المنشورات

سَيِّد قُطْب

المفسر سيد قطب بن إبراهيم.
ولد: سنة (1324 هـ) أربع وعشرين وثلاثمائة وألف.
كلام العلماء فيه:
• الأعلام: "قال خالد محيي الدين أحد أقطاب الثورة المصرية -فيما كتب عنه: كان سيد قبل الثورة من كثر المفكرين الإسلاميين وضوحًا. ومن العجيب أنه انقلب -بعد قيام الثورة- ناقمًا متمردًا على كل ما يحدث حوله، لا يراه إلا جاهلية مظلمة".
وقال: "ولما وصل خبر استشهاده إلى المغرب أقيمت على روحه صلاة الغائب وأصدر أبو بكر القادري عددًا خاصًّا به من مجلة "الإيمان" ولما كانت النكسة (أو النكبة) عام (1967 م) قال علّال الفاسي: ما كان الله لينصر حربًا يقودها قاتل سيد قطب" أ. هـ.
• معجم المؤلفين: "باحث إسلامي مصري ... " أ. هـ.
• قال المغراوي في كتابه "المفسرون بين التأويل والإثبات": "سيد قطب هو نتيجة أو تلميذ من تلامذة مدرسة حسن البنا رحمة الله عليهما، جاهد في الله حق جهاده وبذل أغلى ما يعطى فبذل نفسه في سبيله وتأثم به طاغوت من طواغيت الأرض عليه ما يستحق من ربه.
موهبة قوية، وشخصية بارزة، وعاطفة نظيفة وقلم غزير وفكر متقد، سعى لإقامة حكم الله في الأرض بكل ما أوتي، حاول أن يبث فكره ودعوته مرتبطة بالقرآن لأنه مصدر يصلح لهذا الغرض.
دعوة إلى الحركية وإلى إقامة الحكومة الإسلامية بين خطوة وأخرى تحت ظلال القرآن.
ولكن نشأته الأدبية وغلبة سحر البيان عنده قد يوقعه في عبارات يجنح بها شيئًا عن درب السلف فاسمع له يقول في سورة الحديد: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ}.
{وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ}: علم الحقيقة الكاملة فحقيقة كل شيء مستمدة من الحقيقة الإلهية، وصادرة عنها فهي مستغرقة إذن بعلم الله اللدني بها العلم الذي لا يشاركه أحد في نوعه وصفته وطريقته مهما علم المخلوقون عن ظواهر الأشياء.
فإذا استقرت هذه الحقيقة الكبرى في قلب فما احتفاله بشيء في هذا الكون غير الله سبحانه؟ وكل شيء لا حقيقة له ولا وجود حتى ذلك القلب ذاته -إلا ما يستمده من تلك الحقيقة الكبرى. وكل شيء وهم ذاهب حيث لا يكون ولا يبقى إلا الله المتفرد بكل مقومات الكينونة والبقاء.
وإن استقرار هذه الحقيقة في قلب ليحيله قطعة من هذه الحقيقة فأما قبل أن يصل إلى هذا الاستقرار فإن هذه الآية القرآنية حسبه ليعيش في تدبرها وتصور مدلولها، ومحاولة الوصول إلى هذا المدلول الواحد وكفى.
ولقد أخذ المتصوفة بهذه الحقيقة الأساسية الكبرى وهاموا بها وفيها، وسلكوا إليها مسالك شتى، بعضهم قال: إنه يرى الله في كل شيء في الوجود، وبعضهم قال: إنه رأى الله من وراء كل شيء في الوجود وبعضهم قال: إنه رأى الله فلم ير شيئًا غيره في الوجود وكلها أقوال تشير إلى الحقيقة إذا تجاوزنا عن ظاهر الألفاظ القاصرة في هذا المجال. إلا أن ما يؤخذ عليهم على وجه إلإجمال هو أنهم أهملوا الحياة بهذا التصور. والإسلام في توازنه المطلق يريد من القلب البشري أن يدرك هذه الحقيقة ويعيش بها ولها، بينما يقول بالخلافة في الأرض بكل مقتضيات الخلافة من احتفال وعناية وجهاد لتحقيق منهج الله في الأرض باعتبار هذا كله ثمرة لتصور تلك الحقيقة تصورًا متزنًا متناسقًا مع فطرة الإنسان وفطرة الكون كما خلقها الله (1).
وأما بالنسبة لعقيدته في الصفات: فقد وقع في بعض التأويل بل قال في تفسير سورة الزمر عند قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْويَّاتٌ بِيَمِينِهِ}.
قال: (وكل ما ورد في القرآن وفي السنة من مثل هذه إنما هو تقريب للحقيقة، فالله تبارك وتعالى وضعها في أسلوب يقرب بها، ويمثل).
فالصفات التي وردت في القرآن وفي السنة في نظر سيد قطب إنما هو مجرد تصوير لا حقيقة لها، وهذه العبارة التي نقلت معناها هي قريبة جدًّا من عبارة الزمخشري في تفسيره: ومن كذب بهذا أو شك فليرجع إلى الظلال وليقرأ متجردًا عن الهوى والحمية، والحب الأعمى الذي يتصف به مع الأسف ممن ينتسب إلى طلب العلم.
والنصيحة واجبة للمسلمين وما تعبدنا الله بالأشخاص ولا بكلامهم ولا بفكرهم فهم يصيبون ويخطئون، ويعلمون ويجهلون، ولعل العذر الذي يمكن أن يلتمس لسيد قطب أنه ما اطلع على ما كتبه أئمة السلف في هذا الباب، وأنه قد شغله سعيه الحرير الدائب لنصرة الدين ولتوضيح وتفصيل قضية الحاكمية عن سبر مثل هذه القضايا وإن كان لا ينبغي أن يغفل عنها، فرحمة الله على الجميج وغفر لنا ولهم وجعلنا ممن يقول الحق لا يخاف في الله لومة لائم.
صفة الاستهزاء: قال عند قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} وما أباس من مستهزئ به جبار السموات والأرض وما أشقاه وأن الخيال ليمتد إلى مشهد مفزع رهيب وإلى مصير تقشعر من هوله القلوب.
وهو يقرأ {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} فيدعهم يخبطون على غير هدى في طريق لا يعرفون غايته، واليد الجبارة تتلقفهم في نهايته كالفئران الهزيلة تتواثب في الفخ غافلة عن المقبض المكين، وهذا هو الاستهزاء الرعيب لا كاستهزائهم الهزيل الصغير.
وهنا كذلك تبدو تلك الحقيقة التي أشرنا من قبل إليها حقيقة تولي الله سبحانه للمعركة التي يراد بها المؤمنون وما وراء هذا التولي من طمأنينة كاملة لأولياء الله ومصير رعيب بشع لأعداء الله الغافلين المتروكين في عماهم يخبطون المخدوعين يمد الله لهم في طغيانهم وإمهالهم بعض الوقت في عداواتهم والمصير الرعيب ينتظرهم هنالك وهم غافلون يعمهون (1).
صفة الاستواء:
قال عند قوله تعالى من سورة طه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} والاستواء على العرش كناية عن غاية السيطرة والاستعلاء (2).
وقال عند قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَينَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} قال: أما الاستواء على العرش فنملك أن نقول إنه كناية عن الهيمنة على هذا الخلق استنادًا إلى ما نعلمه من القرآن عن يقين من أن الله سبحانه لا تتغير عليه الأحوال. فلا يكون في حالة عدم استواء على العرش، ثم تتبعها حالة استواء. والقول بأننا نؤمن بالاستواء ولا ندرك كيفيته لا يفسر قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى} والأولى أن نقول: انه كناية عن الهيمنة كما ذكرنا والتأويل هنا لا يخرج عن المنهج الذي أشرنا إليه آنفًا، لأنه لا ينبع من مقررات وتصورات من عند أنفسنا. إنما يستند إلى مقررات القرآن ذاته، وإلى التصور الذي يوحيه عن ذات الله سبحانه وصفاته (3).
صفة الكلام: قال عند قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} قال: ثم يأتي السياق للمشهد التاسع المشهد الفذ الذي اختص الله به نبيه موسى - عليه السلام - مشهد الخطاب المباشر بين الجليل سبحانه وعبد من عباده المشهد الذي تتصل فيه الذرة المحدودة الفانية بالوجود الأزلي الأبدي، بلا واسطة ويطيق الكائن البشري أن يتلقى عن الخالق الأبدي، وهو بعد على هذه الأرض ولا ندري نحن كيف؟ لا ندري كيف كان كلام الله لعبده موسى ولا ندري بأية حاسة أو جارحة أو أداة تلقى موسى كلمة الله، فتصوير هذا على وجه الحقيقة متعذر علينا نحن البشر المحكومين في تصوراتنا بنصيبنا المحدود من الطاقة المدركة وبرصيدنا المحدود في التجارب الواقعة ولكننا نملك بالسر اللطيف المستمد من روح الله الذي في كياننا أن نستروح وأن نستشرف هذا الأفق السامق المضيء ثم نقف عند هذا الاستشراق لا نحاول أن نفسده بسؤالنا عن الكيفية نريد أن نتصورها بإدراكنا القريب المحدود.
التعليق:
ما ذكره سيد قطب من أنا لا ندري بأية حاسة أدرك موسى كلام الله تبارك وتعالى، فظاهر الآية القرآنية على أن موسى سمع كلام الله بأذنيه وأدركه بقلبه على سنة الله في خلقه في أي بشر.

فهذا هو الأصل حتى يأتي دليل يخرجه عن هذا الأصل والدليل مفقود وليست هناك إلا أساطير وإسرائيليات حكاها بعض المفكرين رجمًا بالغيب.
وأما كلام الله لعبده موسى فكان بصوت وحرف صدر منه تعالى كيف شاء.
صفة الوجه:
والذي يظهر أن السيد قطب يثبت صفة الوجه لكن بتحفظ فقال: في سورة البقرة عند قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَينَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} فهي توحي بأنها جاءت ردًّا على تضليل اليهود في ادعائهم أن صلاة المسلمين إذًا إلى بيت المقدس كانت باطلة وضائعة ولا حساب لها عند الله، والآية ترد عليهم هذا الزعم وهي تقرر أن كل اتجاه قبلة فثم وجهه، حيثما توجه إليه عابد وإنما تخصيص قبلة معينة هو توجيه من عند الله فيه طاعة لا أن وجه الله سبحانه في جهة والله لا يضيق على عباده ولا ينقصهم ثوابهم، وهو عليم بقلوبهم ونياتهم ودوافع اتجاهاتهم وفي الأمر سعة والنية لله أن الله واسع عليم (1).
وقال في قوله تعالى: {كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} فكل شيء زائل، وكل شيء ذاهب المال، والجاه، والسلطان، والقوة، والحياة، والمتاع وهذه الأرض ومن عليها وتلك السموات ومن فيها، وما فيها وهذا الكون كله ما نعلمه منه وما نجهله كله هالك فلا يبقى إلا وجه الله الباقي متفردًا في البقاء (2).
وقال عند قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} وفي ظل هذا النص القرآني تخفت الأنفاس وتخشع الأصوات وتسكن الجوارح وظل الفناء يشمل كل حي، ويطوي كل حركة ويغمر آفاق السموات والأرض، وجلال الوجه الكريم الباقي يظلل النفوس والجوارح والزمان والمكان ويغمر الوجود كله بالجلال والوقار -ثم ذكر كلامًا وقال بعده- ويعقب على هذه اللمسة العميقة الأثر بنفس التعقيب فيعد استقرار هذه الحقيقة الفناء، لكل من عليها وبقاء الوجه الجليل الكريم وحده بعد استقرار هذه الحقيقة نعمة يواجه بها الجن والإنس (3).
وقال عند قوله تعالى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} ثم ماذا ينتظر هذا الأتقى الذي يؤتي ماله تطهرًا ابتغاء وجه ربه الأعلى إن الجزاء الذي يطالع القرآن به الأرواح المؤمنة هنا عجيب ومفاجئ على غير المألوف (4).
التعليق:
سيد قطب في تفسيراته لهذه الآيات لا يؤولها بل يبقيها على ظاهرها فنحن نحمله على المتبادر إلى الذهن من إثبات الصفة.
صفة الإتيان والمجيء:
قال عند قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} وهو سؤال استنكاري على علة انتظار المترددين المتلكئين الذين لا يدخلون في السلم كافة، ما الذي يقعد بهم عن الاستجابة ماذا ينتظرون وماذا يرتقبون؟ . تراهم سيظلون هكذا في موقفهم حتى يأتيهم الله سبحانه في ظلل من الغمام وتأتيهم الملائكة وبتعبير آخر هل ينتظرون ويتلكأون حتى يأتيهم اليوم الرعيب الموعود، الذي قال الله سبحانه أنه سيأتي فيه في ظلل من الغمام وتأتي الملائكة صفًّا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابًا؟ وفجأة وبينما نحن أمام السؤال الاستنكاري الذي يحمل طابع التهديد الرعيب، نجد أن اليوم قد جاء وأن كل شيء قد انتهى وأن القوم أمام المفاجأة التي كان يلوح لهم بها ويخوفهم إياها (وقضي الأمر) (1).
وقال عند قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} فأما مجيء ربك والملائكة صفًّا صفًّا فهو أمر غيبي لا ندرك طبيعته ونحن في هذه الأرض ولكنا نحس وراء التعبير بالجلال والهول، كذلك المجيء بجهنم، يأخذ منه قربها منه وقرب المعذبين منها وكفى، فأما حقيقة ما يقع وكيفيته فهو من غيب الله المكنون ليومه المعلوم.
إنما يرتسم من وراء هذه الآيات ومن خلال موسيقاها الحادة التقسيم، الشديدة الأسر مشهد ترجف له القلوب، وتخشع له الأبصار، والأرض تدك دكًا! والجبار المتكبر يتجلى ويتولى الحكم والفصل، وتقف الملائكة صفًّا صفًّا (2).
التعليق:
والذي يظهر أن سيد قطب يثبت صفة المجيء وإن كانت عبارته غير مفصحة تمامًا لكن سياقاته تدل على الإثبات.
تفسير الكرسي:
قال عند قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}.
وقد جاء التعبير في هذه الصورة الحسية في موضع التجريد المطلق على طريقة القرآن، التعبير التصويري لأن الصورة تمنح الحقيقة فالمراد تمثيلها للقلب قوة وعمقًا وثباتًا، فالكرسي يستخدم عادة في معنى ذلك، فإذا وسع كرسيه السموات والأرض فقد وسعهما سلطانه، وهذه هي الحقيقة من الناحية الذهنية ولكن الصورة التي ترسم في الحس من التعبير بالمحسوس أثبت وأمكن وكذلك التعبير بقوله {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} فهو كناية عن القدرة الكاملة ولكنه يجئ في هذه الصورة المحسوسة صورة انعدام الجهد والكلال لأن التعبير القرآني يتجه إلى رسم صور للمعاني تجسمها للحس فتكون فيه أوقع وأعمق وأحس.
ولا حاجة بنا إلى كل ما ثار من الجدل حول مثل هذه التعبيرات في القرآن إذا نحن فقهنا طريقة القرآن التعبيرية ولم نستعر من تلك الفلسفات الأجنبية الغربية التي أفسدت علينا كثيرًا من بساطة القرآن ووضوحها، ويحسن أن أضيف هنا أنني لم أعثر على أحاديث صحيحة في شأن الكرسي والعرش تفسر وتحدد المراد مما ورد  منها في القرآن ومن ثم أوثر أن لا أخوض في شأنها بأكثر من هذا البيان (1).
التعليق:
وقول سيد قطب أنه لم يعثر على حديث في تفسير الكرسي هذا مبلغ علمه رحمه الله وقد صحت الآثار عن ابن عباس وغيره في تفسير الكرسي بأنه موضع القدمين وهو من هو؟ فهو المعلم والمدعو له ممن لا يرد دعاؤه بالفقه في الدين.
صفه النفس:
قال عند قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيءٍ إلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}.
قال في معرض تفسير الآية، ولما كان الأمر في هذه الحالة متروكًا للضمائر ولتقوى القلوب وخشيتها من علام الجوب فقد تضمن التهديد تحذير المؤمنين من نقمة الله وغضبه في صورة عجيبة من التعبير حقًّا (2).
صفة اليد:
قال عند قوله تعالى: {وَقَالتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيفَ يَشَاءُ}.
وذلك من سوء تصور اليهود لله سبحانه فقد حكى القرآن الكريم من سوء تصورهم ذاك وقد قالوا: إن الله فقير ونحن أغنياء، عندما سئلوا النفقة وقالوا: يد الله مغلولة يعللون بذلك بخله فالله بزعمهم لا يعطي الناس ولا يعطيهم إلا القليل فكيف ينفقون.
وقد بلغ من غلظ حسهم وجلافة قلوبهم ألا يعبروا عن المعنى الفاسد الكاذب الذي أرادوه، وهو البخل بلفظه المباشر اختاروا لفظًا أشد وقاحة وتهجمًا وكفرًا فقالوا: يد الله مغلولة ويجئ الرد عليهم بإحقاق هذه الصفة عليهم ولعنهم وطردهم من رحمة الله جزاء: على قولهم {غُلَّتْ أَيدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} وكذلك كان فهم أبخل خلق الله بمال، ثم يصحح هذا التصور الفاسد السقيم ويصف الله سبحانه بوصفه الكريم وهو يفيض على عباده من فضله بلا حساب {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيفَ يَشَاءُ} وعطاياه التي لا تكف ولا تنفد لكل مخلوق ظاهرة للعيان شاهدة باليد المبسوطة والفضل الغامر والعطاء الجزيل ناطقة بكل لسان، ولكن اليهود لا تراها لأنها مشغولة عنها باللم والصم، والكنود، وبالجحود، والبذاءة حتى في حق الله (3).
وقال عند قوله تعالى: {قَال يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ما منعك لما خلقت بيدي والله خالق لكل شيء فلا بد أن تكون هناك خصوصية في خلق هذا الإنسان، تستحق هذا التنويه هي خصوصية العناية الربانية بهذا الكائن وإبداعه نفخة من روح الله دلالة على هذه العناية (4).

وقال عند قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْويَّاتٌ بِيَمِينِهِ}. نعم ما قدروا الله حق قدره، وهم يشركون به بعض خلقه وهم لا يعبدونه حق عبادته وهم لا يدركون وحدانيته وعظمته وهم لا يستشعرون بجلاله وقوته.
ثم يكشف لهم جانبًا من عظمة الله وقوته على طريقة التصوير القرآنية التي تقرب للبشر الحقائق الكلية، في صورة جزئية يتصورها إدراكهم المحدود؟ {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْويَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى عَمَّا يُشْرِكُونَ}. وكل ما يرد في القرآن وفي الحديث من هذه الصور والمشاهد، إنما هو تقريب للحقائق التي لا يملك البشر إدراكها بغير أن توضع لهم في تعبير يدركونه، وحتى صورة يتصورونها ومنه هذا التصوير لجانب من حقيقة القدرة المطلقة التي لا تتقيد بشكل ولا تتحيز في حيز ولا تتحدد بحدود.
التعليق:
وتأويله في هذه الصفة واضح جدًّا بل عبارته تكاد تكون مثل عبارة الزمخشري صاحب الكشاف انظر الرد على القرطبي في تأويل هذه الصفة"أ. هـ.
• قلت: قال صاحب "الغلو في الدين" عبد الرحمن اللويحق في كلامه على الحاكمية وصلتها بمظاهر الغلو: "ولسيد قطب في هذا الموضوع كتابات كثيرة بل هو الذي وسع ونشر هذا المصطلح وأذاعه وبينه في مواضع كثيرة من كتبه إذ يقول: (إن الحاكمية لله وحق تعبيد الناس، وتشريع الشرائع لهم، هي أولى خصائص الألوهية التي لا يدعيها لنفسه مؤمن بالله ولا يقره عيها مؤمن بالله كذلك، وإن الذي يدعي حق الحاكمية، وحق تعبيد الناس لما يشرعه لهم من عند نفسه إنما يدعي حق الألوهية ... " أ. هـ.
وقال عبد الرحمن اللويحق في الهامش مترجما لسيد قطب:
"هو سيد بن قطب بن إبراهيم من الدعاة والمجاهدين من المعاصرين ولد بأسيوط، وتخرج بكلية العلوم، ثم أرسل إلى أمريكا للدراسة وعاد منتقدا لما يخالف الإسلام انتمى لجماعة الإخوان المسلمين، وأوذي وسجن، وعكف على التأليف فكان من إنتاجه (في ظلال القرآن) وغيره من الكتب، توفي شهيدا إن شاء الله عام 1387 هـ" أ. هـ.
وفاته: سنة (1387 هـ) سبع وثمانين وثلاثمائة وألف.
من مصنفاته: "معالم في الطريق"، و"في ظلال القرآن"، و"المستقبل لهذا الدين" وغيرها.






مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید