المنشورات

أبو سليمان الخطّابي

النحوي، اللغوي: حَمَد بن محمّد بن إبراهيم بن الخطاب البستي، أبو سليمان الخطابي -من ولد زيد بن الخطاب أخي عمر رضي الله عنه، قال السلفي: ذكر الجم الغفير أن اسمه "حمد" بفتح الحاء، وهو الصواب، وقيل اسمه: أحمد، وقال السمعاني: سئل عن اسمه: فقال: هو حمد، لكن الناس كتبوه أحمد فتركته عليه.
من مشايخه: أبو سعيد الأعرابي، وأبو محمد بن بكر بن داسة وغيرهما.
من تلامذته: الحاكم أبو عبد الله الحافظ، وأبو الحسين عبد الغفار بن محمد الفارسي وغيرهما.
كلام العلماء فيه:
* الأنساب: "إمام فاضل كبير الشأن، جليل القدر، صاحب التصانيف الحسنة" أ. هـ.
* المنتظم: "له فهم مليح وعلم غزير، ومعرفة باللغة والمعاني والفقه" أ. هـ.
* البداية والنهاية: "أحد المشاهير الأعيان، والفقهاء المجتهدين المكثرين" أ. هـ.
* البغية: "وذكره الحاكم أبو عبد الله في تاريخ نيسابور فقال: الفقيه الأديب البستي أبو سليمان الخطابي أقام عندنا بنيسابور سنتين وحدث بها وكثرت الفوائد من علومه" أ. هـ.
* قلت ومن كتاب "أسماء الله الحسنى" قال مؤلفه:
(إن الخطابي -رحمه الله- وإن كان من أعلام المحدثين؛ إلا أنه يعتقد العقيدة الأشعرية، فلا يأخذ بخبر الواحد في باب العقائد، ويقول: "ما لم يكن للصفات منها في الكتاب ذكر، ولا في التواتر أصل، ولا له بمعاني الكتاب تعلق، وكان مجيئه من طريق الآحاد، وأفضى: بدأ القول إذا أجرينا على ظاهره إلى التشبيه، فإننا نتأوله على معنى يحتمله الكلام، ويزول معه معنى التشبيه .. " (1).
ويؤول بعض الصفات ومنها:
[أ]: أول صفة (الضحك) وقال: "وتأويله على معنى الرضا أقرب وأشبه، ومعلوم أن الضحك من ذوي التمييز يدل على الرضا، والبشر، والاستهلال .. " (2).
[ب]: وكذلك صفة (العجب) فقال: "معناه: أن يعجب الله ملائكته، ويضحكهم من صنيعها ... " (3).
[جـ]: وأول صفتي (القدم، والرجل) وقال: "ذكر القدم هاهنا يحتمل أن يكون المراد به من قدمهم الله تعالى للنار من أهلها ... وقد تأول بعضهم الرجل على نحو من هذا ... " (4).
وقال: "قلت: وفيه وجه آخر، وهو أن هذه الأسماء أمثال يراد بها إثبات معان لاحظ لظاهر الأسماء فيها من طريقة الحقيقة، وإنما أريد بوضع الرجل عليها نوع من الزجر لها ... وقد تستعمل الرجل أيضًا في القصد للشيء، والطلب له على سبيل جد وإلحاح ... " (5).
[د]: أول (النزول) بقوله: "هو خبر عن قدرته، ورأفته بعباده، وعطفه عليهم، واستجابته دعاءهم، ومغفرته لهم ... " (6).

[هـ]: لا يثبت (علو الذات) في إثباته العلو؛ فقال: "العلي: هو العالي القاهر ... وقد يكون ذلك من العلو الذي هو مصدر: علا، يعلو، فهو عال، كقوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، ويكون ذلك من علاء المجد والشرف، يقال منه: على يعلى علاء، ويكون: الذي علا وجل أن تلحقه صفات الخلق، أو تكيفه أوهامهم (1).
[و]: أول صفة (الفرح) فقال: "معناه: أرضى بالتوبة، وأقبل لها، والفرح الذي يتعارفه الناس في نعوت بني آدم غير جائز على الله عزَّ وجلَّ، إنما معناه الرضى" (2) أ. هـ.
ثم نذكر كلام أحمد بن عثمان القاضي في كتابه "مذهل أصل التفويض" ما قاله حول الإمام الخطابي: "وقد اختط أبو سليمان لنفسه خطة في الصفات الخبرية، فأثبت الصفات القرآنية كاليد، والوجه، والعين، وأول ما سواها من الصفات الحديثية، وقعد لذلك قاعدة فقال: (فإن قيل: فهلا تأولت اليد والوجه على هذا النوع من التأويل (3)، وجعلت الأسماء فيها أمثالا كذلك. قيل: إن هذه الصفات مذكورة في كتاب الله -عز وجل- بأسمائها وهي صفات مدح. والأصل أن كل صفة جاء بها الكتاب، أو صحت بأخبار التواتر، أو رويت من طريق الآحاد، وكان لها أصل في الكتاب، أو خرجت على بعض معانيه، فإنا نقول بها، ونجربها على ظاهرها من غير تكييف.
وما لم يكن له منها في الكتاب ذكر ولا في التواتر أصل، ولا له بمعاني الكتاب تعلق، وكان مجيئه من طريق الآحاد، وأفضى بنا القول إذا أجريناه على ظاهره إلى التشبيه، وهذا هو الفرق بين ما جاء من ذكر القدم، والرجل، والساق، وبين اليد، والوجه، والعين، وبالله العصمة ... ) (4).
ولعل هذا التقعيد الذي اعتمده الإمام الخطابي، وتلقاه الناس من بعده، حتى أن البيهقي -رحمه الله- نقله بحروفه، يعد من المصادر الأولى التي سار عليها متكلموا الأشاعرة، واستنبطوا منها بعض أصولهم الخطيرة، مثل:
1 - عدم الاحتجاج بحديث الآحاد في باب الاعتقاد، وتوهين دلالة السنة عمومًا في إثبات العقائد.
2 - تحكيم العقل في النقل، فما حكم العقل بإفضائه إلى التشبيه صرف عنه وجهه.
3 - التفريق بين المتماثلات في باب الصفات. وهو أحد معالم المذهب الأشعري.
4 - الإثبات الذي يدعيه الأشاعرة في الصفات الخبرية هو "إثبات التفويض"، أي إثبات لفظ الصفة مفرغة من المعنى.

ونزيد هذه الأخيرة إيضاحًا -لكونها متعلقة بموضوعنا- من تطبيقات الخطابي -رحمه الله- لقاعدته السابقة، فيما قرره في صفة "الساق"، فقال بعد حديث أبي سعيد: "يكشف ربنا عن ساقه" (1): (قلت: وهذا الحديث مما قد تهيب القول فيه شيوخنا، فأجروه على ظاهر لفظه، ولم يكشفوا عن باطن معناه على نحو مذهبهم في التوقف عن تفسير كل ما لا يحيط العلم بكنهه من هذا الباب) (2).
والخطابي -رحمه الله- جرى على مذهب أهل التأويل وارتضاه لنفسه، من حديث الجملة، لكن ما هو الإثبات الذي سلم به في الصفات القرآنية، وكيف فهم إثبات السلف للصفات؟ نلتمس الإجابة في النص التالي، بعد ذكره حديث القدم: (وكان أبو عبيد -وهو أحد أئمة أهل العلم- يقول: نحن نروي هذه الأحاديث ولا نريغ (3) لها المعاني. ونحن أحرياء بأن لا نتقدم فيما تأخر عنه من هو أكثر علمًا وأقدم زمنًا وسنًا. ولكن الزمان الذي نحن فيه قد جعل أهله حزبين:
* منكر لما يُروى من نوع هذه الأحاديث رأسًا، ومكذب به أصلًا، وفي ذلك تكذيب العلماء الذين رووا هذه الأحاديث، وهم أئمة الدين، ونقله السنن، والوسائط بيننا وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
* والطائفة الأخرى مسالمة للرواية فيها، ذاهبة في تحقيق الظاهر منها، مذهبًا يكاد يفضي بهم إلى القول بالتشبيه.
ونحن نرغب عن الأمرين، ولا نرضى بواحدٍ منهما مذهبًا، فيحق علينا أن نطلب لما يرد من هذه الأحاديث إذا صحت من طريق النقل والسند تأويلًا يخرج على معاني أصول الدين، ومذاهب العلماء، ولا تُبطِل الرواية فيها أصلًا، إذ كانت طُرقُها مرضية، ونقلتُها عدولًا) (4)، ثم شرع في تأويل صفة القدم.
ومن هذا العرض يمكن أن نميز أربعة اتجاهات حيال نصوص الصفات الخبرية:
الأول: رواية الأحاديث دون طلب المعاني لها. وهي طريقة المتقدمين زمانًا وعلمًا وسنًّا، كأبي عبيد القاسم بن سلام، وهم السلف (5).
الثاني: إنكار هذه الأحاديث وتكذيبها.
الثالث: رواية هذه الأحاديث، وتحقيق ظواهرها تحقيقًا يكاد يفضي إلى التشبيه.
الرابع: تأويل هذه الأحاديث تأويلًا يخرج على معاني أصول الدين.
وقد صرح برغبته عن الإتجاهين الثاني والثالث، واختار الرابع. أما الاتجاه الأول، فقد شعر بأنه أحرى بالإتباع، لكنه استدرك باختلاف أهل زمانه. ولو كان -رحمه الله وعفا عنه- يرى في الإتجاه الأول غنية وكفاية لما التفت إلى ما سواه، وإنما رغب في التأويل لما يتضمنه من إثبات معانٍ لائقة بالله، تحول دون وقوع التشبيه -في نظره- ولا تُبطل الرواية أصلًا، وفي ذلك دلالة إلى أن الإتجاه الأول في نظره لا يتضمن إثبات معان، بل هو مجرد "رواية" للأحاديث دون "معان" تراغ لها، وهذه حقيقة التفويض.
ومرة أخرى نستدل بمسألة "الحركة" في اكتشاف هذا الفهم الكامن وراء العبارات المتداولة في حكاية مذهب السلف، التي يحكيها المثبتة والمفوضة على حدٍّ سواء، فيقول -رحمه الله- في شرح حديث النزول عند أبي داود: ( ... والقول في جميع ذلك عند علماء السلف هو ما قلناه، وقد روي ذلك عن جماعة من الصحابة.
وقد زل بعض شيوخ أهل الحديث ممن يرجع إلى معرفته بالحديث والرجال، فحاد عن هذه الطريقة، حين روى حديث النزول، ثم أقبل يسأل نفسه عنه فقال: إن قال قائل: كيف ينزل ربنا إلى السماء؟ قيل له: ينزل كيف شاء، فإن قال: هل يتحرك إذا نزل أم لا؟ فقال: إن شاء تحرك وإن شاء لم يتحرك. قلت: وهذا خطأ فاحش، والله -سبحانه- لا يوصف بالحركة، لأن الحركة والسكون يتعاقبان في محل واحد، وإنما يجوز أن يوصف بالحركة من يجوز أن يوصف بالسكون، وكلاهما من أعراض الحدث، وأوصاف المخلوقين. والله جل وعز متعالٍ عنهما، ليس كمثله شيء. فلو جرى هذا الشيخ -عفا الله عنا وعنه- على طريقة السلف الصالح، ولم يدخل نفسه فيما لا يعنيه، لم يكن يخرج به القول إلى مثل هذا الخطأ الفاحش. وإنما ذكرت هذا لكي يتوقى الكلام فيما كان من هذا النوع، فإنه لا يُثمر خيرًا، ولا يُفيد رشدًا. ونسأل الله العصمة من الضلال. والقول بما لا يجوز من الفاسد المحال) (1).
والحق مع الإمام الخطابي في عدم إطلاق القول بوصف "الحركة والسكون"، ولكن ليس للعلة التي ذكرها. فقد منع ذلك لكونها من أوصاف المخلوقين، وأعراض الحدث (2). والصواب أن علة المنع لكونها لم ترد بنفي ولا إثبات. ولذلك فالواجب منع نفيها وإثباتها، ونثبت اللفظ الوارد وهو "النزول" لفظًا ومعنىً. أما إثبات "نزول" لا يدل إلّا على حروفه فهو عين التفويض" أ. هـ.
وفاته: سنة (386 هـ) وقيل (388 هـ) ست وقيل ثمان وثمانين وثلاثمائة.
من مصنفاته: أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري، معالم السنن في شرح الأحاديث التي في السنن وغيرها.






مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید