المنشورات

ابن أبي الإصبع

المفسر: عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر بن أبي الإصبع العدواني البغدادي ثم المصري، زكي الدين، أبو محمد.
ولد: سنة (595 هـ) خمس وتسعين وخمسمائة.
كلام العلماء فيه:
* فوات الوفيات: "الشاعر المشهور الإمام في الأدب له تصانيف حسنة في الأدب وشعر رائق" أ. هـ.
* النجوم: "الإمام العلامة .. كان أحد الشعراء المجيدين، وهو صاحب التصانيف المفيدة في الأدب وغيرها" أ. هـ
* قلت: نذكرها قاله في كتابه بديع القرآن (24): {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} فالمستعار الاستواء، والمستعار منه كل جسم مستوٍ، والمستعار له الحق عزَّ وجلَّ، ليتخيل السامع عند سماع لفظ هذه الاستعارة ملكًا فرغ من ترتيب (ممالكه) وتشييد ملكه، وجميع ما تحتاج إليه رعاياه، وجنده من عمارة بلاده، وتدبير أحوال عباده، استوى على سرير ملكه استيلاء عظمة، فيقيس السامع ما غاب عن حسه من أمر الإلهية على ما هو متخيله من أمر المملكة الدنيويّة عند سماع هذا الكلام: "ولهذا لا يقع ذكر الاستواء  على العرش إلا بعد الإخبار بالفراغ من" "خلق السموات والأرض وما بينهما، وإن لم يكن ثمَّ سريرٌ منصوب" ولا جلوس محسوس، ولا استواء، على ما يدل عليه الظاهر من تعريف الهيئة مخصوصة، ومن ذلك قوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيفَ يَشَاءُ} فالمستعار البسط، والمستعار منه يد المنفق، والمستعار له يد الحق سبحانه وتعالى اللتان يراد بهما ها هنا التصرف في الملك بالأرزاق، وذلك ليتخيل السامع عند سماع ذلك أنّ ثم يدين مبسوطتين بالإنفاق، ولا يدان في الحقيقة ولا بسط على ما يدل عليه الظاهر، وإنما جاء الكلام على ما جاء عليه الازدواج، حيث قالت اليهود لعنهم الله: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} فقال سبحانه في الجواب: {غُلَّتْ أَيدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} فخرج هذه الجملة المعترضة بين الكلام والجواب مخرح الالتفات، ثم عاد إلى الجواب فقال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيفَ يَشَاءُ} فجاء هذا الالتفات بالدعاء عليهم معترضًا بين الدعوى والرد بلفظ التعطف في قوله: {مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ} وحصل الرد بعد ابدعاء عليهم المشعر بكفرهم من قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيفَ يَشَاءُ}؛ لأن غلّ اليد عن الإنفاق لا يقع إلا من أحد منفقين: منفق فوقه قاهر يأخذ على يديه، ومنفق يخاف الفقر فيمسك عن الإنفاق، والحق سبحانه فوق كل قاهر، وغناه لا يخاف معه الإملاق، فيَنْدمج في ضمن الردّ عليهم ما يدل عليه فحوى الرد من (التمدح بالعلوّ على كل شيء بالغنى الأكبر كما اندمج في ضمن الدعاء عليهم) واستحقاقهم الذم على كفرهم، فحصل من مجموع ذلك ضرب من البديع يقال له الافتنان، وهو جمع كلام بين فنّين متغايرين فصاعدا كهذا الكلام. الذي جمع بين هجاء اليهود ومدح الحق نفسه الذي لزم من الردّ عليهم".
وقال في صفحة (56): "والضرب الثالث من المبالغة إخراج الكلام مخرج الإخبار عن الأعظم الأكبر للمبالغة، والأخبار عنه مجاز، كقول من رأى موكبًا عظيمًا أو جيشًا خضمًا، جاء الملك نفسه، وهو يعلم حقيقة أن ما جاء جيشه، وقد جاء من ذلك في الكتاب الكريم قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}، فجعل مجيء جلائل آياته مجيئًا له سبحانه للمبالغة وكقوله تعالى: {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ}، فجعل نقله بالهلكة من دار العمل إلى دار الجزاء وجدانًا للمجازى".
وقال في صفحة (299): "وقد جاء في الكتاب العزيز من هذا الافتنان نوع غريب، وهو الجمع بين التعزية والفخر، وذلك في قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}، فإنه سبحانه عزى جميع المخلوقات من الإنس والجن وسائر أصناف الحيوانات ومشى على الأرض من كل قابل للحياة، وملائكة السموات، وتمدّح بالانفراد بالبقاء بعد فناء الموجودات في عشر لفظات، مع وصفه سبحانه ذاته بعد انفراده بالبقاء بالجلال والإكرام، وحقّ له ذلك سبحانه" أ. هـ.
* قلت: ومن كلامه هذا يدلنا على أنه يذهب مذهب الأشاعرة، حيث إنهم في الإستواء تأويلين أحدهما: بالإستيلاء، وهذا تأويل نفاه العلو من متأخري الأشاعرة، ولعل صاحب الترجمة (ابن أبي الإصبع) من هؤلاء كما في تأويله لصفة الاستواء وقوله سابقًا: " ... استوى على سرير ملكه استيلاء عظمة ... " وقوله في العلو عند رد الله سبحانه على اليهود في اليدين: " ... فيندمج في ضمن الرد عليهم ما يدلُّ عليه فحوى الرد من التمدّح بالعلوّ على كل شيء بالغنى الأكبر كما اندمج في ضمن الدعاء عليهم .. " أ. هـ.
وثاني تأويلهم: بأنه -أي الإستواء- فعل فعله الله في العرش سماه استواء، وهذا قول الأشعري وكثير من أصحابه الذين يثبتون العلو، ولكن ينفون قيام الصفات الفعلية به، انظر "موقف أبي تيمية من الأشاعرة" (3/ 1214).
وفاته: سنة (654 هـ) أربع وخمسين وستمائة.
من مصنفاته: "تحرير التحبير في البديع" لم يصنف مثله، و "البرهان في إعجاز القرآن"، و"بديع القرآن" وغير ذلك.





مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید