المنشورات

الخطيب الشربيني

النحوي، المفسر: محمّد بن أحمد الشربيني، ويعرف بالخطيب الشربيني، شمس الدين.
من مشايخه: الشيخ أحمد البرلسي الملقب عميرة، والشيخ نور الدين المحلي وغيرهما.
كلام العلماء فيه:
• الكواكب: "أجمع أهل مصر على صلاحه ووصفوه بالعلم والعمل والزهد والورع وكثرة النسك والعبادة ... وكان يؤثر الخمول ولا يكترث بإشغال الدنيا ... أثنى عليه الشعراوي كثيرًا" أ. هـ.
• الأعلام: "فقيه شافعي، مفسر، نحوي" أ. هـ.
• قلت: قال صاحب رسالة الماجستير (منهج الخطيب الشربيني في تفسيره) (ص 22): "لقد قدر لعقيدة الخطيب السلامة والصفاء وعدم الانحراف، فقد كان سلفي العقيدة شهد لذلك تفسيره، فلا يكاد تجد مجالًا للرد على العقائد المخالفة لرأي السلف الصالح إلا ويدلي فيه بدلالة واضحة على تبنيه لعقيدة السلف الصافية النقية، البعيدة كل البعد عن عقائد الفرق الضالة والاتجاهات المنحرفة" أ. هـ.
وقال في معرض كلامه عن صفات الله سبحانه وتعالى (101 ص): "هو يؤكد دائمًا أنه يجب تبني مذهب السلف في السكوت عن التأويل وإمرار صفات الله على ما جاءت عليه، والإيمان بها من غير تشبيه ولا تكييف ولا تعطيل، يشهد لذلك نقله لرأي أهل السنة في الاستواء الوارد في قوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} حيث يقول: قال أهل السنة: الاستواء على العرش صفة الله بلا كيف يجب الإيمان به، ونكل العلم فيه إلى الله تعالى، والمعنى أن له استواء على العرش على الوجه الذي عناه منزهًا عن الاستقرار والتمكن أ. هـ.
ثم يرد رأي المعتزلة الذي يقول: استوى بمعني استولى بقوله: وبعضهم يقول استوى بمعنى استولى وهذا منكر عند أهل اللغة. قال ابن الأعرابي: لا يعرف استولى فلان على كذا إلا إذا كان بعيدًا منه غير متمكن ثم تمكن منه، والله تعالى لم يزل مستوليًا على الأشياء، نعوذ بالله من تعطيل الملحدة وتشببيه المجسمة" أ. هـ.
• قلت: أما تبنيه لموقف السلف في الأسماء والصفات فكلام غير صحيح إطلاقًا إلا ما كان منه في الكلام على صفة الاستواء فإنه وإن وافق السلف فإن ذلك لا يدل أنه سلفي العقيدة، فينبغي على صاحب الرسالة أن يجمع كلامه في بقية الصفات حتى يتمكن من الحكم على أنه سلفي العقيدة، أضف إلى ذلك أن ردّه على بقية الفرق كالجهمية والمعتزلة لا يدل أيضًا على سلميه، لأن الأشاعرة كذلك ردّوا على المعتزلة والخوارج أيضًا إضافة للسلفية.
• المفسرون بين التأويل والإثبات: "نقل معظم تفسيره من الفخر الرازي، وادعى في مقدمة تفسيره أنه سيتبع السلف في تفسيرهم لكنه في الحقيفة خالف مذهب السلف في تفسير آيات الصفات بل تبع الرازي في بعض طعناته على مذهب السلف كما يتضح ذلك في صفة الكلام.
وعلى كل حال هو مؤول أشعري في معظم الصفات وأثبت صفة الاستواء على ضعف في ذلك، وقد يذكر مذهب السلف في بعض بحوثه ولكنها عنده كفلتات اللسان.
غفر الله لنا وله ولجميع المسلمين.
وإليك الصفات حتى تقف بعينك على أعين اليقين.
1 - صفة الغضب:
قال عند قوله تعالى من سورة الفاتحة: {غَيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}.
فإن قيل: ما معنى غضب الله لأن الغضب ثوران النفس عند إرادة الانتقام أو تغيير يحصل عند ثوران دم القلب بإرادة الانتقام وهو محال في حقه تعالى أجيب بأنه إذا أسند إلى الله تعالى أريد به المنتهى والغاية فمعناه إرادة الانتقام من العصاة وإنزال العقوبة بهم وأن يفعل بهم ما يفعل الملك إذا غضب على من تحت يده، نعوذ بالله من غضبه ونسأله رضاه ورحمته (1).
2 - تفسير الكرسي:
قال عند قوله تعالى من سورة البقرة: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} اختلف في الكرسي فقال الحسن: هو العرش نفسه، وقال أبو هريرة: هو موضع أمام العرش، والأحاديث تدل عليه (2).
3 - صفة الاستهزاء:
قال عند قوله تعالى من سورة البقرة: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} أي يجازيهم على استهزائهم سمى جزاء الاستهزاء باسمه كما سمى جزاء السيئة بسيئة إما لمقابلة اللفظ باللفظ أو لكونه مماثلًا له في القدر ومثل هذا يسمى مشاكلة أو ينزل بهم الحقارة والهوان الذي هو لازم الاستهزاء والغرض منه أو يرجع وبال الإستهزاء عليهم فيكون كالمستهزئ أو يعاملهم معاملة المستهزئ، أما في الدنيا فبإجراء أحكام الإسلام عليهم واستدراجهم بالإمهال والزيادة في النعمة مع التمادي في الطغيان وأما في الآخرة فبأن يفتح لهم -وهم في النار- بابا إلى الجنة فيسرعون نحوه فإذا صاروا إليه سد عليهم الباب وذلك قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} وإنما استؤنف به ولم يعطف، ليدل على أنه تعالى تولى مجازاتهم ولم يحوج المؤمنين أن يعارضوهم وأن استهزاءهم لا يبالى به لحقارتهم (3).
4 - صفة المكر:
قال عند قوله تعالى من سورة الأنفال: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيرُ الْمَاكِرِينَ}.
أي يرد مكرهم عليهم بتدبير أمرك بأن أوحى ما دبروه وأمرك بالخروج إلى المدينة وأخرجهم إلي بدر وقلل المسلمين في أعينهم حتى حملوا عليهم فقتلوا {وَاللَّهُ خَيرُ الْمَاكِرِينَ} أي أعلمهم به فلا يؤبه بمكرهم دون مكره.
قال البيضاوي: وإسناد أمثال هذا إنما يحصل للمجاوزة ولا يجوز إطلاقها ابتداء لما فيه من إبهام الذم. أ. هـ.
واعترض عليه بأنه لا يتعين في مثل ذلك المشاكلة بل يجوز أن يكون ذلك استعارة لأن إطلاق المكر على إخفاء الله ما أوعده لمن استوجبه أن جعل باعتبار أن صورته تشبه صورة المكر فاستعارة أو باعتبار الوقوع في صحبة مكر العبد فمشاكلة وعلى هذا لا يحتاج كما قال الطيبي إلى وقوعه في صحبة مكر العبد قال: ومنه قول علي - رضي الله عنه - من وسع الله تعالى عليه في دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع في عقله (1).
وقال عند قوله تعالى من سورة الأعراف: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ} تقرير لقوله تعالى أفأمن أهل القرى، ومكر الله استعارة لاستدراج العبد بالنعم في الدنيا وأخذه من حيث لا يحتسب (2).
5 - صفة الحياء:
قال عند قوله تعالى من سورة البقرة: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي} الآية والحياء انقباض النفس عن القبيح مخافة الذم، وهو الوسط بين الوقاحة التي هي الجرأة على القبائح وعدم المبالاة بها وبين الخجل الذي هو انحصار النفس عن الفعل مطلقًا فإذا وصف به الباري سبحانه وتعالى كما جاء في الحديث "إن الله يستحي من ذي الشيبة المسلم أن يعذبه" "إن الله حي كريم يستحيي إذا رفع العبد يديه أن يردهما صفرًا حتى يضع فيهما خيرًا. فالمراد به الترك كما قدرته اللازم للانقباض كما أن المراد من رحمته وغضبه والمعروف والمكروه اللازمين لمعنييهما وتحتمل الآية خاصة أن يكون مجيء الحياء فيها للمشاكلة وهو أن يذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته ولو تقديرًا كما هنا وهو قول الكفرة أما يستحيي رب محمّد أن يضرب مثلًا بالذباب والعنكبوت ولما كان التمثيل يصار إليه لكشف المعنى الممثل به ورفع الحجاب عنه وإبرازه في صورة المشاهد المحسوس ليساعد فيه الوهم والعقل ويصالحه عليه فإن المعنى الصرف إنما يدركه العقل مع منازعة من الوهم لأن من طبعه ميل الحس وحب المحاكاة ... الخ (3).
6 - صفة الاستواء:
قال عند قوله تعالى من سورة الأعراف: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} أي استوى أمره وقال أهل السنة: الاستواء على العرش صفة الله بلا كيف له سبحانه وتعالى استواء على العرش علي الوجه الذي عناه منزه عن الاستقرار والتمكن وسأل رجل مالك بن أنس عن قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} فأطرق رأسه مليًا وعلاه الرحضاء ثم قال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أظنك إلا ضالًا ثم أمر به فأخرج وروي عن سفيان الثوري والأوزاعي، والليث بن سعد وغيرهم من علماء السنة في هذه الآيات التي جاءت في الصفات متشابهة أمروها كما جاءت اقرؤوها بلا كيف واجماع السلف منعقد على أن لا يزيدوا على قراءة الآية.
وقال بعضهم: استوى بمعنى استولى ويحتج بقول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق
وقال آخر:
هما استويا بفضلهما جميعًا ... على عرش الملوك بغير زور
وهذا منكر عند أهل اللغة قال ابن الأعرابي: لا يعرف استولى فلان على كذا إلّا إذا كان بعيدًا منه غير متمكن منه ثم تمكن منه والله تعالى لم يزل مستوليًا على الأشياء والبيتان قال ابن فارس اللغوي: لا يعرف قائلهما ولو صحا لا حجة فيهما لما بينا من استيلاء من لم يكن مستوليا. نعوذ بالله من تعطيل الملحدة وتشبيه الجسمة (1).
7 - صفة الكلام:
قال عند قوله تعالى من سورة البقرة: {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي لا يكلمهم بالرحمة وبما يبشرهم إنما يكلمهم بالتوبيخ أو يكون عليهم غضبان كما يقال فلان لا يكلم فلانًا إذا كان عليه غضبان لما ثبت بالنصوص أنه تعالى يسألهم والسؤال كلام فحمل نفي الكلام على الغضب فهو كناية ويجوز إبقاء الكلام على ظاهره وتحتمل نصوص السؤال على أنه يقع بألسنة الملائكة (2).
وقال عند قوله تعالى من سورة الأعراف: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} دلت الآية الكريمة على أنه تعالى كلم موسى - عليه السلام - والناس مختلفون في كلام الله تعالى.
قال الزمخشري في كشافه: وكلمه ربه من غير واسطة كما يكلم الملك، وتكليمه أن يخلق الكلام منطوقًا به في بعض الأجرام كما خلقه مخطوطًا في اللوح وهذا مذهب المعتزلة، ولا شك في بطلانه وفساده لأن ذلك الجرم كالشجرة لا يقول: {أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} فثبت بذلك بطلان ما قالوه وذهب بعض الحنابلة والحشوية إلى أن كلام الله تعالى حروف وأصوات منقطعة وأنه قديم.
قال الإمام الرازي: وهذا القول أخس من أن يلتفت إليه العاقل، والذي عليه أكثر أهل السنة والجماعة أن كلام الله تعالى صفة مغايرة لهذه الحروف والأصوات وأن موسى سمع تلك الصفة الحقيقية الأزلية قالوا: كما أنه لا يبعد رؤية ذاته مع أن ذاته ليست جسمًا ولا عرضًا كذلك لا يبعد سماع كلامه مع أن كلامه لا يكون حرفًا ولا صوتًا، وفيما روي أن موسى - عليه السلام - كان يسمع ذلك من كل جهة تنبيه على أن سماع كلامه تعالى القديم ليس من جنس كلام المحدثين وهل كان سبحانه وتعالى كلم موسى وحده أو مع أقوام آخرين ظاهر الآية يدل على الأول .. الخ (1).
8 - صفة الوجه:
قال عند قوله تعالى من سورة البقرة: {فَأَينَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أي قبلته كما قاله مجاهد، وقال الكلبي: فثم الله يعلم ويرى، والوجه صلة كقوله تعالى: {كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} أي إلا هو (2).
وقال عند قوله تعالى من سورة القصص: {كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} أي ذاته فإن الوجه يعبر به عن الذات، وقال أبو العالية: إلا ما أريد به وجهه، وقيل: إلا ملكه (3).
وقال عند قوله تعالى من سورة الرحمن: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}.
أي ذاته فالوجه عبارة عن وجود ذاته، قال ابن عباس: الوجه عبارة عنه (4).
9 - صفة الإتيان والمجيء:
وقال عند قوله تعالى من سورة البقرة: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ}.
أي إلا أن يأتيهم أمره أو بأسه، كقوله أو يأتي أمر ربك، أي عذابه وقوله تعالى: {فجاءهم بأسنا أو يأتيهم الله ببأسه} فحذف المأتي به للدلالة عليه بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (5).
وقال عند قوله تعالى من سورة الفجر: {وَجَاءَ رَبُّكَ} قال الحسن: أي أمره وقضاؤه.
10 - صفة العندية:
قال عند قوله تعالى من سورة آل عمران: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.
قوله تعالى: {عِنْدَ رَبِّهِمْ} أي ذووا زلفى منه فليس المراد القرب المكاني لاستحالته ولا بمعنى في علمه وحكمه لعدم مناسبة المقام له بل بمعنى القرب شرفًا ورتبة (6).
11 - صفة المحبة:
قال عند قوله تعالى من سورة آل عمران: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}.
قل لهم يا محمّد إن كنتم تحبون الله وتعبدون الأصنام لتقربكم إليه فاتبعوني يحببكم الله فأنا رسوله إليكم وحجته عليكم أي اتبعوا شريعتي وسنتي يحببكم الله فحب المؤمنين لله اتباعهم أمره وإيثار طاعته وابتغاء مرضاته وحب الله للمؤمنين ثناؤه عليهم وثوابه لهم وعفوه عنهم فذلك قوله تعالى: {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (7).
وقال عند قوله تعالى من سورة البقرة: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} أي يثيبهم (8).
12 - صفة الفوقية:
قال عند قوله تعالى من سورة الأنعام: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}.
فهم مقهورون تحت قدرته وكل من قهر شيئًا مستعل عليه بالقهر والغلبة (1).
13 - صفة اليد:
قال عند قوله تعالى من سورة الفتح: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيدِيهِمْ}: يد الله أي المتردي بالكبرياء فوق أيديهم أي في المتابعة يحتمل وجوهًا وذلك أن اليد في الموضعين إما أن تكون بمعنى واحد وإما أن تكون بمعنيين فإن كانت بمعنى واحد ففيه وجهان:
أحدهما: قال الكلبي: نعمة الله عليهم في الهداية فوق ما صنعوا من البدعة كما قال الله تعالى: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ}.
ثانيهما: قال ابن عباس، ومجاهد: يد الله بالوفاء بما وعدهم من النصر والخير أقوى وأعلى من نصرتهم إياه، يقال اليد لفلان أي الغلبة والقوة وإن كانت بمعنيين ففي حق الله تعالى بمعنى الحفظ وفي حق المبايعين بمعنى الجارحة.
قال السدي: كانوا يأخذون بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويبايعونه ويد الله تعالى فوق أيديهم في المبايعة وذلك أن المتبايعين إذا مد أحدهما يده إلى الآخر في البيع وبينهما ثالث يضع يده على أيديهما ويحفظ أيديهما إلى أن يتم العقد ولا يترك أحدهما يد الآخر لكي يلزم العقد ولا يتفاسخان فصار وضع اليد فوق الأيدي سببًا لحفظ البيعة، فقال تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيدِيهِمْ} يحفظهم على البيعة كما يحفظ المتوسط أيدي المتبايعين.
قال البقاعي: فلعنة الله على من حمله على الظاهر من أهل العناد ببدعة الاتحاد وعلى من تبعهم على ذلك من الذين شاقوا الله ورسوله عليه الصلاة والسلام وسائر الأئمة الأعلام ورضوا لأنفسهم بأن يكونوا أتباع فرعون اللعين وناهيك به من ضلال مبين. انتهى.
وقد مر أن التأويل في الآيات المتشابهات مذهب الخلف ومذهب السلف السكوت عن التأويل وإمرار الصفات على ما جاءت وتفسير قراءتها والإيمان بها من غير تشبيه ولا تكييف ولا تعطيل (2).
وقال عند قوله تعالى من سورة المائدة: {وَقَالتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} الآية: أي هو ممسك يقتر بالرزق وغل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود ومنه قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} ولا يقصد من يتكلم به إثات يد ولا غل ولا بسط ولو أعطى الأقطع إلى المنكب عطاء جزيلًا لقالوا ما أبسط يده بالسؤال لأن بسط اليد وقبضها عبارتان وقعتا متعاقبتين للبخل والجود وقد استعملوها حيث لا تصح اليد كقولهم بسط اليأس كفيه في صدري فجعلت لليأس الذي هو معنى من المعاني لا من الأعيان كفان.
قوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} مشيرًا بالتثنية إلى غاية الجود وأن غاية ما يبذله السخي من ماله أن يعطي بيديه جميعًا (3) " أ. هـ.

وفاته: سنة (977 هـ) سبع وسبعين وتسعمائة.
من مصنفاته: "السراج المنير" في تفسير القرآن، و"الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" و "شرح شواهد القطر" وغيرها.







مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید