المنشورات

اليافعي

النحوي، اللغوي، المفسر، المقرئ: عبد الله بن أسعد بن علي بن سُليمان بن فلاح اليافعي اليمني ثم المكي الشافعي، عفيف الدين، أبو محمد. ولد: قبل سنة (700 هـ) سبعمائة بقليل، وقيل: (698 هـ) ثمان وتسعين وستمائة.
من مشايخه: العلاق أبو عبد الله البصَّال، وعلي الطوشي وهو الذي سلكه الطريق وغيرهما.
كلام العلماء فيه:
* الدرر: "وكان منقطع القرين في الزهد أخبرني شيخي أبو الفضل العراقي أنه قال لهم في كلام ذكر فيه الخضر: إن تقولوا إنه حي وإلا غضبت عليكم، وحفظ عنه تعظيم ابن عربي والمبالغة في ذلك" أ. هـ.
* الشذرات: "وكان مربيًا للطلبة والمريدين ... وكان يتعصب للأشعري، وله كلام في ذم ابن تيمية، ولذلك غمزه بعض من يتعصب لابن تيمية من الحنابلة وغيرهم" أ. هـ.
* روضات الجنات: "وعن الأسنوي الأصولي: أنه قال لم يمت اليافعي إلا وقد قطب، وهو من قطب أو التفصيل منه، والظاهر كون المراد أنه لم يتهلل وجهه في حالة الموت بنيل ما كان يسره، بل انقبض وجهه إذ ذاك مع ملاحظة ما كان يسؤه، نعوذ بالله من سوء العاقبة وخسران المنقلب وسيئات الأعمال" أ. هـ.
* قلت: لقد اطلعنا على الكتب المطبوعة للمترجم له، واقتطفنا منها بعض الفقرات والمواضيع والعبارات التي توضح عقيدته الصوفية الثابتة عليه والمنافح عنها بشكل أو آخر، المائل إلى الإعتزال، وطريقة المتكلمين، رغم أنه قد ردَّ عليهم في كتابه "مرهم العلل" الذي سنذكر فيه بعض الفقرات، ودفاعه عن أبي حامد الغزالي، وإليك تلك النقولات:
1 - نقلًا من كتابه "مرهم العلل المعضلة في الرد على أئمة المعتزلة"، حيث يقول في سؤال السائل حول قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا اللَّهُ} [محمد: 19] ص (46 - 48):
"فأما قول السائل أولًا: في نفي الثاني عن الله تعالى في قوله عزَّ وجلَّ: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا اللَّهُ} هل هو مترتب على معرفة الله تعالى أو معرفة الله تعالى مترتبة عليه؟ فكان ينبغي أن يقول نفي إله غير الله لمطابقة الآية التي ذكر، فإنها نافية لكل إله سواه عزَّ وجلَّ وليس فيها لتعلق ذكر الثاني مدخل. وأن يقول: أم معرفة الله بـ "أم" عوضًا عن أو.
وأما ما ذكره من أن الطريق إلى معرفة الله تعالى السمع عندنا، فليس بصحيح، بل الطريق إليها عندنا وعندهم النظر. لكن عندنا يجب النظر فيها بالسمع وعندهم بالعقل؛ فالسمع عندنا طريق إلى معرفة وجوب النظر الموصل إلى المعرفة لا إلى المعرفة نفسها، كما زعم، لأن الأمر بها موجب للنظر المعرف وقد يخلف النظر بخلف امتثال الأمر فتخلف المعرفة لخلف المعرف، ولا يلزم وجوده وجودها. أعني لا يلزم من وجود الأمر الذي هو السمع وجود المأمور به الذي هو المعرفة. ودليلنا على أن الموجب للنظر فيها هو السمع دون العقل: النقل والعقل. أما وجوب ذلك بالسمع فيدل عليه النقل، وأما عدم وجوده بالعقل فيدل عليه العقل والنقل.
أما الأول، وهو قولنا أن الموجب النظر فيها هو السمع، فقوله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: 101] ونحو ذلك من الآيات الكريمات، وكذلك الإجماع، كما سيأتي كلام إمام الحرمين في ذلك في "الفصل الرابع" إن شاء الله تعالى.
وأما الثاني، وهو عدم وجوبه بالعقل فسيأتي بيانه هادمًا لجميع ما بنوا عليه مذهبهم الفاسد من التحسين والتقبيح العقلي في جميع العقائد.
وأما جواب السؤال عن أبي من نفي الثاني ووجود المعرفة مترتب على الآخر، فلنقدم على ذكره بيان الطريق الموصلة إلى المعرفة. فبذلك يتصح إن شاء الله بيان الطريق إلى معرفة الصانع جلَّ وعلا.
اعلم أن الطريق إلى معرفته تبارك وتعالى هي النظر في مصنوعاته في الملكوت العليا والسفلى، وما اشتملت عليه من الإتقان والانتظام والحكم والإحكام؛ وغير ذلك مما يشهد بوجود الصانع وجلاله وعظمته وكماله تعالى في ذاته وصفاته.
قال قدوتنا وسيدنا الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي؛ - رضي الله عنه -: وأولى ما يستضاء به من الأنوار ويسلك من طريق الاعتبار ما أرشد إليه القرآن، فليس بعد بيان الله بيان. وقد قال الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَال أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا} إلى قوله تعالى: {أَلْفَافًا} [النبأ: 6].
وقال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ} إلى قوله تعالى: {لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164].
وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا كَيفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} إلى قوله تعالى: {وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} [نوح: 15 - 18].
وقال تعالى: {أَفَرَأَيتُمْ مَا تُمْنُونَ} إلى قوله تعالى: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوينَ} [الواقعة: 58 - 73].
قال: وليس يخفى على من معه أدنى مسكة إذا تأمل بأدنى فكرة مضمون هذه الآيات، وأدار نظره على عجائب خلق الله في الأرض والسموات، وتدبر فطرة الحيوان والنبات أن هذا الأمر العجيب والترتيب المحكم لا يستغني عن صانع يدبره، وفاعل يحكمه ويقدره، بل تكاد فطرة النفوس تشهد بكونها مقهورة تحت التسخير ومصرفة بمقتضى تدبير، لذلك قال الله تعالى: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم: 10] وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25]، [الزمر: 38] انتهى مختصرًا".
ثم قال في دفاعه عن الإمام الغزالي ص (51):
"ما أنكره بعض الناس على حجة الإمام أبي حامد الغزالي والرد عليهم:
قلت: وأما ما أنكره بعض النّاس على الإمام حجة الإسلام، - رضي الله عنه -، ونسبه إليه من الكفر، وزعمه أنه حصر القدرة في قوله - رضي الله عنه -: (ليس في الإمكان أبدع من هذا الوجود)، فقد أجبت عنه لما أرسل إليَّ بعض الفقهاء الطاعنين فيه يسأل عن الجواب في ذلك في معرض التعريض بالإنكار عليه، والإشعار بالكفر الذي نسبه إليه فذكرت في الجواب ما يقتضي الإنكار على المنكر عليه.
وقلت: التكفير على المكفر له بما نسبه إليه، وها أنا أشير إلى ما ذكرته بتقرير قدرته. وذلك أن كمال الصنعة يدلّ على كمال الصانع، والنقص على النقص. فيلزم على قول المنكر أن يكون صنعة هذا الوجود ناقصة بالنسبة إلى صنعة أكمل منها، وذلك يستلزم نسبة النقص إلى الصانع، ونسبة النقص إلى الصانع تعالى هي عين الكفر" أ. هـ.
وقد مدح عقيدة أهل السنة والتي ذكر فيها ثنائه على الإمام الغزالي ومدح شيخ طريقته الشاذلية الشاذلي في قصيدة.
2 - أما كتابه: "الدر النظيم في خواص القرآن العظيم" فما هو إلا كتاب أحشاه بالخرافات في إمكانية جعل كلمات القرآن والذكر التي وردت في القرآن والأحرف فيه على أشكال وأرقام وجداول وغيرها من أمور البدع، والتصوف المبني على العقائد والأنحرافات الزائغة عن الكتاب والسنة وإليك بعضها: قال ص (22):
"فصل اعلم أني أخذت الحروف المفتتح بها السور وحذفت منها المكرر فصارت (14) حرفًا ال م ص ر ك هـ ي ع ط س ق ن ح فحسبتهما على حساب الجمل على رأي المغاربة فجاءت 93 ثم نظرت ووضعت وفقًا مسدسًا في قلبه وفق مخمس فيه الأحرف النورية التي هي فواتح لسور القرآن غير مكررة وهي عجيبة فتأمله وهو هذا عدديًا حرفيًّا والله النافع بمنه وكرمه. وصورته هكذا فتأمله ترشد".
ثم جعل بعد هذا الكلام جدولًا فيه من الأحرف والأرقام، ما تعجب عند رؤيته، وقال: "هذا الوفق ينفع لقضاء الحاجات"!
ثم قال ص (23): "ووجدت إحدى وثلاثين آية مكتوبة بخط الشيخ أبي العباس المرسي ولا أدري هل تكتب أو يحمل أو تقرأ في كل يوم من أيام الشهر فأثبتناها هنا. وهي هذه ومما رزقناهم ينفقون كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقًا إلى بغير حساب وارزقنا وأنت خير الرازقين .. " الخ كلامه في إيراد آيات من سور القرآن الكريم، من أجل ذكرِ ما أنزل الله فيه من سلطان.
وقال أيضًا ص (25): "واعلم أن اسمه الباسط إذا ذكر وحمل أثر سعة الرزق وتفريج الكرب وتفريح النفس وإذا داوم على ذكره ذاكر أربع ساعات من أربعة أيام أو اثنين وسبعين مرة في كل يوم ختام 72 يومًا ثبته الله على الطاعة وخفف عنه كل ثقل ولطف به فيما قدر عليه ورزقه. والطاء إذا نقشت في لوح من ذهب والشمس في سعدها تنقش 9 طاآت و 4 هاآت وحملها إنسان معه قهر الله بها قلوب الجبارين من الجن والإنس وحبب إليه أعمال البر كلها ومن علقها عليه زال ما يشكوه من وجع الرأس".
وقال: "ومن كتب آخر حرف من ذي الطول 30 مرة أو كتب كما هو 7 مرات في سابع ساعة من سابع الشهر بنية ما يرومه على ذكر وطهارة يسر الله عليه".
ثم ذكر عن شيخه أبي الحسن الشاذلي من هذه الأمور ما يلي:
قال ص (47): "ورأيت بخط الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله تعالى عنه هذه الأشكال وقد شاع بأنها اسم الله الأعظم وقسم من أقسام الله المكرم. وهذه صورته -كتب أشكال غريبة من خرافات الصوفية- وفيها نظم عن الإمام علي كرم الله وجهه وهو هذا: 
ثلاث عصيّ قد صفقْت بعد خاتم ... على رأسها مثل السهام المقوّم
وميم طميس أبتر ثم سلم ... إلى كل مأمول وليس بسلم
وأربعة مثل الأنامل صفقت ... تشير إلى الخيرات من غير معصم
وخاتم خير ثم هاء مقوّس ... كأنبوب حجام وليس بمحجم
فذاك هو اسم الله جل جلاله ... اسم عظيم في الكتاب المكرم
عليه من النور البهي جلالة ... إلى كل إنس من فصيح ومعجم
يريك من الآيات ما فيه عبرة ... وأمر جسيم في القضية معدم
فيا حامل الاسم الذي ليس مثله ... توق به كل المكاره تسلم
وقيل في الدعاء بها: اللهم إني أسألك بالهاء الموقوفة من اسمك الأعظم وبالثلاث من بعدها وألف المقوّم وبالجيم والميم الطميس الأبتر والسلم والأربع التي هي كالكف بلا معصم وبالهاء المشقوقة والواو المعظم صورة إسمك الكريم الأعظم أن تصلي على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلم بعدد كل حرف جرى به القلم وأن تقضي لي حاجتي وهي كذا وكذا .. " الخ هذه الأمور التي نسأل الله تعالى البراء منها ... والله المستعان.
3 - وأما كتابه "نشر المحاسن العالية في فضل المشايخ الصوفية أصحاب المقامات العالية" حيث يقول ص (11) في رده عن عدة أسئلة حول كرامات الأولياء والفرق بين أولياء وآخرين وغير ذلك من الأسئلة المنحرفة المنهج، فأجاب عليها، ونذكر منها جوابه حول كرامة الولي هل تبلغ المعجزة فقال: "أقول وبالله سبحانه التوفيق: يجوز أن تبلغ الكرامة مبلغ المعجزة في جنسها وعظمها على القول الصحيح المحقق المختار، وأستدل على ذلك بالمعقول والمنقول عن أئمة الأصول، وبوقوع ذلك في كثير من الأولياء وبالإسناد الصحيح الموصول، أما المعقول فأقول: لا يخلوا إما أن يكون المنع من ذلك من جهة النقل، أو من جهة العقل، والأول باطل إذ ليس في منع ذلك نقل يوجد، بل النقل متظاهر في جوازه كما سيأتي، والثاني، إما أن يمتنع لذاته أو لغيره، والأول باطل إذ خرق العادة مطلقًا في الصغير والكبير للنبي والولي وغيرهما من الشريف والحقير لا يحيله العقل في قدرة الرب القدير، والثاني إما أن يكون لالتباس النبي بالمتنبي أو غيره، والثاني باطل إذ ليس فيه دافع لأصل ولا قاح في معجزة، والأول إما أن لا يكون مقرونًا بدعوى النبوة أو يكون، والأول باطل إذ ليس فيه التباس فتعين الثاني، وهو حصر الالتباس المحصور فيه المنع في الخارق المقرون بدعوى النبوة فلا التباس في غير الخارق، المقرون بالدعوى المذكورة، فلا منع من كل خارق ليس مقرونًا بدعوى النبوة وهو المطلوب والحمد لله.
قلت: وهذا التقرير الذي قررته في جواز عظام الكرامات يلزم منه بطلان مذهب المعتزلة في منعهم جواز مطلق الكرامات، إذ جواز عظيمها يلزم منه جواز صغيرها، ويلزم منه أيضًا بطلان أقوال ضعيفة لبعض القائلين بجواز الكرامات، وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.
وأما المنقول: فالدليل على المعتزلة المانعين لجملة الكرامات قد قدمناه في الفصل الأول من القرآن والأخبار والآثار، والدليل على أصحاب الأقوال الضعيفة من المجوزين لها سأذكره من أقوال أئمة الأصول المحققين النظار المدققين".
وقال في ص (428):
"وقال بعض المشايخ أيضًا لمنكر عليه من الفقهاء في قراءته: لئن لحنت في قراءة القرآن لقد لحنت أنت في الإيمان، وذلك أنه لما أنكر عليه وخرج من عنده قصده السبع فغشي عليه من خوفه لضعف إيمانه وقلة ثقته بالله تعالى، إذ السبع كلب من الكلاب ودابة من الدواب التي لا يتحرك شيء منها إلا بإذن رب الأرباب، ولا يجري شيء من الوجود إلا بما سبق به القضاء في أم الكتاب وفي معنى ذلك قلت (ثم ساق أبيات له).
قلت: وقد تقدم قول المشايخ العارفين بالله: أقل عقوبة المنكر على الصالحين أن يحرم بركتهم، قالوا: ويخشى عليه سوء الخاتمة، نعوذ بالله من سوء القضاء.
وتقدم أيضًا قول الشيخ العارف بالله تعالى الإمام معدن العلوم والأسرار، ناصر الشريعة والحقيقة صاحب كتاب الأنوار رضي الله تعالى عنه: من رأيتموه يزدرى بالأولياء، وينكر مواهب الأصفياء، فاعلموا أنه محارب لله، مبعود مطرود عن حقيقة قرب الله تعالى.
وقال الشيخ الكبير العارف بالله تعالى الشهير أبو تراب النخشبي رضي الله تعالى عنه: إذا ألف القلب الإعراض عن الله صحبته الوقيعة في أولياء الله تعالى.
وقال الشيخ الجليل العارف بالله تعالى شاه بن شجاع الكرماني رضي الله تعال عنه: ما تعبد متعبد بأكبر من التحبب إلى الأولياء، لأن محبة أولياء الله تعالى دليل على محبة الله عزَّ وجلَّ.
وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري رضي الله تعالى عنه: وقبول قلوب المشايخ لمريد أصدق شاهد لسعادته، ومن رده قلب شيخ من الشيوخ فلا محالة يرى غب ذلك ولو بعد حين، ومن خذل بترك حرمة الشيوخ فقد أظهر رقم شقاوته وذلك لا يخطئ انتهى كلامه.
قلت: وقد أدرك توفيق الله سبحانه جماعة منكرين عليهم من الفقهاء والنساك، وأنقذهم من العمى والعقوبة بعد ما أشرفوا على الهلاك، فصاروا منهم معتقدين لهم ومنتسبين إليهم، بعد ما طال معاداتهم لهم وإنكارهم عليهم، ومطاعنين دونهم بعد ما كانوا طاعنين فيهم.
قلت: وليس بين المنكر عليهم وبين ترك الإنكار من الفقهاء والجهال إلا أن يذوق راح المحبة التي ذاقوا عند مشاهدة الجمال، فيصير صوفيًا شاء أو أبي، ويخلع العذار وينشد لسان حاله ما قاله شارب العقار:
سقوني وقالوا لا تغنى ولو سقوا ... جبال حنين ما سقونى لغنت  ثم قال ص (431):
"وعلى الجملة فمجموع هذا الكتاب مشتمل على نبذة يسيرة من محاسن السادات الأحباب المقربين إلى تلك الحضرة، الذين لو أقسم أحدهم على الله لأبره، ومن هذا الإبرار المذكور الذي هو عنهم مشهور وعدده غير محصور" أ. هـ.
* ثم ننقل من كتاب "مظاهر الإنحرافات العقدية عند الصوفية" ما نصه: "قال النبهاني: قال عبد الله اليافعي الغوث: روى عن بعض الكبار أنه طلب منه بعض الناس أن يدعو له الله تعالى أن يرزقه ولدًا ذكرًا فقال: إن أحببت ذلك فسلم للفقراء مائة دينار فسلم إليه ذلك ثم جاء بعد ذلك بمدة وقال له: يا سيدي وعدتني بولد ذكر وما وضعت امرأتي إلا أنثى فقال له الشيخ: الدنانير التي سلمتها ناقصة فقال: يا سيدي ما هي ناقصة إلا شيئًا يسيرًا فقال له الشيخ: ونحن أيضًا ما أنقصناك إلا شيئًا يسيرًا فإن أحببت أن نوفي لك فأوف لنا فقال: نعم يا سيدي ثم ذهب وعاد إليه بتوفية ذلك النقصان فقال له الشيخ: اذهب فقد أوفيناك كما أوفيت فرجع إلى منزله فوجد غلامًا بقدرة الله تعالى وإكرامًا لأوليائه عز وجل" أ. هـ.
* قلت: ومما تقدم نعلم، عقيدته الصوفية التي تميل إلى الإنحرافات وميله إلى الإلتزام بطريق شيخه وطريقة المتكلمين وله مصنفات أخرى اطلعنا عليها ككتاب: "الإرشاد والتطريز في فضل ذكر الله تعالى .. " ويشمل على عشرة أبواب، في مدح الصالحين ورباطهم وأقوالهم ومعاملاتهم وذكر ما ورد من الأذكار، وفي مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - وغير ذلك مثل ما تقدم مع إيراد الأشعار والقصائد فيه ... ولولا التطويل وما أوردناه -وهو يكفي لبيان أمر المترجم له- لأوردت أكثر من ذلك، وما عرضناه يكفي والله المستعان، وما كان ما ذكرناه إلا نبين مقتطفات من كتبه لإعلام القارئ الكريم، ومعرفة عقيدته، وأسلوب علمه، في عرض الأحكام والأمور الشرعية، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وفاته: سنة (768 هـ) ثمان وستين وسبعمائة.
من مصنفاته: قصيدة مشتملة على قريب من عشرين علمًا إلا أن بعضها متداخل، كالتصريف مع النحو، والقوافي مع العروض، وله "مرهم العلل المعضلة" في أصول الدين، و"الإرشاد والتطريز" في التصوف.





مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید