المنشورات

أبو البركات الأنباري

النحوي، اللغوي، المفسر المقرئ: عبد الرحمن بن أبي الوفاء محمّد بن عبيد الله بن محمّد بن عبيد الله بن أبي سعيد بن الحسن بن سلمان الأنباري (1)، أبو البركات، كمال الدين.
ولد: سنة (513 هـ) ثلاث عشرة وخمسمائة.
من مشايخه: ابن الجواليقي، وابن الشجري وأبو منصور الرزّار وغيرهم.
من تلامذته: ابن الدبيثي وأبو بكر المبارك بن المبارك النحوي وغيرهم.
كلام العلماء فيه:
• السير: "قال ابن النجار: كان إمامًا كبيرًا في النحو، ثقة عفيفًا، مناظرًا، غزير العلم، ورعًا، زاهدًا، عابدًا تقيًا لا يقبل من أحد شيئًا وكان خشن العيش، جَشْبَ المأكل والملبس. لم يتلبس من الدّنْيا بشيء مضى على أسد طريقة".
ثم قال: "قال الموفق عبد اللطيف: الكمال شيخنا لم أرَ في العباد المنقطعين أقوى منه في طريقه ولا أصدق منه في أسلوبه، جد محض لا يعتريه تصنع ولا يعرف الشرور ولا أحوال العالم" أ. هـ.
• العبر: "النحوي العبد الصالح ... إلى أن قال: وكان زاهدًا مخلصًا ناسكًا تاركًا للدنيا، له مائة وثلاثون مصنفًا في الفقه والأصول والزهد، وأكثرها في فنون العربية .. " أ. هـ.
• وفيات الأعيان: "وكان نفسه مباركًا ما قرأ عليه أحد إلا تميز وانقطع في آخر عمره في بيته مشتغلًا بالعلم والعبادة وترك الدّنْيا ومجالسة أهلها" أ. هـ.
• الوافي: "كان إمامًا ثقة صدوقًا فقيهًا مناظرًا غزير العلم ورعًا، زاهدًا تقيًا عفيفًا .. " أ. هـ.
• إنباه الرواة: "أقرا النّاس العلم على طريقة سديدة وسيرة جميلة من الورع والجاهدة والتقلل والنسك وترك الدّنْيا ومحاسن أهلها" أ. هـ.
• البداية والنهاية: "الفقيه العابد الزاهد، كان خشن العيش ولا يقبل من أحد شيئًا، ولا من الخليفة، وكان يحضر نوبة الصوفية بدار الخلافة" أ. هـ.
• قلت: ومن كتاب "ابن الأنباري وجهوده في النحو": (وعلى الرغم من أن علم ابن الأنباري ومكانته كانا يمكنانه من التمتع بوثير الفراش وجديد الرياش، فإنه نبذ كل ذلك واحتقره "فقد كان خشن العيش والملبس لم يتلبس من الدّنْيا بشيء" وكان من يزوره في بيته يجد رجلًا تجرد من نعيم الدّنْيا ورفاهيتها وزهد في جمالها وفتنها "فكان يليس في بيته ثوبًا خلقًا وتحته حصير قصب" وكان كذلك يبقى منعزلًا في بيته طوال أيام الأسبوع إلا في يوم الجمعة حيث كان ينزع ذلك الثوب الخلق، ويلبس ثوبًا جديدًا وعمامة قطن ويخرج إلى المسجد للصلاة.
ومن البديهي أن تنتهي هذه الصفات بصاحبها إلى سلوك طريق التصوف والمتصوفين، وبخاصة أن الإقبال على هذا المسلك كان كثيرًا، وأن الدولة كانت تشجع عليه، كما ذكرنا في حديثنا عن الحالة الدينية في العصر السلجوقي.
وقد وردت عدة إشارات تثبت ميله للمذهب الصوفي ومشاركته للمتصوفين في حلقاتهم فقد "كان يحضر نوبة الصوفية بدار الخلافة" وكذلك "كان ممن قعد في الخلوة عند الشيخ أبي النجيب". وأكثر من ذلك أنه "كان مقيمًا برباط له شرقي بغداد في الخاتونية" فيبدو من هذا كله أنه كان متصوفًا أو أنه على رأي بعضهم اقترب اقترابًا شديدًا من التصوف وبخاصة بعد أن اتصل بالشيخ أبي النجيب الصوفي. وأن أخلاقه وطبيعته لتحبِّبُ إليه هذا المذهب الصوفي فقد اشتهر في حياته كلها بالورع والزهد.
والذي يدلنا أنه كان يقترب من المذهب الصوفي تدريجًا كلما تقدمت به السن، أن علاقته بهذا المذهب لم تكن وثيقة في أيام الشباب، فثمة بعض الدلائل التي تظهر أنه لم يكن يستسيغ هذا المذهب ولا يميل إليه. جاء في نزهة الألباء ضمن حديثه عن أستاذه أبي منصور الجواليقي ما يلي: "وحضرت حلقته يومًا وهو يقرأ عليه كتاب الجمهرة لابن دريد، وقد حكى عن بعض النحويين أنه قال: أصل (ليس) (لا أيس) فقلت: هذا الكلام كأنه من كلام الصوفية، فكأن الشيخ أنكر عليّ ذلك الخ".
إن هذه الواقعة تثبت أن ابن الأنباري لم يكن بعد قد استماله المذهب الصوفي، وهو أكثر من ذلك يتنذَّر عليهم أو يسخر من كلامهم من طرف خفي، حين يشبه كلام الجواليقي بكلامهم، وظاهر أن وجه الشبه في ذلك الغموض والاستغلاق. وإنكار الجواليقي لتشبيه ابن الأنباري، أكبر دليل على ما في تضاعيفه من التندُّر والسخرية.
وصفوة الكلام أن صاحبنا وجد من الأسباب والدواعي، الداخلية والخارجية والسياسية والاجتماعية، ما جعله يقترب رويدًا رويدًا من مذهب المتصوفة، فيجالسهم ويشاركهم في حلقاتهم ويستمع إلى مواعظهم ويمارس رياضتهم الروحية، ويسالك مسلكهم في مواجهة أمور الحياة حتى يحسب كأنه واحد منهم في أواخر أيامه".
ثم تحدث عن مذهبه الفقهي فقال: "كان نظام الملك ميالًا إلى المذهب الشافعي متعصبًا له، ولذلك جعل من شروط دخول المدرسة النظامية الانتساب إلى هذا المذهب والتمسك به. وقد تخرج ابن الأنباري في نظامية بغداد فلا بدع أن تفقه على مذهب الشافعي. وقد عمل لنصره مذهبه بجد وإخلاص. فصنف المؤلفات الجليلة في خدمته. ومن تصانيفه في مذهب الشافعي "هداية الذاهب في معرفة المذاهب" "وبداية الهداية".
وعلى الرغم من انتساب صاحبنا إلى المذهب الشافعي وخدمته له فإنه كان متسامحًا متسع الأفق. ويشهد على ذلك علاقته الطيبة والمتينة بشيخه ابن الشجري على الرغم من شيعيته. فقد كان نقيب الطالبيين في الكرخ، نيابة عن والده الطاهر.
وكان صاحبنا يرى أن من مهمته تبصير النشء بالمذاهب المختلفة، وتمكينهم من الوقوف على ما بينها من فروق واختلافات حتى يكون في وسعهم اتخاذ الموقف المناسب والرأي الفاصل بهذا الشأن حين تدعو الضرورة. هذا بالإضافة إلى أن الإلمام بالمذاهب كان يعد جزءًا من الثقافة الدينية في ذلك العصر .. ".
ثم ذكر خلاصة القول في ثقافته فقال: "وصفوة القول أن ثقافة ابن الأنباري كانت في أساسها ثقافة دينية تضرب في الحديث والفقه والأصول بسهم وافر. ثم اتسعت؛ لأن تشمل النحو واللغة والأدب بصفة عامة، غير أنه اشتهر بالنحو وتميز به وأعطى فيه كثر مما أعطى في غيره من الموضوعات) أ. هـ.
وفاته: سنة (577 هـ) سبع وسبعين وخمسمائة.
من مصنفاته: "النور اللائح في اعتقاد السلف الصالح" و"أسرار العربية" و"إعراب القرآن" و"ديوان اللغة".





مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید