المنشورات

السهروردي

المفسر: عمر بن محمد بن عبدِ الله بن عمويه القرشي التيمي البكري السهروردي، ضهاب الدين.
ولد: سنة (539 هـ) تسع وثلاثين وخمسمائة.
من مشايخه: أَبو زرعة المقدسي، وأَبو الفتوح الطائي وغيرهما.
من تلامذته: ابن نقطة، وابن الدبيثي وغيرهما.
كلام العلماء فيه:
* طبقات الشَّافعية للإسنوي: "كان شيخ الطريقة، ومعدن الحقيقة، إمام وقته لسانا وحالا، علما وعملا .. " أ. هـ.
* طبقات الشَّافعية لابن قاضي شهبة: "شيخ شيوخ العارفين بالعراق في زمانه، وصاحب عوارف المعارف في بيان طريقة القوم ... قال ابن النجار: كان شيخ وقته في علم الحقيقة، وانتهت إليه الرئاسة في تربية المريدين ... وظهر له قبول من الخاص والعام ... وصار له أصحاب كالنجوم وبالغ في الثناء عليه .. " أ. هـ.
* طبقات الأولياء: "السهروردي -نسبة إلى بليدة عند زنجان من عراق العجم- .. أحد السادات الجامع بين الحقيقة والشريعة والورع والرياضة والتسليك .. وتاب على يديه خلق كثير .. وأنشد يومًا:
لا تسقني وحدي فما عودتني ... أني أشح بها على جلاسي
أنت الكريم ولا يليق تكرما ... أن يعتر الندماء دور الكأس
فتواجد الناس لذلك، وقطعت شعور كثيرة، ومات جمع" أ. هـ.
* الأعلام: "فقيه شافعي مفسر واعظ من كبار الصوفية .. " أ. هـ.
* قلت: ومن كتاب "تسفيه الغبي في تنزيه ابن عربي": (قال -أي السيوطي-: وقال اليافعي في "الإرشاد": اجتمع الشيخان العارفان الإمامان المحقِّقان الربانيان: الشيخ شهاب الدين السهروردي، والشيخ محيي الدين بن عربي فأطرق كل واحد منهما ساعة، ثم افترقا من غير كلام.
فقيل لابن عربي: ما تقول في الشيخ شهاب الدين السهروردي؟ فقال: مملوء سنة من قرنه إلى قدمه.
وقيل للسهروردي: ما تقول في الشيخ محيي الدين بن عربي؟ فقال: بحر الحقائق.
أقول -أي إبراهيم الحلبي-: (هذه الحكاية -إن صحت- حملت على ما قبل أن يصل إلى مذهب الوجودية، وإلى الإعتقادات الفاسدة التي أودعها في "الفصوص".
قال (أي السيوطي): وبلغني عن بعض الشيوخ الكبار العارفين أنَّه كان يقرأ عليه الأصحاب كلام ابن عربي ويشرحه لهم، فلما حضرته الوفاة نهاهم عن مطالعة كتب ابن عربي، وقال: ما تفهمون مراده ومعاني كلامه؟
أقول (أي إبراهيم الحلبي: إن كانوا حين شرحه لهم، فهموا معناه، فلأي شيء ينهاهم أن يشرحوا لمن يقرُ على ما فهموا؟
وإن لم يكونوا فهموه، فلأي شيءٍ كان يقرئهم، ويشرحه لهم؟
على أن ادعاء عدم فهم مراده دعوى بلا برهان، بل كلامه ظاهر المراد يُفهم بعضه بعضًا) أ. هـ.
والآن ننقل ما قاله المترجم له في كتابه "عوارف المعارف" (1/ 172)، وتحت عنوان: في ذكر خرقة المشايخ الصوفية: (لبس الخرقة ارتباط بين الشيخ وبين المريد، تحكيم من المريد للشيخ في نفسه، ولتحكيم سائغ في الشرع لمصالح دنيوية فماذا ينكر للبس الخرقة على طالب صادق في طلبه يقصد شيخًا بحسن ظن وعقيدة، يحكمه في نفسه لمصالح دينه يرشده، ويهديه، ويعرفه طريق المواجيد، ويبصره بآفات النفوس وفساد الأعمال ومداخل العدو. فيسلم نفسه إليه ويستسلم لرأيه واستصوابه في جميع تصاريفه، فيلبسه الخرقة إظهارًا للتصرف فيه: فيكون لبس الخرقة علامة التفويض والتسليم ودخوله في حكم الشيخ دخوله في حكم الله وحكم رسوله وإحياء سنة المبايعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
أخبرنا أَبو زرعة قال: أخبرني والدي الحافظ المقدسي قال: أخبرنا أَبو الحسين أحمد بن محمَّد البزاز، قال: أخبرنا أحمد بن محمَّد بن أخي محمّد قال: حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد قال: حدَّثنا عمرو بن علي بن حفظة قال: سمعت عبد الوهاب الثقفي يقول: سمعت يحيى بن سعيد يقول: حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة الصامت، قال: أخبرني أبي عن أبيه، قال: "بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقول بالحقِّ حيث كنا ولا نخاف في الله لومة لائم".
ففي الخرقة معنى المبايعة، والخرقة عَتَبة الدخول في الصحبة، والمقصود الكلي هو الصحبة، وبالصحبة يرجى للمريد كل خير.
وروى عن أبي يزيد أنَّه قال: من لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان.
وحكى الأستاذ أَبو القاسم القشيري عن شيخه  أبي على الدقاق أنَّه قال: الشجرة إذا نبتت بنفسها من غير غارص فإنها تورق ولا تثمر، وهو كما قال: ويجوز أنَّها تثمر كالأشجار التي في الأودية والجبال ولكن لا يكون لفاكهتها طعم فاكهة البساتين، والغرص إذا نقل من موضع إلى موضع آخر يكون أحسن حالًا وكثر ثمرة لدخول التصرف فيه وقد اعتبر الشرع وجود التعليم في الكلب المعلم وأحل ما يقتله، بخلاف غير المعلم.
وسمعت كثيرًا من المشايخ يقولون: "من لم ير مفلحًا لا يفلح": ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلقوا العلوم والآداب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما روى عن بعض الصحابة: علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل شيء حتَّى الخراءة.
فالمريد الصادق إذا دخل تحت حكم الشيخ، وصحبه، وتأدب بآدابه، يسرى من باطن الشيخ حال إلى باطن المريد كسرح يقتبس من سرح، وكلام الشيخ يلقن باطن المريد ويكون مقال الشيخ مستودع نفائس الحال وينتقل الحال من الشيخ إلى المريد بواسطة الصحبة وسماع المقال، ولا يكون هذا إلَّا لمريد حصر نفسه مع الشيخ وانسلخ من إرادة نفسه، وفنى في الشيخ بترك اختيار نفسه.
فبالتأليف الإلهي يصير بين الصاحب والمصحوب امتزاج وارتباط بالنسبة الروحية والطهارة الفطرية لم يزل المريد مع الشيخ كذلك متأدبًا بترك الاختبار، حتَّى يرتقي من ترك الاختبار مع الشيخ إلى المريد الاختبار مع الله تعالى، ويفهم من الله كما كان يفهم من الشيخ، ومبدأ هذا الخير كله الصحبة والملازمة للشيوخ، والخرقة مقدمة ذلك.
ووجه لبس الخرقة من السنة ما أخبرنا الشيخ أَبو زرعة عن أبيه الحافظ أبي الفضل المقدسي، قال: أخبرنا أَبو بكر أحمد بن عليّ بن خلف الأديب النيسابوري قال: أخبرنا الحاكم أَبو عبدِ الله محمَّد بن عبدِ الله الحافظ قال: أخبرنا محمَّد بن إسحاق قال: أخبرنا أَبو مسلم إبراهيم بن عبدِ الله المصري، قال: حدَّثنا أَبو الوليد قال: حدَّثنا إسحاق بن سعيد قال: حدَّثنا أبي قال: حدثتني أم خالد بنت خالدة قالت: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة، فقال: من ترون أكسو هذه؟ فسكت القوم، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ائتوني بأم خالد. قالت: فأتي بي، فألبسنيها بيده فقال: أبلى وأخلقي، يقولها مرتين، وجعل ينظر إلى علم في الخميصة أحمر وأصفر، ويقول: يا أم خالد هذا سناه -والسناه، هو الحسن بلسان الحبشة-.
ولا خفاء أن لبس الخرقة على الهيئة التي تعتمدها الشيوخ في هذا الزمان لم يكن في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذه الهيئة والاجتماع لها، والاعتداد بها من استحسان الشيوخ، وأصله من الحديث ما رويناه.
والشاهد لذلك أيضًا التحكيم الذي ذكرناه وأي اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتم وأكد من الاقتداء به في دعاء الخلق إلى الحقِّ.
وقد ذكر الله تعالى في كلامه القديم تحكيم الأمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتحكيم المريد شيخه إحياء سنة ذلك التحكيم، قال الله تعالى: {فَلَا وَرَبَّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)}.
وسبب نزول هذه الآية أن الزُّبَير بن العوام - رضي الله عنه -، اختصم هو وآخر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شراج من الحرة.
والشراج: مسيل الماء -كانا يسقيان به النخل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للزبير: أسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الرجل وقال: قضى رسول الله لابن عمته، فأنزل الله تعالى هذه الآية يعلم فيها الأدب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشرط عليهم في الآية التسليم، وهو الانقياد ظاهرًا، ونفى الحرج، وهو: الانقياد باطنا، وهذا شرط المريد مع الشيخ بعد التحكيم.
فلبس الخرقة يزيل اتهام الشيخ عن باطنه في جميع تصاريفه، ويحذر الاعتراض على الشيوخ، فإنه السم القاتل للمريدين.
وقل أن يكون المريد يعترض على الشيخ بباطنه فيفلح، ويذكر المريد في كل ما أشكل عليه من تصاريف الشيخ قصة موسى مع الخضر عليه السلام، كيف كان يصدر من الخضر تصاريف ينكرها موسى، ثم لما كشف له عن معناها بأن موسى وجه الصواب في ذلك.
فهكذا ينبغي للمريد أن يعلم أن كل تصرف أشكل عليه صحته من الشيخ عند الشيخ فيه بيان وبرهان للصحة، ويد الشيخ في لبس الخرقة تنوب عن يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتسليم المريد له تسليم لله ورسوله، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ}.
ويأخذ الشيخ على المريد عهد الوفاء بشرائط الخرقة، ويعرفه حقوق الخرقة، فالشيخ للمريد صورة يستشف المريد من وراء هذه الصورة المطالبات الإلهية والمراضى النبوية.
ويعتقد المريد أن الشيخ باب فتحه الله تعالى إلى جناب كرمه، منه يدخل، وإليه يرجع وينزل بالشيخ سوانحه ومهامه الدينية والدنيوية ويعتقد أن الشيخ ينزل بالله الكريم ما ينزل المريد به، ويرجع في ذلك إلى الله للمريد كما يرجع المريد إليه.
وللشيخ باب مفتوح من المكالمة، والمحادثة في النوم واليقظة فلا يتصرف الشيخ في المريد بهواه، فهو أمانة الله عنده، ويستغيث إلى الله لحوائج المريد كما يستغيث لحوائج نفسه ومهام دينه ودنياه، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا}.
بإرسال الرسول يختص بالأنبياء والوحي كذلك، والكلام من وراء حجاب بالإلهام والهواتف والمنام، وغير ذلك للشيوخ والراسخين في العلم.
وأعلم أن للمريدين مع الشيوخ أوان ارتضاع، وأوان فطام، وقد سبق شرح الولادة المعنوية.
فأوان الارتضاع أوان لزوم الصحبة، والشيخ يعلم وقت ذلك، فلا ينبغي للمريد أن يفارق الشيخ إلَّا بإذنه، قال الله تعالى تأديبًا للأمة: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)}.
وأي أمر جامع أعظم من أمر الدين، فلا يأذن الشيخ للمريد في المفارقة إلَّا بعد علمه بأنه آن له أوان الفطام، وأنه يقدر أن يستقل بنفسه، واستقلاله بنفسه أن ينفتح له باب الفهم من الله تعالى.
فإذا بلغ المريد رتبة إنزال الحوائج والمهام بالله، والفهم عن الله تعالى بتعريفاته وتنبيهاته سبحانه وتعالى. لعبده السائل المحتاج فقد بلغ أوان فطامه وحتى فارق قبل أوان الفطام يناله من الإعلان في الطَّرِيقِ بالرجوع إلى الدّنيا ومتابعة الهوى ما ينال المفطوم لغير أوانه في الولادة الطبيعية، وهذا الالتزام بصحبة المشايخ للمريد الحقيقي، والمريد الحقيقي يلبس خرقة الإرادة.
واعلم أن الخرقة خرقتان: خرقة الإرادة. وخرقة التبرك" أ. هـ.
* قلت: ومن تتبع كتابه هذا، لوجد فيه العجب، من أصول مصطلحات الصوفية التي ما أنزل الله بها من سلطان، ولكن سوء الاعتقاد، والركون إلى وساوس ونزغ الشيطان الرجيم، هو الذي جعل مشايخ الصوفية بعد القرون المفضلة وخاصة المتقدمة منها على بون شاسع بين الحقِّ وشرع الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، والباطل الذي هم فيه، ولعل كتبهم وكلامهم وأفعالهم دالة عليهم كوضح الشمس، والله تعالى المستعان.
من أقواله: طبقات المفسرين للداودي: (كتب إليه بعضهم: يا سيدي، إن تركت العمل أخلدت إلى البطالة وإن عملت داخلني العجب، فأيَّما أولى؟ فكتب جوابه: اعمل واستغفر الله من العجب).
وفاته: سنة (632 هـ) اثنتين وثلاثين وستمائة.
من مصنفاته: "نخبة البيان في تفسير القرآن" و"جذب القلوب إلى مواصلة المحبوب" و"بهجة الأبرار في مناقب الغوث الكيلاني" وغيرها.





مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید