المنشورات

القاضي عِيَاض

النحوي، اللغوي: عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى بن عياض بن محمّد بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي.
ولد: سنة (446 هـ) ست وأربعين وأربعمائة.
من مشايخه: أبو الوليد بن رشد وأبو بكر الطرطوشي وغيرهما.
من تلامذته: ابن بشكوال، وأبو جعفر أحمد بن عبد الرحمن بن مضاء اللخمي وغيرهما.
كلام العلماء فيه:
• وفيات الأعيان: "كان إمام وقته في الحديث وعلومه والنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم وصنف التصانيف المفيدة ... وذكره العماد في الخريدة فقال: كبير الشأن غزير البيان .. " أ. هـ.
• السير: "الإمام العلامة الحافظ الأوحد شيخ الإسلام .. وقال: استبحر من العلوم وجمع وألف وسارت بتصانيفه الركبان واشتهر اسمه في الآفاق ... قال الفقيه محمّد بن حمادة السبتي: جلس القاضي للمناظرة وله نحو من ثمان وعشرين سنة، وولي القضاء وله خمس وثلاثون سنة، كان هينًا من غير ضعف، صليبًا في الحق ... إلى أن قال: وحاز من الرئاسة في بلده والرفعة ما يصل إليه أحد قط من أهل بلده، وما زاده ذلك إلا تواضعًا وخشية لله تعالى.
قلت: تواليفه نفيسة، وأجلها وأشرفها كتاب "الشفا" لولا ما قد حشاه بالأحاديث المفتعلة، عمل إمام لا نقد له في فن الحديث ولا ذوق، والله يثيبه على حسن قصده، وينفع بـ"شفائه" وقد فعل، وكذا فيه من التأويلات البعيدة ألوان. ونبينا - صلى الله عليه وسلم - غني بمدح التنزيل عن الأحاديث، وبما تواتر من الأخبار عن الآحاد، وبالآحاد النظيفة الأسانيد عن الواهيات، فلماذا يا قوم نتشبع بالموضوعات، فيتطرق إلينا مقال ذوي الغل والحسد، ولكن من لا يعلم معذور، فعليك يا أخي بكتاب "دلائل النبوة" للبيهقي، فإنه شفاء لما في الصدور وهدى ونور" أ. هـ.
• البداية: "أحد مشايخ العلماء المالكية ... وكان إمامًا في علوم كثيرة، كالفقه واللغة والحديث والأدب وأيام الناس" أ. هـ.
• مفتاح السعادة: "كان ثقة زاهدًا عابدًا، متصلبًا في الدين، قوي العقيدة، بعيدًا عن البدع" أ. هـ.
• الديباج: "الإمام العلامة .. كان إمام وقته في الحديث وعلومه، عالمًا بالتفسير وجميع علومه فقيهًا أصوليا، عالمًا بالنحو، واللغة، وكلام العرب وأيامهم، وأنسابهم" أ. هـ.
• الشذرات: "وكان إمام وقته في علوم شتى مفرطًا في الذكاء.
وبالجملة فإنه كان عديم النظير حسنة من حسنات الأيام، شديد التعصب للسنة والتمسك بها، حتى أمر بإحراق كتب الغزالي لأمر توههمه منها" أ. هـ.
• قلت: ومن مقدمة "ترتيب المدارك" بقلم أحمد بكير قال (1/ 20): "وقال ابن الأبار في معجم أصحاب الصدفي: وكان لا يدرك شأوه ولا يبلغ مداه في العناية بصناعة الحديث وتقييد الآثار وخدمة العلم مع حسن التفنن والتصرف الكامل في فهم معانيه إلى اضطلاعه بالأدب وتحققه بالنظم والنثر ومهارته بالفقه، وبالجملة فكان جمال العصر ومعجز الأفق وينبوع المعرفة ومعدن الافادة، وإذا عدت رجالات المغرب فضلًا عن الأندلس حسن فيهم صدرًا".
وقال: "قال أبو عبد الله محمّد الأمين الصحراوي نزيل مراكش في كتابه (المجد الطارف والتالد): مقام عياض مثل مقام البخاري والأئمة الأربعة، فهم في حملة الشريعة وعلومهم التي يبثونها في صدور الرجال بالتلقن والتأليف. ذبوا عن الشريعة بسيوف علومهم فبقيت علومهم خالدة تالدة إلى الأبد، وكم من ولي لله كان معهم وبعدهم بكثير، كان لهم تلاميذ وأوراد وانقطعت تلك الأوراد وباد المريدون بمرور الأزمان، وأئمة العلم لا زالوا بعلومهم كانهم أحياء، وكل من استفاد مسألة علمية فهم أشياخه إلى يوم القيامة .. ".
ثم قال: "وانظروا إلى عياض، فلا تأليف معتبرًا من تواليف أهل الحديث ولا أصحاب السير والفقهاء إلا وجدته مشحونًا بكلامه ... ولا يضر منصبه كون صاحب التشوف لم يذكره في رجال التصوف مع أنه أقدم وفاة من جميع من ذكر فيه، ووجه العذر أنه التزم فيه ذكر الزهاد دون العباد، أي الذين انقطعوا لذلك. وقال ابن صعد في (النجم الثاقب): كان عمدة أولياء الله في البلاد المغربية، وممن أجمع على فضله وعلمه علماء الفقه وأكابر الصوفية".
قلت: وذكره محقق كتاب "الغنية" للقاضي عياض في المقدمة، قائلًا: (فقد عد ابن الخطيب القاضي عياضًا "إمامًا مجتهدًا" وهذا أمر لا يتم إلا بسعة الدراية والدرس، وكثرة السماع والفطنة وإتقان جمهرة من العلرم النقلية والعقلية. وبإلقاء نظرة على روايته وسماعاته -من خلال الغنية- تتجلى لنا اهتماماته المختلفة، فقد عني أولًا بعلوم التنزيل العزيز وبالحديث وروى عددًا كبيرًا من الكتب على كبار أئمة هذا الشأن، وبرع فيها فبلغ شأوا لم يبلغه سابقوه، واهتم بكتب غريب القرآن والحديث والقراءات فبرع فيها جميعًا وألف تواليف حسانًا بذت ما سبقها بدقة ضبطها وصحة أسانيدها ومناقشته لمتونها مناقشة إن دلت على شيء فإنما تدل على فطنته وعمق غوصه على المعاني والترابطات المنطقية وعلمه بدقائق اللغة العربية ومفرداتها وتراكيبها ويظهر هذا مما حمله من كتب علماء اللغة في الأندلس وما رواه عن حملة شيوخ المشرق من كتب غريب اللغة وشاذها وروايته للشعر العربي القديم.
ويبدو أن عياضًا اهتم بعلم الكلام، وأرجح أنه كان أشعري الهوى إذ تتلمذ على ابن العربي الفقيه (1) وأدي الحَجّاج الضرير (2) وغيرهما.
وقد استوقفني المنحى الزهدي عند القاضي عياض إذ برز بشكل واضح من خلال الأشعار والروايات والأخبار عن الزهاد، والزهد عند عياض لا يخرج عن مفهوم أهل السنة ونظرتهم، وقد عرف كبار الصحابة والتابعين بزهدهم اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونقول القاضي عياض لا يخرج عن هذا الإطار.
إلا أن ابن خلكان ذكر أنه كانت بين القاضي عياض وبين ابن العريف مكاتبات حسنة، وقال إنه رأى لابن العريف رسالة كتبها إليه فأحب ذكرها ثم أضرب عن ذلك لطولها. وقد استوقفني هذا الخبر لغير سبب، أولًا: لأنه قد يفيد أن هذا الجانب الزهدي كان قوي الأثر في شخصية القاضي عياض، فابن العريف كان صاحب طريقة في التصوف، له أتباعه ومريدوه، وثانيًا: أن ابن العريف كان على صلة بابن قَسِّي صاحب كتاب "خلع النعلين"، شيخ "المريدين" وزعيمهم "وكانت هذه الطائفة قد كثرت يومئذٍ بغرب الأندلس، لا سيما بمدينة شلب، وكثر خوضهم في كتب التصوف وموضوعات الغلاة من الباطنية، والكلف برسائل إخوان الصفا وأمثال ذلك، وانتشر هذا الرأي بشلب ولبلة ونظر مرثلة، وهي بلدة أبي القاسم أحمد بن الحسين بن قسي، وكثر جمعهم ووقع الحديث بهم، وحذروا صاحب الدولة فتفرقوا واستقوى حد نحلتهم بالمرية، وكان بها رئيس هذا الشأن ودخلته والمشهور فيه الشيخ أبو العباس ابن العريف". وقد أعلن هؤلاء "المريدون" الثورة على المرابطين.
فما هي حقيقة العلاقة بين القاضي عياض وابن العريف، وما نوع تلك المكاتبات التي جرت بينهما؟ هل ثمة رابط بين هذه الصلة وثورة القاضي عياض، أم أن الأمر يقتصر على الإعجاب المتبادل؟ لا نستطيع القطع بشيء طالما أن المصادر لا تسعفنا، فقد أغفلت ذكر هذه العلاقة كما أغفلت تفصيل أمر الثورة، كما أن رسائلهما لم تصلنا، ويبقى هذا الموضوع بحاجة إلى دراسة متعمقة، غير أنني أحببت أن ألمح إلى عمق الاتجاه الزهدي عند القاضي عياض كما يبرز في الغنية) أ. هـ.
قلت: وقال الدكتور البشير علي بن حمد الترابي في كتابه "القاضي عياض وجهوده في علمي الحديث رواية ودراية" (ص 149): "كان القاضي أشعري العقيدة على طريقة أبي الحسن الأشعري، وهذا شأن غالب المالكية بالمغرب والأندلس، وقد قرأ القاضي مذهب الأشعري بسبتة صغيرًا، على شيوخه مثل محمّد بن عيسى التميمي وغيره.
ومما قرأه من كتب الأشاعرة رسالة ابن أبي زيد القيرواني، فقد خص ابن أبي زيد قسمًا كبيرًا من أولها جمع فيه العقيدة على مذهب الأشعري. كما قرأ كتاب (المنهاج) لأبي الوليد الباجي وغير ذلك.
وهكذا تشبغ بالعقيدة الأشعرية صغيرًا، وتمسك بها، وهو في الشفا نراه يحتج كثيرًا بآراء أبي الحسن الأشعري وإمام الحرمين الجويني، مما يثبت صلته الوثيقة بكتبهم ومؤلفاتهم في العمدة، وهو إذا ذكر قول أحد الأشعرية قال: (من أئمتنا) (1).
وفي (الشفا) ناقش القاضي في مواطن كثيرة آراء المعتزلة والفرق الاعتقادية الأخرى على اختلاف المذاهب، كالفلاسفة، والخوارج، وغيرهم.
والقاضي كأشعري له موقف عدد من آراء المعتزلة في مسائل العقيدة في عمل العبد، ورؤية المولى جل شأنه في الآخرة وغير ذلك.
ومن طريف ما يروى عن القاضي عياض أنه كتب إلى الزمخشري؛ يستجيزه مروياته فامتنع الزمخشري لأنه كان قد انقطع للعبادة في ذلك الحين. فلما بلغ القاضي عياض امتناعه قال: (الحمد لله الذي لم يجعل علي يدًا لمبتدع أو فاسق) (1)، والقاضي لتمسكه بمذهبه هذا، قاوم حكام الموحدين، وحاربهم حتى لقي منهم ما لقي.
ذلك لأنهم يختلفون معه في العقيدة في مسائل كثيرة. منها عصمة الإمام، التي يقول به أتباع دولة الموحدين، والعصمة في مذهب أهل السنة والجماعة ومنهم الأشاعرة لا تكون إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وبالجملة فقد كان القاضي عياض في العقيدة سُنيًا أشعريًا، ودان بذلك مدة حياته.
ومما عرف به القاضي عياض أنه كان لا يرى الخوض في علم الكلام إلا بقدر ما يصحح الاعتقاد، أو عند نازلة بعينها" أ. هـ.
من أقواله: في كتاب أصول مذهب الشيعة: "قال رحمه الله -أي القاضي عياض- نقطع بتكفير غلاة الرافضة في قولهم إن الأئمة أفضل من الأنبياء.
وقال: وكذلك نكفر من أنكر القرآن أو حرفًا منه، أو غيَّر شيئًا منه أو زاد فيه كفعل الباطنية والإسماعيلية" أ. هـ.
وفاته: سنة (544 هـ) أربع وأربعين وخسمائة.
من مصنفاته: "إكمال المعلم في شرح صحيح مسلم" و"الشفا بتعريف حقوق المصطفى" و"الإلماع" وغيرها.






مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید