المنشورات

داود الظاهري

المفسر: داود بن عليّ بن خلف الأصبهاني، أبو سليمان البغدادي، الملقب بالظاهري، مولى المهدي.
ولد: سنة (201 هـ) إحدى ومائتين.
من مشايخه: سليمان بن حرب، وعمرو بن مرزوق، والقُعنبي وغيرهم.
من تلامذته: ابنه محمد، وزكريا بن يحيى الساجي وغيرهما.
كلام العلماء فيه:
• تاريخ بغداد: "هو إمام أصحاب الظاهر، وكان ورعًا ناسكًا زاهدًا، وفي كتبه حديث كثير، إلا أن الرواية عنه عزيزة جدًّا".
وقال: "قال: أبو العباس ثعلب -وقد سئل عن داود الأصبهاني- فقال: كان عقله أكثر من علمه".
وقال المحاملي: رأيت داود بن عليّ يصلي، فما رأيت مسلمًا يشبهه في حسن تواضعه".
ثم قال: "قلت: وكان داود قد حُكيَ لأحمد بن حنبل عنه قول في القرآن بَدَّعَهُ فيه وامتنع من الاجتماع معه بسببه.
فأنبأنا أبو بكر البرقاني حدثنا يعقوب بن موسى الأردبيلي حدثنا أحمد بن طاهر ابن النجم حدثنا سعيد بن عمرو البرذعي. قال: كنا عند أبي زرعة، فاختلف رجلان من أصحابنا في أمر داود الأصبهاني والمزني، وهم فضل الرازي، وعبد الرحمن بن خراش البغدادي، فقال ابن خراش: داود كافر، وقال فضل المزني: جاهل، ونحو هذا من الكلام، فأقبل عليهما أبو زرعة يوبخهما وقال لهما: ما واحد منهما لكما بصاحب، ثم قال: من كان عنده علم فلم يصنه، ولم يقتصر عليه. والتجأ إلى الكلام، فما في أيديكما منه شيء ثم  
قال: إن الشافعي لا أعلم تكلم في كتبه بشيء من هذا الفضول الذي قد أحدثوه، ولا أرى امتنع من ذلك إلا ديانة، وصانه الله لما أراد أن ينفذ حكمته، ثم قال: هؤلاء المتكلمون لا تكونوا منهم بسبيل فإن آخر أمرهم يرجع إلى شيء مكشوف ينكشفون عنه، هانما يَتموَّه أمرهم سنة، سنتين، ثم ينكشف، فلا أرى لأحد أن يناضل عن أحد من هؤلاء، فإنهم إن تهتكوا يومًا قيل لهذا المناضل أنت من أصحابه، وإن طلب يومًا طلب هذا به، لا ينبغي لمن يعقل أن يمدح هؤلاء، ثم قال لي: ترى داود هذا؟ لو اقتصر على ما يقتصر عليه أهل العلم لظننت أنه يكمد أهل البدع بما عنده من البيان والآلة، ولكنه تعدى.
لقد قدم علينا من نيسابور فكتب إلي محمد بن رافع ومحمد بن يحيى وعمرو بن زرارة وحسين بن منصور ومشيخة نيسابور بما أحدث هناك، فكتمت ذلك لما خفت من عواقبه، ولم أبدِ له شيئًا من ذلك، فقدم بغداد وكان بينه وبين صالح بن أحمد حسن، فكلم صالحًا أن يتلطف له في الاستئذان على أبيه، فأتى صالح أباه فقال له: رجل سألني أن يأتيك؟ قال: ما اسمه؟ قال: داود، قال: من أين؟ قال: من أهل أصبهان، قال: أي شيء صناعته؟
قال: وكان صالح يروغ عن تعريفه إياه، فما زال أبو عبد الله يفحص عنه حتى فطن فقال هذا قد كتب إلى محمد بن يحيى النيسابوري في أمره إنه زعم أن القرآن محدث فلا يقربني. قال: يا أبت ينتفي من هذا وينكره، فقال أبو عبد الله: أحمد بن محمد بن يحيى أصدق منه، لا تأذن له في المصير إلي.
أخبرنا الحسن بن أبي بكر عن أحمد بن كامل القاضي. قال: وفي شهر رمضان منها -يعني سنة سبعين ومائتين- مات داود بن علي بن خلف الأصبهاني يكنى أبا سليمان، وهو أول من أظهر انتحال الظاهر، ونفى القياس في الأحكام قولًا، واضطر إليه فعلًا، فسماه دليلًا.
وأخبرني الحسين بن إسماعيل المحاملي -وكان به خبيرًا- قال: كان داود جاهلًا بالكلام.
وأخبرني أبو عبد الله الوراق أنه كان يورق على داود، وأنه سمعه -وسئل عن القرآن- فقال أما الذي في اللوح المحفوظ فغير مخلوق، وأما الذي هو بين النّاس فمخلوق".
وقال أيضًا في تاريخ بغداد: "أخبرني الأزهري حدثنا محمد بن حميد اللخمي حدثنا القاضي بن كامل إملاء، قال حدثني أبو عبد الله الوراق المعروف بجوار. قال: كنت أورق على داود الأصبهاني، وكنت عنده يومًا في دهليزه مع جماعة من الغرباء، فسئل عن القرآن فقال: القرآن الذي قال الله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] وقال {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة: 78] غير مخلوق، وأما الذي بين أظهرنا يمسه الحائض والجنب فهو مخلوق، قال القاضي: هذا مذهب يذهب إليه الناشئ المتكلم، وهو كفر بالله، صح الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو، مخافة أن يناله العدو، فجعل - صلى الله عليه وسلم - ما كتب في المصاحف، والصحف، والألواح وغيرها قرآنا. والقرآن على أي وجه قرئ وتلى فهو واحد غير مخلوق" أ. هـ.
• المنتظم: "قدم داود بغداد فسأل صالح بن   أحمد بن حنبل أن يتلطف له في الاستئذان على أبيه، فاستأذن له، فقال أحمد: قد كتب إلي محمد بن يحيى النيسابوري في أمره، أنه زعم أن القرآن محدث فلا يقربني، وفي رواية عنه: أنه قال الذي في اللوح المحفوظ غير مخلوق، والذي يقرأ الناس مخلوق" أ. هـ
• السير: "قال أحمد بن كامل القاضي: أخبرني أبو عبد الله الوراق: أنه كان يورق على داود بن علي، وأنه سمعه يسأل عن القرآن، فقال: أما الذي في اللوح المحفوظ: فغير مخلوق، وأما الذي هو بين الناس: فمخلوق.
قلت: هذه التفرقة والتفصيل ما قالها أحد قبله، فيما علمت، وما زال المسلمون على أن القرآن العظيم كلام الله، ووحيه وتنزيله، حتى أظهر المأمون القول: بأنه مخلوق، وظهرت مقالة المعتزلة، فثبت الإمام أحمد بن حنبل، وأئمة السنة على القول: بأنه غير مخلوق. إلى أن ظهرت مقالة حسين بن علي الكرابيسي، وهي: أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن ألفاظنا به مخلوقة، فأنكر الإمام أحمد ذلك، وعدَّه بدعة، وقال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، يريد به القرآن، فهو جهمي. وقال أيضًا: من قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع، فزجر عن الخوض في ذلك من الطرفين.
وأما داود فقال: القرآن محدث. فقام على داود خلق من أئمة الحديث، وأنكروا قوله وبدعوه، وجاء من بعده طائفة من أهل النظر، فقالوا: كلام الله معنى قائم بالنفس، وهذه الكتب المنزلة دالة عليه، ودققوا وعمقوا، فنسأل الله الهدى واتباع الحق، فالقرآن العظيم، حروفه ومعانيه وألفاظه كلام رب العالمين، غير مخلوق، وتلفظنا به وأصواتنا به من أعمالنا المخلوقة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: زينوا (القرآن بأصواتكم).
ولكن لما كان الملفوظ لا يستقل إلا بتلفظنا، والمكتوب لا ينفك عن كتابة، والمتلو لا يسمع إلا بتلاوة تالٍ، صعب فهم المسألة، وعسر إفراز اللفظ الذي هو الملفوظ من اللفظ الذي يعني به التلفظ، فالذهن يعلم الفرق بين هذا وبين هذا، والخوض في هذا خطر. نسأل الله السلامة في الدين وفي المسألة بحوث طويلة، الكفُّ عنها أولى، ولا سيما في هذه الأزمنة المزمنة وقال: "وقيل إنه كان في مجلسه أربع مئة صاحب طيلسان أخضر، وكان من المتعصبين للشافعي، وصنف كتابين في فضائله والثناء عليه، وانتهت إليه رئاسة العلم ببغداد، وأصله من أصفهان، ومولده بالكوفة، ومنشؤه ببغداد، وقبره بها في الشونيزية.
وقال أبو بكر الخلّال: أخبرنا الحسين بن عبد الله، قال: سألت المروذي عن قصة داود الأصبهاني، وما أنكر عليه أبو عبد الله، فقال: كان داود خرج إلى خراسان، إلى ابن راهويه، فتكلم بكلام شهد عليه أبو نصر بن عبد الجيد والآخر. شهدا عليه أنه قال: القرآن محدث. فقال لي أبو عبد الله: من داود بن علي؟ لا فرج الله عنه. قلت: هذا من غلمان أبي ثور. قال: جاءني كتاب محمّد بن يحبى النيسابوري أن داود الأصبهاني قال ببلدنا: إن القرآن محدث. قال المروذي: حدثني عند بن إبراهيم النيسابوري، أن إسحاق بن راهويه لما سمع كلام داود في بيته،  وثب على داود وضربه، وأنكر عليه.
الخلال: سمعت أحمد بن محمّد بن صدقة، سمعت محمّد بن الحسين بن صبيح، سمعت داود الأصبهاني يقول: القرآن محدث، ولفظي بالقرآن مخلوق".
ثم قال: "لا ريب أن كل مسألة انفرد بها، وقطع ببطلان قوله فبها، فإنها هدر وإنما يحكيها للتعجب، وكل مسألة له عضدها نص، وسبقه إليها صاحب أو تابع فهي من مسائل الخلاف، فلا تهدر.
وفي الجملة، فداود بن عليّ بصير بالفقه، عالم بالقرآن، حافظ للأثر رأس في معرفة الخلاف، من أوعية العلم، له ذكاء خارق وفيه دين متين، وكذلك في فقهاء الظاهرية جماعة لهم علم باهر، وذكاء قوي، فالكمال عزيز، والله الموفق" أ. هـ.
• تاريخ الإسلام: "فهؤلاء الظاهرية كذلك، يُعتد بخلافهم، فإن لم نفعل صار ما تفردوا به خارقًا للإجماع، ومن خرق الإجماع المتيقن فقد مرق من الملة، لكن الإجماع المتيقن هو ما علم بالضرورة من الدين: كوجوب رمضان، والحج، وتحريم الزنا، والسرقة، والربا، واللواط.
والظاهرية لهم مسائل شنيعة، لكنها لا تبلغ ذلك، والله أعلم.
وقال الإمام أبو عمرو بن الصلاح: الذي اختاره أبو منصور وذكر أنه الصحيح من المذهب إنه يعتبر خلاف داود.
قال ابن الصلاح: هذا هو الذي استقر عليه الأمر آخرًا هو الأغلب الأعرف من صفوة الأئمة المتأخرين الذين أوردوا مذهب داود في مصنفاتهم المشهورة، كالشيخ أبي حامد، والماوردي، وأبي الطيب، فلولا اعتدادهم به لما ذكروا مذهبه في مصنفاتهم.
قال: ورأى أن يعتبر قوله إلا فيما خالف فيه القياس الجليّ، وما أجمع عليه القياسيون من أنواعه، أو بناه على أصوله التي قام الدليل القاطع على بطلانها، واتفاق من سواه إجماع منعقد، كقوله التغوط في الماء الراكد، وتلك المسائل الشنيعة، وقوله: لا زنا في السُّنَّة المنصوص عليها، فخلافه في هذا ونحوه غير مُعتدّ به، لأنه مبني على ما يقطع ببطلانه، والله أعلم" أ. هـ.
• ميزان الاعتدال: "هذا أدل شيء على جهله بالكلام، فإن جماهيرهم ما فرقوا بين الذي في اللوح المحفوظ وبين الذي في المصاحف، فإن الحدث لازم عندهم لهذا ولهذا وإنما يقولون القائم بالذات المقدسة غير مخلوق، لأنه من علمه تعالى، والمنزل إلينا محدث، ويتلون قوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2] والقرآن كيفما تلي أو كتب أو سمع فهو وحي الله وتنزيله غير مخلوق" أ. هـ.
• البداية والنهاية: "وقد كان من الفقهاء المشهورين، ولكن حصر نفسه بنفيه للقياس الصحيح، فضاق بذلك ذرعه في أماكن من الفقه، فلزمه القول بأشياء قطعية صار إليها بسبب اتباعه الظاهر الجرد من غير تفهم لمعنى النص، وقد اختلف الفقهاء القياسيون بعده في الاعتداد بخلافه. هل ينعقد الإجماع بدونه مع خلافه أم لا؟ على أقوال ... " أ. هـ.
• لسان الميزان: "وقد ذكره ابن أبي حاتم فأجاد في ترجمته، فإنه قال: روى عن إسحاق الحنظلي، وجماعة من المحدثين، وتفقه للشافعي رحمه الله تعالى، ثم ترك ذلك، وتفقه القياس. وألف في الفقه على ذلك كتبا شذ فيها عن السلف، وابتدع طريقة هجره أكثر أهل العلم عليها، وهو مع ذلك صدوق في روايته ونقله واعتقاده، إلا أن رأيه أضعف الآراء، وأبعدها من طريق الفقه، وأكثرها شذوذا. ونقل وراق داود، عن أبي حاتم أنه قال في داود: ضال مضل، لا يلتفت إلى وساوسه وخطراته. وقال مسلمة بن قاسم: كان داود من أهل الكلام والحجة واستنباط لفقه الحديث، صاحب أوضاع، ثقة إن شاء الله تعالى. وقال النباتي في "الحافل"، بعد أن حكى قول الأزدي: لا يقنع برأيه ولا بمذهبه، تركوه. ماضر داود ترك تارك مذهبه أمن، ورائه فرأى كل أحد، ومذهبه متروك، إلا أن يعضده قرآن أو سنة، وداود بن علي، ثقة فاضل إمام من الأئمة، لم يذكره أحد بكذب ولا تدليس في الحديث، رحمه الله تعالى" أ. هـ.
وفاته: سنة (270 هـ) سبعين ومائتين.






مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید