المنشورات

المَقْبِلي

اللغوي، المفسر: صالح بن مهدي بن علي بن  عبد الله بن سليمان بن محمّد بن عبد الله بن سليمان بن أسعد بن منصور المقبلي ثم الصنعاني ثم المكي.
ولد: سنة (1047 هـ)، وقيل: (1040 هـ) سبع وأربعين، وقيل: أربعين وألف.
من مشايخه: السيد العلامة محمّد بن إبراهيم بن مفضل وغيره.
كلام العلماء فيه:
* البدر الطالع: "برع في جميع علوم الكتاب والسنة وحقق الأصلين والعربية والمعاني والبيان والحديث والتفسير وفاق في جميع ذلك. أكثر الحط على المعتزلة في بعض المسائل الكلامية، وعلى الأشعرية في بعض آخر، وعلى الصوفية في غالب مسائلهم، وعلى الفقهاء في كثير من تفريعاتهم، وعلى المحدثين في بعض غلوهم، ولا يبالي إذا تمسك بالدليل بمن يخالفه كائنًا من كان" أ. هـ.
* معجم المفسرين: "له مشاركة في التفسير وعلوم القرآن والحديث واللغة والتصوف والفقه ... وكان على مذهب الإمام زيد (1) ولكنه نبذ التقليد" أ. هـ.
* قلت: وبعد مراجعة كتابه "العَلَم الشامخ" (2)، وإلى جانب معرفتنا السابقة بمذهبه الزيدي، فهو أيضًا فيه اعتزال، بل إنه يدافع على بعض أصولهم ومعتقداتهم على أساس الاجتهاد، ونقده للبعض الآخر منهم وخاصة نفاة الصفات من المعتزلة، وهو أيضًا له القول على الشيعة والروافض وإعراضه عليهم، بل وحتى تعديهم، والكلام على معتقداتهم المنحرفة، فضلًا أنهم على نقيضي الحق بينهم وبين الزيدية، وما عليه أهل السنة والجماعة من السلف الصالح، ففي ذلك بون واسع.
وسوف ننقل بعض المواضع من كتابه السابق الذكر، وهو مشحون بمذاهب الفرق الإسلامية والرد على بعضها ونقد الآخر والدفاع عن غيرها، لما يجده صاحب الترجمة من الحق حسب ما يراه، وخاصة نذكر رده على الصوفية وانحرافاتهم والأشاعرة، وهذا قد يكون ديدن من مال إلى الاعتزال والمعتزلة، والعكس أيضًا صحيح، والآن نذكر تلك المواضع بدون تعليق:
قال في الزيدية بعد أن ذكر مختلف عقائد الفرق وكيف أحدها يتداخل بالأخرى، فقال عن الزيدية (ص 12):
"الزيدية في هذا الجبل من اليمن هم معتزلة في كل الموارد إلا في شيء من مسائل الإمامة وهي مسألة فقهية وإنما عدها المتكلمون من فنهم لشدة الخصام كوضع بعض الأشاعرة المسح على الخفين في مسائل الكلام وقد صرح غير واحد كابن الهمام في الأولى، وسعد الدين في الأخرى بما ذكرنا.
والمخالف في مثل هذه المسائل لا ينبغي أن يعد فرقة ما قال السيد الهادي بن إبراهيم الوزير رحمه الله تعالى وهو أشد الناس شكيمة في نصرة مذهب الزيدية والتعصب لهم والرد على مخالفيهم فقال فيهم وفي المعتزلة: "وإنما فرقة واحدة في التحقيق إذ لم يختلفوا فيما يوجب الإكفار والتفسيق" ذكر هذا في خطبة منظومته التي سماها (رياض الأبصار) عدد فيها أئمة الزيدية وعلماءها وعلماء المعتزلة متوسلًا بهم فذكر الأئمة الدعاة من الزيدية ثم علماء المعتزلة ثم علماء الزيدية من أهل البيت ثم من شيعتهم واعتذر عن تقديم المعتزلة على الزيدية بما لفظه "وأما المعتزلة فقد ذكرت بعض أكابرهم، وكراسي منابرهم، مع إجمال واهمال، إذ هم الأعداد الكثيرة، والطبقات الشهيرة، ورأيت تقديمهم على الزيدية لأنهم سادتها وعلماؤها فألحقت سمطهم بسمط الأئمة وذلك لتقدمهم في الرتبات، ولأنهم مشايخ سادتنا وعلمائا القادات" وهذا الذي قال هو حقيقة الأمر في اتحاد هاتين الفرقتين كما لا يخفى على من صح أن يُعدّ من أهل هذا الشأن".
ثم قال (ص 13): "وعلى الجملة فهذا أمر أوضح من أن يشرح حتى قال بعض الأشاعرة وقد عدد الفرق: وأما الزيدية فلا ينبغي أن يعدوا فرقة مستقلة وإنما هم مقلدون للمعتزلة في الأصول وللحنفية في الفروع. لما رأى في الموافقة، لكنه تعصب في هذا الكلام وما أنصف، أو خبط وجازف، فكم فيهم من إمام نظار، وسابق لا يشق له غبار، وأيضًا فليس موافقتهم للحنفية غالبة بل ذلك في بعض أئمتهم، وبعضهم يغلب على مذهبه مذهب الشافعي كالناصر الأطروش".
وقال (ص 14): "وإنما أطلت لك الكلام في اتحاد الفريقين مع وضوحه لما ظهر في بعض أهل العصر من اعتقاد التباين الكلي بينهما بسبب أن بعض المتأخرين (1) ألف كتابًا يقول فيه: أئتمنا كذا المعتزلة كذا أو خلافًا للمعتزلة أو نحو ذلك، وإنما هو اختيار في غالب كتابه كلام البغدادية وكان الغالب على هذه الجهة مذهب البصرية بل البهشمية فيخيل للقاصرين أن تلك المقالات تختص أهل البيت وهي مذهب البغدادية، وأئمة الزيدية فضلًا عن غيرهم يخالفون تلك المذاهب وليت أهل عصرك عرفوا حقيقة ذلك الكتاب وساروا بسيره، ولكنهم فاتهم حقيقته وحقيقة غيره".
ثم نذكر ما قاله حول تفسير الآيات كآيات الرحمة، وآيات الصفات وغيرها ثم يقول (ص 48): "ويجري على نحو هذا سائر الآيات كما يفعله صاحب الكشاف إلا أنه ينزل على مذهبه في الوعيد كما هي عادة غالبة على الناس في جعل المذاهب مركزًا وتنزيل الكتاب والسنة عليها وإذا قلت لهم في ذلك قالوا قاد إليه الذي دل على صحة المذهب وإذا نظرت إلى ذلك المذهب ودليله وجدت بين ذلك الدليل وبين ما عطفوه إليه ما بين السماء والأرض وإن شئت فانظر وعادل بين العمومات التي يدندن حولها الوعيدية ويبين قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وانظر كيف طرح الزمخشري صناعته الباهرة. ونكص عن إمامته الظاهرة، فقال معنى الآية إن الله لا يغفر الشرك ولا ما دونه بأن جمعهما في نفي أو إثبات أو قرنهما مع تقييد أحدهما بأحدهما وعكسه. ومن عمى التعصب أنه ضرب مثلًا هو نقيض الآية وجعله نصيرًا لها فقال ونظيره قولك إن الأمير لا يبذل الدينا ويبذل القنطار لمن يستأهله يريد لا يبذل الدينار لمن لا يستأهله ويبذل القنطار لمن يستأهله ونظير هذا في كلام الأشاعرة قولهم في قوله تعالى: {لَا تُدْركُهُ الأَبْصَارُ} الآية صيروا معناها لا تدركه بعض الأبصار وتدركه بعضها في بعض الأوقات فعلى هذا لو قال تدركه الأبصار لبقي ذلك المعنى المراد بزعمهم على حاله وهذا لعمرك التحريف ويكفيك صنع الفريقين في هاتين الآيتين آية ثم تتبع بعد أن تغسل قلبك بماء وسدر من وسخ العصبية فكلام الزمخشري على هذا النمط في رعاية المذهب فإن صادف محلًا غريبًا خاليًا عن المذاهب فالإمام الذي لا يطاول، والهزبر الذي لا ينازل، ثم قابله الآخذون من كتابه كالبيضاوي الذي قلما يحصلون على طائل غير ما في كتابه كان أعجبك شيء زادوه في موضع فهو مأخوذ من كلامه في موضع آخر وإنما مرمى غرضهم إزالة مذهب الزمخشري وتجريد فوائده ولم يقدروا على ذلك فكثيرًا ما يبنون كلامهم على مذهب الاعتزال مع اجتهادهم أن ينزلوا كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه على تلك القواعد المنهارة من نفي الحكمة والغرض وصفات الأفعال ومن الجبر ووجوب المراد وغير ذلك، وهذا شيء عارض في هذا الموضع أوجبه الشغف بنصيحة الأمثال والتنويه بما أنعم الله به وله المنة من التبرؤ من الاعتصام بمذهب مخصوص غثه وسمينه واعتقاد أن ما عداه بدعة وضلال، فلقد صار الاقتصار على مذهب معين في الأصول وفي الفروع أمرًا محتومًا، وكان الأخذ من كل قول أحسنه صار بطلانه من الدين معلومًا، بل أخص من هذا وهو اشتراط أن يكون المتمذهب للآباء والأسلاف، وعلى طريقة من سقط رأسك في حجره من الأخلاف ... " إلى آخر كلامه.
وننقل الآن ما قاله في شيخ الإسلام ابن تيمية حين نقل عنه رده عن الفلاسفة وإاثبات جهة الفوقية (ص 87): "وقد أحسن القول وأشبع الفصل معهم ابن تيمية ولكنه حين جاء إلى مذهب سلفه من إثبات جهة فوق ناقض وتخبط وادعى على جمع السلف موافقته على دعواه العاطلة وجعل حجته الظواهر الشاهدة بالفوقية مع موافقته للناس فيما سواها مما يدل على غير جهة الفوق ولا مخصص (1) إلا ذهاب سلفه إلى ذلك وأما دعواه على السلف فكاذبة بأنه لم يجيء عنهم نفي ولا إثبات وكل واحد مما ذهب إلى أي مذهب قال هو مذهب سلف الأمة (2):

 وكل يدعي وصلًا لليلى ... وليلى لا تقر لهم بذاكا
فليتنبه لهذه النكتة فإنها من المتممات.
وأما إثبات الجهة ونفيها فهو من جملة تكييف الصفات وقد أخطأ المتكلمون فيهما قطعًا لأنه فرع معرفة كيفية الاختصاص المتفرع على معرفة ماهية الذات المقدس والله سبحانه إنما قال لنا: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ} وأراد نفي مماثلة تستلزم النقص أما بذاتها كالعجز ونحوه أو بكيفيتها فإنه موجود عالم لكن صفانه غير مكيفة فالآية شاملة لكن مدلولها أمر نفي كما عرفت فإن أراد مثبت الجهة أو نافيها ما عقلناه من اختصاص الجسم في السمع أو في العقل والنافي أشد خطرًا والمثبت خاطر في القطع وفي التخصيص من غير مخصص ولم يجد أَبو العباس ابن تيمية فارقًا غير دعوى الإجماع وقد أخطأ في ذلك خطأ فاحشًا فإنه في نفسه مسلّم مذهب السلف في ترك التأويل مع التنزيه عما لا يليق بصفات الكمال والجزم بنفي ما عدا جهة فوق ينافي السكوت والتسليم والقطع بأن لذلك معنى صحيحًا صادقًا ولا يكيف له كسائر الصفات، ويا سبحان الله ما الفرق بين صفة وصفة، ومذاهب المتكلمين وكلماتهم هنا فارغة عن التحصيل، أجنبية عن محل النزاع".
وفي الزيدية يقول أيضًا: (ص 208):
"والسبب أن الزيدية ما زال فيهم قائم في الأشراف وعوامهم يكادون يلحقون الإمام بالنبي يحاربون معه بلا جعل لا كسائر الملوك ومن مذهبهم وجوب الخروج على الظلمة والجورة وأن يكون القاتم عدلًا مقسطًا وهو على الإيمان ورضاء الرحمن ومن مذهبهم تقديم علي رضي الله عنه في الإمامة بل هو أول الأئمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - قام أو قعد وينحصر بعده في السنين وولدهما إلى آخر الدهر مع كمال الشرائط عندهم ويخصون الثلاثة المشايخ رضي الله عنهم بالتأويل ولا يتأولون لمعاوية ونحوه من المخالفين فكل باغ يجب الخروج عليه وهذا شيء معلوم من قديم الدهر في الزيدية وبه انفصلوا عن سائر المذاهب وليس لهم كبير خلاف بعد ذلك بل يوافقون المعتزلة في العقائد وأما الفروع فأئمتهم يختلفون: منهم من يغلب عليه مذهب الحنفية ومنهم من يغلب عليه مذهب الشافعي موافقة لا تقليدًا ومنهم من لم يكن كذلك بل شأنهم شأن سائر المجتهدين إنما يعظم الخلاف التعصب، ألا ترى سجود السهو صار كالعلم لهم حتى نرى أهل المذاهب الأربعة يتركونه البتة ما شهدناهم يفعلونه قط والسبب إنما هو قوة تحري الزيدية واحتياطهم كفعلهم في الوضوء حتى نقم عليهم الدامغاني كثرة الوضوء وقال هو مخالفة للسنة وصدق وسجود السهو من ذلك القبيل وهو نوع من الغلو في الدين كما قال بعضهم إن الشك في الوضوء إنما يقع للمتدين البالغ كالمحقق ابن دقيق العيد فالزيدية أفرطوا والمذاهب الأربعة فرطوا".
وهذه فائدة نذكرها عنه عند قول الذهبي في "الميزان" عن أبان بن تغلب وقد ترجمة للأخير في موضعه من الموسوعة: "قال الذهبي في الميزان في ترجمة أبان بن تغلب الكوفي: شيعي جلد لكنه صدوق فلنا صدقه وعليه بدعته وقد وثقه أحمد وابن معين وأَبو حاتم وأورده ابن عدي، وقال كان غاليًا وقال الجوزجاني زائغ مجاهر.
فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع وحق الثقة العدالة والإتقان فكيف يكون عدلًا من هو صاحب بدعة؟ وجوابه أن البدعة على ضربين فبدعة صغرى كغلو التشيع أو كالتشيع بلا غلو ولا تحريف فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق فلو ذهب حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل والغلو فيه والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما والدعاء إلى ذلك فهذا النوع لا يحتج به ولا كرامة ولا أستحضر الآن رجلًا صادقًا ولا مأمونًا، بل الكذب شعارهم، والتقية والنفاق دثارهم، أما غلاة الشيعة في عرف السلف فهو في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليًّا رضي الله عنه أو تعرض لسبهم والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة ويتبرأ من الشيخين أيضًا وهذا ضال مغتر ولم يكن أبان بن تغلب ممن يتعرض للشيخين أصلًا بل قد يعتقد أن عليًّا أفضل منهما انتهى كلام الذهبي وهو من أشد الناس على الشيعة ومؤدى كلام غيره من المعتبرين نحوه فمن هذا لعلم أن الزيدية ليسو من الرافضة بل ولا من غلاة الشيعة في عرف المتأخرين ولا في عرف السلف فإنهم الآن مستقر مذهبهم الترضي على عثمان وطلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم فضلًا عن الشيخين وفليل منهم يتوفف كتوقف متفسقة الخوارج في علي - رضي الله عنه - لأنه رويت ثوبته بزعمهم الفاسد وإن كان بين الفريقين بون بعيد، فهذا مذهب الزيدية وها هم يفيضون من دائرة اليمن ويلتضون في كل مفصل في الحجاز سيما بين الحرمين الشريفين وبادية المدينة المشرفة حتى إن الأفراد من المذاهب الأربعة إذا مروا بهم في محالهم المعروفة يتقونهم ويتظهرون بالتشيع لا محاض البادية فيهم مع غلوهم في عدم الاعتداد بمن ليس بشيعي إنما الظهور والخفاء بحسب الدولة ولو أنصفت لعلمت أن بدعتهم دون باع غيرهم مما قد ذكرنا في هذه الأبحاث.
وها أنا نشأت فيهم وبرأني الله من بدعتهم هذه ونجاني منها كما نجاني من غيرها من بدع غيرهم مما عرفت حتى لقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يشكر في ذلك ويحذر من التهاون بحانب الصحابة رضي الله عنهم.
وقال عن المعتزلة (ص 222): "وأما المعتزلة فهم فريقان وليسو كلهم يكفرون بالتأويل كما تراه في كتب الأشاعرة ولكن صار كل من الفرق يحكي الشر عن مخالفه ويكتم الخير بل يروي الكذب والبهت كما قدمناه وكما تذكر الأشاعرة أن المعتزلة تنكر عذاب القبر ترى ذلك فاشيًا بينهم حتى القشيري في التخيير شرح الأسماء الحسنى وكأنه استند في ذلك إلى الكشف. وأما النقل فباطل وهو شبيه قذف الغافلات فإن المعتزلة لا يكاد يظن قائلًا يقول هذا إلا شذوذًا مثل المريسي وضرار وهما بيت الغرائب مع أن ضرارًا ليس من المعتزلة في روايتهم لأنهم رووا عنه القول بالرواية بحاسة سادسة ورووا عنه القول بخلق الأفعال وإنه رجع عن الاعتزال بسبب شبهة أن يكون فعل العبد أشرف من فعل الله تعالى وعلى الجملة فليس شذوذ عن الفريقين بغريب وإنما المنكر إلزام المعتزلة قوله وإنما هذه المسألة كسائر المسائل بل لا بد فيها من شذوذ كشذوذات العنبري والظاهرية وهذا شيء كبير يطلعك عليه كتب المقالات ودع عنك المتكلمين".
ثم ذكر كتاب "الصراط المستقيم" لابن تيمية، وقوله في زيارة القبور (ص 249): "وقد صنف ابن تيمية كتابه الصراط المستقيم في أعياد أصحاب الجحيم وذكر أن أصل إحداث المسلمين لهذه الأعياد لها أصل منهم إما من اليهود أو النصارى أو المجوس عبدة الأوثان والنار ولذا يكثرون في بعضها النيران وذكر أشياء طويلة مفصلة مفيدة لكن يدل أن هذا شيء قد يختلف كثيرًا بحسب البلدان والأزمان لأن بعض ما ذكر ما سمعنا به وكأنه في الشام لأنها بلده ورأينا أشياء لم يذكرها وهذا الكتاب هو الذي يذكر عن ابن تيمية فيه أنه أنكر زيارة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشنعوا عليه ومن عرف كلامه عرف أنهم لم ينصفوه إنما أنكر هذه العوارض والحوادث وكيف وهو مصرح شرعية زيارة القبور ولكن الناس يعادون من خالهم حتى بهته السبكي بزيادة من عنده في أنه خالف الإجماع وقال وكيف يقبل قول من لا يكاد يخالف أصحابه شعرة مع دعواه الاجتهاد والعلم الكثير على من يقول قولًا ويسرد من الأدلة ما يملأ السمع والبصر كتابًا وسنة".
لم يتكلم عن تفسير الآيات، وما نقله من "الكشاف" وقول الزمخشري في تفسير الآيات حيث قال (ص 388): "إذا تحققت هذا فنحن نصحح تفاسير الزمخشري لهذه الآيات بالمعنى الذي يبقى معه الاختيار خلا أنا لا نحصر الأمر عليه وهذا كله بناء على أن معنى الإلجاء عند المعتزلة أمر متحقق وقد قدمنا أن كلامهم فيه متهافت وقد اعترف لي فيه شيخنا مع أنه في معرفة كلامهم والذب عنهم بمنزلة لا يوجد اليوم نظيره فيما أظن وأعني به شيخنا في الكلام وهو القاضي مهدي ابن عبد الهادي الثلاني عرف بالحسوسة تفسيرهم أي الأشاعرة لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَال ذَرَّةٍ} الخ كأنه نبض للسيد الصفوي هنا عرق فقال في جامع البيان في تفسير قوله تعالى: {وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالمِينَ} لأنه حكم عدل لا يجري في ملكه إلا من يشاء فلا يحتاج إلى ظلم لأحد فلهذا قال: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} فيجازي بما وعد وأوعد".
وإليك عزيزي القاريء قوله في مقتضى تفسير بعض الآيات، والقول بخلق أفعال العباد (ص 232): "قوله مع أن مذهبه يقتضي إلخ. يعني مع ضم هذه الآية الكريمة وجعلها صغرى هكذا {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} وكل ما أراده الله واقع، فكل يسر واقع، {وَلَا يُرِيدُ بكُمُ الْعُسْرَ} وكل ما لم يرده الله لم يقع، فكل عسر غير واقع. ولا شك في عموم اليسر والعسر في الآية للسياق وللام الجنسية وأيضًا يلزم من عدم العموم ما قلنا في {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} من تعطيل ما لا شك في إرادته (فإن قلت) لا بد من تخصيص اليسر والعسر لوقوعهما من أفعاله تعالى وكل أفعاله تعالى مرادة (قلت) هذا كما ذكرنا في مسمى الخير والشر أنه يكون بالنظر إلى ذات المسمى تارة وبالنظر إلى ما يلازمه أخرى فمشقة التكليف مثلًا يسر نظرًا إلى مآلها كما سميناه خيرًا وكذلك المصائب بالذنوب للتطهير أو للابتلاء اللازم عنه قرب الخير أو السلامة من الشر ويسر المستلذات المحرمة مثلًا عسر بمثل ما ذكر، هذا في أفعاله تعالى، وأفعال العباد المراد منها له سبحانه كذلك، وعلى نحوه وهذا لا يتمشى على مذهب الأشعري لأن متعلق الإرادة عنده كل واقع وعندنا كل حكمة وبينهما عموم وخصوص من وجه" أ. هـ.
وكتابه "العلم الشامخ" فيه ما يرجوه صاحب المعرفة في معارف الفرق ومعتقدهم وهو كتاب قيم لمن أراد معرفة الخلاف بين الفرق عن مختلف المعتقدات، لمن كان له علم جيد في العقيدة وأصول الدين .. والحمد لله رب العالمين.
وفاته: سنة (1108 هـ) ثمان ومائة وألف.
من مصنفاته: "العلم الشامخ" اعترض فيه على علماء الكلام والصوفية، وتفسير "الاتحاف لطلبة الكشاف"، انتقد على الزمخشري، و"الأبحاث المسددة" جمع مباحث تفسيرية حديثية وفقهية وأصولية.






مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید