المنشورات

الطرابلسي

اللغوي: عبد القادر بن مصطفى المغربي الطرابلسي.
ولد: سنة (1284 هـ) أربع وثمانين ومائتين وألف.
من مشايخه: أبوه، وحسين الجسر، وبعض علماء دمشق وغيرهم.
كلام العلماء فيه:
* تاريخ علماء دمشق: "نشأ المترجم في بيت أبيه، بيت علم ودين وعراقة في القضاء والفتيا، حفظ متون الفقه واللغة والأدب، وتلقى عن بعض المفكرين من شيوخ عصره واتصل بالشيخ جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده، ونهج نهجهما في التعليم والإرشاد والإصلاح، كان همه أن يثبت أن المعرب عربي واستعماله في الكلام الفصيح لا يحط من قدر فصاحته ولا يخرج البليغ من بلاغته وكان كاتبًا مرموقًا يحرر وينقد ويدعو إلى نهضة اجتماعية شاملة على صفحات الجرائد وفي مختلف المجالات" أ. هـ.
* تراجم أعلام المعاصرين: "وللعلامة المغربي دعوة إلى المرأة وتعليمها وتحريرها فقد حمل هذا اللواء بين عام (1906 - 1911) في رسائل ومقالات طال فيها الجدل بينه وبين معارضيه وخصومه من رجال الدين" أ. هـ.
* أعلام دمشق: "نائب رئيس المجمع العلمي العربي بدمشق الأسبق من العلماء باللغة والأدب" أ. هـ.
* قلت: بعد اطلاعنا على كتابه "تفسير جزء تبارك" تبين لنا ما يلي:
1 - أنه قد أول صفة اليد في قوله تعالى "تبارك الذي بيده الملك" على الرغم من أنه حكى في معنى هذه الآية قول السلف، ولكنه أتبعه بتأويل صفة اليد فقال: "بيده الملك" أي أن التصرف المطلق في هذه الكائنات له تعالى لا لغيره، ويراد من ذكر اليد في مثل هذا الاستعمال إفادة معنى التمكن من الشيء والاستيلاء التام عليه" أ. هـ.
2 - أنه قرر قاعدة وهي: أن أفضل ما يحمل عليه كلام الله المعجز من الأساليب ما عرف عند بلغاء العرب وتداولته ألسنتهم وشاع استعماله بينهم، وهذه القاعدة تخطئ كثيرًا وتصيب قليلًا، فترى -مثلًا- أن أكثر أهل اللغة والنحو في عصرنا الحديث -بتطبيقهم لهذه القاعدة- يميلون إلى أحد المذاهب الكلامية كالاعتزال والأشعرية والماتريدية لا عن اعتقاد بصحتها ولكن عملًا بهذه القاعدة والله أعلم بما نفوس العالمين.
فترى -عبد القادر المغربي- في تفسيره لقوله تعالى "يوم يكشف عن ساق" في سورة "ن" ينقل قول ابن عباس في تفسير هذه الآية ثم يتبعه، كيف إن العرب كانوا يستعملون كشف الساق كناية عن اشتداد الأمر وعظمته كما أنهم يستعملونه في الجد والمضاء وقوة الإرادة، ثم يصل إلى نتيجة وهي: "فالأصل في هذا التعبير -أعنى كشف الساق مرادًا به الشدة والهول- أن يكشف عن الساق بالفعل عند الخطب واشتداد النازلة، ثم كثر واستفاض حتى صار يفهم منه اشتداد الأمر، واستفحال الخطب، ولو لم يكن ثمة ساعد ولا ساق، ولا كشف ولا تشمير" أ. هـ.
وبعد هذا يذكر شواهد أخرى تؤيد ما ذهب إليه من أن كشف الساق كناية عند اشتداد الأمر وعظمته وفي النهاية يصل إلى ما يريد أن يقوله في هذه والأية وغيرهما فيقول: "وهكذا استعمال [كشف الساق] في هول يوم القيامة، يراد به الهول فظاعة الأمر، وإن لم يكشف عن السوق بالفعل، فإن يوم القيامة -وإن تكن فيه سوق- لا ثياب تلبس ولا زلازل تكشف في ذلك اليوم العصيب، كما ورد الحديث في وصفه: (يحشرون حفاة عراة غرلًا).
وإنما أطلنا الكلام في هذا تنبيهًا إلى أن أفضل ما يحمل عليه كلام الله المعجز من الأساليب ما عرف عند بلغاء العرب وتداولته ألسنتهم، وشاع استعماله بينهم، والعدول عن هذا المعنى الكنائي إلى غيره -كالقول بأن المعنى: يكشف عن ساق [الرحمن] تعالى وتقدس، اعتمادًا على بعض الآثار الواردة في ذلك، أو عن ساق [العرش] أو ساق [ملك مهيب] من الملائكة- كل ذلك لا حاجة إليه بعد الشواهد التي ذكرناها من أقوال فصحاء العرب، ومختلف أساليبهم، في بليغ تراكيبهم، مما يدل دلالة واضحة على ما قلناه، ويكفي شاهدًا نقليًا عليه أن ابن عباس كان يقول في تفسير (يوم يكشف عن ساق) يكشف عن أمر عظيم، ألا تسمعون العرب تقول: "وقامت الحرب بنا على ساق" وتقول "كشف هذا الأمر عن ساقه" إذا صار إلى شدة" أ. هـ.
3 - أنه أوّل معنى حمل العرش في قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} فقال: "وحمل عرش الرب في الآية قد يكون تمثيلًا لكمال عزته سبحانه، وانفراده بالجلالة والعزة والملك في ذلك اليوم، وأن تأثير هيبته سبحانه وتعالى في القلوب في ذلك اليوم يحكي تأثير ملوك الدنيا، -وهم على عروشهم التي تحف بها جلة وزرائهم وكبار قوادهم- في قلوب رعيتهم المستعبدين لهم، وأين هذا من ذاك، ولله المثل الأعلى، وإنما هو تنزل لأفهام المخاطبين، وإفراغ للمعاني الغيبية في قوالب ما ألفوه من تراكيب لغتهم العربية، واصطلحوا عليه من أساليب التخاطب بينهم فيها، وإلا فإن خالق الكون تقدست أسماؤه ليس جسمًا يحمل على العروش، ولا مخلوقًا تزدهيه الزخارف والنقوش".
ولم يقل السلف هذا المعنى في تفسير هذه الآية والله أعلم.
4 - نقل الخلاف في مسألة النظر إلى الله سبحانه وتعالى يوم القيامة بين المعتزلة القائلين بنفيها، وأهل السنة القائلين بإثباتها، وعلق على ذلك فقال: "هذا ولو كان لمثلي مقال في هذا الجال لفضلت السكوت عن هذه المسألة وأمثالها مما اختلفت فيه ظواهر النصوص، ولم يلزم منه مس جانب الألوهية، ولا ينشأ عنه ضرر في الدين ولا تعطيل في مصالح البشر، ولو قال المعتزلي لربه يوم القيامة: إني يارب لم أنف الرؤية إلا تمجيدًا لذاتك، وتنزيهًا لها عن مماثلة الحوادث، وقال السني: إني يا رب لا أعتقد أن الرؤية تمس مقام ألوهتك، ولم أثبتها وأعتقدها إلا طمعًا في القرب منك وتلذذًا برؤية وجهك لو قال كل منهما ذلك ما كان الله إلا راضيًا عنهما، ومسبلًا ذيل عفوه عليهما، وساخطًا من حصول التفرقة في دار الدنيا بينهما.
ويا ليت المسلمين أضربوا في صدرهم الأول عن الاختلاف في أمثال هذه المسألة، مما كان الخلاف فيه لفظيًّا أو فلسفيًا، أو لا تكون له نتيجة عملية، أو لا ينقض أصلًا من أصول الدين، ويا ليتهم مذ اختلفوا لم يوغلوا، ولم يجعلوا الاختلاف سببًا للتفرقة، وهذا قرآنهم يهتف من فوق رؤوسهم: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيءٍ} ونبيهم - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اقرأوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فيه فقوموا عنه" أي إذا شعرتم بأن النظر في الآيات، وتقليب وجوه الاحتمال في معانيها، يؤثر في رابطتكم الدينية- فدعوا النظر بالكلية خشية التفرقة.
ولعمري إن انصراف المسلمين منذ قرون عن العلم النافع، وإعراضهم عن النظر فيما يهذب أخلاقهم، ويرقى اجتماعهم ويشد عرى الإخاء بينهم -هو الذي جعلهم يوغلون في مسألة الرؤية وأمثالها، ويفرغون للخوض والنزاع فيها، وبذلك تقلص ظل العمل من ديارهم، وقام مقامه الجدل في مجالسهم وأسفارهم، حتى أوشكوا أن ينطبق عليهم حديث: "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل وحموا العمل" أ. هـ.
* قلت: ولا ندري لعل التخبط في فهم الاعتقاد الصحيح ديدن أكثر المعاصرين، لتأثرهم بأفكار الغرب كالعلمانية والقومية والشعوبية وغيرها من جهة، وعدم الانتهاء إلى مصادر النبع الطيب في معرفة العقيدة الصحيحة من جهة أخرى: ولذا أصبح الدفاع عن العقيدة الصحيحة أمرًا يسبب الفرقة بين المسلمين؟ أم أن مذهب الإعتزال وتقديم العقل على النقل أصبح أمرًا بديهيًا فلا داعي للإنكار عليه؛ لأنه يسبب فرقة؟ والذي نريد أن نقوله إن العقيدة الصحيحة في أسماء الله وصفاته والإيمان واعتقاد السلف يجب أن تبين وتنشر بين طلبة العلم وأن ما يضادها ويناقضها يجب أن يبين وينشر أيضًا، لئلا يغتر مغتر بصحتها وأنها هي العقيدة الصحيحة على أن ذلك يجب أن يكون ضمن الضوابط الشرعية التي حددها الشارع وفهم سلف الأمة الصالح للأدلة، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
وفاته: سنة (1375 هـ) خمس وسبعين وثلاثمائة.
من مصنفاته: "تفسير جزء تبارك" و"على هامش التفسير" "السفور والحجاب" و "المعجم اللغوي لألفاظ العصري" وصل فيه إلى حرف الذال.





مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید