المنشورات

ابن أبي داود

المفسر المقرئ: عبد الله بن سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني أبو بكر بن أبي داود.
ولد: سنة (230 هـ) ثلاثين ومائتين.
من مشايخه: علي بن خشرم المروزي، وأبو داود سليمان بن معبد وغيرهما.
من تلامذته: أبو بكر بن مجاهد المقرئ، وعبد الباقي بن قانع وغيرهما.
كلام العلماء فيه:
• السير: "قلت -أي الذهبي- لعل قول أبيه فيه -إن صح- أراد الكذب في لهجته لا في الحديث، فإنه حجة فيما ينقله، أو كان يكذب ويؤرِّي في كلامه، ومن زَعَم أنه لا يكذب أبدًا، فهو أرعن، نسأل الله السَّلامة من عثرة الشباب، ثم إنه شاخ وارعوى ولزم الصدق والتقى. . . كان شهمًا قوي النفس وقع بينه وبين ابن جرير وبين ابن صاعد وبين الوزير ابن عيسى الذي مرّ به. . قال أبو عبد الرحمن السلمي: سألت الدارقطني عن ابن أبي داود فقال ثقة كثير الخطأ في الكلام على الحديث.
قلت: وكان رئيسًا عزيز النفس مُدِلًا بنفسه سامحه الله. . . وقد ذكره أبو أحمد ابن عدي في (كامله) وقال: لولا أنا شرطنا أن كل من تكلم فيه ذكرناه لما ذكرت ابن أبي داود قال: وقد تكلم فيه أبوه، وإبراهيم ابن أوزمة وينسب في الابتداء إلى شيء من النصب ونفاه ابن الفرات من بغداد إلى واسط، ثم ردَّه الوزير على ابن عيسى فحدَّث وأظهر فضائل علي - رضي الله عنه - ثم تحنبل فصار شيخًا منهم. . . قال ابن عدي: أنبأنا علي بن عبد الله الداهري، سمعت أحمد بن محمّد بن عمرو كركرة، سمعت علي بن الحسين الجُنيد سمعت أبو داود يقول: ابني عبد الله كذاب. . . قال أحمد بن يوسف الأزرق: سمعت أبا بكر بن أبي داود يقول: كل الناس مني في حل، إلا من رماني ببغض علي - رضي الله عنه -.
قال أبو أحمد بن عدي: سمعت علي بن عبد الله الزاهري يقول: سألت ابن أبي داود عن حديث الطير، فقال: إن صح حديث الطير فنُبُوَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - باطل، لأنه حكى عن حاجب النبي - صلى الله عليه وسلم - خيانة يعني أنسًا وحاجب النبي لا يكون خائنًا.
قلت: هذه عبارة رديئة، وكلام نحسٌ، بل نبوة محمّد - صلى الله عليه وسلم - حق قطعي، إنْ صح خبر الطير، وإن لم يصح، وما وجْه الارتباط؟ هذا أنس قد خدم النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يحتلم، وقبل جَرَيان القلم، فيجوز أن تكون قصة الطائر في تلك المدة. فرضنا أنه كان محتلمًا، ما هو بمعصوم من الخيانة، بل فعل هذه الجناية الخفيفة متأولًا، ثم إنه حبسَ عليًّا عن الدخول كما قيل، فكان ماذا؟ والدعوة النبوية قد نفذت واستُجيبت، فلو حبسه، أو رده مراتٍ، ما بقي يتصور أن يدخل ويأكل مع المصطفى سواه إلا، اللهم إلا أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قصد بقوله: "إيتني بأحب خلقك إليك، يأكل معي" عددًا من الخيار، يصدُق على مجموعهم أنهم أحب الناس إلى الله، كما يصح قولنا: أحب الخلق إلى الله الصالحون، فيقال: فمن أحبهم إلى الله؟ فنقول: الصديقون والأنبياء. فيقال: فمن أحب الأنبياء كلهم إلى الله؟ فنقول: محمّد وإبراهيم وموسى، والخطب في ذلك يسير.
وأبو لبابة -مع جلالته- بدت منه خيانة، حيث أسار لبني قريظة إلى حلقِه، وتاب الله عليه. وحاطب بدت منه خيانة، فكاتب قريشًا بأمر تخفى به نبي الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوهم، وغفر الله لحاطب مع عظم فعله - رضي الله عنه -. وحديث الطير- على ضعفه- فله طرق جمّة، وقد أفردتها في جزء، ولم يثبت، ولا أنا بالمعتقد بطلانه، وقد أخطأ ابن أبي داود في عبارته وقوله، وله على خطئه أجر واحد، وليس من شرط الثقة أن لا يخطى ولا يغلط ولا يسهو. والرجل فمن كبار علماء الإسلام، ومن أوثق الحفَّاظ رحمه الله تعالى" أ. هـ.
• ميزان الاعتدال: "وسمعت عبْدان، سمعت أبا داود السجستاني يقول: ومن البلاء أنَّ عبد الله يطلب القضاء. وسمعت محمّد بن الضحاك بن عمرو بن أبي عاصم يقول: أشهد على محمّد بن يحيى بن منده بين يدي الله أنه قال: أشهد على أبي بكر بن أبي داود بين يدي الله أنه قال: روى الزُّهري عن عُروة، قال: حفيت أظافير فلان من كثرة ما كان يتسلق على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قلت: هذا لم يسنده أبو بكر إلى الزهري، فهو منقطع، ثم لا يُسمع قول الأعداء بعضهم في بعض. ولقد كاد أن تضرب عنق عبد الله لكونه حكى هذا، فشدّ منه، محمّد بن عبد الله بن حفص الهمداني، وخلصه من أمير "صفهان "أبي ليلى، وكان انتدب له بعض العلوية خصمًا، ونسب إلى عبد الله المقالة، وأقام الشهادة عليه ابن منده المذكور، ومحمد بن العباس الأخرم، وأحمد بن علي بن الجارود؛ فأمر أبو ليلى بقتله؛ فأتى الهمداني وجرّح الشهود، فنُسب ابن منده إلى العُقوق، ونسب أحمد إلى أنه يأكل الربا، وتكلم في الآخر، وكان ذا جلالة عظيمة، ثم قام وأخذ بيد عبد الله، وخرج به من فك الأسد؛ فكان يدعو له طول حياته، ويدعو على الشهود.
حكاها أبو نعيم الحافظ، وقال: فاستُجيب له فيهم، منهم من احترق، ومنهم من خلط وفُقد عقله" أ. هـ.
• طبقات المفسرين: "قال أبو بكر الخلال: كان ابن أبي داود أحفظ من أبيه.
قال صالح بن أحمد الهمداني: فإن ابن أبي داود إمام أهل العراق ونصب له السلطان المنبر وكان في وقته بالعراق مشايخ أسند منه، فلم يبلغوا في الآلة والإتقان ما بلغ هو.
وقال محمّد بن عبيد الله بن الشخير: كان ابن أبي داود زاهدًا ناسكًا صلى عليه يوم مات نحو ثلاثمائة ألف إنسان" أ. هـ.
• قلت: ومن مقدمة كتاب "لوائح الأنوار السنية ولواقح الأفكار السنية شرح قصيدة ابن أبي داود الحائية في عقيدة أهل الآثار السلفية" (هامش ص 98): "أما ما يتعلق بعقدته فإنه رحمه الله كان على مذهب السلف من الإيمان بالله وبأسمائه وإثبات صفاته على الوجه اللائق بالله كما قال تعالى {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
ولعل قصيدته في العقيدة وهي التي شرحها العلامة السفاريني في كتابه هذا خير دليل على ذلك.
فقد جاء عنه أنه قال بعد أن ذكرها:
(هذا قولي وقول أبي وقول أحمد بن حنبل رحمه الله وقول من أدركنا من أهل العلم وقول من لم ندرك من أهل العلم ممن بلغنا قوله فمن قال على غير هذا قد كذب).
وأما ما قيل فيه من الجرح فسأذكر ما قيل فيه ثم أذكر الجواب عنه فأقول: جاء في ترجمته أنه تكلم فيه أبوه فقال: إبني عبد الله كذاب، وكذا قال إبراهيم بن أورمة الأصبهاني وكان ابن صاعد يقول كفانا ما قاله أبوه فيه. الكامل لابن عدي (4/ 1577).
وقال أبو القاسم البغوي -وقد كتب إليه عبد الله يسأله عن لفظ حديث-. . أنت عندي والله منسلخ من العلم. سير أعلام النبلاء (13/ 228).
وكذا قال ابن جرير: حينما أخبر أن ابن أبي داود يقرأ على الناس فضائل علي - رضي الله عنه - فقال: تكبيرة حارس، يعني أنه قاله خوفًا.
وقال ابن عدي: كان في الابتداء نسب إلى شيء من النصب فنفاه ابن الفرات من بغداد فرده على بن عيسى الوزير فحدث وأظهر فضائل علي - رضي الله عنه - ثم تحنبل فصار شيخًا فيهم. الكامل (4/ 1577).
هذا ملخص الكلام حول عبد الله وفي الجواب عنه نقول:
أما تهمة النصب ببغض علي - رضي الله عنه - فلم يثبت عنه شيء في ذلك بل ثبت عنه أنه قال: "كل من بيني وبينه شيء ويذكرني بشيء فهو في حل إلا من رماني ببغض علي بن أبي طالب" وكذا قال الذهبي رحمه الله: لم يثبت عنه شيء في ذلك. سير أعلام النبلاء (13/ 229).
أما جرح أبيه فقال: الذهبي: "لعل قول أبيه فيه - إن صح- أراد الكذب في لهجته لا في الحديث، فإنه حجة فيما ينقله، وكان يكذب ويوري في كلامه، ومن زعم أنه لا يكذب أبدًا فهو أرعن نسأل السلامة من عثرة الشباب، ثم إنه شاخ وارعوى ولزم الصدق والتقى. سير أعلام النبلاء (13/ 231).
وقال أيضًا في تذكرة الحفاظ: "أما قول أبيه فالظاهر أنه -إن صح- عنه فقد عنى أنه كذاب في كلامه لا في الحديث النبوي وكأنه قال هذا وعبد الله شاب طري ثم كبر وساد". تذكرة الحفاظ (2/ 772).
وقال ابن عدي: "وأبو بكر بن أبي داود لولا شرطنا أول الكتاب أن كل من تكلم عنه متكلم ذكرته في كتابي وإلا لما ذكرته. . إلى أن قال: وهو معروف بالطلب وعامة ما كتب مع أبيه وهو مقبول عند أصحاب الحديث، وأما كلام أبيه فما أدري أيش تبين له منه". الكامل (4/ 1577).
قلت: لعل الخلاف الذي وقع بين أبي داود وابنه بسبب طلبه القضاء مما دعاه إلى أن يقول ذلك، فقد ورد عنه أنه قال: "من البلاء أن عبد الله يطلب القضاء". سير أعلام النبلاء (13/ 228).
وعلق عليه السيوطي بقوله: "هذا ليس بكلام بل تواضع"، طبقات الحفاظ (ص 326).
أما كلام ابن صاعد وابن جرير وغيرهما فلا يقبل فيه فإن هؤلاء كان بينهم وبينه عداوة، وهم من الأقران لا يقبل جرح بعضهم في بعض، وقد كذب ابن أبي داود أيضًا ابن صاعد كما ورد عنه.
لذا قال الذهبي: لا ينبغي سماع قول ابن صاعد فيه كما لا نعتد بتكذيبه لابن صاعد فقف في كلام الأقران بعضهم في بعض. تذكرة الحفاظ (2/ 772).
وقد تقدم قول ابن عدي أنه لم يذكره في كتابه إلا لوجود الكلام حوله وقد اشترط ذلك على نفسه وإلا لما ذكره.
وكذا قال الذهبي في الميزان: "إنما ذكرته لأنزهه". الميزان (3/ 348).
وبهذا يتبين أن عبد الله من كبار الأئمة الحفاظ ومن أهل الصدق والأمانة، وإن صح عنه شيء أيام شبيبته فهذا لا يضره، فقد كبر وساد وفاق الأقران. والله أعلم" أ. هـ.
وفاته: سنة (316 هـ) ست عشرة وثلاثمائة.
من مصنفاته: "التفسير"، و"القراءات"، و"الناسخ والمنسوخ"، و"المسند"، و"السنن".





مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید