المنشورات

الخازن

المفسر عليّ بن محمّد بن إبراهيم بن عمر بن خليل الشيحي البغدادي الصوفي، علاء الدين، خازن الكتب بالسميساطية.
ولد: سنة (678 هـ) ثمان وسبعين وستمائة.
من مشايخه: ابن الدواليبي، والقاسم بن المظفر وغيرهما.
كلام العلماء فيه:
* الوفيات: "كان صوفيًا بشوش الوجه، ذا تودد وسمت حسن .. " أ. هـ.
* طبقات المفسرين للداودي: "البغدادي الصوفي علاء الدين خازن الكتب السميساطية واشتهر بالخازن بسبب ذلك .. " أ. هـ.
* الشذرات: "وكان صالحًا خيِّرًا .. وكان صوفيًا بالخانقاه السمياطية .. " أ. هـ.
* قلت: قال الدكتور محمّد الذهبي في كتابه: "التفسير والمفسرون" حول تفسير الخازن، ما نصه: "التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه:
هذا التفسير اختصره مؤلفه من معالم التنزيل للبغوي، وضم إلى ذلك ما نقله ولخصه من تفاسير من تقدم عليه، وليس له فيه -كما يقول- سوى النقل والانتخاب، مع حذف الأسانيد وتجنب التطويل والإسهاب.
وهو مكثر من رواية التفسير المأثور إلى حد ما، معنى بتقرير الأحكام وأدلتها، مملوء بالأخبار التاريخية، والقصص الإسرائيلي الذي لا يكاد يسلم كثير منه أمام ميزان العلم الصحيح والعقل السليم، وأرى أن أسوق هنا ما قاله الخازن نفسه في مقدمة تفسيره، مبينًا به طريقته التي سلكها، ومنهجه الذي نهجه فيه، وفيها غنى عن كل شيء.
قال رحمه الله تعالى "ولما كان كتاب معالم التنزيل، الذي صنفه الشيخ الجليل، والحبر النبيل، الإمام العالم عي السنة، قدوة الأمة، وإمام الأئمة مفتي الفرق. ناصر الحديث، ظهير الدين، أَبو محمد الحسين بن مسعود البغوي - قدس الله روحه، ونور ضريحه - من أجل المصنفات في علم التفسير وأعلاها، وأنبلها وأسناها. جامعًا للصحيح من الأقاويل، عاريًا عن الشبه والتصحيف والتبديل، محلى بالأحاديث النبوية، مطرزًا بالأحكام الشرعية، موشى بالقصص الغريبة، مفرغًا في قالب الجمال بأفصح مقال، فرحم الله تعالى مصنفه وأجزل ثوابه. وجعل الجنة متقلبه ومآبه. لما كان هذا الكتاب كما وصفت، أحببت أن أنتخب من غرر فوائده. ودرر فرائده، وزواهر نصوصه، وجواهر فصوصه، مختصرًا جامعًا لمعاني التفسير، ولباب التأويل والتعبير. حاويًا لخلاصة منقوله: متضمنًا لنكته وأصوله، مع فوائد نقلتها، وفوائد لخصتها من كتب التفسير المصنفة، في سائر علومه المؤلفة، ولم أجعل لنفسي تصرفًا سوى النقل والانتخاب، مجتنبًا حد التطويل والإسهاب، وحذفت منه الإسناد لأنه أقرب إلى تحصيل المراد فما أوردت فيه من الأحاديث النبوية والأخبار المصطفوية، على تفسير آية أو بيان حكم -فإن الكتاب يطلب بيانه من السنة وعليها مدار الشرع وأحكام الدين- عزوته إلى مخرجه، وبينت اسم ناقله، وجعلت عوض كل اسم حرفًا يعرف به، ليهون على الطالب طلبه، فما كان من صحيح أبي عبد الله محمّد بن إسماعيل البخاري فعلامته قبل ذكر الصحابي الراوي للحديث (خ) وما كان من صحيح أبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابورى فعلامته (م). وما كان مما اتفقا عليه فعلامته (ق). وما كان من كتب السنن، كسنن أبي داود والترمذي، والنسائي فإني أذكر اسمه بغير علامة. وما لم أجده في هذه الكتب ووجدت البغوي قد أخرجه بسند له انفرد به. قلت: روى البغوي بسنده وما رواه البغوي بإسناد الثعلبي. وما كان فيه من أحاديث زائده وألفاظ متغيرة فاعتمده؛ فأنى اجتهدت في تصحيح ما أخرجته من الكتب المعتبرة عند العلماء كالجمع بين الصحيحين للحميدي، وكتاب جامع الأصول لابن الأثير الجزري، ثم أني عوضت عن حذف الإسناد شرح غريب الحديث وما يتعلق به؟ ليكون أكمل فائدة في هذا الكتاب، وأسهل على الطلاب، وسقته بأبلغ ما قدرت عليه من الإيجاز وحسن الترتيب، مع التسهيل والتقريب. وينبغي لكل مؤلف كتابًا في فن قد سبق إليه. أن لا يخلو كتابه من خمس فوائد: استنباط شيء إن كان معضلًا. أو جمعه إن كان متفرقًا. أو شرحه إن كان غامضًا. أو حسن نظم وتأليف. أو إسقاط حشو وتطويل وأرجو أن لا يخلو هذا الكتاب عن هذه الخصال التي ذكرت، وسميته، (لباب التأويل في معاني التنزيل) أ. هـ. ثم قدم الخازن لتفسيره بخمسة فصول: الفصل الأول: في فضل القرآن وتلاوته وتعليمه. الفصل الثاني: في وعيد من قال في القرآن برأيه من غير علم، ووعيد من أوتي القرآن فنسيه ولم يتعهده. الفصل الثالث: في جمع القرآن وترتيب نزوله، وفي كونه نزل على سبعة أحرف. الفصل الرابع: في كون القرآن نزل على سبعة أحرف وما قيل في ذلك، الفصل الخامس: في معنى التفسير والتأويل. ثم ابتدأ بعد ذلك في التفسير.
توسعه في ذكر الإسرائيليات:
وقد قرأت في هذا التفسير كثيرًا فوجدته يتوسع في ذكر القصص الإسرائيلي وكثيرًا ما ينقل ما جاء من ذلك عن بعض التفاسير التي تعني بهذه الناحية كتفسير الثعلبي وغيره، وهو في الغالب لا يعقب على ما يذكر من القصص الإسرائيلي، ولا ينظر إليه بعين الناقد البصير، وإن كان في بعض المواضيع لا يترك القصة تمر بدون أن يبين لنا ضعفها أو كذبها، ولكن على ندرة.
فمثلًا عند تفسيره لقوله تعالى في سورة (ص) {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ... } [12، 22، 23، 24]، إلى قوله تعالى {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} نراه يسوق قصصًا اشبه ما يكون بالخرافة كقصة الشيطان الذي تمثل لداود في صورة حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن، وجناحاها من الدر والزبرجد، فطارت ثم وقعت بين رجليه وألهته عن صلاته: وقصة المرأة التي وقع بصره عليها فأعجبه جمالها فاحتال على زوجها حتى قتل رجاء أن تسلم هذه المرأة التي يأتي بعد كل هذا فيقول: (فضل في تنزيه داود عليه الصلاة والسلام عما لا يليق به وينسب إليه) ويفند في هذا الفصل كل ما ذكره مما يتنافى مع عصمة نبي الله - عليه السلام - (1).
ولكنا نرى الخازن يمر بقصص كثيرة لا يعقب عليها، مع أن بعضها غاية في الغرابة، وبعضها مما يخل بمقام النبوة.
فمثلًا عند تفسيره لقوله تعالى في الآية (10) من سورة الكهف {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ... } الآية يذكر قصة أصحاب الكهف، وسبب خروجهم إليه عن محمّد بن إسحاق ومحمد بن يسار، وهي غاية في الطول والغرابة ومع ذلك فهو يذكرها ولا يعقب عليها بلفظ واحد (2).
ومثلًا عند تفسيره لقوله تعالى في الآيتين (83، 84) من سورة الأنبياء {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَينَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}، نراه يروي في حق أيوب عليه السلام، قصة طويلة جدًّا عن وهب بن منبه، وهي مما لا يكاد يقرها الشرع أو يصدقها العقل، لما فيها من المنافاة لمقام النبوة، ومع ذلك، فهو يذكر هذه القصة ويمر عليها بدون أن يعقب عليها بآية كلمة (3) " أ. هـ.
قلت: وقد ذكر الدكتور الذهبي أيضًا نواحي أخرى تميز تفسير الخازن منها: عنايته بالأخبار التاريخية، والنواحي الفقهية، وأيضًا عنايته بالوعظ، وقال: "ثم إن هذا التفسير كثيرًا ما يتعرض المواعظ والرقاق، ويسوق أحاديث الترغيب والترهيب، ولعل نزعة الخازن الصوفية التي أثرت فيه فجعلته يعني بهذه الناحية ويستطرد إليها عند المناسبات.
فمثلًا عند تفسيره لقوله تعالى في الآية (16) من سورة السجدة {تتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ .. الآية} نراه يقول بعد الإنتهاء من التفسير "فصل في فضل قيام الليل والحث عليه) .. ثم يسوق في ذلك أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كلها تدور على البخاري ومسلم والترمذي (4).
وهكذا نجد هذا التفسير يطرق موضوعات كثيرة في نواح من العلم مختلفة. ولكن شهرته القصصية، وسمعته الإسرائيلية، أساءت إليه كثيرًا، وكادت تصد الناس عن الرجوع إليه والتعويل عليه! ! ولعل الله يهيء لهذا الكتاب من يعلق عليه تعليقات توضح عنه من سمينه، وتستخلص صحيحه من سقيمه. والكتاب مطبوع في سبعة أجزاء متوسطة الحجم، وهو متداول بين الناس خصوصًا من له شغف بالقصص وولوع بالأخبار" أ. هـ.
هذا ما جاء في كتاب "التفسير والمفسرون"، والآن ننقل قول المغراوي في كتابه "المفسرون بين التأويل والإثبات" بنصه:
"أخذ تفسيره من تفسير البغوي واختصر أسانيده، وزاد عليه زيادات كثيرة إلا أنه حشا تفسيره بكثرة الأخبار الباطلة والإسرائيلية الطويلة الفاسدة أخذ كثيرًا من تفسير الثعلبي فيما يتعلق بالقصص والأخبار، وأما عقيدة الأسماء والصفات فهو مؤول في كثير من الصفات، ومثبت في قليلها مثل الإتيان والجيء ويذكر في بعض الصفات مذهب السلف والخلف ولكن بدون ترجيح.
صفة الرحمة:
قال عند قوله تعالى من سورة الفاتحة: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ورحمة الله إرادة الخير والإحسان لأهله، وقيل: هي ترك عقوبة من يستحق العقاب، وإسداء الخير والإحسان إلى من لا يستحق فهو على الأول صفة ذات، وعلى الثاني صفة فعل (1). انظر الرد على القرطبي.
صفة الغضب:
قال عند قوله تعالى: {غَيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} والغضب في الأصل هو ثوران دم القلب لإرادة الانتقام، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اتقوا الغضب فإنه جمرة تتوقد في قلب ابن آدم ألم تروا إلى إنتفاخ أوداجه وحمرة عينيه".
وإذا وصف الله به، فالمراد منه الانتقام فقط، دون غيره، وهو انتقامه من العصاة، وغضب الله لا يلحق عصاة المؤمنن إنما يلحق الكافرين (2).
انظر الرد على القرطبي.
صفة الإستهزاء:
قال عند قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}.
أي يجازيهم جزاء استهزائهم بالمؤمنين فسمى الجزاء باسمه لأنه في مقابلته.
قال ابن عباس: يفتح لهم باب الجنة فإن انتهوا إليه سد عنهم وردوا إلى النار (3).
صفة الحياء:
قال عند قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} الآية.
الحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ويذم عليه وقيل: هو انقباض نفسي عن القبائح.
هذا أصله في وصف الإنسان، والله تعالى منزه عن ذلك كله فإذا وصف الله تعالى به، يكون معناه الترك، لأن لكل فعل بداية ونهاية، فبداية الحياء هو التغيير الذي يلحق الإنسان من خوف أن ينسب إليه ذلك الفعل القبيح، ونهايته، ترك ذلك الفعل القبيح، فإذا ورد وصف الحياء في حق الله تعالى، فليس المراد منه بدايته وهو التغير والخوف بل المراد منه ترك الفعل الذي هو نهاية الحياء وغايته فيكون معنى أن الله لا يستحيي أن يضرب مثلًا أي لا يترك المثل لقول الكفار واليهود (1). انظر الرد على القرطبي.
صفة الاستواء:
قال عند قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}.
وأما استوى بمعنى استقر، فقد رواه البيهقي في كتاب الأسماء والصفات بروايات كثيرة عن جماعة من السلف، وقال: أما الاستواء فالمتقدمون من أصحابنا كانوا لا يفسرونه، ولا يتكلمون فيه كنحو مذهبهم في أمثال ذلك.
وروى بسنده عن عبد الله بن وهب أنه قال: كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل فقال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استواؤه؟ قال: فأطرق مالك وأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال: الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه ولا يقال له كيف، وكيف عنه مرفوع، وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه (2). فأخرج الرجل.
وفي رواية يحيى بن يحيى قال: كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استواؤه؟ فأطرق مالك برأسه حتى علته الرحضاء ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعًا فأمر به أن يخرج.
وروى البيهقي بسند عن ابن عيينة قال: كل ما وصف الله تعالى به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عنه (3).
قال البيهقي: والآثار عن السف في مثل هذا كثيرة، وعلى هذه الطريقة يدل مذهب الشافعي رضي الله عنه وإليه ذهب أحمد بن حنبل والحسن الفضل البجلي، ومن المتأخرين أبو سليمان الخطابي.
قال البغوي: أهل السنة يقولون: الاستواء على العرش صفة الله بلا كيف يجب على الرجل الإيمان به، وبكل العلم به إلى الله عزَّ وجلَّ وذكر حديث مالك بن أنس مع الرجل الذي سأله عن الاستواء وقد تقدم.
وروى سفيان الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك وغيرهم من علماء السنة في هذه الآيات التي جاءت في الصفات أقرؤها كما جاءت بلا كيف، ثم ذكر قول الرازي الذي ذكر في تفسيره والذي نقلناه في الكلام عليه (4).
واختلف الناس في كلام الله تعالى، فقال  
الزمخشري: كلمه ربه عزَّ وجلَّ من غير واسطة كما يكلم الملك، وتكليمه أن يخلق الكلام منطوقًا به في بعض الأجرام، كما خلقه مخطوطًا في الألواح هذا كلامه وهذا مذهب المعتزلة ولا شك في بطلانه وفساده لأن الشجرة أو ذلك الجرم لا يقول: إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني وأقم الصلاة لذكري فثبت بذلك بطلان ما قالوه وذهبت الحنابلة ومن وافقهم إلى أن كلام الله تعالى حرف وأصوات متقطعة وأنه قد تم.
وذهب جمهور المتكلمين إلى أن كلام الله تعالى صفة مغايرة لهذه الحروف والأصوات، وتلك الصفة قديمة أزلية، والقائلون بهذا القول قالوا: إن موسى عليه الصلاة والسلام سمع تلك الصفات الأزلية الحقيقية وقالوا: كما أنه لا يبعد رؤية ذاته ليس بصوت ولا حرف، ومذهب أهل السنة وجمهور العلماء من السلف والخلف، أن الله تعالى متكلم بكلام قديم وسكنوا عن الخوض في تأويله وحقيقته (1).
التعليق:
والظاهر أن الخازن لا يثبت مذهب السلف في صفة الكلام لأنه نقل مذهب المعتزلة، ومذهب الأشاعرة، وما نسبه إلى بالسلف غير صحيح فمذهب السلف هو أن الله تعالى يتكلم باختياره، ومشيئته متى شاء، وكيف شاء، من غير تكييف لصفته تبارك وتعالى (2).
صفه الوجه:
أما الخازن: فإنه على طريقة المؤولة، وفي كثير من الأحايين ينقل أقوال الطرفين، ولا يرجح رأيًا على آخر، فقال في هذه الصفة عند قوله تعالى: {فَأَينَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أي فهناك قبلة الله التي وجهكم إليها وقيل: معناه فثم وجه الله تعالى بعلمه وقدرته، والوجه صفة ثابتة لله تعالى لا من حيث الصورة، وقيل: فثم رضا الله أي يريدون بالتوجه إليه رضاه (3).
وقال عند قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} أي يريدون وجه الله لا يريدون عرض الدنيا (4).
وقال عند قوله تعالى: {كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} أي إلا هو والوجه يعبر به عن الذات، وقيل: معناه إلا ما أريد به وجهه لأن عمل كل شيء أريد غير الله فهو هالك (5).
وقال عند قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}، يعني ذاته، والوجه يعبر به عن الجملة (6).
التعليق:
فالناظر إلى هذه النقول يرى الخازن أحيانًا يؤول، وأحيانًا يثبت وأحيانًا يجمل، والذي يظهر أنه كما قدمنا على طريقة المتأولة، لأنه لو كان سلفيًا لالتزم بذلك، ولرجحه ودافع عنه. والله أعلم.

صفه المجيء والإتيان:
وقال عند قوله تعالى من سورة البقرة: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ}.
واعلم أن هذه الآية من آيات الصفات، وللعلماء في آيات الصفات وأحاديث الصفات مذهبان:
أحدهما: وهو مذهب سلف هذه الأمة وأعلام أهل السنة، الإيمان والتسليم لما جاء في آيات الصفات وأحاديث الصفات، وأنه يجب علينا الإيمان بظاهرها، ونؤمن بها كما جاءت ونكل علمها إلى الله تعالى وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، مع الإيمان والاعتقاد بأن الله تعالى منزه عن سماة الحدوث، وعن الحركة والسكون.
قال الكلبي: هذا من الذي لا يفسر، وقال سفيان بن عيينة: كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره قراءته والسكوت عيه، ليس لأحد أن يفسره إلا الله ورسوله، وكان الزهري، والأوزاعي، ومالك، وابن المبارك وسفيان الثوري، والليث بن سعد، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه يقولون في هذه الآية وأمثالها: اقرؤوها كما جاءت بلا كيف، ولا تشبيه، ولا تأويل، هذا مذهب أهل السنة ومعتقد سلف الأمة وأنشد بعضهم في المعنى:
عقيدتنا أن ليس مثل صفاته ... ولا ذاته شيء عقيدة صائب
نسلم آيات الصفات بأسرها ... وأخبارها للظاهر المتقارب
ونؤيس عنها كنه فهم عقولنا ... وتأويلنا فعل اللبيب المغالب
ونركب للتسليم سفنًا فإنها ... للتسليم دين المرء خير المراكب
المذهب الثاني: وهو قول جمهور علماء المتكلمين، وذلك أنه أجمع جميع المتكلمين من العقلاء والمعتبرين من أصحاب النظر على أنه تعالى منزه عن المجيء والذهاب، ويدل على ذلك أن كل ما يصح عنه المجيء والذهاب لا ينفك عن الحركة والسكون، وهما محدثان، وما لا ينفك عن المحدث فهو محدث، والله تعالى منزه عن ذلك فيستحيل ذلك في حقه تعالى، فثبت بذلك أن ظاهر الآية ليس مرادًا فلا بد من التأويل على سبيل التفصيل فعلى هذا قيل في معنى الآية: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله الآيات فيكون مجيء الآيات مجيئًا لله تعالى على سبيل التفخيم لشأن الآيات، وقيل: معناه إلا أن يأتيهم أمر الله ووجه هذا التأويل أن الله تعالى فسره في آية أخرى فقال: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك، فصار هذا الحكم مفسرًا لهذا المجمل في هذه الآية. وقيل معناه: يأتهم الله بما أوعد من الحساب والعقاب فحذف ما يأتي به تهويلًا عليهم، إذ لو ذكر ما يأتي به كان أسهل عليهم في باب الوعيد، وإذا لم يذكر كان أبلغ، وقيل: يحتمل أن تكون الفاء بمعنى الباء، لأن بعض الحروف يقوم مقام بعض فيكون المعنى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ}، وقيل: معناه (هل ينظرون إلا أن يأتيهم قهر الله وعذابه في ظلل من الغمام) فإن قلت لم كان  إتيان العذاب في الغمام؟ قلت: لأن الغمام مظنة الرحمة، ومنه ينزل المطر، فإذا نزل منه العذاب، كان أعظم وأفظع، وقيل: إن نزول الغمام علامة لظهور القيامة وأهوالها (1).
وقال عند قوله تعالى من سورة الأنعام: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ}.
يعني للحكم، وفصل القضاء بين الخلق يوم القيامة وقد تقدم الكلام في معنى الآية في سورة البقرة عند قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} بما فيه كفاية، وأن المجيء والذهاب على الله لمحال فيجب إمرارها بلا تكييف.
وقال عند قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} اعلم أن هذه الآية من آيات الصفات التي سكت عنها وعن مثلها عامة السلف وبعض الخلف، فلم يتكلموا فيها، وأجروها كما جاءت من غير تكييف، ولا تشبيه، ولا تأويل وقالوا: يلزمنا الإيمان بها، وإجراؤها على ظاهرها، وتأولها بعض المتأخرين وغالب المتكلمين، فقالوا: ثبت بالدليل العقلي أن الحركة على الله محال فلا بد من تأويل الآية فقيل: في تأويلها: وجاء أمر ربك بالمحاسبة والجزاء وقيل: أمر ربك وقضاؤه وقيل: جاء دليل آيات ربك، فجعل مجيئها له تفخيمًا لتلك الآيات (2). انظر الرد على القرطبي.
تفسير آية الكرسي:
قال عند قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}.
{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} فيقال فلان وسع الشيء سعة، إذا احتلمه، وأطافه، وأمكنه القيام به، وأصل الكرسي في اللغة، من تركب الشيء بعضه على بعض ومنه الكراسة لتركب بعض أوراقها على بعض، والكرسي في العرف اسم لما يقعد عليه، سمي به لتركب خشبانه بعضها على بعض.
واختلفوا في المراد بالكرسي هنا على أربعة أقوال:
أحدها: أن الكرسي هو العرش نفسه، قال الحسن: لأن العرش هو الكرسي اسم للسرير الذي يصح التمكن عليه.
القول الثاني: أن الكرسي غير العرش وهو أمامه، وهو فوق السموات السبع ودون العرش.
قال السدي: إن السموات والأرض في جوف الكرسي كحلقة ملقاة في فلاة والكرسي في جنب العرش كحلقة في فلاة.
وعن ابن عباس أن السموات السبع في الكرسي كدارهم سبعة ألقيت في ترس، وقيل: إن كل قائمة من قوائم الكرسي طولها مثل السموات والأرض وهو بين يدي العرش ويحمل الكرسي أربعة أملاك، لكل ملك أربعة وجوه ثم ذكر القصة التي ذكرها البغوي.
القول الثالث: أن الكرسي هو الإسم الأعظم لأن العلم يعتمد عليه كما أن الكرسي يعتمد  عليه. قال ابن عباس: كرسيه علمه.
القول الرابع: المراد بالكرسي الملك والسلطان، والقدرة، لأن الكرسي موضع الملك والسلطان، فلا يبعد أن يكنى عن الملك بالكرسي على سبيل المجاز (1). انظر الرد على القرطبي.
صفة النفس:
قال عند قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيءٍ إلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}.
{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} أي ويخوفكم الله أن تعصوه بأن ترتكبوا المنهي أو تخالفوا المأمور به، أو توالوا الكفار، فتستحقوا عقابه على ذلك كله (2).
قال عند قوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} يعني تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم.
وقال ابن عباس: تعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك، وقل معناه تعلم ما أخفي، ولا أعلم ما تخفي، وقل معناه: تعلم ما كان مني في دار الدنيا، ولا أعلم ما يكون منك في دار الآخرة، وقيل معناه: تعلم ما أقول وأفعل، ولا أعلم ما تقول وتفعل، والنفس عبارة عن ذات الشيء، يقال نفس الشيء وذاته بمعنى واحد.
وقال الزجاج: النفس عبارة عن جملة الشيء وحقيقته، يقال: تعلم جميع حقيقة أمري ولا أعلم حقيقة أمرك، وقيل: معناه تعلم معلومي ولا أعلم معلومك.
وإنما ذكر هذا الكلام على طريقة المشاكلة والمطابقة وهو من فصيح الكلام (3). انظر الكلام على القرطبي.
صفة العندية:
قال عند قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.
(عند ربهم) يعني في محل كرامته وفضله (4).
وقال عند قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ}.
يعني الملائكة المقربين لما أمر الله عزَّ وجلَّ ورسوله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين بالذكر في حالة التضرع والخوف، أخبر أن الملائكة الذين عنده مع علو مرتبتهم وشرفه وعصمتهم، ولا يستكبرون عن عبادته (5). انظر الرد على القرطبي.
صفة المحبة:
قال عند قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
قال: وقال العلماء إن محبة العبد لله عبارة عن إعظامه وإجلاله وإيثار طاعته، واتباع أمره، ومجانبة نهيه، ومحبة الله للعبد ثناؤه علي ورضاه  عنه، وثوابه له، وعفوه عنه (1). انظر الرد على القرطبي.
صفة اليد:
قال عند قوله تعالى من سورة المائدة: {وَقَالتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}.
وأما الكلام في اليد فقد اختلف العلماء في معناه على قولين:
أحدهما: وهو مذهب جمهور السلف وعلماء أهل السنة، وبعض المتكلمين أن يد الله صفة من صفات ذاته، كالسمع، والبصر، والوجه، فيجب علينا الإيمان بها، والتسليم، ونمرها كما جاءت في الكتاب والسنة، بلا كيف ولا تشبيه، ولا تعطيل.
قال الله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين".
والقول الثاني: قول جمهور المتكلمين، أهل التأويل فإنهم قالوا اليد تذكر في اللغة على وجوه:
أحدها: الجارحة وهي معلومة.
وثانيها: النعمة، يقال: لفلان عندي يد أشكره عليها.
وثالثها: القدرة: قال الله تعالى: {أُولِي الْأَيدِي وَالْأَبْصَارِ} فسروه بذوي القوى والعقول، ويقال: لا يد لك بهذا الأمر، والمعنى سلب كمال القدرة.
ورابعها: الملك يقال هذه الضيعة في يد فلان، أي في ملكه.
ومنه قوله تعالى: {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} أي يملك ذلك، أما الجارحة فمنتفية في صفة الله عز وجل، لأن العقل دل على أن يمتنع أن تكون يد الله عبارة عن جسم مخصوص، وعضو مركب من الأجزاء، والأبعاض، تعالى الله عن الجسمية والكيفية والتشبيه علوًا كبيرًا، فامتنع بذلك أن تكون يد الله بمعنى الجارحة، وأما سائر المعاني التي فسرت اليد بها فحاصلة لأن أكثر العلماء من المتكلمين زعموا أن اليد في حق الله عبارة عن القدرة، وعن الملك وعن النعمة، وها هنا إشكالان:
أحدهما: أن اليد إذا فسرت بمعنى القدرة فقدة الله واحدة ونص القرآن ناطق بإثبات اليدين في قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} أي ليس الأمر على ما وصفتموه من البخل بل هو جواد كريم على سبيل الكمال، فإن من أعطى بيديه فقد أعطى على أكمل الوجوه.
والإشكال الثاني: أن اليد إذا فسرت بالنعمة فنص القرآن ناطق بتثنية اليد، ونعم الله غير محصورة، ولا معدودة ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} وأجيب عن هذا الإشكال بأن التثنية من حسب الجنس ثم يدخل تحت كل واحد من الجنسين أنواع لا نهاية لها مثل نعمة الدنيا ونعمة الدين ونعمة الظاهرة، ونعمة الباطن ونعمة النفع، فالمراد بالتثنية البالغة في وصف النعمة. أجاب أصحاب القول الأول عن هذا بأن قالوا: إن الله تعالى أخبر آدم أنه خلقه بيديه. ولو كان معنى خلقه بقدرته أو بنعمته أو بملكه لم يكن لخصوصية آدم بذلك وجه مفهوم، لأن جميع خلفه مخلوقين بقدرته، وجميعهم  في ملكه، والمتقلبون في نعمه، فلما خص الله آدم - عليه السلام - بقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} دون خلقه علم بذلك اختصاصه وتشريفه على غيره ثم ختم البحث بقوله فثبت بهذا البيان قول من قال: إن اليد صفة لله تعالى تليق بجلاله وأنها ليست بجارحة كما تقول المجسمة تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا (1).
وقال عند قوله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْويَّاتٌ بِيَمِينِهِ} بعدما ذكر حديث ابن مسعود: (جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يا محمّد إن الله يضع السماء على إصبع والأرض على إصبع). الحديث.
وحديث ابن عمر: (يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمني).
وحديث أبي هريرة: "يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه" قال: قال أبو سليمان الخطابي ليس فيما يضاف إلى الله عزَّ وجلَّ من صفة اليدين شمال، لأن الشمال يحمل النقص، والضعف، وقد روى كلتا يديه يمين. وليس عندنا معني اليد الجارحة إنما هي صفة جاء بها التوقيف فنحن نطلقها على ما جاءت ولا نكيفها، وننتهي إلى حيث انتهى الكتاب والأخبار المأثورة الصحيحة، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة (2).
التعليق:
والخازن قد أطال النفس في بحث صفة اليد وقد ذهب إلى مذهب السلف ونصره وأيده في مطلع البحث وفي ختامه فجزاه الله خيرًا.
صفة الفوقية:
قال عند قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}
يعني: وهو الغالب لعباده، القاهر لهم وهم مقهورون تحت قدرته، والقاهر والقهار معناه، الذي يدبر خلقه بما يريد فيقع في ذلك ما يشق عليهم، ويثقل ويغم، ويحزن، ويفقر، ويميت، ويذل خلقه فلا يستطيع أحد من خلقه رد تدبيره، والخروج من تحت قهره وتقديره وهذا معنى القاهر في صفة الله تعالى لأنه القادر والقاهر الذي لا يعجزه شيء أراده، ومعنى {فَوْقَ عِبَادِهِ} هنا أن قهره قد استعلى على خلقه فهم تحت التسحير والتذليل، بما علاهم به من الاقتدار والقهر الذي لا يقدر أحد على الخروج منه، ولا ينفك عنه فكل من قهر شيئًا، فهو مستعل عليه بالقهر، والغلبة.
قال ابن جرير الطبري: معنى القاهر، المتعبد خلقه العالي عليهم وإنما قال: فوق عباده لأنه تعالى وصف نفسه بقهره إياهم ومن صفة كل قاهر شيئًا أن يكون مستعليًا عليه فمعنى الكلام إذا، والله الغالب عباده المذلل لهم العالي عليهم بتذليله إياهم فهو فوقهم بقهره إياهم وهم دونه وقيل: فوق عباده هو صفة الاستعلاء الذي تفرد الله به عزَّ وجلَّ (3).
إثبات الرؤية:
قال عند قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ  يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.
تمسك بظاهر الآية قوم من أهل البدع وهم الخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة وقالوا: إن الله تبارك وتعالى لا يراه أحد من خلقه، وأن رؤيته مستحيلة عقلًا، لأن الله أخبر أن الأبصار لا تدركه، وإدراك البصر عبارة عن الرؤية إذ لا فرق بين قوله أدركته ببصري ورأيته ببصري، فثبت بذلك أن قوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} بمعنى لا تراه الأبصار، وهذا يفيد العموم.
ومذهب أهل السنة: أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة وفي الجنة وأن رؤيته غير مستحيلة عقلًا، واحتجوا لصحة مذهبهم بظاهر أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة ومن بعدهم، من سلف الأمة على إثبات رؤية الله تبارك وتعالى للمؤمنين في الآخرة.
قال الله تبارك وتعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ففي هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة.
وقال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} قال الشافعي رحمه الله حجب قوم بالمعصية وهي الكفر فثبت أني قومًا يرونه بالطاعة وهي الإيمان وقال مالك: لو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة لم يعير الكفار بالحجاب.
وقال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} وفسروا هذه الزيادة بالنظر إلى وجه الله تبارك وتعالى يوم القيامة وأما دلائل السنة فما روي عن جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظر إلى القمر ليلة البدر، وقال: إنكم سترون ربكم عيانًا كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فافعلوا ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39] أخرجه البخاري، ومسلم عن أبي هريرة أن ناسًا قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل تضارون في القمر ليلة البدر، قالوا: لا يا رسول الله قال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب، قالوا: لا يا رسول الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فإنكم ترونه" (1).
كذلك أخرجه أبو داود، وأخرجه الترمذي وليس عنده في أوله أن أناسًا سألوا، ولا في آخره ليس دونها سحاب، عن أبي رزين العقيلي قال: قلت يا رسول الله: أكلنا يرى ربه مخليًا به يوم القيامة؟ قال: نعم، قلت: وما آية ذلك من خلقه، قال: يا أبا رزين أليس كلكلم يرى القمر ليلة البدر مخليًا به؟ قلت: بلى، قال: فالله أعظم إنما هو خلق من خلق الله بمعنى القمر فالله أجل وأعظم" أخرجه أبو داود.
وأما الدلائل العقلية فقد احتج أهل السنة أيضًا بهذه الآية على جواز رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة وتقريره أنه تعالى تمدح بقوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَار} فلو لم يكن جائز الرؤية لما حصل هذا التمدح، لأن المعلوم لا يصح التمدح به فثبت أن قوله {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَار} يفيد المدح، وهذا يدل على أنه تعالى جائز الرؤية وتحقيق هذا، أن الشيء إذا كان في نفسه بحيث تمتنع رؤيته فحينئذ لا يلزم من عدم رؤيته مدح، وتعظيم، أما إذا كان في نفسه جائز الرؤية ثم إنه قدر على حجب الأبصار عنه، كانت القدرة دالة على المدح والعظمة فثبت أن هذه الآية دالة على أنه تعالى جائز الرؤية، وإذا ثبت هذا، وجب القطع بأن المؤمنين يرونه يوم القيامة، لأن موسى عليه السلام سأل الرؤية بقوله: {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيكَ} وذلك يدل على جواز الرؤية إذ لا يسأل نبي مثل موسى ما لا يجوز ويمتنع وقد علق الله الرؤية على استقرار الجبل بقوله: {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} فاستقرار الجبل جائز والمعلق على الجائز جائز.
وأما الجواب عن تمسك المعتزلة بظاهرة هذه الآية في نفي الرؤية فاعلم أن الإدراك غير الرؤية، لأن الإدراك هو الإحاطة بكنه الشيء وحقيقته والرؤية المعاينة للشيء من غير إحاطة، وقد تكون الرؤية بغير إدراك كما قال تعالى في قصة موسى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَال أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَال كَلَّا} وكان قوم فرعون قد رأوا قوم موسى ولم يدركوهم، لكن قاربوا إدراكهم إياهم فنفى موسى الإدراك مع إثبات الرؤية بقول كلا، والله تعالى يجوز أن يرى في الآخرة من غير إدراك ولا إحاطة، لأن الإدراك هو الإحاطة بالمرئي وهو ما كان محدودًا له جهات، والله تعالى منزه عن الحد والجهة لأنه القديم الذي لا نهاية لوجوده، فعلى هذا أنه تعالى يرى ولا يدرك.
وقال قوم: إن الآية مخصوصة بالدنيا، قال ابن عباس في معنى الآية: لا تدركه الأبصار في الدنيا وهو يرى في الآخرة، وعلى هذا القول فلا فرق بين الإدراك والرؤية، قالوا: ويدل على هذا التخصيص قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فقوله: {يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} مقيد بيوم القيامة وعلى هذا يمكن الجمع بين الآيتين.
وقال السدي: البصر بصران: بصر معاينة، وبصر علم، فمعنى قوله {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} لا يدركه علم العلماء، ونظيره {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} وهذا وجه حسن أيضًا، والله أعلم (1).
صفة الرضا:
قال عند قوله تعالى: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} سورة الزمر.
{وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} يعني أنه تعالى وإن كان لا ينفعه ولا يضره كفر، إلا أنه لا يرضى لعباده الكفر.
قال ابن عباس: لا يرضى لعباده المؤمنين بالكفر وهم الذين قال الله تعالى فيهم: {إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء: 65] فعلى هذا يكون عامًّا في اللفظ، خاصًّا في المعنى بقوله: {عَينًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] يريد بعض عباد الله وأجراه قوم على العموم، وقال: لا يرضى لأحد من عباده الكفر، ومعنى الآية لا يرضى لعباده أن يكفروا به، وهو قول السلف قالوا: كفر الكافر غير مرضٍ لله تعالى، وإن كان بإرادته، لأن الرضا، عبارة عن مدح الشيء والثناء عليه بفعله، والله تعالى لا يمدح الكفر، ولا يثني عليه ولا يكون في ملكه إلا ما أراد، قد لا يرضى به، ولا يمدح عليه وقد بان الفرق بين الإرادة والرضا (2).

صفة المعية:
قال عند قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَينَ مَا كُنْتُمْ}.
{وَهُوَ مَعَكُمْ أَينَ مَا كُنْتُمْ} أي بالعلم والقدرة، فليس ينفك أحد من تعليق علم الله تعالى وقدرته أينما كان من أرض أو سماء أو بحر.
وقيل: هو معكم بالحفظ والحراسة (1).
صفة العين:
قال عند قوله تعال: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}.
{بِأَعْيُنِنَا} قال ابن عباس: بمرأى منا، وقيل: بعلمنا وقيل: بحفظنا (2). انظر الكلام على القرطبي.
وفاته: سنة (741 هـ) إحدى وأربعين وسبعمائة.
من مصنفاته: له تفسير سماه "لباب التأويل في معاني التنزيل"، وشرح "العمدة" للحافظ عبد الغني المقدسي، و "مقبول المنقول" في عشر مجلدات جمع فيه بين مسند الشافعي وأحمد والستة والموطأ والدارقطني.








مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»


تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید