المنشورات

أبو عَمْرو الداني

المفسر, المقرئ: عُثمَان بن سعيد بن عُثْمَان بن سعيد، أبو عمرو الداني، المالكي، ويقال له: ابن الصيرفي. وعرف بالداني لسكناه دَانِيَة.
ولد: سنة (371 هـ) إحدى وسبعين وثلاثمائة.
من مشايخه: أبو مسلم الكاتب، وأحمد بن فراس، وأبو الحسن القابسي وغيرهم.
من تلامذته: مفرج الإقبالي، وأبو داود بن نجاح صاحب (التنزيل) في الرسم وهو من أشهر تلامذته وغيرهما.
كلام العلماء فيه:
* جذوة المقتبس: "محدث مكثر، ومقرئ متقدم" أ. هـ.
* الصلة: "كان أحد الأئمة في علم القرآن وروايته وتفسيره ومعانيه وطرقه وإعرابه وجمع في ذلك كله تواليف حسانًا مفيدة يكثر تعدادها ويطول إيرادها. وله معرفة بالحديث وطرقه وأسماء رجاله ونقلته وكان حسن الخط، جيد الضبط، من أهل الحفظ والذكاء والتفنن في العلم، وكان دينًا فاضلًا ورعًا سُنيًّا" أ. هـ.
* تاريخ الإسلام: "قلت -أي الذهبي- وما زال القراء معترفين ببراعة أبي عمرو الداني وتحقيقه وإتقانه، وعليه عُمْدتهم فيما ينقله من الرسم والتجويد والوجوه" أ. هـ.
* غاية النهاية: "الإمام العلامة الحافظ أستاذ الأستاذين وشيخ مشايخ المقرئين ... قرأت بخط شيخنا الحافظ عبد الله بن محمّد بن خليل رحمه الله: قال بعض الشيوخ: لم يكن في عصره ولا بعد عصره بمدد أحد يضاهيه في حفظه وتحقيقه وكان يقول ما رأيت شيئًا إلا كتبته ولا كتبته إلا حفظته ولا حفظته فنسيته وكان يسأل عن المسألة مما يتعلق بالآثار وكلام السلف فيوردها بجميع ما فيها مسندة من شيوخه إلى قائلها" أ. هـ.
* طبقات المفسرين للداودي: "كان بين الداني وابن حزم الظاهري منافرة عظيمة أفضت إلى المهاجاة بينهما ولكل واحد منهما في الآخر هجاء يقذع فيه، غفر الله لهما ... وكتبه في غاية الحسن والإتقان" أ. هـ.
* الشذرات: "قال المُغامي: كان مجاب الدعوة، مالكي المذهب" أ. هـ.
* قلت: قال محقق كتاب (السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها) الدكتور رضاء الله بن محمد إدريس المباركفوري (1/ 102)، (إن أبا عمرو الداني كان في عقيدته من أهل السنة والجماعة متمسكًا بمذهب السلف الصالح فيما يخص المسائل العقيدية، وقد صرح بسنيته ابن بشكوال وتناقله المؤرخون المترجمون له من أمثال الذهبي وابن الجزري وغيرهما مقرين له.
ولا أدل على إلتزامه بنصوص الكتاب والسنة الصحيحة وتمسكه بمذهب السلف في المسائل العقيدية من أرجوزته التي نظمها في أصول السنة -وقد نقلنا بعض الأبيات منها- يتضح منها موقفه الموافق للسلف في جملة من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين الأمة الإسلامية وعلى رأسها مسألة توحيد الأسماء والصفات التي قد زلت فيها أقدام كثيرين من النّاس حيث ذهبت بهم الفلسفة الهندية واليونانية الغازية ووليدتها المسماة بعلم الكلام إلى متاهات تاهوا فيها بغير هدى وسلطان ونرى المؤلف أنه أوضح في أرجوزته المذكورة موقفه المتمثل في إثبات الصفات لله تعالى على طريقة السلف).
وقال في صفحة (1/ 106): (كما وضح المؤلف فيها موقفه الموافق لما كان عليه السلف في مسائل أخرى عقيدية، منها ما يتعلق بزيادة الإيمان ونقصه، وبعذاب القبر والمنكر والنكير، وموالاة الصحابة - رضي الله عنه - وأن أفضلهم الصديق ثم الفاروق ... وكذلك ما يتعلق بقبول خبر الواحد إذا كان رواته من الثقات العدول، وحذر فيها من أصحاب البدع والأهواء، فقال:
أهْون بقول جَهْم الخسيس ... وواصل وبشْر المَريِسي
ذي السُّخْف والجهل وذي العِنَادِ ... مُعَمَّر وابن أبي دُوَاد
وابن عُبَيدٍ شيخ الاعتزال ... وشارعِ البدعة والضلال
وهكذا عدد الكثير من كبراء الجهمية والمعتزلة ووصى النّاس بأخذ الحيطة والحذر منهم.
وهذه الأرجوزة قد وصفها الذهبي بقوله "الأرجوزة السائرة" مما يدل على أنها مشهورة إلى عصره، ونوجد منها نسخة خطية في الخزانة الملكية بالرباط (رقم 5459)، وقد قام مؤخرًا بتحقيقها وكاك الحسن المغربي، وحصل به على شهادة الدكتوراه من دار الحديث الحسنية بالرباط، والجدير بالذكر أن بعض الباحثين يذكرون للمؤلف أرجوزتين، إحداهما باسم "أرجوزة في أصول السنة" والثانية باسم "الأرجوزة المنبهة .. ".
والصواب أنهما أرجوزة واحدة، وهي المسماة بالمنبهة، وهي في أصول السنة وأصول القراءات والقراء السبعة ورواتهم، كما أفادني بذلك الدكتور وكاك الحسن في رسالة خاصة بعث بها إلي، وذكر فيها أنه ردّ على أولئك الذين جعلوها اثنتين.
وأما الفضل في تمسك المؤلف بعقيدة السلف فهو -فيما يبدو لي- يعود بعد الله تعالى إلى شيوخه الذين تلقى عنهم العلم في حلّه وترحله، وهم جميعًا من المتمسكين بالعقيدة السلفية، ولم يوجد فيهم -حسب تتبعي- من عرف بميلانه عن جادة الحق أو بانحرافه عن العقيدة السليمة، وعلى رأس هؤلاء الشيوخ أبو عبد الله بن أبي زمنين (ت 399 هـ) صاحب كتاب أصول السنة.
سبق أن أشرت إلى شدة تعلقه به، وأن له تأثيرًا في تكوين وجهاته العلمية، وقد كان هذا الرجل من أشد النّاس تمسكًا بعقيدة السلف، وأكثر النّاس ابتعادًا عن أقوال المبتدعة والمنحرفين، ومن شدة تحريه في هذا الباب أنه ابتعد في كتابه عن عرض شبه الفرق الضالة المنحرفة، وتجنب ذكر أقوالهم حتى لا يسطر كلامهم ويخلد في الكتب، وقد صرح بذلك هو نفسه في كتابه.
والفضل في ذلك يرجع أيضًا إلى البيئة التي نشأ فيها الداني، فقد كانت هذه البيئة على الفطرة السليمة، ولم تكن نعرف الفلسفة وعلم الكلام وهما اللذان يفسدان على النّاس دينهم وعقيدتهم غالبًا.
وقد أشار إلى هذا الذهبي، إذ ذكر دخول علم الكلام ورأى الأشعري في المغرب بواسطة أبي ذر الهروى وأنه هو الذي حمله عنه المغاربة، ثم قال بعده: "وقبل ذلك كانت علماء المغرب لا يدخلون في الكلام بل يتقنون الفقه والحديث والعربية ولا يخوضون في المعقولات .. ". وذكر جماعة من العلماء ممن كانوا على ذلك، منهم المؤلف وابن عبد البر وأبو عمر الطلمنكى.
وأما مذهبه في الفروع فقال المُغامي: "وكان أبو عمرو مالكي المذهب" وهو بنفسه يدعو صراحة في أرجوزته المذكورة إلى الاعتماد على الإمام مالك منوهًا به وبأحد الأصول التي بني عليها المذهب المالكي، ألا وهو عمل أهل المدنية، فيقول:
تدري أخي أين طريق الجنة ... طريقها القرآن ثم السنة
كلاهما ببلد الرسول ... وموطن الأصحاب خير جيل
فاتبعَنْ جماعة المدينة ... فالعلم عن نبيهم يروونه
وهم فحُجة على سواهم ... في النقل والقول وفي فتواهم
واعتمدن على الإمام مالك ... إذ قد حوى على جميع ذلك
في الفقه والفتوى إليه المنتهى ... وصحة النقل وعلم من مضى
ولا نظن بالمؤلف أنه دعا النّاس بهذا الكلام إلى حصر الاتباع في الإمام مالك رحمه الله تعالى، فإن ذلك ليس لأحد إلا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولعل قصده بهذا دعوتهم إلى الاستنارة بفقه الإمام مالك في الفروع، وأما تنويهه بعمل أهل المدينة فهو مما اختلف فيه علماء الأصول، وهو مبسوط في موضعه من كتب الأصول، والجمهور على أن إجماعهم ليس بحجة، لأن الإجماع المعتبر إجماع مجتهدي أمة محمّد - صلى الله عليه وسلم - وليس أهل المدينة هم كل المجتهدين) أ. هـ.
من أقواله: ومن شعره في أرجوزته السائرة: 
كلم الله موسى عبده تكليما ... ولم يزل مُدَبِّرًا حَكيما
كلامه وقوله قديمُ ... وهو فوق عرشه العظيم
والقول في كتابه المفصل ... بأنه كلامه المنزّ
على رسوله النبي الصادق ... ليس بمخلوق ولا بخالق
من قال فيه: إنه مخلوق ... أو محدث فقولهُ مُرُوق
والوقف فيه بدْعةٌ مضله ... ومثلُ ذلك اللفظ عند الجلَّهْ
كلا الفريقين من الجهميهْ ... الواقفون فيه واللفظيهْ
أهونْ بقَولِ جَهْمٍ الخسيس ... وواصلٍ وبشر المريسي
وفاته: سنة (444 هـ) أربع وأربعين وأربعمائة.
من مصنفاته: له أكثر من مئة مصنف منها "التيسير" في القراءات السبع، و"المقنع" في رسم المصحف ونقطه، و"البيان في عد آي القرآن".





مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید