المنشورات

العز بن عبد السلام

المفسر عبد العزيز بن عبد السلام بن القاسم بن الحسن بن محمّد المهذب، الشيخ عز الدين بن عبد السلام، أبو محمّد السُّلَمي، الدمشقي الشافعي.
ولد: سنة (577 هـ)، وقيل: (578 هـ) سبع وسبعين، وقيل: ثمان وسبعين وخمسمائة.
من مشايخه: الخشوعي، وعبد اللطيف بن إسماعيل الصوفي وغيرهما.
من تلامذته: تقي الدين بن دقيق العيد: وهو الذي لقّبه: سلطان العلماء، وعلاء الدين أبو الحسن علي الباجي وغيرهما.
كلام العلماء فيه:
* فوات الوفيات: "كان ناسكًا ورعًا، أمّارًا بالمعروف نهّاءً عن المنكر، لا يخاف في الله لومة لائم" أ. هـ.
* طبقات الشافعية للسبكي: "وذكر أن الشيخ عز الدين لبس خرقة التصوف من الشيخ شهاب الدين السُّهْرَوَرْدِيّ، وأخذ عنه، وذكر أنه كان يقرأ بين يديه "رسالة القُشيري"، فحضره مرّة الشيخُ أبو العباس المرْسيّ لما قدِم من الإسكندرية إلى القاهرة. فقال له الشيخ عز الدين: تكلّم على هذا الفصل. فأخذ المرسي يتكلم، والشيخ عز الدين يزحفُ في الحلقة، ويقول: اسمعوا هذا الكلام الذي هو حديث عهدٍ بربه.
وقد كانت للشيخ عزّ الدين اليد الطّولى في التصوف، وتصانيفه قاضية بذلك.
وحكى قاضي القضاة بدرُ الدين بن جماعة، رحمه الله، أن الشيخ لما كان بدمشق وقع مرّة غلاء كبيرٌ حتى صارت البساتين تُباع بالثمن القليل، فأعطته زوجته مصاغًا لها وقالت: اشترِ لنا به بُستانًا نصيفُ به، فأخذ ذلك المصاغ وباعه وتصدّق بثمنه، فقالت له: يا سيّدي اشتريت لنا؟ قال: [نعم] بستانًا في الجنة، إني وجدتُ الناس في شدّة فتصدقتُ بثمنه. فقالت له زوجته: جزاك الله خيرًا.
وحكى أنه كان مع فقره كثير الصّدقات، وأنه ربما قطع من عمامته، وأعطى فقيرًا يسأله إذا لم يجدْ معه غيرَ عمامته، وفي هذه الحكاية ما يدل على أنه كان يلبَس العمامة، وبلغني أنه كان يلبس قبع لبَّادٍ وأنه كان يحضر المواكب السلطانية به، فكأنه كان يلبسُ تارة هذا وتارةً هذا، على حسب ما يتّفق من غير تكلُّف.
قال شيخ الإسلام ابن دقيق العيد: كان ابن عبد السلام أحدَ سلاطين العلماء، وعن الشيخ جمال الدين بن الحاجب أنه قال: ابنُ عبد السلام أفقه من الغزالي.
وحكى القاضي عزُّ الدين الهكاري بن خطيب  الأشمونين في مصنَّف له، ذكر فيه سيرة الشيخ عزّ الدين، أن الشيخ عزّ الدين أفتى مرةً بشيء ثم ظهر له أنه خطأ، فنادى في مصر والقاهرة على نفسه: من أفتى له فلان بكذا فلا يعملْ به فإنه خطأ" أ. هـ.
* طبقات المفسرين للداودي: "كان يحضر السماع ويرقص ويتواجد .. " أ. هـ.
* قلت: قال مؤلف كتاب (الإمام العز بن عبد السلام وأثره في الفقه الإسلامي) لعلي الفقير قال (ص 96): "لعل حديثنا عن عقيدة الشيخ عز الدين من نافلة القول، إذا علمنا أنه أحد الأشاعرة المتفق معهم في معتقدهم، وعقيدته عقيدة أهل الكتاب والسنة، وبحثنا فيه سيكون من باب تكرار ما كتبه العلماء في العقائد، فلا داعي لذكر معتقده بالتفصيل، وسأقتصر في هذا المبحث على بعض المسائل التي له فيها رأي بارز، ومعتقد يجدر بنا أن نشير إليه، ومن هذه الأمور:
عليه بسبب عقيدته في الصفات التي يوافق بها ما عليه السلف الصالح، لنتطرق إلى حوادث الفتنة والمراحل التي مرّت فيها ثم وسأذكر ما نقله ابن السبكي عن عبد اللطيف بن الشيخ عز الدين في هذا الموضوع، فهو واف بكل جوانب عقيدة الشيخ رحمه الله.
ذكر عبد اللطيف أن طائفة من مبتدعة الحنابلة القائلين بالحرف والصوت، كانوا يكرهون الشيخ عز الدين ويطعنون فيه، وكان السلطان يصحبهم في صغره وتربى على معتقدهم في ذلك، وقرروا في ذهنه أن الذي هم عليه اعتقاد السلف، وأنه اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - وفضلاء أصحابه، واختلط هذا بلحم السلطان ودمه، وصار يعتقد أن مخالف ذلك كافر حلال الدم، فلما أخذ السلطان في الميل إلى الشيخ عز الدين دست هذه الطانفة إليه وقالوا: إنه أشعري العقيدة يخطئ من يعتقد الحرف والصوت أولًا: تعريف الإيمان، وهل يزيد وينقص؟ وتعليقه بالمشيئة.
عرّف الإمام العز -رحمه الله- الإيمان بأنه "تصديق القلب بما أوجب الرب التصديق بها، وهذا هو الإيمان الحقيقي.
أما الإيمان المجازي فهو عبارة عن فعل كل طاعة وترك كل معصية، لأنهما مسببان عن الأيمان الحقيقيا.
وقال في معرض كلامه عن الأيمان بالصفات والقول فيها (102): (أخرت الكلام عن هذا الموضوع نظرًا لما ترتب عليه من فتنة للإمام العز من قبل الحنابلة عندما أغروا السلطان الأثرف ويبدعه.
ومن جملة اعتقاده أنه يقول بقول الأشعري أن الخبز لا يشبع والماء لا يروي والنار لا تحرق، فاستهال ذلك السلطان واستعظمه ونسبهم إلى التعصب عليه، فكتبوا فتيا في مسألة الكلام وأوصلوها إليه، مريدين أن يكتب عليها بذلك فيسقط موضعه عند السلطان وكان الشيخ قد اتصل به ذلك كله، كلما جاءته الفتيا، قال: هذه الفتيا كتبت امتحانًا لي، والله لا كتبتُ إلا ما هو الحق، فكتب العقيدة المشهورة:
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله: الحمد لله ذي العزة والجلال والقدرة والكمال، والإنعام والإفضال، الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، ليس بحسم مصور، ولا جوهر محدود مقدر، ولا يشبه شيئًا، ولا يشبهه شيء، ولا تحيط به الجهات، ولا تكتنفه الأرضون ولا السماوات كان قبل أن يكون المكان، ودبّر الزمان، وهو الآن على ما عليه كان، خلق الخلق وأعمالهم وقدّر أرزاقهم وآجالهم، فكل نعمة منه فهي فضل، وكل نقمة منه فهي عدل: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} استوى على العرش المجيد على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده، استواء منزهًا عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول، والانتقال فتعالى الله الكبير المتعال، عما يقول أهل الغي والضلال، بل لا يحمله العرش، بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته، مقهورون في قبضته، أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، مطلع على هواجس الضمائر وحركات الخواطر، حي مريد، سميع بصير، عليم قدير، متكلم بكلام، قديم أزلي ليس محرف ولا صوت، ولا يتصور في كلامه أن ينقلب مدادًا في الألواح والأوراق، شكلًا ترمقه العيون والأحداق، كما زعم أهل الحشو والنفاق، بل الكتابة من أفعال العباد، ولا يتصور في أفعالهم أن تكون قديمة، ويجب احترامها لدلالتها على كلامه، كما يجب احترام أسمائه لدلالتها على ذاته، وحق لما دلّ عليه وانتسب إليه أن يعتقد عظمته وترعى حرمته، ولذلك يجب احترام الكعبة والأنبياء والعباد والصلحاء:
أمر على الديار ديار ليلى ... أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حبّ الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا
ولمثل ذلك يقبل الحجر الأسود، ويحرم على المحدِث أن يمس المصحف، أسطره وحواشيه التي لا كتابة فيها، وجلده وخريطته التي هو فيها، فويل لمن زعم أن كلام الله القديم شيء من ألفاظ العباد، أو رسم من أشكال المداد".
وقال في (115):
"ومما تجدر الإشارة إليه أن الإمام العز لا يكفر المجسمة وإنما يفسقهم ويبدعهم، وقد سئل عن قول ابن، أبي زيد المالكي ( .. بأن الله على عرشه بذاته) هل هو اعتقاد بالجهة؟ فأجاب: بأنه اعتقاد بالجهة فلا يكفر من يقول بالجهة وكذلك سائر المبتدعة لأن العلماء لم يخرجوهم عن الإسلام بذلك، بل حكموا لهم بالإرث من المسلمين وبالدفن في مقابرهم وفي تحريم أموالهم ودمائهم وإيجاب الصلاة عليهم، ولا مبالاة بمن كفّرهم لمراغمته لما عليه الناس.
وذكر ابن التلمساني أن القائلين بالحلولية لا يكفرون، وادعى الإجماع على ذلك، وادعى أيضًا أن ظاهر نص الإمام العز يفيد ذلك، أي في عدم تكفير الحلولية.
ورد عليه ابن حجر بقول: لا يسلم له ذلك لأنه لا مطابقة بين الأمرين فما يستدل به على الحلولية لا ينطبق على مسألة الجهة.

قلت: لقد نصّ الإمام العز على المسألتين في كتابه القواعد -أعني مسألة الحلولية ومسألة اعتقاد الجهة- فذكر أن اعتقاد الجهة خطأ معفو عنه لمشقة الخروج منه والانفكاك عنه، لأن اعتقاد موجود ليس بمتحرك ولا ساكن ولا منفصل عن العلم ولا متصل به، ولا داخل فيه ولا خارج عنه، لا يهتدي إليه أحد بأصل الخلقة في العادة ولا يهتدي إليه أحد إلا بعد الوقوف على أدلة صعبة المدرك عسرة الفهم، فلأجل هذه المشقة، عفا الله عنها في حق العامة، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يلزم العامة بالبحث في ذلك واكتفى منهم بظاهر الإيمان فقط، وكذلك فعل الخلفاء الراشدون، ولولا أن الله قد سامحهم بذلك وعفا عنه لعسر الانفصال منه.
وأما الحلول فقد ذكر:
أن من زعم أن الإله يحل في شيء من أجساد الناس أو غيرهم فهو كافر لأن الشرع إنما عفا عن المجسمة لغلبة التجسيم على الناس، فإنهم لا يفهمون موجودًا في غيى جهة بخلاف الحلول فإنه لا يعم الابتلاء به، ولا يخطر على قلب عاقل ولا يعفى عنه.
بعد هذا اللفظ الصريح من الإمام في تكفير معتقد الحلول فلا يسلم لابن التلمساني ما نسبه إلى الإمام العز رحمه الله".
* موقف ابن تيمية من الأشاعرة: "الإمام العلم المشهور، وهو أحد تلامذة الآمدي، ويلاحظ أن وفاته كانت قبل ولادة شيخ الإسلام ابن تيمية بسنة واحدة تقريبًا، وقد تميز العز بن عبد السلام بكونه من أعلام العلماء وغيرهم، ولذلك فدفاعه عن مذهب الأشاعرة وتقريره له في كتبه له أثر في الناس، وقد كانت إحدى محنه الكبار بسبب مسألة الحرف والصوت، وقد ألف في ذلك عقيدته المسماة "الملحة في اعتقاد أهل الحق" قرر فيها مذهب الأشاعرة في كلام الله وإنكار الحرف والصوت وشنع على مخالفيه من الحنابلة، ووصفهم بالحشو وأغلظ عليهم، وقد أفرد ولده عبد اللطيف ما جرى له في رسالة، ونقلها السبكي، الذي نقل أيضًا "الملحة" بكاملها، ومما تجدر ملاحظته أن شيخ الإسلام رد على العز في رسالته هذه -وأغلظ عليه أحيانًا- مع أنه مدحه في أول الجواب عن الفتوى. والأدلة على أشعرية العز واضحة، وقد سجل خلاصة لعقيدته في كتابه المشهور قواعد الأحكام، أما تأويله لبعض الصفات، فواضح في كتابه الإشارة إلى الإيجاز فقد أول صفات المجيء، والقبضة، واليدين، والنزول، والضحك، والفرح، والعجب، والإستواء، والهبة، والغضب، والسخط وغيرها، وهو ممن ينفي العلو والفوقية ويتأولهما، كما أن الشيخ له ميل إلى التصوف، فقد ذكر في كتابه القواعد أنواع العلوم التي يمنحها الأنبياء والأولياء فذكر منها: (الضرب الثاني: علوم إلهامية، يكشف بها عما في القلوب، فيرى أحدهم بعينيه من الغائبات ما لم تجر العادة بسماع مثله ... ومنهم من يرى الملائكة والشياطين والبلاد النائية، بل ينظر إلى ما تحت الثرى، ومنهم من يرى السموات وأفلاكها وكواكبها وشمسها وقمرها على ما هي عليه، ومنهم من يرى اللوح المحفوظ ويقرأ ما فيه، وكذلك يسمع أحدهم صرير الأقلام وأصوات الملائكة والجان، ويفهم أحدهم منطق الطير، فسبحان من أعزهم وأدناهم"، وهذا تصوف غال، وقد أباح في فتاويه السماع وذكر أنواعه، ومنع من الرقص المصاحب له.
والملاحظ في منهج العز -رحمه الله- أنه مع قسوته على مخالفيه في مسألة كلام الله إلا أنه ذكر في بعض كتبه وفتاويه وجوها من الأعذار لهم، فذكر في الفتاوي مثلًا أن معتقد الجهة لا يكفر، كما ذكر أن من قال بالحرف والصوت مسلم ويجب رد السلام عليه، أما في القواعد فقد ذكر أن مسائل قدم كلام الله، والصفات الخبرية كالوجه واليدين، والجهة وغيرها" مما لا يمكن تصويب للمجتهدين فيه، بل الحق مع واحد منهم، والباقون مخطئون معفوا عنه لمشقة الخروج منه والإنفكاك عنه ولا سيما قول معتقد الجهة ... "أ. هـ.
وفاته: سنة (660 هـ) ستين وستمائة.
من مصنفاته: "التفسير الكبير" و "الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز" في مجاز القرآن و ... بداية السؤال في تفضيل الرسول".




مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید