المنشورات

الواحدي

النحوي، اللغوي، المفسر: علي بن أحمد بن محمّد بن علي بن منوية الواحدي المنوي، صاحب التفاسير المشهورة.
من مشايخه: الثعلبي، وابن مَحْمَش، وأبو بكر الحِيري وغيرهم.
من تلامذته: عبد الجبار بن محمّد بن أحمد الخُواري، وعمر بن عبد الله بن أحمد الأَرْغِياني وغيرهما.
كلام العلماء فيه:
• وفيات الأعيان: "كان أستاذ عصره في النحو والتفسير" أ. هـ.
• الشذرات: "أحد من برع في العلم، وكان شافعي المذهب" أ. هـ.
• طبقات الشافعية: "كان إمامًا في النحو واللغة وغيرها. وأستاذ الفقه والتفسير في عصره. وكان شاعرًا مليحًا" أ. هـ.
• قلت: إليك بعض النقولات من تفسير الواحدي المسمى (الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)، حيث قال (1/ 183) في تفسير {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} أي: احتملهما وأطاقهما. يعني: ملكه وسلطانه، وقيل: هو الكرسي بعينه، وهو مشتمل بعظمته على السموات والأرض. وروي عن ابن عباس أنّ كرسيه علمه".
وقال في تفسير {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} (1/ 327): "قيل: معناه: الوصف بالمبالغة في الجود والإنعام، وقيل: نِعمهُ مبسوطة ودلت التثنية على الكثرة كقولهم لبيك وسعديك وقيل: نعمتاه: أي نعمة الدنيا، ونعمة الآخرة".
وقال في تفسير {وَجَاءَ رَبُّكَ} (2/ 1201): "أي: أمر ربك وقضاؤه" أ. هـ.
قلت: قال الدكتور جودة المهدي في كتابه (الواحدي ومنهجه في التفسير) (ص 78): "فإننا نجده في مواقفه الكلامية المنبئة في تفاسيره: أشعريًا من الطراز الأول، ذاثدًا عن حمى أهل السنة والجماعة، شهابًا رصدًا لأهل البدع والضلالة، فله مع القدرية مواقف ومواقف ومجادلات ومنازلات. ومع سائر الفرق المبتدعة من المشبهة والجسمة وغيرهم صولات وجولات ولهذه المنزلة التي تمتع بها الواحدي بين أساطين عصره من حماة المذهب الأشعري.

وجدنا الوزير السني المقيض لرفع لواء هذا المذهب (نظام الملك) يحتفي بالواحدي ويكرمه ويعظمه وكذا أخوه من بعده وكان حقيقًا بهذا الاحترام والإعظام، لما قام به من جهد في نصرة مذهب أهل السنة والجماعة في وقت تظاهر فيه أهل البدع باللسان والسنان والسلطان واستطار شرار الفتن الدامية التي عرضنا لها في تصوير الحالة الدينية في عصره.
فلم يقف الواحدي مكتوف الأيدي، كما أنه لم يندفع في أتون الفتنة، بل خلد إلى قلمه ومحبرته وقرطاسه وأطلق سهامه النارية بقلمه في صدور الملاحدة ودعاة الفرقة المذهبية".
وقال أيضًا (ص 367): "حينما نطل على الجانب الكلامي من تفسير الواحدي فإننا نقف من خلاله على حقيقة لا تقبل الشك، وهي أن أبا الحسن الواحدي كان - بحق - أحد حماة المذهب السني الأشعري، وفارسًا من فرسان حلبته المغاوير الذين ذادوا عن عرين عقيدته ومبادئه في القرن الخامس الهجري، حيث بلغت الصراعات المذهبية والفتن الدينية ذروة احتدامها وإشتغالها وكان الجانب الأعظم من تلك الفتن والصراعات قائمًا بين أهل السنة والأشاعرة من جانب وبين المعتزلة والشيعة من جانب آخر، وكم لقى أهل السنة في مطلع القرن الخامس من اضطهاد الشيعة والمعتزلة الذين كان يؤازرهم ويناصرهم حكام البويهيين، حيث كانوا يدينون بالتشيع والاعتزال، فانتشرت مبادئهم بالتسلط والإرهاب.
بيد أن الله جلت قدرته قد قيض للحق من يذود عن كلمته وينافح عن مبادئه باللسان والسنان، فكانت هبة السلطان محمود الغزنوي على أهل البدع ثم سلاطين السلاجقة من بعده، وفي ذات الوتت برز أساطين وأعلام من أئمة الأشاعرة قاموا بتطهير العقول والقلوب من البدع والأهواء فكان في طليعتهم في هذا العصر: أبو إسحق الإسفراييني وإمام الحرمين وأبو بكر بن فورك وأبو منصور البغدادي ثم حجة الإسلام الغزالي وغيرهم.
وقد تلقى الواحدي عن كابر متكلمي هذا العصر كالإمام الإسفراييني وعبد القاهر بن طاهر البغدادي (ت: 429 هـ) صاحب (الفرق بين الفرق) وغيرهما من كبار علماء الكلام، وتخرج على أيديهم إمامًا يجله العلماء والحكماء، وكفى دلالة على مكانته ونصرته لمذهبه أن نظام الملك -نصير أهل السنة- كان يلحظه بعين الإعزاز والإكرام كما ذكر ياقوت وما ذاك إلا لكون الواحدي - فوق منزلته العلمية - واحدًا من حماة مذهب الأشاعرة الذين ردوا سهام المبتدعة إلى نحورهم ونصروا دعوة الحق بالعلم.
ولقد وجد الواحدي في تفسيره أصلح مجال وأرحب ميدان لنصرة عقيدته ومذهبه، ورد شبه المارقين وكشف ضلالات المحرفين لمعاني التنزيل وفق آرائهم ومبادئهم، فاستعان بخبرته العظيمة في فهم أسرار لغة القرآن وإدراك معانيه وعمق النظر في تفحص مراميه على درء خطر التأويلات المذهبية الفاسدة وإقرار مبادئ مذهب أهل السنة والجماعة من منطلق قرآني مستقيم وفي إطار مقاييس اللغة وضوابطها وفي ضوء فهم السلف لمعاني التنزيل من خلال ما أثر عنهم من تفسير وتبيان.
والحق أن أبا الحسن الواحدي -كما سنرى في معالجاته الكلامية- قد أضاف بعدًا جديدًا وجانبًا خصبًا إلى أبعاد وجوانب شخصيته العلمية، حيث تجلى مراسه العقلي، ونضجه الفكري وقدرته الجدلية المنطقية في ثبات أصول مذهبه السني الأشعري وتقرير مبادئه ثم في إبطال مزاعم الفرق المبتدعة التي كانت تناهض مذهب أهل السنة والجماعة وكان على رأسها، وأشدها خطرًا فرقة المعتزلة القدرية التي اقتحمت بمبادئها إقليم خراسان بمناصرة ملوك ووزراء بني بويه ففرضت مذهبها فرضًا، وطوع علماؤها نصوص التنزيل لمبادئهم فصنفوا في التفسير مصنفات تبلغ عشرات الجلدات حافلة بالتأويلات الاعتزالية كما فعل القاضي عبد الجبار وأبو مسلم الأصفهاني والشريف الرضى وغيرهم.
ومن ثم تعينت فرضية الدفاع عن عقيدة أهل السنة على مفسريهم مثلًا بمثل، بل وأوفى في الكيل وبنفس المنهج العقلي اللغوي الاستنباطي حق على مفسري أهل السنة أن يميطوا عن حرم التنزيل أذى التأويلات البدعية، فكانت القضية، وكان لها أبو الحسن الواحدي، فقد ذاد بحق عن عرينه وطهر ساحة التنزيل من فساد الرأي وشطط التأويل.
وحين نسلط ضوء البحث على الجانب الكلامي في تفاسير الواحدي نجده يتمثل في نمطين رئيسيين:
أحدهما: النمط التقريري الابتدائي، وهو ما يعني فيه بتقرير أصول العقيدة وفق منهج أهل السنة الأشاعرة دون نظر إلى مزاعم الفرق المضادة في تأويل النص القرآني.
وثانيهما: وهو الطابع الأعم والأغلب في تفسيره: النمط الجدلي، وهو ما يعني فيه عناية بالغة بتفنيد شبه خصومه المعتزلة وإبطال مبادئهم وتأويلاتهم لآي التنزيل وفق أصولهم الاعتقادية، وفي هذا الجانب أبرز أبو الحسن الواحدي مقدرته وطاقته العقلية واستغل تبحره اللغوي أبرع استغلال في تجسيد معطيات النص ولفظ كل دخيل عليه في التأويل.
فمن أمثلة النمط التقريري الذي نقف عليه في تفسير الواحدي: بيانه لصفة الوحدانية لله تعالى عند تفسير قوله سبحانه: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} قال في تفسيره (البسيط):
(قال أصحابنا: حقيقة الواحد في وصف الباري سبحانه، أنه واحد لا قسيم له في ذاته، ولا بعض له في وجوده، بخلاف الجملة الحاملة التي يطلق عليها لفظ الواحد مجازًا، كقولهم دار واحدة وشخص واحد، ولهذا قال أصحابنا: التوحيد هو نفي الشريك والقسيم والشبيه، فالله سبحانه وتعالى واحد في أفعاله لا شريك له يشاركه في إثبات المصنوعات، وواحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا يشبه الخلق فيها).
في هذا النص الوجيز: قدم لنا الواحدي خلاصة عقيدة أهل السنة في صفة الوحدانية، الشاملة لوحدانية الذات، ووحدانية الصفات، ووحدانية الأفعال، واستجمع أركان هذه الوحدانية الشاملة في عبارة أصحابه الأشاعرة: 

التوحيد نفي الشريك والقسيم والشبيه، وفرع عن كل ركن متعلقه في شمول وإحكام جامعين مانعين.
ونجده في تفسيره (الوسيط) يعرض لمبحث رؤية الباري سبحانه وتعالى عند قوله عزَّ وجلَّ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ... } فيقول: (الإدراك: الإحاطة بكنه الشيء وحقيقته، وهو غير الرؤية، لأنه يصح أن يقال: رآه وما أدركه، فالأبصار ترى الباري ولا تحيط به، كما أن القلوب تعرفه ولا تحيط به، قال الله تعالى {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} قال ابن عباس - في رواية عطاء - كلت أبصار المخلوقين عن الإحاطة به، وقال سعيد بن المسيب، لا تحيط به الأبصار. وعلى هذا التفسير نقول:
إن الباري سبحانه يُرَى ولا يُدْرَك، لأن معنى الإدراك الإحاطة بالمرئي، وإنما يجوز ذلك على من كان محددًا وله جهات.
وذهب جماعة من أهل التفسير إلى تخصيص هذه الآية، قال ابن عباس - في رواية أبي صالح - تنقطع عنه الأبصار في الدنيا، وقال مقاتل: لا تراه الأبصار في الدنيا وهو يُرى في الآخرة.
والدليل على أن هذه الآية مخصوصة بالدنيا.
قوله {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فقيد النظر إليه بيوم القيامة وأطلق في هذه الآية، والمطلق يحمل على المقيد، أخبرنا أبو بكر الحارثي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، أخبرنا أبو بشر محمّد بن عمران بن الجنيد، حدثنا أبو بكر الصفار البصري، حدثنا عباد بن صهيب عن عمر وعن الحسن في قوله {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} قال: في الدنيا، وقال الحسن: يراه أهل الجنة في الجنة واحتج بقوله {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} قال: ينظرون إلى وجه الله عزَّ وجلَّ).
في هذا المبحث الكلامي الذي عرض له الواحدي في هذا النص: نجده يبني موقفه على أساسين رئيسيين: أولهما دلالة اللغة، وثانيهما: النظرة السلفية، فاللغة نقول إن الإدراك غير الرؤية لأن معناه الإحاطة، ومن ثم فهي لا تنتفي بانتفائه، وقد استعمل السلف الإدراك على معنى الإحاطة في صريح كلامهم، وإذا ما حمل معنى الإدراك على الرؤية: كان هناك منطلق آخر لفهم النص وهو حمل المطلق في هذه الآية - وهو انتفاء الرؤية - على المقيد في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} حيث قيد النظر إليه تعالى بيوم القيامة في دار الكرامة، وقد عزز الواحدي حمل المطلق على المقيد بما ورد عن السلف، حيث روى بسنده عن الإمام الحسن قوله: يراه أهل الجنة في الجنة، جعلنا الله تعالى في زمرتهم.
وإذا: فقد عرض الواحدي لهذه المسألة وفقًا لمذهبه السني الأشعري ومن منطلق سلفي بحت، وأوردها على النمط التقريري الابتدائي، حيث لم يشر إلى معارضيه من المعتزلة أو غيرهم ولم يتخذ موقفًا جدليًا كما فعل في مواقفه الأخرى.
كذلك نجد من المباحث التي طرقها الواحدي أيضًا: مبحث النبوات، فقد تناول مسألة العصمة للأنبياء والرسل قبل البعثة والوحي وبعدهما في أكثر من موضع في تفسيره، فمن ذلك ذكره في (البسيط) عند تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَال لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ... } حيث قال: (ولأهل التفسير في قوله "أسلم" طريقان: أحدهما أنه أراد بقوله (أسلم) ابتداء الإسلام، فقد قال ابن عباس: إنما قال له ذلك حين خرج من السرب فنظر إلى الكوكب والقمر والشمس كما ذكره الله تعالى في سورة الأنعام. وقال أصحاب هذا القول: إن الأنبياء يجوز عليهم قبل الوحي من الشرك والكبائر ما جاز على غيرهم، وإنما عصموا من وقت البعثة وإنزال الوحي، وهذا مذهب جماعة من أهل الأصول.
وقال عدة من المفسرين: فوله "أسلم" معناه: دم واثبت على الإسلام، كقوله تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم -: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا اللَّهُ ... } وكقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا ... } في أحد الوجهين، وعند أصحاب هذا القول: لا يجوز على الأنبياء في سابقة حالهم الشرك والكبائر، بل عصمهم الله سبحانه ودفع عنهم ما لم يدفع عن غيرهم.
فأما (محمد) - صلى الله عليه وسلم -: فعامة أصحابنا على أنه ما كفر بالله طرفة عين ولا كان مشركًا قط، ثم قال بعضهم: كان قبل البعث على دين عيسى، ومنهم من قال: كان يعبد الله على دين إبراهيم).
ثم يضيف الواحدي إلى هذا المبحث مزيدًا من التبيان والتحقيق عند تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَينَا إِلَيكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} فيقول في نفسيره البسيط:
(قوله {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ} قبل الوحي "ولا الإيمان" اختلفوا في هذا مع إجماع أرباب الأصول على أنه لا يجوز على الرسل قبل الوحي ألا يكونوا مؤمنين، فذهب كثير من أهل العلم إلى أن المراد بالإيمان ها هنا: شرائعه ومعالمه، وهي كل ما يجوز أن يسمى إيمانًا. واختار إمام الأئمة محمّد بن إسحاق بن خزيمة هذا القول وخصه بالصلاة محتجًا بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} أي صلاتكم. وقيل هذا من باب حذف المضاف، فجعل التقدير: ما الكتاب ولا أهل الإيمان، يعني: من الذي يؤمن ومن الذي لا يؤمن، وهذا اختيار الحسين بن الفضل.
وجعل أبو العالية التقدير: ولا دعوة الإيمان، لأنه كان قبل الوحي ما كان يقدر أن يدعو إلى الإيمان بالله.
وذهب بعض أهل المعاني إلى التخصيص بالوقت، فقال: المعنى: ولا ما الإيمان قبل البلوغ. وهذا المذهب هو اختيار شيخنا أبي إسحاق الإسفراييني رحمه الله، فقد حكى بعض أصحابنا الكبار أنه سأله عن هذه الآية فقال: يعني حين كان في المهد، وقالوا إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - قبل الوحي كان يعبد الله على دين عيسى، والصحيح أنه كان يعبد الله على دين إبراهيم).
لقد عرض الواحدي في النصين السابقين لعصمة الأنبياء والرسل قبل البعثة والوحي وبعدهما، وسلك في عرضها النمط التقريري حيث أورد أقوال العلماء والمتكلمين من أصحابه الأشاعرة، غير أنه يبدو في النص الأخير انضج منه في النص الأول وكثر إيضاحًا، فبينما هو ينسب - في النص الأول - لجماعة من أهل الأصول القول بعدم عصمة الأنبياء قبل البعثة من الشرك والكبائر نجده في النص الثاني ينقل  إجماع أرباب الأصول - ويعني بهم أصحاب أصول العقيدة - على عصمة الرسل قبل الوحي من الشرك قطعًا - وكذا الكبائر بالتبعية - وينبذ قول من حكى عنهم خلاف ذلك ويعرض عن ذكره لتطرفه الجامع. ثم نجده يفرع على القول بالعصمة قبل الوحي وجوه المراد بالإيمان. ثم نجده أخيرًا يرجح الرأي القائل بأن نبينا - صلى الله عليه وسلم - كان يعبد الله قبل البعثة على دين الخليل - عليه السلام - على الرأي القائل بعبادته على دين المسيح عليه السلام. وقد حكى القولين في النص الأول بدون ترجيح بينهما، ومن ثم لم يخرج الواحدي في هذا المبحث الذي عرضه في هذين النصين عن النمط التقريري الذي يعني فيه بعرض الموضوع وإبراز جوهره في ضوء النص القرآني ومن خلال الآراء الي تناولته، وكأنه يعالج مبحثًا تفسيريًا عاديًا، فلا نجده يتخذ المسلك الجدلي الذي يقف فيه موقف المناظر المحاج بالرهان والحاسم وبالدليل. وهذا المسلك التقريري معلل في رأيي أما باستواء الحجة على أطراف القضية استواء يبعث على تجاهل الخصم كما في مبحثي الوحدانية والرؤية وإما بعدم وجود الخصم المنازع، واعتبار الرأي محل إجماع غالبًا كما في مبحث العصمة.
وأما عن النمط الجدلي الكلامي في تفسير الواحدي: فإننا نجده يمثل الطابع العام الغالبي، فلقد وقف الواحدي في تفسيره موقف المدافع الكفء والنصير المبرز لمذهب أهل السنة والأشاعرة، وتعقب خصومه المعتزلة في آرائهم وأصولهم الاعتقادية التي حاولوا أن يطوعوا نصوص التنزيل لإقرارها والاحتجاج لها" أ. هـ.
قلت: لقد أكثر الدكتور جودة المهدي من الإطراء على تفسير الواحدي الأشعري، في عباراته السابقة حول جعل الواحدي كأنه من حماة أهل السنة والجماعة في وقته، على النقيض مما نراه من سوء المعتقد والكلام والبدع التي فيه، وعلى الرغم من أن الدكتور قد يكون على نهج الواحدي إلا أننا ذكرنا ما سبق للفائدة، ومعرفة عقيدة صاحب الترجمة - الواحدي - بقول من يهتم به، ويرفع شأنه وبعد ذلك سنذكر قول شيخ الإسلام ابن تيمية في الواحدي وتفسيره ... والله تعالى الموفق.
• مجلة الحكمة (العدد السابع صفحة 220) نقل كلام ابن تيمية في تفسير الواحدي حيث قال: (أكثر المواطن التي ذكر فيها شيخ الإسلام الثعلبي ذكر فيها تلميذه الواحدي ونلخص بعض ما قاله شيخ الإسلام:
أ. مجموع الفثاوى (13/ 354): (الواحدي صاحبه (الثعلبي) كان أبصر منه بالعربية".
ب. مجموع الفتاوى (13/ 354): "أبعد عن السلامة واتباع السلف -أي من الثعلبي".
جـ. منهاج السنة (7/ 355): "إن تفسير الواحدي فيه كذب".
د. منهاج السنة (7/ 434): "ذكر أمثلة من الكذب منها حديث في فضائل سور القرآن في بداية كل سورة".
هـ. منهاج السنة (7/ 12): "ذكر أن الواحدي كشيخه حاطب ليل".
و. الرد على البكري (14): "أن الواحدي كشيخه لا يميز بين الصحيح والضعيف والغث والسمين".
ز. مجموع الفتاوى (13/ 385): "وأما الواحدي فإنه تلميذ الثعلبي، وهو أخبر منه بالعربية لكن الثعلبي فيه سلامة من الباع، وإن ذكرها تقليدًا لغيره وتفسيره وتفسير الواحدي البسيط والوسيط والوجيز فيها فوائد جليلة، وفيها غث كثير من المنقولات الباطلة وغيرها" أ. هـ.
وفاته: سنة (468 هـ) ثمان وستين وأربعمائة.
من مصنفاته: "البسيط" في تفسير القرآن الكريم، وكذلك "الوجيز" و"الوسيط" و"أسباب النزول" وغير ذلك.




مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید