المنشورات

ابن جني

النحوي، اللغوي: عُثْمَان بن جني، أبو الفتح الموصلي.
ولد: قبل سنة (330 هـ) ثلاثين وثلاثمائة،
وقيل: (320 هـ) عشرين وثلاثمائة.
من مشايخه: أبو عليّ الفارسي، وأبو الفرج الأصبهاني صاحب الأغاني وغيرهما.
من تلامذته: الثمانيني، وعبد السلام البصري وغيرهما.
كلام العلماء فيه:
* معجم الأدباء: "لم يتكلم أحد في التصريف أدق كلامًا منه" أ. هـ.
* وفيات الأعيان: "كان إمامًا في علم العربية" أ. هـ.
* البداية والنهاية: "صاحب التصانيف الفائقة المتداولة في النحو واللغة، وكان جني عبدًا روميًا مملوكًا لسليمان بن فهد بن أحمد الأزدي الموصلي" أ. هـ.
* الوافي: "وله كتاب "البُشرى والظفر" صنعه لعضد الدولة مقداره خمسون ورقة في تفسير بيت واحد من شعر عضد الدولة وهو:
أهلًا وسهلًا بذي البشرى وتوبتها ... وباشتمال سرايانا على الظفر
واجتاز أبو عليّ الفارسي الموصل، فمرّ بالجامع وأبو الفتح يقرئ النحو وهو شاب فسأله أبو عليّ مسألة في التصريف، فقصر فيها أبو الفتح، فقال له: زَبَّبْت قبل أن تحُصرم فلزمه من يومئذٍ مدة أربعين سنة واعتنى بالتصريف" أ. هـ.
* الشذرات: "وله أشعار حسنة، ويقال: إنه أعور ... وكان المتنبي يقول: ابن جني أعرف بشعري مني" أ. هـ.
* قلت: قال أحمد مطر عطية في رسالته لنيل درجة الماجستير صفحة (11): "عرف أبو الفتح بطيب الأخلاق والعفة والإخلاص في الود.

وكان رجل جد وامرأ صدق في أقواله وأفعاله، وكان متصفًا بما يجب أن يتصف به جلة العلماء من دأب على التحصيل ورحلة في سبيل العلم وملازمة الشيوخ، كان يحب الجد في الأمر كله، ويبتعد عن سفاسف الأمور والمزاح.
وكان عف اللسان والقلم، يتجنب الألفاظ المخجلة والكلمات النابية ويدل على ذلك أنه كان يغير في الشعر ما يقبح" أ. هـ.
قلت: قال الدكتور فاضل صالح السامرائي في كتابه "ابن جني النحوي" صفحة (52): (من الثابت أن ابن جني كان معتزليًا، تتردد آراؤه في الاعتزال في كتبه وتطبع بحث أحيانًا. ومما يدل على اعتزاله:
1 - ما جاء في (الخصائص): الحمد لله الواحد العدل القديم، وفي مكان آخر، أنه أراد به عنصر القديم، وفي مكان آخر يقول: وكذلك أفعال القديم سبحانه، وغير ذلك.
وتأكيد أن "القدم" من أخص معتقدات المعتزلة، قال صاحب (الملل والنحل) والذي يعم طائفة المعتزلة من الاعتقاد والقول بأن الله تعالى قديم و"القدم" أخص وصف ذاته ونفوا الصفات القديمة أصلًا وقال الجمهور غير المعتزلة إنه عالم بعلم وحي بحياة وقادر بقدرة وإن هذه الصفات قديمة معه.
2 - جاء في (الخصائص): وكذلك أفعال القديم سبحانه نحو خلق الله السماء والأرض وما كان مثله ألا ترى أنه عز اسمه لم يكن منه بذلك خلق أفعالنا ولو كان حقيقة لا مجازًا لكان خالقًا للكفر والعدوان وغيرهما من أفعالنا عز وعلا.
وهذا رأي المعتزلة جاء في (مقدمة في أصول التفسير): وأما عدلهم فمن مضمونه أن الله لم يشأ جميع الكائنات بل عندهم أن أفعال العباد لم يخلقها الله لا خيرها ولا شرها.
واتفقوا على أن العبد قادر خالق لأفعاله خيرها وشرها.
وأن الله تعالى ليس خالقًا لأفعال العباد.
3 - جاء في (الخصائص): فأما قوله سبحانه: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} فحقيقة لا مجاز وذلك أنه سبحانه ليس عالمًا بعلم فهو إذن العليم فوق ذوي العلوم أجمعين ويقول أيضًا، ولسنا نثبت له سبحانه علمًا لأنه عالم بنفسه.
وهذا رأي المعتزلة ويسمى التوحيد عندهم، ومضمونه نفي الصفات ... وأنه (سبحانه) لا يقوم به علم ولا قدرة ولا حياة ولا سمع وإنما هو عالم بذاته قادر بذاته حي بذاته لا بعلم ولا قدرة وحياة.
4 - المنزلة بين المنزلتين -عقد في (الخصائص) بابا (في الحكم يقف بين الحكمين) محاولًا تطبيق هذا المبدأ على مسائل نحوية كالكسرة قبل ياء المتكلم في نحو (غلامي) أهي حركة إعراب أم بناء؟ وما فيه اللام والإضافة نحو (الرجل وكلامك) أهو منصرف أم غير منصرف؟ وغير ذلك، وقرر أن هذه منزلة بين المنزلتين ولا شك أن هذا مبدأ معتزلي.
5 - قال في قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} حتى ذهب بعض هؤلاء الجهال في قوله تعالى {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} أنها ساق ربهم ويقول أيضًا "فأما قول من طغى به جهله وغلبت عليه شقوته حتى قال في قول الله تعالى {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} أنه أراد به عضو القديم ... فأمر نحمد الله على أن نزهنا عن الإلمام بحراه".
ولا شك أنه يعني أهل السنة إذ جاء في صحيح البخاري.
قوله تعالى {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ} عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: "سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقى كل من كان يسجد في الدنْيا رياء وسمعة فيذهب يسجد فيعود ظهره طبقًا واحدًا".
6 - جاء في (المبهج): وقال لي مرة بعض أصحابنا من المتكلمين وجاء في (الخصائص باب في قوة اللفظ لقوة المعنى) وذاكرت بهذا الموضع بعض أشياخنا من المثكلمين فسرّ به وحسن في نفسه فهو يذكر المتكلمين ويذكر أنهم أصحابه وأشياخه.
فليس هناك شبهة في أنه معتزلي. قال السيوطي: إن ابن جني كان معتزليًا كشيخه الفارسي. وقال في (المزهر) عنه: وكان هو وشيخه أبو عليّ الفارسي معتزليين.
هل كان شيعيًا؟
اختلف المترجمون لابن جني أكان شيعيًا أم لا؟ فذهب قوم إلى أنه كان شيعيًا:
1. فقد ورد اسمه في (أعيان الشيعة) أبو الفتح عُثْمَان بن جني وهو من مشايخ السيد الرضى.
2. وورد ذكر قسم من مؤلفاته في كتاب (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) "الخصايص" ويقال له (خصايص العربية) في فلسفة هذه اللغة وهو في النحو لأبي الفتح عُثمَان بن جني النحوي.
3. الصلاة على (علي): ومنه قول عليّ صلوات الله عليه إلى الله أشكو عجري وبجري وقد كان هذا من تقاليد الشيعة وما يحرصون عليه، ويذكر المقريزي أن جوهرًا القائد بعد أن تم له فتح مصر لسيد المعتز أمر بالجهر بالصلاة على عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين وفاطمة الزهراء.
4. التسليم على علي: ومن كلام ابن عباس في صفة أمير المؤمنين عليهما السلام وهو من عادات الشيعة في الغالب.
5. الصلاة على الحسن: قال الحسن صلوات الله عليه لرجل سأله عن صائم قاء ...
6. ونراه في خطبة "الخصائص" يقول: وصلى الله على صفوته محمّد وآله المنتجبين عليهم السلام أجمعين .. ونراه يغفل ذكر الصحابة رضوان الله عليهم في هذا المقام وكان هذا من شعار الشيعة ونراه أيضًا في هذا المقام لا يدخل (على) على الآل وهذا مما يلتزمه الشيعة، وفي حاشية عصمت على الجامى (ص 7)، منع الشيعة إدخال (على) على (الآل) عند التصلية على النبي وآله.
7. نزوله في دار الشريف أبي علي الجواني نقيب العلويين في واسط.
8. علاقته الوثيقة بالشريف الرضى نقيب العلويين إذ هو من مشايخه -كما مر- ورثاه الشريف بقصيدة، ويهتم ابن جني بقصائد الشريف الرضى فيؤلف كتابًا خاصًّا بها سماه "تفسير العلويات وعلاقته بالسيد المرتضى".
وهو مما يستأنس به على أنه شيعي، وليس دليلًا قاطعًا فقد رثى الشريف أبا إسحاق الصابي فهل كان الصابي شيعيًا؟
9. ويرى أحد تلاميذ ابن جني عليّ بن أبي طالب في المنام يأمر ابن جني بإتمام كتاب المحتسب ويثبت هذه الرؤيا ابن جني بخطه على ظهر نسخة كتاب المحتسب.
10. علاقته الوثيقة بعضد الدولة وعضد الدولة شيعي من قوم شيعيين وكان البويهيون حراصًا على إظهار شعائر الشيعة.
ومن ذلك أنه في سنة (352 هـ) في يوم عاشوراء ألزم معز الدولة أهل بغداد بالنوح وإقامة المآتم على الحسين - رضي الله عنه - وأمر بإغلاق الأسواق وعلقت عليها المسوح.
11. قصة الزبزب وهي: أن عليّ بن عيسى الرَّبَعي كان على شاطئ دجلة في يوم شديد الحر فاجتاز عليه الشريف المرتضى ومعه ابن جني وعليهما مظلة تظلهما من الشمس، فهتف الربعي بالمرتضى وقال له: ما أحسن هذا التشيع! عليّ تنقلي كبده في الشمس من شدة الحر وعثمان عندك في الظل لئلا تصيبه الشمس، فقال المرتضى للملاح: جد وأسرع قبل أن يسبنا. وجاء في "معجم الأدباء" أن ذلك كان مع الشريفين الرضى والمرتضى وأنه قال لهما: من أعجب أحوال الشريفين أن يكون عُثْمَان جالسًا معهما في الزبزب -وهو السفينة- وعلي على الشط بعيدًا عنهما.
فبينما يفهم مقدمو (سر الصناعة) من هذه القصة أن الربعي (به لوثة وجسارة وبداوات لا تؤمن وأنه كان شيعيًا وإن ابن جني لم يكن شيعيًا يفهم الدكتور الشلبي العكس فيقول- "وأنت ترى القصة لا تنتهي بنا إلى هذه النتيجة التي انتهى السادة الأساتذة إليها بل هي دليل على ثبوت التشيع عند ابن جني".
12.- اعتزاليته -والعلاقة بين التشيع والاعتزال وثيقة يقول منز- أما من حيث العقيدة والمذهب فإن الشيعة هم ورثة المعتزلة ... وأن عضد الدولة وهو من الأمراء المتشيعين يعمل على حسب مذهب المعتزلة ويصرح المقدسي بأن الفاطميين يوافقون المعتزلة في أكثر الأصول ونجد الشيعة الزيدية يرتقون بسند مذهب المعتزلة حتى ينتهي إلى عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - ويقولون إن واصلًا أخذ عن محمّد بن عليّ بن أبي طالب وأن محمدًا أخذ عن أبيه (منية الأمل لأحمد بن يحيى المرتضى 1316 هـ ص 5) والزيدية يوافقون المعتزلة في أصولهم كلها إلا في مسألة الإمامة. (خطط المقريزي 2/ 352).
"أما علاقة الشيعة بالمعتزلة فيقول كولد تسيهر: إن الصلة بينهم أمر لا سبيل إلى الشك فيه ... ومن الشيعة فرع الزيدية وهم كثر من غيرهم ميلًا إلى مذهب المعتزلة".
وهناك آخرون يرون أن ابن جني لم يكن شيعيًا وإنما كان يصانع الشيعة لأن بيدهم السلطان، فالأستاذ محمّد النجار يقول في مقدمة الخصائص: "ولم يعرف عن ابن جني أنه كان شيعيًا، ولكن يبدو من أمره أنه كان يصانع الشيعة ويحطب في حبلهم ويأخذ أخذهم" وكذلك قال محققوا سر الصناعة.
وأرى أن الرأي الثاني هو الصواب، أن ابن جني لم يكن شيعيًا وإنما كان يصانعهم وذلك لما يلي:
1. الترضي عن عمر جاء في "المنصف" ومنه قول عمر - رضي الله عنه -: "اخشوشنوا وتمعددوا" وجاء فيه "وقرأ عمر بن الخطاب رحمة الله عليه ورضوانه "الله لا اله إلا هو الحي القيوم" ونحوه في أماكن أخرى.
2. الصلاة على الصحابة مع النبي: جاء في (المقتضب): والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمّد النبي وآله وصحبه وسلم تسليمًا" وفي (التصريف الملوكي). "وصلى الله على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلم".
3. الفصل بين الصلاة على الرسول وآله بـ"على" وإن ورد في أماكن أخرى بغير فصل كما قال الأستاذ الشلبي، وهو من شعائر الشيعة -كما مر- جاء في (التصريف الملوكي): "وصلى الله على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلم".
4. الترضي عن علي: جاء في (الخصائص): أولًا يعلم أن أمير المؤمنين عليًّا - رضي الله عنه - هو البادئ والمنبه عليه -يعني النحو- وشعار الشيعة التسليم عليه.
5. الترضي عن الحسن والترحم عليه -جاء في (الخصائص) - "ومنه قراءة الحسن - رضي الله عنه - (صادِ والقرآن) وجاء فيه أيضًا" وقد حكي عن الحسن رحمه الله أنه كان يقول: "آمين اسم من أسماء الله عزَّ وجلَّ وهو هنا يعني الحسن البصري، وعلى أي حال فهو دليل على عدم شيعيته فإن كان يعني الحسن بن عليّ فشعار الشيعة هو السلام عليه وإن كان الحسن البصري فهو واضح.
وجاء فيه أيضًا: فأما الحكاية عن الحسن - رضي الله عنه - وقد سأله رجل عن مسألة.
6. أمثاله التي يضربها تشعر بذلك، فهو يقول في (الخصائص) ألا تراك لو قلت: دخلت البصرة فرأيت أفضل من ابن سيرين لم يسبق الوهم إلا إلى الحسن - رضي الله عنه - وفي مكان آخر يقول: وذلك نحو قولك فلان يقول بقول أبي حنيفة ويذهب إلى قول مالك.
لقد كان في رجال الشيعة غنى لو كان كذلك.
7. الترحم على أصحاب أبي حنيفة- جاء في الخصائص: هذا موضع كان أبو حنيفة رحمه الله يراه ويأخذ به.
8. الترحم على أصحاب أبي حنيفة، فقد جاء في (الخصائص): وقلت مرة لأبي بكر أحمد بن عليّ الرازي رحمه الله، وهو شيخ الحنفية ببغداد، وفي مكان آخر يقول: وكذلك محمّد بن الحسن رحمه الله إنما ينتزع أصحابنا منها العلل.
9. له كتاب (مسألتان من كتاب الإيمان لمحمد بن الحسن الشيباني الفقيه الحنفي -فاتيكان ثالث- ملحق 32) ونكتفي بذلك.
ولذا أرجح أن ابن جني لم يكن شيعيًا وإنما كان مصانعًا للشيعة. 
أكان شعوبيًا أم مفضلًا للعرب على غيرهم؟
لقد علمنا أن ابن جني لم يكن عربيًّا في النسب وإن كان عربي المنشأ والثقافة، ولكن كان روميًا يونانيًا. وهو يذكر ذلك في أبياته التي نقلناها عنه:
فإن أصبح بلا نسب ... فعلمي في الورى نسبي
على أني أؤول إلى ... قروم سادة نجب
قياصرة إذا نطقوا ... أرم الدهر ذو الخطب
ألاك دعا النبي لهم ... كفى شرفًا دعاء نبي
أفكان شعوبيًا يبغض العرب والعربية، أم كان يحبهم ويفضلهم؟
نستطيع أن ننظر إلى هذا الأمر من ناحيتين:
أ- موقفه من العرب.
ب- موقفه من العربية.
أ- أما موقفه من العرب فإنه موقف الحب والإعجاب والتقدير البالغ لهم. وهو يكرر هذا الأمر في كثير من المناسبات في كتبه ومن أمثلة ذلك:
1 - جاء في (الخصائص): فإن قلت ومن أين يعلم أن العرب قد راعت هذا الأمر واستشفته وعنيت بأحواله وتتبعه حتى تحامت هذه المواضع التحامي الذي نسبته إليها وزعمته مرادًا لها؟ وما أنكرت أن يكون القوم أجفى طباعًا وأيبس طينًا من أن يصلوا من النظر إلى هذا القدر اللطيف الدقيق الذي لا يصح لذي الرقة والدقة منا أن يتصوره إلا بعد أن توضح له أنحاؤه بل أن تشرح له أعضاؤه.
قيل له: "هيهات ما أبعدك عن تصور أحوالهم وبعد أغراضهم ولطف أسرارهم".
2 - وجاء في (الخصائص) - قيل: لن يخلو ذلك أن يكون خبرًا روسلوا به أو تيقظًا نبهوا على وجه الحكمة فيه. فإن كان وحيًا أو ما يجري مجراه فهو أنه له واذهب في شرف الحال به لأن الله سبحانه إنما هداهم لذلك ووقفهم عليه لأن في طباعهم قبولًا له وانطواء على صحة الوضع فيه لأنهم مع ما قدمناه من ذكر كونهم عليه في أول الكتاب من لطف الحس وصفائه ونصاعة جوهر الفكر ونقائه لم يؤتوا هذه اللغة الشريفة المنقادة الكريمة إلا ونفوسهم قابلة لها محسة لقوة الصنعة فيها معترفة بقدر النعمة عليهم بما وهب لهم منها.
3 - وجاء في (الخصائص) عن أعرابي قرأ (طوبى) (طيبي) ولم ينفع معه التكرار في قراءتها (طوبى)، أفلا ترى إلى هذا الأعرابي وأنت تعتقده جافيًا كزًا لا دمثًا ولا طبعًا كيف نبا طبعه عن ثقل الواو إلى الياء فلم يؤثر فيه التلقين ولا ثنى طبعه عن التماس الخفة هزّ ولا تمرين وما ظنك به إذ خلي مع سومه وتساند إلى سليقته ونجره؟ ".
ب- حبه للعربية -وكما كان محبًا للعرب كان ممتلئا حبًا للعربية وهو يكرر ذلك في مواطن كثيرة بحيث لا يبقى للقارئ في كتبه أي شك في إعجابه الكبير بها ومن أمثلة ذلك:

1 - جاء في (الخصائص) عن العرب- وقد ذكرناه قبلًا: أنهم، لم يؤتوا هذه اللغة الشريفة الكريمة إلا ونفوسهم قابلة محسة لقوة الصنعة فيها معترفة بقدر النعمة عليهم بما وهب لهم منها.
2 - وجاء فيه: لو أحست العجم بلطف صناعة العرب في هذه اللغة وما فيها من الغموض والرقة والدقة لاعتذرت من اعترافها بلغتها فضلًا عن التقديم لها والتنويه بها.
3 - وجاء فيه: وذلك أنني إذا تأملت حال هذه اللغة الشريفة الكريمة اللطيفة وجدت فيها من الحكمة والرقة والإرهاف والدقة ما يملك عليّ جانب الفكر حتى يكاد يطمح به أمام غلوة السحر.
4 - وجاء: وكلام العرب لمن عرفه وتدرب بطريقها فيه جار مجرى السحر لطفًا وأن جسا عنه أكثر من ترى وجفا.
5 - ويقول فيه: فهذا أمر قدمناه أمام القول على الفرق بين الكلام والقول ليرى منه غور هذه اللغة الشريفة الكريمة اللطيفة ويعجب من وسع مذاهبها وبديع ما أمد به واضعها ومبتدئها.
ولا يذهبن بك الظن أن الأبيات التي قالها تدل على شعوبية فيه وعلى بغض للعرب يطويه فهو لم ينتقص أمة ولا شعبًا وإنما ذكر انتسابه إلى العلم وهو من أجل الأنساب. فإن انتسب أحد إلى فلان أو فلان فهو ينتسب إلى العلم وينتمي إليه، مع أن نسبه ليس قاصرًا فهو ينتمي إلى قياصرة ملكوا الدنيا، فهل في هذا بأس؟ وهل فيه انتقاص لأمة أو شعب؟ أو أن ذكر نسبه بخير عدّ هذا انتقاصًا لنسب الآخرين؟
لا شك أن ابن جني -كما نقلنا طرفًا من نصوصه- لا ينطوي على شيء من الشعوبية بل العكس تمامًا كان قلبه مفعمًا بالحب الكبير والتقدير البالغ للعرب ولغتهم) أ. هـ.
وفاته: سنة (392 هـ) اثنتين وتسعين وثلاثمائة.
من مصنفاته: كتاب "الخصائص"، و"سر الصناعة"، و"التلقين في النحو".




مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید