المنشورات

ابن عَطِية الْمُحارِبي

النحوي، اللغوي، المفسر عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن -وقيل عبد الملك- بن غالب بن تمام بن عبد الرؤوف بن عبد الله بن تمام بن عطية المحاربي المالكي، أبو محمد.
ولد: سنة (481 هـ) إحدى وثمانين وأربعمائة.
من مشايخه: أبو علي الغساني، وأبو عبد الله بن محمّد بن فرج مولى الطلاع وغيرهما.
من تلامذته: أبو بكر بن أبي جمرة، وأبو محمد عبيد الله، وأبو القاسم حبيش وغيرهم.
كلام العلماء فيه:
* بغية الملتمس: "فقيه، حافظ، محدث مشهور أديب، نحوي، شاعر، بليغ، كاتب" أ. هـ.
* الصلة: "كان واسع المعرفة، قوي الأدب، متفنّنًا في العلوم أخذ الناس عنه" أ. هـ.
* تاريخ الإسلام: "الإمام الكبير قُدوة المفسرين، أبو محمد ابن الحافظ الناقد الحجة" أ. هـ.
* السير: "الإمام العلامة شيخ المفسرين".
وقال: "كان إمامًا في الفقه، وفي التفسير، وفي العربية، قوي المشاركة، ذكيًا فطنًا مدركًا، من أوعية العلم" أ. هـ.
* الوافي: "كان فقيهًا عارفًا بالأحكام والحديث والتفسير بارعًا في الأدب ذا ضبط وتقييد وتجويد وذهن سيّال، ولو لم يكن له إلا تفسيره لكفى" أ. هـ.
* نفح الطيب: "قال في الإحاطة: حسن التقييد له نظم ونثر ... وكان غاية في الذكاء والدهاء والتهمم بالعلم، سَري الهمة في اقتناء الكتب، توخى الحق وعدل في الحكم، وأعز الخطة" أ. هـ.
* بغية الوعاة: "قال ابن الزبير: كان فقيهًا جليلًا عارفًا بالأحكام والحديث والتفسير، نحويًّا لغويًّا أديبًا، بارعًا شاعرا مفيدًا، ضابطًا سنيًا، فاضلًا من بيت علم وجلالة، غاية في توقد الذهن وحسن الفهم وجلالة التصرف" أ. هـ.
* كشف الظنون: "ابن عطية أجل من صنف في علم التفسير وأفضل من تعرض للتنقيح فيه والتحرير، وقيل كتابه أقل وأجمع وأخلص، وكتاب الزمخشري الخص وأغوص" أ. هـ.
* قلت: ومن مجلة "الحكمة" العدد السابع (ص 214): "كلام ابن تيمية في تفسير ابن عطية:
أ. مجموع الفتاوى (13/ 361): "وتفسير ابن عطية وأمثاله، أتبع للسنة والجماعة، وأسلم من البدعة من تفسير الزمخشري، ولو ذكر كلام السلف الموجود في التفاسير المأثورة عنهم على وجهه لكان أحسن وأجمل، فإنه كثيرًا ما ينقل عن تفسير محمّد بن جرير الطبري، وهو من أجل التفاسير المأثورة وأعظمها قدرًا، ثم إنه يدع ما نقله ابن جرير عن السلف، لا يحكيه بحال ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين، وإنما يعني بهم طائفة، من أهل الكلام الذين قرروا أصولهم بطرق من جنس ما قررت به المعتزلة أصولهم، وإن كانوا أقرب إلى السنة من المعتزلة، لكن ينبغي أن يعطي كل ذي حق حقه، ويعرف أن هذا من جملة التفسير على المذهب.
فإن الصحابة والتابعين والأئمة إذا كان لهم في تفسير الآية قول، وجاء قوم فسروا الآية بقول آخر لأجل مذهب اعتقدوه، وذلك المذهب ليس من مذاهب الصحابة، والتابعين لهم بإحسان صاروا مشاركين للمعتزلة وغيرهم من أهل البدع في مثل هذا".
ب. مجموع الفتاوى (13/ 385) عندما سئل عن مجموعة من التفاسير: "وتفسير ابن عطية خير من تفسير الزمخشري وأبعد عن البدع، كان اشتمل على بعضها، بل هو خير منه بكثير، بل لعله أرجح هذه التفاسير، لكن تفسير ابن جرير أصح من هذه كلها".
ج. منهاج السنة (5/ 257) ذكر قولًا لابن عطية منقولًا عن ابن عباس ثمّ ردّهُ.
ثم ننقل ما قاله المغراوي في "المفسرون بين التأويل والإثبات" حول تفسير ابن عطية ما نصه: "اشتهر بفصاحته، ودقة عبارته، له خبرة بعلم الكلام وفنيته، اتخذه المتأخرون مصدرًا للنقل من تفسيره إلى تفاسيرهم، وقد ضم معظم تفسيره أبو عبد الله القرطبي كما قدمت الكلام عليه، بل كثيرًا ما ينقل عبارته ولا ينسبها إليه، ضاهى الزمخشري في الشهرة بالنسبة إلى تفاسير الأشاعرة".
ثم قال: "فهذه كلمة خبير بالتفسير وأصوله ومؤلفات التفسير وأنواعها.
وأما عقيدته في تفسيره في الصفات: فالمطبوع الذي بين أيدينا لم يتجاوز سورة الأنفال، حتى نستطيع أن نأخذ كل الصفات من المصدر نفسه، لكن معظم الصفات وأهمها أخذناه من الجزء الموجود في المطبوع، وهي كافية في إظهار عقيدة الرجل، بل الصفات المأخوذة هي مخ الصفات وأعظمها، ففيها تستبدل العبارة بالعبارة التي تليها يظهر ميلًا إلى التأويل فيها.
فالاستواء، والوجه، واليد، والإتيان والمجيء، هذه هي أهم الصفات فأبو محمّد بن عطية عبد الحق: مؤول أشعري يدافع عن التأويل الأشعري بما يراه ويسميه التحقيق، على أن القول عن ابن عطية في باقي الصفات موجودة ميسرة والحمد لله.
وتفسيره قد اختصره الثعالبي الجزائري، وذكر أهم ما يوجد في تفسير ابن عطية وقد بينا ما فيه من الكلام عليه فليرجع إليه.

صفة الاستهزاء
قال عند قوله تعالى: {الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون}.
اختلف المفسرون في هذا الاستهزاء، فقال جمهور العلماء: هي تسمية العقوبة باسم الذنب.
والعرب تستعمل ذلك كثيرا، ومنه قول الشاعر:
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
وقال قوم: إن الله تعالى يفعل بهم أفعالا هي في تأمل البشر هزؤ حسبما يرى أن النار تجمد كما تجمد الإهالة فيمشون عليها ويطئونها.
وما يروى أن أبواب النار تفتح لهم فيذهبون إلى الخروج نحا هذا المنحى ابن عباس والحسن، وقال قوم: استهزاؤه بهم هو استدراجهم من حيث لا يعلمون، وذلك أنهم بدور نعم الله الدنيوية عليهم يظنون أنه راض عنهم وهو تعالى قد حتم عذابهم فهذا على تأمل البشر كأنه استهزاء (1).

صفة الغضب
قال عند قوله تعالى: {غير المغضوب عليهم} وغضب الله تعالى عبارة عن إظهاره عليهم محنا وعقوبات وذلة، ونحو ذلك، مما يدل على أنه قد أبعدهم عن رحمته بعدا مؤكدا مبالغا فيه (2).
التعليق:
والتأويل في هذه الصفة واضح.

صفة الحياء
قال عند قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلًا ما بعوضة فما فوقها} واختلف المتأولون في معنى: (يستحي) في هذه الآية فرجح الطبري أن معناه يخشى، وقال غيره: معناه يترك، وهذا هو الأولى، ومن قال يمتنع أو يمنعه الحياء فهو يترك أو قريب منه. ولما كان الجليل القدر في الشاهد لا يمنعه في الخوض في نازل القول إلا الحياء من ذلك رد الله بقوله {إن الله لا يستحي} عن القائلين كيف يضرب الله مثلًا بالذباب ونحوه، أي أن هذه الأشياء ليست من نازل القول، إذ هي من الفصيح في المعنى المبلغ أغراض المتكلم إلى نفس السامع، فليس مما يستحي منه.
وحكى المهدوي أن الاستحياء في هذه الآية راجع إلى الناس، وهذا غير مرضي. (3)

صفة الاستواء
أما أبو محمد بن عطية فيمزج بين الأشعرية والاعتزال، ويميل أحيانا إلى الاعتزال، وفي هذه الصفة بالخصوص ذهب مذهب المتأولة، وهاك ما قاله عند قوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات}.
قال: ثم هنا هي لترتيب الأمر في نفسه، واستوى، قال قوم: معناه: علا دون تكييف ولا تحديد، هذا اختيار الطبري، والتقدير علا أمره وقدرته، وسلطانه.
وقال ابن كيسان: معناه قصد إلى السماء، قال أبو محمد: أي بخلقه واختراعه، وقيل معناه: كل صنعة فيها، كما تقول استولى الأمر.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قلق، وحكى الطبري عن قوم: إن المعنى أقبل وضعفه، وحكى عن قوم المستوى هو الدخان، وهذا أيضًا يأباه وصف الكلام، وقيل المعنى: استوى كما قال الشاعر:
قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق
وهذا إنما يجيء في قوله تعالى: {عَلَى العَرشِ استَوَى} والقاعدة في هذه الآية ونحوها منع النقلة وحلول الحوادث، ويبقى استوى القدرة والسلطان (1).

صفة المحبة
قال عند قوله تعالى: {قُل إن كُنتُم تحِبونَ اللهَ فَاتبعُوني يُحببكُمُ اللْهُ وَيَغفِر لَكُم ذنوبَكُم وَاللهُ غَفُور رحِيم}.
ومحبة الله للعبد، أمارتها للمتأمل أن يرى مهديًا ومسددًا، ذا قبول في الأرض، فلطف الله بالعبد ورحمته إياه هي ثمرة محبته، وبهذا النظر يتفسر لفظه المحبة حيث وقعت من كتاب الله عز وجل (2).
التعليق:
المفسر تحدث عن أمارة الصفة ولم يتحدث عن الصفة نفسها وواضح أن صفة المحبة هي حقيقة من غير مشابهة للبشر.

صفة الكلام
وقد ذهب أبو محمّد بن عطية في تفسير الكلام إلى مذهب الأشاعرة فقال عند قوله تعالى: {وَكلَّمَ اللهُ مُوسَى تكلِيمًا} وكلام الله لنبي موسى - عليه السلام - دون تكييف ولا تحديد، ولا تجويز حدوث ولا حروف ولا أصوات، والذي عليه الراسخون في العلم أن الكلام هو المعنى القائم في النفس، ويخلق الله لموسى أو جبريل إدراكًا من جهة السمع يتحصل به الكلام، وكما أن الله تعالى موجود لا كالموجودات، معلوم لا كالمعلومات، فكذلك كلامه لا كالكلام، وما روي عن كعب الأحبار وعن محمّد بن كعب القرظي ونحوهما: من أن الذي سمع موسى كان كأشد ما يسمع من الصواعق، وفي رواية أخرى كالرعد الساكن، فذلك كله غير مرضي عند الأصوليين (3).

صفة الوجه
" موقف القاضي أبي محمد بن عطية من صفة الوجه".
ابن عطية هو شيخ القرطبي في تأويل الصفات، وقد نقل عنه في تفسيره معظم تأويلاته في آيات الصفات، وفي هذه الصفة بالخصوص مؤول معطل، تبعًا لمذهبه الأشعري الممزوج بالاعتزال.

قال ما نصه عند قوله تعالى: {فأينمَا توَلوا فَثم وَجهُ اللهِ} واختلف الناس في تأويل الوجه الذي جاء مضافًا إلى الله تعالى في مواضع من القرآن، فقال الحذاق: ذلك راجع إلى الوجود، والعبارة عنه بالوجه من مجاز كلام العرب، إذ كان الوجه أظهر الأعضاء في الشاهد وأجلها قدرًا، وقال بعض الأئمة: تلك الصفة ثابتة بالسمع، زائدة على ما توجبه العقول من صفات القديم تعالى، وضعف أبو المعالي هذا القول ويتجه في بعض المواضع كهذه الآية خاصة أن يراد بالوجه، الجهة التي وجهنا إليها في القبلة جسمًا يأتي في أحد الأقوال.
وقال أبو منصور في المقنع: يحتمل أن يراد بالوجه هنا الجاه، كما تقول: فلان وجه القوم أي موضع شرفهم فالتقدير فثم جلال الله وعظمته. (1)

صفة المجيء بالإتيان
قال عند قوله تعالى: {هَل يَنظُرُونَ إلا أن يَأتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَل مْنَ الغمَام وَالمَلائِكَةُ}.
والمعنى: يأتيهم حكم الله وأمره ونهيه وعقابه إياهم، وذهب ابن جريج وغيره إلى أن هذا التوعد بما يقع في الدنيا (2).
وقال عند قوله تعالى من سورة الأنعام: {هَل يَنظُرُونَ إلا أن تأتِيهُمُ المَلائِكَةُ أو يَأتِيَ رَبُّكَ أو يَأتيَ بَعضُ آيَاتِ رَبكَ}.
قال الطبري: لموقف الحساب يوم القيامة وأسند ذلك إلى قتادة وجماعة من المتأولين.
وحكى الزجاج أن المراد بقوله: أو يأتي ربك، أي العذاب الذي يسلطه الله في الدنيا على من يشاء من عباده، كالصيحات والرجفات والخسف ونحوه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا الكلام على كل تأويل فإنما هو محذف مضاف تقديره أمر ربك، أو بطش ربك، أو حساب ربك، وإلا فالإتيان المفهوم من اللغة مستحيل في حق الله تعالى، ألا ترى أن الله تعالى يقول: {فَأتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيثُ لَم يَحتسِبُوا} فهذا إتيان قد وقع على المجاز وحذف المضاف. (3)
أما ظاهر اللفظ لو وقفنا معه فيقتضي أنه توعده بالشهير الفظيع من أشراط الساعة دون أن يخص من ذلك شرطًا، يريد بذلك الإبهام الذي يترك السامع مع أقوى تخيله، لكن لما قال بعد ذلك {يومَ يَأتِي بَعضُ آياتِ رَبكَ لَا يَنفَعُ نفْسًا إيمَانهَا} وبينت الآثار الصحاح في البخاري ومسلم أن الآية التي معها هذا الشرط هي طلوع الشمس من مغربها أو يأتي بعض آيات ربك إنما هي إلى طلوع الشمس من مغربها أو يأتي بعض آيات ربك، وقال بهذا التأويل مجاهد، وقتادة والسدي وغيره، ويقوي أيضًا أن تكون الإشارة إلى غرغرة الإنسان عند الموت.
التعليق:
وعجبًا لأبي محمد بن عطية كيف يذهب هذا المذهب وقد اطلع على ما ذكر الطبري في تفسيره


واختياره لمذهب السلف والله يخبر في القرآن أنه يأتي ويجيء، وهؤلاء يقدرون المضافات التي يرونها تخلصهم من ورطة التشبيه التي تخيلوها في أذهانهم، وتمسكوا ببعض الشبه التي ألجأتهم إلى ما هم عليه كقوله تعالى: {فَأَتى اللهُ بُنيانهُم منَ الْقَوَاعِدِ} وقوله: {فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا}.

تفسير الكرسي
قال عند قوله تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بشَيءٍ منْ عِلمِهِ إلا بمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}.
واختلف الناس في الكرسي الذي وصفه الله تعالى بأنه وسع السموات والأرض، فقال ابن عباس: كرسيه علمه ورجحه الطبري، وقال: ومن الكراسة للصحائف التي تضم العلم، ومنه قيل للعلماء الكراسي، ولأنهم هم المعتمد عليهم، كما يقال أوتاد الارض، وهذه الألفاظ تعطي نقض ما ذهب إليه من أن الكرسي العلم.
قال الطبري، ومنه قول الشاعر:
تحف بهم بيض الوجوه وعصبة ... كراسي بالأحداث حين تنوب
يريد بذلك علماء بحوادث الأمور ونوازلها.
وقال أبو موسى الأشعري: الكرسي موضع القدمين، وله أطيط كأطيط الرحل، وقال السدي: هو موضع قدميه (1).

صفة النفس
قال عند قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}.
وقوله تعالى: {وَيُحَذِّرْكُمُ اللهُ .. } وعيد وتنبيه، ووعظ وتذكير بالآخرة، وقوله (نفسه) نائبة عن إياه وهذه مخاطبة على معهود ما يفهمه البشر، والنفس في مثل هذا راجع إلى الذات، وفي الكلام حذف مضاف، لأن التحذير إنما هو من عقاب وتنكيل ونحوه، فقال ابن عباس والحسن: ويحذركم عقابه. (2)

صفة العندية
قال عند قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (عند ربهم) فيه حذف مضاف، تقديره عند كرامة ربهم، لأن عند تقتضي غاية القرب، ولذلك لم تصغر، قاله سيبويه (3).
التعليق:
أثبت الصفة ثم أثبت اللازم لأن التأويل لا ينفع عند الله لأنه أخو الكذب كما قال بعض السلف.

صفة اليد
قال أبو محمد بن عطية في تفسير عند قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} الآية.
العقيدة في هذا المعنى نفي التشبيه عن الله تعالى، وأنه ليس بحسم ولا جارحة ولا يشبه، ولا يكيف، ولا يتحيز في جهة كالجواهر، ولا تحله الحوادث، تعالى عما يقول المبطلون.
ثم اختلف العلماء فيما ينبغي أن يعتقد في قوله تعالى: {بل يَدَاهُ} وفي قوله: {بيدي} و {عملته أيدينا} و {يد الله فوق أيديهم} و {لتصنع على عيني} و {لتجري بأعيننا} [القمر: 14]، {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا} [الطور: 48] , و {كل شيء هالك إلا وجهه} ونحو هذا.
فقال فريق من العلماء، منهم الشعبي، وابن المسيب، وسفيان، يؤمن بهذه الأشياء وتقرأ كما نص الله، ولا تعنى لتفسير أولًا يشقق النظر فيها.
قال القاضي أبو محمّد وهذا قول يضطرب، لأن القائلين به يجمعون على أنها ليست على ظاهرها في كلام العرب، فإذا فعلوا هذا فقد نظروا وصار السكوت عن الأمر بعد هذا مما يوهم العوام ويتيه الجهلة.
وقال جمهور الأمة: بل تفسير هذه الأمور على قوانين اللغة ومجاز الاستعارة وغير ذلك عن أفانين كلام العرب، فقالوا في العين والأعين: أنها عبارة عن العلم والإدراك، كما يقال فلان من فلان بمرأى ومسمع، إذا كان يعني بأموره وإن كان غائبًا عنه.
وقالوا في الوجه: إنه عبارة عن الذات وصفاتها، وقالوا في اليد واليدين والأيدي أنها تأتي مرة بمعنى القدرة كما تقول العرب لا يد لي بكذا، ومرة بمعنى القدرة كما تقول العرب لا يدلي بكذا، ومرة بمعنى النعمة كما يقال: لفلان عند فلان يد، وتكون بمعنى الملك كما يقال: يد فلان على أرضه، وهذه المعاني إذا وردت عن الله تبارك وتعالى عبر عنها باليد أو اليدين استعمالًا لفصاحة العرب ولما في ذلك من الإيجاز، وهذا مذهب أبي المعالي والحذاق.
وقال قوم من العلماء: منهم القاضي ابن الطيب؛ هذه كلها صفات زائدة على الذات، ثابت لله دون أن يكون في ذلك تشبيه ولا تحديد، وذكر هذا الطبري وغيره.
وقال ابن عباس في هذه الآية: يداه نعمتاه، ثم اختلفت عبارة الناس في تعيين النعمتين، فقيل: نعمة الدنيا ونعمة الآخرة. وقيل النعمة الظاهرة والنعمة الباطنة، وقيل: نعمة المطر، ونعمة النبات.
قال القاضي أبو محمد: والظاهر أن قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبسُوطَتَانِ} عبارة عن إنعامه على الجملة، وعبر عنه بيدين جريًا على طريقة العرب في قولهم فلان ينفق بكلتى يديه ومنه قول الشاعر: وهو الأعشى:
يداك يدا مجد فكف مفيدة ... وكف إذا ما ضنَّ بالمال تنفق
ويؤيد أن اليدين هنا بمعنى الإنعام قرينة الإنفاق (1).
التعليق: وهذا الذي استظهره أبو محمد رغم حرصه على التنزيه إلا أنه تابع فيه أهل التأويل الذي يؤدي إلى تعطيل صفات الله عزَّ وجلَّ.

صفة الفوقية
قال عند قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوقَ عِبَادِهِ وَهوَ الحَكِيمُ الخبيرُ}، {وهو القاهر} وهو عز وجل المستولي المقتدر، وفوق نصب على الظرف لا في المكان، بل في المعنى الذي تضمنه لفظ القاهر كما تقول زيد فوق عمرو في المنزلة، وحقيقة فوق في الأماكن، وهي في المعاني مستعارة، شبه بها من هو رافع رتبة في معنى ما، لما كانت في الأماكن تنبئ حقيقة عن الأرفع وحكى المهدوي: أنها بتقدير الحال، كأنه قال: وهو القاهر غالبًا. (1)
قال القاضي أبو محمد: وهذا لا يسلم من الاعتراض أيضًا والأول عندنا أصوب.
التعليق:
هذا بحسب ظنه ولكن الأصوب مذهب السلف كما سلف.

إثبات الرؤية
قال عند قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.
أجمع أهل السنة على أن الله تعالى يرى يوم القيامة، يراه المؤمنون. وقال ابن وهب عن مالك بن أنس: والوجه أن يبين جواز ذلك عقلًا ثم يستند إلى ورود السمع بوقوع ذلك الجائز واختصار تبيين ذلك يعتبر بعلمنا بالله عزَّ وجلَّ، فمن حيث جاز أن نعلمه لا في مكان ولا متحيز ولا مقابل ولم يتعلق علمنا بأكثر من الوجود، جاز أن نراه غير مقابل ولا محاذي ولا مكيفًا ولا محدودًا، وكان الإمام أبو عبد الله النحوي يقول: مسألة العلم حلقت لحى المعتزلة ثم ورد الشرح بذلك وهو قوله عزَّ وجلَّ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} وتعدية النظر بإلى إنما هو في كلام العرب لمعنى الرؤية لا لمعنى الانتظار على ما ذهبت إليه المعتزلة وذكر هذا المذهب مالك.
فقال فأين هم عن قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)} قال القاضي أبو محمد، فقال بدليل الخطاب ذكره النقاش ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما صح عنه وتواتر وكثر نقله: "إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر" ونحوه من الأحاديث على اختلاف ترتيب ألفاظها وذهبت المعتزلة إلى المنع من جواز رؤية الله تعالى يوم القيامة، واستحالة ذلك آراء مجردة، وتمسكوا بقوله تعالى: {لا تدركُهُ الأَبصَارُ} وانفصل أهل السنة عن تمسكهم بأن الآية مخصوصة في الدنيا، ورؤية الآخرة ثابتة بأخبارها وانفصال آخر، وهو أن يفرق بين معنى الإدراك ومعنى الرؤية.
ونقول: إنه عزَّ وجلَّ تراه الأبصار ولا تدركه، وذلك الإدراك، يتضمن الإحاطة بالشيء والوصول إلى أعماقه وحوزه من جميع جهاته، وذلك كله محال في أوصاف الله عزَّ وجلَّ، والرؤية لا تفتقر إلى أن يحيط الرائي بالمرئي ويبلغ غايته، وعلى هذا التأويل يترتب العكس في قوله وهو يدرك الأبصار ويحسن معناه ونحو هذا.


روي عن ابن عباس، وقتادة، وعطية العوفي، فرقوا بين الرؤية والإدراك. أما الطبري رحمه الله ففرق بين الرؤية والإدراك، واحتج بقولة بني إسرائيل {إنا لمدركون} فقال: إنهم رأوهم ولم يدركوهم.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا كله خطأ، لأن هذا الإدراك ليس بإدراك البصر، بل هو مستعار منه أو باشتراك، وقال بعضهم: إن المؤمنين يرون الله تعالى بحاسة سادسة تخلق يوم القيامة، وتبقى هذه الآية في منع الإدراك بالأبصار عامة سليمة قال: وقال بعضهم: إن هذه الآية مخصوصة في الكافرين، أي أنه لا تدركه أبصارهم لأنهم محجوبون عنه).
قال القاضي أبو محمد: وهذه الأقوال كلها ضعيفة، ودعاوى لا تستند إلى قرآن ولا حديث (1).
التعليق:
ومع تفويض الكيفية والإيمان بالنص على ظاهره لا يحتاج لمثل هذه التأويلات" أ. هـ.
من أقواله: من شعره:
راء الزمان وأهلهِ ... راء تعزّ له العلاجُ
طلَعتُ في ظلماته ... رأيًا كما سطح السِراجُ
وفاته: سنة (542 هـ)، وقيل: (541 هـ)، وقيل: (546 هـ) اثنتين وأربعين، وقيل: إحدى وأربعين، وقيل: ست وأربعين وخمسمائة.
من مصنفاته: ألف في التفسير كتابًا ضخمًا، أربى فيه على كل متقدم وسماه "الجامع المحرر الصحيح الوجيز في تفسير الكتاب العزيز"، وهو أصدق شاهد له بإمامته في العربية وغيرها.






مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید