المنشورات

الثَّوري

المفسر سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع الثوري (1)، أبو عبد الله الكوفي.
ولد: سنة (97 هـ) سبع وتسعين.
من مشايخه: عمرو بن مرة، وسلمة بن كهيل، وعمرو بن دينار وغيرهم.
من تلامذته: ابن عجلان، وأبو حنيفة، وابن جريح وغيرهم.
كلام العلماء فيه:
• تاريخ الإسلام: "سيد أهل زمانه علمًا وعملًا".
وقال: "كان أبوه من ثقات المحدثين، وطلب سفيان العلم وهو مراهق وكان يتوقد ذكاءً. صار إمامًا منظورًا إليه وهو شاب".
وقال أيضًا: بعد أن ذكر تلامذته: "حتى إن ابن الجوزي بالغ وذكر في مناقبه أنه روى عنه أكثر من عشرين ألفًا، وهذا مدفوع بل لعله روى عنه نحو من ألف نفس".
ثم قال: "قال ابن عيينة: كان العلم يمثل بين يدي سفيان، يأخذ ما يريد ويدع ما لا يريد.
وقال شعبة وابن معين وجماعة: سُفيان أمير المؤمنين في الحديث.
وقال ابن المبارك: كتبت عن ألف ومائة شيخ ما فيهم أفضل من سُفيان.
وقال ورقاء: لم ير الثوري مثل نفسه" أ. هـ.
• ميزان الاعتدال: "الحجة الثبت، متفق عليه، مع أنه كان يدلس عن الضعفاء، ولكن له نقد وذوق ولا عبرة لقول من قال: يدلس ويكتب عن الكذابين" أ. هـ.
• قلت: قال المحقق امتياز عليّ في مقدمة "تفسير الثوري" وتحت عنوان مرتبته في التفسير (صفحة 15): وكان رحمه الله من أكابر مفسري  عصره وكان علمه بالقرآن واسعًا جدًّا حتى كان يأخذ المصحف فلا يكاد يمر بآية إلا فسرها وكان يقول: سلوني عن المناسك والقرآن فإني بهما عالم وكان رحمه الله لا يقول في القرآن برأيه -بل كان يتبع ما قال به الصحابة والتابعون، لأنه روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: من قال في القرآن برأيه، فليتبوأ مقعده من النار- وروى عن الشعبي، قال: لأن أكذب على محمد - صلى الله عليه وسلم -، أحب إلي من أن أكذب في القرآن كذبة. إنما يقضي الكاذب في القرآن إلى الله، وكان لا يفسر من القرآن إلا ما أشكل، لأنه روى عن ابن عباس أنه قال: "تفسير القرآن على أربعة وجوه:
1 - تفسير يعلمه العلماء 2 - وتفسير تعرفه العرب 3 - وتفسير لا يعذر أحد بحهالته يقول من الحلال والحرام 4 - وتفسير لا يعلم تأويله إلا الله- من ادعى علمه فهو كاذب.
ولأجل هذا كان يعجبه من التفسير ما كان حرفًا حرفًا -وكان لا يعجبه هؤلاء الذين يفسرون السورة من أولها إلى آخرها مثل الكلبي- وكان يقول: خذوا التفسير عن أربعة: عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك.
وكان اعتماده على مجاهد أكثر وكان يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد، فحسبك به.
وقال وتحت عنوان عقيدته -أي عقيدة سفيان الثوري- صفحة (16): "اختلف المؤرخون في عقيدة الثوري- فعده ابن قتيبة وابن رسته من الشيعة- وقال ابن النديم إنه كان زيديًا- وذكر الطبري أنه كان شيعيًا في بدء الأمر- فلما ذهب إلى البصرة لطلب الحديث ولقى ابن عون وأيوب، ترك التشيع وسلك مسلك أهل السنة- ويؤيد قول الطبري ما حكاه الكفوي أنه سئل مرة عن عُثمَان وعلي رضي الله عنهما، فقال: أهل البصرة يقولون بتفضيل عثمان، وأهل الكوفة بتفضيل علي- قيل له: فأنت؟ قال: أنا رجل كوفي.
ومعلوم أن أهل الكوفة قاطبة كانوا من شيعة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وكان التشيع في تلك الأيام منحصرًا في تفضيل عليّ على عُثمَان رضي الله عنهما -فلا يبعد أن يكون الثوري يفضل هذا على ذاك حين إقامته في الكوفة- ولذا ذكر في الكتب التاريخية أنه كان شيعيًا مطلقًا أو زيديًا خاصة.
فهل ترك الثوري مسلك أهل التشيع واختار مذهب أهل السنة بعدما دخل البصرة كما ادعى ابن جرير؟ الجواب نعم، لأن ما لدينا من آرائه في الفروع والأصول، التي قد تواتر النقل بها من راو إلى راو ومن كتاب إلى كتاب، برهان على كونه من أهل السنة والجماعة -ولضيق المجال نترك البحث عن الفروع لمن له فرصة لمطالعة الكتب الفقهية، ونقتصر بذكر ما أملى الثوري في العقائد على ما روى الذهبي بإسناده عن شعيب بن حرب- قال شعيب، قلت لسفيان الثوري: "حدث بحديث في السنة ينفعني الله به- فإذا وقفت بين يديه وسألني عنه، قلت: يا رب، حدثني بهذا سفيان -فأنجو أنا وتؤخذ- فقال اكتب:
بِسْمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحِيم
القرآن كلام الله غير مخلوق -منه بدأ وإليه يعود- من قال غير هذا، فهو كافر -والإيمان  قول وعمل ونية -يزيد وينقص- وتقدمة الشيخين (إلى أن قال):
يا شعيب، لا ينفعك ما كتبت، حتى ترى المسح على الخفي، وحتى ترى أن إخفاء "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" أفضل من الجهر به. وحتى تؤمن بالقدر، وحتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد ماض إلى يوم القيامة، والصبر تحت لواء السلطان جائر أو عدل.
فقلت: "يا عبد الله، الصلاة كلها"؟ قال: "لا، ولكن صلاة الجمعة والعيدين صل خلف من أدركت -وأما سائر ذلك، فأنت مخير- لا تصل إلا خلف من تثق به وتعلم أنه من أهل السنة- إذا وقفت بين يدي الله، فسألك عن هذا، فقل: يا رب، حدثني بهذا سفيان الثوري، ثم دخل بيني وبين الله عزَّ وجلَّ".
فيظهر من هذا الكتاب أن الثوري كان يعتقد كسائر أئمة أهل السنة، وكان يقدم الشيخين- أما عُثْمَان وعلي رضي الله عنهما، فلعله كان يسكت عن تقديم أحدهما على الآخر، ويحب كليهما، لأنه كان يقول: "لا يستقيم حب علي وعثمان، رضي الله عنهما، إلا في قلب نبلاء الرجال، وإن الخلفاء الراشدين خمسة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز، رضي الله عنهم، ومن اعتقد خلاف هذا، فهو متجاوز عن الحد".
وعده الشهرستاني في الصفاتية الذين لم يتعرضوا للتأويل في الصفات ولا تهدفوا للتشبيه.
وكان يبغض المرجئة الذين يقولون إن الإيمان تصديق فقط، ولذا لا يزيد ولا ينقص، حتى إنه سئل مرة أن يصلى على مرجئ قد مات، فأبى.
وروى القفطي أنه لقى مرة ما شاء الله اليهودي المنجم، فقال له: "ما شاء الله! أنت تخاف الزحل وترجو المشتري- وأنا أخاف ربهما") أ. هـ.
• قلت: ورغم ما ذُكر فهو إمام أهل السنة، الثقة الإمام الورع، ولعل ما نقلناه عن الذهبي يوجه القول، ويأتي بخير لرجال أمة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
من أقواله: تاريخ الإسلام: "قال علي بن ثابت: سمعته يقول: طلبت العلم فلم تكن لي نية، ثم رزقني الله النية.
قال داود بن يحيى بن اليمان: سمعت أبي يقول: قال الثوري: لما هممت بطلب الحديث ورأيت العلم يُدرَس، قلت أي رب إنه لا بد لي من معيشة فاكفني أمر الرزق وفرغني لطلبه فتشاغلت بالطلب فلم أر إلا خيرًا إلى يومي هذا".
عن سفيان قال: لا يجتمع حب علي وعثمان رضي الله عنهما إلا في قلوب نبلاء الرجال.
وعنه قال: امتنعنا من الشيعة أن نذكر فضائل عليّ - رضي الله عنه -.
وعنه قال: الجهمية كفار.
وعنه قال: من سمع من مبتدع لم يسمعه الله بما سمع" أ. هـ.
وفاته: سنة (161 هـ) إحدى وستين ومائة.






مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید