلى أن يسمعه من غيره، والذي لم يسلكه لم ينتفع بسماعه، بل ربما يستضر به، إذ يورثه ذلك دهشة من حيث يسمع ما لا يفهم" أ. هـ.
وهذا كلامه يدلنا على أن له سلوكًا صوفيًا جيدًا معتدلًا، لا يرضى فيه إلا ما كان عليه أهل التصوف الأول الممدوح ... وقد تكلم عن آداب العزلة وكلام العلماء فيها كالإمام الغزالي وشيخه السهروري فلتراجع (10/ 3238).
والآن وبعد الكلام السابق ننقل مواضع تأويله للصفات وغيرهما ... والله ولي التوفيق.
وإليك أولًا قول الطيبي عن مشايخه الصوفية في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًّا فقد أذنته بالحرب ... " الحديث: "ولسلفنا من مشايخ الصوفية في هذا الباب فتوحات غيبية، وإشارات ذوقية، تهتز منها العظام البالية، غير أنها لا تصلح إلا لمن سلك سبيلهم، فعلم مشربهم، وأما غيرهم فلا يؤمن عليه عند سماعها من الأغاليط التي تهوي بصاحبها إلى مهواة الحلول والاتحاد. وتعالى الله الملك الحق عن صفات المخلوقين، ونعوت المربوبين. وحسب ذوي الألباب من شواهد هذا الباب، أن الله تبارك وتعالى لما أراد أن يقرر في قلوب السامعين عنه الواقفين معه أن عقد الميثاق مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - كعقده معه، أضاف المبايعة معه إلى نفسه بآكد الألفاظ وأخص المعاني، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيدِيهِمْ} [الفتح: 10].
وقال في الإيمان (2/ 429): "فإن قيل: إذا جعل الإيمان عبارة عن مجموع التصديق، والإقرار والعمل، فمن أخلَّ بواحدة منها، يلزم أن يكون مؤمنًا، لأن الكل ينتفي بانتفاء الجزء. قلت: المراد بالإيمان ها هنا: هو الإيمان الكامل، وإذا كان المراد ذلك فإذا انتفى بعض منها ينتفي الإيمان الكامل، لا مطلق الإيمان" أ. هـ.
وقال في (2/ 603) من حديث عائشة رضي الله عنها: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه بد فهو رد): "الأمر حقيقة في القول الطالب للفعل، مجاز في الفعل والشأن والطريق، وأطلق على الذين من حيث أنه طريقه ... " أ. هـ.
وقال في (4/ 1208) من حديث أبي إمامة - رضي الله عنه -: (قال: قيل: يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ ... ) الحديث: "قوله: "أسمع" "تو": أي أرجى للإجابة، فالسمع هو الذي يرد بمعنى الإجابة مجازًا، لأن القول المسموع على الحقيقة هو ما يقترن بالقبول من السامع، وقد فسر الحديث في باب الذكر بعد الصلاة وذكر أن لا بد من مقدر إما في السؤال أي أيُّ أوقات الدعاء أقرب إلى الإجابة؟ وإما في الجواب أي الدعاء في جوف الليل" أ. هـ.
وقال في (6/ 1796): ""الواسع" مشتق من السعة، وهي تستعمل حقيقة باعتبار المكان، وهي لا يمكن إطلاقها على الله تعالى بهذا المعنى، ومجازًا في العلم والإنعام، والممكنة والمغني، قال تعالى: {وَسِعْتَ كُلَّ شَيءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} (1) وقال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} (2) ولذلك فسر الواسع بالعالم المحيط علمه بجميع المعلومات كليها وجزئيها، موجودها ومعدومها، وبالجواد الذي عمت نعمته، وشملت رحمته كل بر وفاجر، ومؤمن وكافر، وبالغنى التام الغنى المتمكن مما يشاء وعن بعض العارفين: الواسع الذي لا نهاية لبرهانه، ولا غاية لسلطانه، ولا حد لإحسانه" أ. هـ.
وقال في الاستواء، في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (2/ 619)، ذاكرًا قول الإمام مالك: "قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة" أ. هـ. وهذا ما واجه به قول المعتزلة وهو رد صحيح، وحجة بالغة.
وقال الطيبي في صفة الممل من حديث عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا). (4/ 1212): "قوله: "لا يمل" (قض": الملال فتور يعرض للنفس من كثرة مزاولة شيء، فيوجب الكلال في الفعل والإعراض عنه. وأمثال ذلك على الحقيقة إنما يصدق في حق من يعتريه التغير والانكسار، فأما من تنزه عن ذلك فيستحيل تصور هذا المعنى في حقه، فإذا أسند إليه، أول بما هو منتهاه وغاية معناه، كإسناد الرحمة، والغضب، والحياء، والضحك إلى الله تعالى، فالمعنى -والله أعلم- اعملوا حسب وسعكم وطاقتكم، فإن الله تعالى لا يعرض عنكم إعراض الملول، ولا ينقص ثواب أعمالكم ما بقي لكم من نشاط وأريحية. فإذا فترتم فاقعدوا، فإنكم إذا مللتم عن العبادة وأتيتم بها على كلال وفتور، كانت معاملة الله معكم حينئذ معاملة الملول عنكم" أ. هـ.
وقال في (4/ 1217) من حديث: (عجب ربنا .. ): "أي عظم ذلك عنده، وكبر لديه، وإطلاق التعجب على الله مجاز، لأنه لا يخفى عليه أسباب الأشياء، والتعجب تغيير يعتري إنسان من رؤية ما خفى عليه سببه، وقيل: (عجب ربنا) أي رضي وأناب، والأول أوجه، لقوله تعالى للملائكة: (انظروا إلى عبدي) على سبيل المباهاة" أ. هـ.
وقال في (4/ 1252) من حديث أبي أمامة: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أذن الله لعبد في شيء أفضل من الركعتين يصليهما .. ): "قوله: "بمثل ما خرج منه قال ابن فورك: الخروج على وجهين: أحدهما خروج الجسم، وذلك بمفارقة مكانه واستبداله مكانا آخر، وذلك محال على الله تعالى، والثاني ظهور الشيء من الشيء كقوله: خرج لنا من كلامك نفع وخير، أراد ظهر لنا من كلامك خير. وهذا هو المراد. فالمعنى: ما أنزل الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وأفهم عباده. ثم قال ابن فورك: وقد قال قائلون: إن الهاء في قوله "خرج منه" عائد إلى العبد وخروجه منه وجوده على لسانه، محفوظا في صدره، مكتوبا بيده. "شف": أي ظهر الحق  من شرائعه بكلامه، أو خرج من كتابه المبين -وهو اللوح المحفوظ- وذكر عكرمة أنه شهد جنازة رجل مع ابن عباس رضي الله عنهما، فقال رجل: اللهم يارب القرآن اغفر له، فقال له ابن عباس: منه، أما علمت أن القرآن منه؟ قال: فغطى الرجل رأسه، كأنه أتى كبيرة. ومعنى "منه": أن القرآن صفة لله تعالى القائمة بذاته، فلا يجوز أن يوصف بما يصبر مربوبًا محدثًا. فإن قيل: فما معنى قول السلف "إن كلام الله منه خرج، وإليه يعوده؟ قلت: معناه: أنه تعالى به أمر، ونهى، وإليه يعود، يعني هو الذي يسألك عما أمرك، ونهاك. أقول: معنى قولهم: "منه بدأ" أنه أنزل على الخلق ليكون حجة لهم وعليهم قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالمِينَ نَذِيرًا} وقولهم "وإليه يعود" أن مآل أمره وعاقبته من تبين حقيقته، وظهور صدق ما نطق به، من الوعد والوعيد إلى الله تعالى. قال سبحانه: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْويلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ}. وإذا تقرر هذا، فليس شيء من العبادات يتقرب العبد به إلى الله، ويجعله وسيلة له أفضل من القرآن" أ. هـ.
وقال في (4/ 1312) حول صفة الغيرة: "قوله: "أغير من الله" "نه": الغيرة هي الحمية والأنفة، يقال: غرت على أهلي، أغار غيرة، فأنا غائر. غيور للمبالغة. "نه": "أن يزني" متعلق بـ"أغير" -وحذف الجار من "أن" قياس مستمر- ونسبة الغيرة إلى الله تعالى مجاز محمول على غاية إظهار غضبه على الزاني، وإنزال نكاله عليه. ووجه اتصال هذا المعنى بما قبله هو أنه - صلى الله عليه وسلم - لما خوف أمته من الكسوفيين، وحرضهم على الفزع والالتجاء إلى الله تعالى بالتكبير والدعاء، والصلاة، والتصدق، أراد أن يردعهم عن المعاصي كلها، فخص منها الزنا، وفخم شأنها في الفظاعة، وندب أمته بقوله: "يا أمة محمد" ونسب الغيرة إلى الله تعالى. ولعل تخصيص العبد والأمة بالذكر رعاية لحسن الأدب، لأن أصل الغيرة أن يستعمل في الأهل والزوج، فامتنع من نسبة ذلك إلى الله تعالى تنزيهًا لجنابة الأقدس عنه. ويجوز أن تكون نسبة هذه الغيرة إلى الله الانتقام وحلول العقاب المصرحة التبعية، شبه حالة ما يفعل تعالى مع عبده الزاني من الانتقام وحلول العقاب عليه بحالة ما يفعل السيد بعبده الزاني من الزجر والتعزيز، ثم كرر الندبة ليتعلق به ما ينتسبه به على الندبة، والفزع إلى الله تعالى من علم بالله تعالى وبغضبه" أ. هـ.
وقال في (5/ 1566) في الوجه من حديث: (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة): (قال: (وجه الله). ذاته، والوجه يعبر به عن الجملة والذات" أ. هـ.
وقال في (5/ 1728): "قوله: وما ترددت عن شيء": التردد تعارض في الرأيين، وترادف الخاطرين، وهو وإن كان محالًا في حقه تعالى إلا أنه أسند إليه باعتبار غايته ومنتهاه الذي هو التوقف والتأني في الأمر، كذلك سائر ما يسند إلى الله تعالى من صفات المخلوقين كالغضب والحياء والمكر (1). فالمعنى: ما أخرت وما توقفت  توقف المتردد في أمر أنا فاعله إلا في قبض نفس عبدي المؤمن، أتوقف فيه حتى يُسهل عليه، ويمل قلبه إليه شوقًا إلى أن ينخرط في سلك المقربين، ويتبوأ في أعلى عليين" أ. هـ.
قال في النزول (4/ 1204): "قوله: "ينزل ربنا" "قض": لما ثبت بالقواطع العقلية والنقلية أنه تبارك وتعالى منزه عن الجسمية والتحيز، والحلول، امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع أعلى إلى ما هو أخفض منه، بل المعنى به على ما ذكره أهل الحق دنو رحمته، ومزيد من لطفه على العباد، وإجابة دعوتهم، وقبول معذرتهم، كما هو ديدن الملوك الكرماء، والسادة الرحماء، إذا نزلوا بقرب قوم محتاجين، ملهوفين فقراء مستضعفين. وقد روى: "يهبط من السماء العليا إلى الدنيا" أي ينتقل من مقتضى صفات الجلال التي تقتضي الأنفة من الأرذال، وعدم المبالاة، وقهر العداة، والانتقام من العصاة، إلى مقتضى صفات الإكرام المقتضية للرأفة والرحمة، وقبول المعذرة، والتلطف بالمحتاج، واستعراض الحوائج، والمساهلة والتخفيف في الأوامر والنواهي، والإغضاء عما يبدو من المعاصي. انتهى كلامه. وقوله: "تبارك وتعالى" جملتان معترضتان بين الفعل والظرف، لما أسند ما لا يليق إسناده ما لا يليق إسناده بالحقيقة إليه، أتى بما يدل على التنزيه معترضًا، كقوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} [النحل: 57] " أ. هـ.
وقال في الضحك (4/ 1206): "قوله: "يضحك الله إليهم" الضحك من الله سبحانه وتعالى محمول على غاية الرضا والرأفة. وفي "إلى" معنى الدنو والقرب، كأنه قيل: إن الله تعالى يرضى عنهم، ويدنو إليهم برأفته ورحمته، وإليه ينظر قوله في الحديث السابق: "وهو قربة لكم إلى ربكم" ويجوز أن يضمن الضحك معنى النظر، ويعدى تعديته بإلى، فالمعنى أنه تعالى ينظر إليهم ضاحكًا، أي راضيًا عنهم متعطفًا عليهم؛ لأن الملك إذا نظر إلى بعض رعيته بعين الرضا، لا يدع من إنعام وإكرام إلا فعل في حقه. وفي عكسه قوله تعالى: {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77]. وعلى الوجه الأول: "يضحك" مستعار للرضا على سبيل التبعية، والقرينة الصارفة نسبة الضحك إلى من هو متعال عن صفات المخلوقين) (1) أ. هـ.
وقال في صفة النفس (6/ 1932): "قال: "اجعل حبك أحب إلى نفسي" بدل اجعل نفسك، مراعاة للأدب حيث لم يرد أن يقابل بنفسه نفسه عزَّ وجلَّ، فإن قيل: لعله إنما عدل؛ لأن النفس لا تطلق على الله تعالى، قلت: بل إطلاقه صحيح، وقد ورد في التنزيل مشاكلة؛ قال تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116]. وقوله: "ومن الماء البارد" أعاد "من" هنا ليدل بذلك على استقلال الماء البارد في كونه محبوبًا، وذلك في بعض الأحيان، فإنه يعدل بالروح، وعن بعض الفضلاء: ليس للماء قيمة، لأنه يباع إذا وجد، ولا يباع إذا فقد" أ. هـ.

وقال في صفة (العلي) (6/ 1792): ""العلي" فعيل من العلو، ومعناه البالغ في علو الرتبة إلى حيث لا رتبة إلا وهي منحطة عنه، وهو من الأسماء الإضافية. قال بعض الصالحين: العلي الذي علا عن الدرك ذاته، وكبر عن التصور صفاته. وقال آخر: هو الذي تاهت الألباب في جلاله، وعجزت العقول عن وصف كماله. وحظ العبد منه: أن يذل نفسه في طاعة الله ويبذل جهده في العلم والعمل، حتى يفوق جنس الإنس في الكمالات النفسانية، والمراتب العلمية والعملية" أ. هـ.
وقال في الاسم والمسمى (6/ 1766): "روى الشيخ محيي الدين النواوي عن الإمام أبي القاسم القشيري: في الحديث دليل على أن الاسم هو المسمى، إذ لو كان غيره لكانت الأسماء لغيره. لخصَّ هذا المعنى القاضي، وأجاب عنه حيث قال: فإن قيل: إذا كان الاسم عين المسمى لزم من قوله (إن لله تسعة وتسعين اسمًا) الحكم بتعدد الإله؛ فالجواب من وجهين: الأول: أن المراد من الاسم هاهنا اللفظ، ولا خلاف من تعدد الأسماء تعدد المسمى. والثاني: أن كل واحد من الألفاظ على الله سبحانه يدل على ذاته باعتبار صفة حقيقية، أو غير حقيقية، وذلك يستدعي التعدد في الاعتبارات والصفات دون الذات، ولا استحالة في ذلك" أ. هـ.
وقال في صفة القبضة (10/ 3161): "وقوله: "بحقوى الرحمن": استعارة أخرى مثلها. والقول الثاني على الكتابة الإيمانية. وهي أخذ الزبدة والخلاصة من مجموع الكلام من غير نظر إلى مفردات التركيب حقيقتها ومجازها.
الكشاف في قوله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْويَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] الغرض من هذا الكلام إذا أخذته كما هو بجملته ومجموعه تصوير عظمته والتوقف على كنه جلاله لا غير، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز. ثم قال: ولا ترى بابا في علم البيان أدق ولا ألطف من هذا الباب، ولا أنفع ولا أعون على تعاطي تأويل المتشابهات من كلام الله في القرآن وسائر الكتب السماوية وكلام الأنبياء! فإن أكثره وأغلبه تخيلات قد زلت فيها الأقدام قديمًا وحديثًا. والله أعلم بالصواب" أ. هـ.
وقال في قول القائل: (أين كان عرش ربنا؟ ) أو (أين الله)؟ : "ولا بد في قوله: "أين كان ربنا؟ " مضاف محذوف كما حذف في قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ} [البقرة: 210] ونحوه، فيكون التقدير: "أين كان عرش ربنا؟ " يدل عليه قوله تعالى: {كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7].
قال الأزهري: نحن نؤمن به ولا نكيفه بصفة، أي نجري اللفظ على ما جاء عليه من غير تأويل. أقول: لم يفتقر إلى التقدير، ولا بد لقوله: "في عماء" بالمد، من التأويل حتى يوافق الرواية الأخرى: "عمى" مقصورًا، وأما ما ورد في الصحاح عن عمران بن الحصين - رضي الله عنه -: "كان الله ولم يكن شيء وكان عرشه على الماء" وذلك أن قوله: "ما تحته هواء وما فوقه هواء" جاء تتميمًا وصونًا لما يفهم من قوله: "في عماء" من المكان فإن الغمام المتعارف محال أن يوجد بغير هواء فهو نظير قوله: "كلتا يديه يمين" على ما سبق،  فالجواب من الأسلوب الحكيم، سئل عن المكان فأجاب عن أن لا مكان، يعني إن كان هذا مكانًا فهو في مكان، وهو إرشاد له في غاية اللطف" أ. هـ.
وقال في صفة الرحمة (11/ 3596): "قال: "أرحم بك من أشاء" وإلا فرحمة الله من صفاته التي لم يزل بها موصوفًا، ليس الله تعالى صفة حادثة ولا اسم حادث فهو قديم بجميع أسمائه وصفاته جل جلاله وتقدست أسماؤه، والقدم والرجل المذكوران في هذا الحديث من صفات الله تعالى المنزهة عن التكييف والتشبيه، وكذلك كل ما جاء من هذا القبيل في الكتاب والسنة كاليد والأصبع والعين والمجيء والإتيان والنزول، فالإيمان بها فرض، والامتناع عن الخوض فيها واجب، فالمهتدى من سلك فيها طريق التسليم، والخائض فيها زائغ، والمنكر معطل، والمكيف مشبه، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] " أ. هـ.
وقال في صفة الرؤيا (11/ 3574): "اعلم أن مذهب أهل السنة قاطبة أن رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة عقلًا، وأجمعوا أيضًا على وقوعها في الآخرة، وأن المؤمنين يرون الله تعالى دون الكافرين، وزعمت طوائف من أهل البدع (المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة) أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه، وأن رؤيته مستحيلة عقلًا، وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح، تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة فمن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين، ورواها نحو من عشرين صحابيًّا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وآيات القرآن فيها مشهورة، واعتراضات المبتدعة عليها لها أجوبة مشهورة في كتب المتكلمين من أهل السنة.
وأما رؤية الله تعالى في الدنيا فممكنة، ولكن الجمهور من السلف والخلف من المتكلمين وغيرهم على أنها لا تقع في الدنيا، وحكى الإمام أبو القاسم القشيري في رسالته المعروفة عن أبي بكر بن فورك أنه حكى فيها قولين للإمام أبي الحسن الأشعري، أحدهما وقوعها، والثاني لا تقع.
ثم مذهب أهل الحق أن الرؤية قوة يجعلها الله تعالى في خلقه، ولا يشترط فيها اتصال الأشعة، ولا مقابلة المرئى ولا غير ذلك، ولكن جرت العادة في رؤية بعضنا بعضًا بوجود ذلك على جهة الاتفاق لا على سبيل الاشتراط، وقد قرر أئمتنا المتكلمون ذلك بالدلائل الجلية.
ولا يلزم من رؤية الله تعالى إثبات جهة له -تعالى عن ذلك- بل يراه المؤمنون لا في جهة كما يعلمونه لا في جهة" أ. هـ.
وفاته: سنة (743 هـ) ثلاث وأربعين وسبعمائة.
من مصنفاته: "شرح الكشاف" شرح كبير، وصنف في المعاني و"التبيان في المعاني والبيان" وشرحه وأمر بعض تلامذته باختصاره على طريقة نهجها له وسمَّاه "المشكاة" و"التفسير".







مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید