المنشورات

البَطَلْيَوْسي

النحوي، اللغوي: عبد الله بن محمّد بن السَّيد (1) البطليوسي التنسي، أبو محمد. نزيل بلنسية.
ولد: سنة (444 هـ) أربع وأربعين وأربعمائة. من مشايخه: أبو بكر عاصم بن أيوب الأديب، وأبو سعيد الورّاق وغيرهما.
من تلامذته: القاضي عياض، وابن بشكوال وغيرهما.
كلام العلماء فيه:
• الغنية: "شيخ الأدباء في وقته، مقدّم في علم النحو واللغات والآداب والشعر والبلاغة وله شعر حسن جيد الضبط متقنًا" أ. هـ.
• بغية الملتمس: "إمام في اللغة والأداب، سابق مبرز. وتواليفه دالة على رسوخه، واتساعه، ونفوذه، وامتداد باعه وكان ثقة، مأمونًا على مقيد، وروى ونقل وضبط" أ. هـ.
• الصلة: "كان عالمًا بالآداب واللغات مستبحرًا منهما، مقدمًا في معرفتهما واتقانهما يجتمع النَّاس إليه ويقرؤون عليه ويقتبسون منه" أ. هـ.
• وفيات الأعيان: "كان عالمًا بالآداب واللغات متبحرًا فيهما مقدمًا في معرفتهما وإتقانهما.
سكن مدينة بلنسية، وكان حسن التعليم جيد التفهيم ثقة ضابطًا" أ. هـ.
• قلت قال حسن عبد الرحمن علقم في رسالته الجامعية (ابن السِّيد البطليوسي) (ص 50) في كلامه عن الذات والصفات: (بحث ابن السيد المشكلات الميتافيزيقية التي دار من حولها الجدل بين مفكري الإسلام وحاول تفسيرها بمصطلحات رياضية إضافة إلى اعتماده على التحليل اللغوي في تفسير دلالات المصطلح الفلسفي. ويمكن حصر المباحث التي عالجها في النقاط التالية:
أ - الذات الإلهية: "يرى ابن السيد أن الله تعالى هو "السبب الأول والعلة الأولى وعلة العلل"، ذلك أن الموجودات جميعها قد فاضت عنه بتوسط علل أخرى هي العقول العشرة، فكل عقل علة لما بعده من عقول، والعقل العاشر علة للعالم المحسوس الذي صدر عنه، ولأن هذه العلل قد صدرت عن الله فهو علتها، والموجودات بهذا المعنى تفتقر إليه ولا توجد إلا به في حين أنه غني عنها، فبالإضافة إلى صدورها عنه فإن تهويها راجع إلى أثر الموحدة الإلهية السارية فيها والذي يحفظ كيانها ووجودها، وإذا غاب هذا الأثر عدمت وفقدت موجوديتها. أنه واهب الوجود الذي لا يحده الزمان ولا يحيط به المكان. يفرق ابن السيد عند حديثه عن الزمان بين مفهومين: الزمان والدهر، فالزمان مدة الأشياء المحسوسة، بينما الدهر مدة الأشياء المعقولة، والله لا يحد بالدهر أو الزمان لأن له "المرتبة الأولى من الوجود وهو متوحد بوجوده لا يشركه في وجوده شيء كما لا يشركه في شيء من صفاته ... والباري تعالى لا يوصف بالمكان وكذلك كل معقول لا مادة له". وبذلك تنقسم الموجودات إلى ثلاثة أقسام من حيث صلتها بالزمان أو المكان: فما لله كائن لا يوصف بالمكان أو الزمان أو الدهر، والأشياء المعقولة: لا مكان ولا زمان لها ولكن لها دهرًا، والأشياء المحسوسة: لها مكان وزمان.
ب - منطق الصفات الإلهية: "ابن السيد من المفكرين الذين تأولوا الصفات التي وردت في القرآن الكريم ولم يأخذوا بها على ظاهرها، إذ لا يمكن قياس الصفات الإلهية على صفات الإنسان، فوصفنا للباري تعالى بأنه سميع بصير مختلف عن وصفنا للإنسان بهذه الصفات، فالإنسان يسمع ويبصر بحدقة وجوارح بينما الله منزّه عن ذلك، ومعنى هذا أنه لا شيء مشترك بين الله والإنسان في هذا الصدد إلا الألفاظ الصفات، أما معاني هذه فمختلفة ومن هنا فإن الصفات الإلهية دون غيرها هي التي يسلم بها دون قياس أو تشبيه.
يمضي ابن السيد خطوة جديدة فيقول أن الصفات التي تطلق على الإنسان إذا أريد بها الباري وجب تخصيصها بحيث لا تنطبق إلا عليه مثال ذلك قولنا: يا جوادًا لا يبخل، ويا حليمًا لا يعجل، ويا عالمًا لا يجهل، فالإنسان مهما علت صفاته وسما في أخلاقه، فلا بد أن يبخل وأن يعجل، وأن يجهل في حكمه، وفائدة هذا التخصيص أنه يخلق تباينًا لفظيًّا ومعنويًا بين الصفات الإنسانية والإلهية. فإذا قال قائل "يا عليم ويا جواد ويا عالم فإنما يقع التباين والخلاف بالمعاني لا بالألفاظ، وإذا انفصل الشيئان لفظًا ومعنى كان أبلغ في التباين من أن ينفصلا معنى لا لفظًا".
ولتحقيق هذا التباين يعتمد ابن السيد التأويل في تفسيره لآيات القرآن الكريم، فإذا قرأ قوله تعالى {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} قال: إن الفعل الإلهي موضوع الآية هو: إتيان فعل، لا إتيان ذات، فالله لا يوصف شأن المحدثات بالانتقال فالكلام في الآية على سبيل المجاز.
ويدخل ابن السيد في حوار لغوي فلسفي مع بعض علماء النحو الذين أخذوا الآيات على ظاهرها حتى كفروا من قال بأن "قائمًا" هي حال في الآية: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
وتتلخص حجة هؤلاء النحويين في أن "الحال" صفة متنقلة و "فضلة في الكلام". لذا فإن من الحال إعراب "قائمًا" بأنها حال، لأننا حينئذ نجوّز الإنتقال والحركة على الله، فضلًا عن كون "القيام بالقسط" صفة لله تعالى لم يزل موصوفًا بها ولا يزال، ولا يصح فيها الانتقال، وقد وصف ابن السيد هؤلاء النحاة بقلة البصر بصناعة العربية وسوالفهم، ذلك أن "النحويين لم يريدوا بقولهم أن الحال فضلة في الكلام بأنه  يستغني عنها في كل موضع على من يتوهم من لا دربة له بهذه الصناعة ... وأما القيام الذي وصف الله به نفسه في هذه الآية فليس يراد به المثول والانتصاب لأن هذا من صفة الأجسام تعالى الله عن ذلك، وإنما المراد بالقيام هنا، القيام بالأمور والمحافظة عليها".
يرى ابن السيد أن الصفات نوعان:
1 - نوع يقصد به إزالة الإشتراك بين موصوفين متشابهين فنعطي لموصوف صفة يختلف فيها عن الأخر.
2 - نوع لا يقصد به إزالة الإشتراك ولكن المدح أو الذم، والمخاطب غني عن أن يوصف له المذكور كقولنا (تقابلت مع أستاذنا النبيل)، وصفات الله من هذا النوع لكنه تعالى يختلف عن سائر مخلوقاته، فكل وصف نصفه به لا يدانيه فيه غيره أبدًا (والمدح ثلاثة أنواع: افراط، واقتصاد، وتقصير) - فالإفراط أن نرفع الممدوح إلى درجة أعلى مما يستحق، والإقتصاد أن لا يتجاوز المادح في الوصف ما يستحق الممدوح من منزلة، والتقصير أن نحط من مرتبة الموصوف فلا نعطيه حقه من الدح، والنوعان الأولان غير جائزين في حق الله تعالى ونحن مقصرون في اعطاء الذات الإلهية حقها من المدح اللائق بها مهما حاولنا في ذلك. فإذا أطلقنا الصفات المعهودة: حي، عالم، قادر، سميع، على الباري تعالى وقصدنا بها ما هو معهود في عالمنا عن المعاني فإننا نكون قد قصرنا في حقه تعالى من المدح" أ. هـ.
• قلت: لا حظنا من خلال هذه النقول البسيطة كيف يؤول ابن السيد البطليوسي صفات الله سبحانه وتعالى على طريقة الفلاسفة والعقلانيين.
وفاته: سنة (521 هـ) إحدى وعشرين وخمسمائة.
من مصنفاته: "المثلث" في مجلدين أتى فيه بالعجائب ودل على اطلاع عظيم، وله "الأقتضاب في شرح أدب الكُتاب"، و "شرح الزند" لأبي العلاء المعري، وهو أجود من شرح شعر أبي العلاء صاحب الديوان الذي سماه (ضوء السقط). 





مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید