المنشورات

القزّاز

النحوي: اللغوي: محمّد بن جعفر بن محمّد، أَبو عبد الله، التميمي، القيرواني المعروف بالقزَّاز.
ولد: سنة (342 هـ) اثنتين وأربعين وثلاثمائة.
من مشايخه: الدّارويني، وقاسم بن حبيب، والخُشني الضرير وغيرهم.
من تلامذته: ابن رشيق، والحسين بن محمّد التميمي وغيرهما.
كلام العلماء فيه:
* معجم الأدباء: "كان إمامًا علامة قيمًا بعلوم العربية" أ. هـ.
* إنباه الرواة: "كان مهيبًا عند الملوك والعلماء وخاصة الناس، محبوبًا عند العامة قليل الخوض إلا في علم دين أو دنيا، يملك لسانه ملكًا شديدًا .. وكان له شعر جيد مطبوع مَصْنوع ربما جاء به مفاكهة ومما لحة من غير تحفر له ولا تحفل يبلغ بالرفق والدعة على الرحب والسعة .. " أ. هـ.
* وفيات الأعيان: "كان الغالب عليه علم النحو واللغة والافتنان في التواليف .. وقال  أَبو علي الحسن بن رشيق في كتاب "الأنموذج": إن القزاز المذكور نضج المتقدمين وقطع ألسنة المتأخرين وكان مهيبًا عند الملوك والعلماء انتهى" أ. هـ.
* الوافي: "شيخ اللغة بالمغرب ... كان لغويًّا نحويًّا بارعًا مهيبًا عند الملوك .. " أ. هـ.
* المقفى: "أحد فضلاء المصريين وعلمائهم باللغة .. " أ. هـ.
* الأعلام: "أديب عالم باللغة، من أهل القيروان خدم العزيز بالله الفاطمي (صاحب مصر) وصنف له كتبًا .. " أ. هـ.
* أعيان الشيعة: "ذكره السيوطي في البغية وترجمه في نسمة السحر ... قال في نسمة السحر وهو من الكتب المشهورة ونص على أنه إمامي .. " أ. هـ.
قال المنجي الكعبي في كتابه القزاز القيرواني وتحت عنوان صفاته أخلاقه وعقيدته (35): "لقد كانت في القيروان في هذا العصر مذاهب اعتقادية عديدة أهمها الشيعة والسنة والخوارج، كان كانت الشيعة مذهبًا طارئًا على إفريقية وفرضته السياسة فرضًا منذ منتصف القرن الثالث. أما المذهب السائر قبل ذلك فهو مذهب السنة، ولم يختف حتى بظهور الشيعة وإن كانت الجماهير والعامة انطوت عليه انطواء خشية من الفاطميين الحاكمين. وأمر الخوارج في أفريقية غريب في ظهوره واشتداد شوكته، فهم أيضًا طرأوا على المغرب هاربين بمذهبهم من بطش بني أمية والعباسيين ثم لم يلبثوا أن استقر بهم الأمر هنا وأقاموا دويلات بين البربر واستهوت مبادئهم ناسًا غير قليلين، وبالتالي تأصل مذهبهم في التربة الإفريقية. لكن أمرهم لم يعظم - أو بتعبير أصح - لم يظهره خطره إلا حين اصطدامهم بالفاطميين الشيعة القادمين من المشرق، ويمكن القول بصفة عامة إن الصبغة الاعتقادية الغالبة ولو ظاهرًا على القيروان حيث عاش القزَّاز - كانت مذهب الشيعة. فنحن نريد أن نبحث الآن انتماء القزّاز أو عدم انتمائه إلى أحد هذه المذاهب وأثر ذلك في تفكيره أو إنتاجه ومواقفه الاجتماعية.
الواقع أننا نفتقد هذه النقطة من المصادر التاريخية المعروفة لدينا اليوم. ومن الاعتساف الأخذ بالظن في هذه المسألة والحكم من مجرد ما عرف عنه من خدمته للعزير أو المعز بأنه كان شيعيًا إسماعيليًا مثلهما أو أنَّه كان يحطب في حبلهما دون التزام بمذهب ما أو مع إخفاء سنيته. والأمران جائزان هنا، غير أننا عندما لا نغفل ملامح شخصيته ومقوماتها التي تحدثنا عنها يصعب علينا أن نذهب إلى شيعيته أو ملقه للشيعة بدون أن يتعذر ذلك علينا من بعض الوجوه كتلك الأوصاف البارزة التي كان يمتاز بها وهي هيبة السلطان منه واحترام العامة له. إننا نلاحظ قبل كل شيء أن هذه الهيبة وهذا الاحترام لا يحظى بهما الإنسان المتملق المنافق، وإنما هما من حظوة الشخص ذي المبدأ الواضح في تصرفاته ومواقفه. بقي أن ننظر ما إذا كان القزّاز في صف الشيعة أو أهل السنة. ولنذكر هنا أنه حتى لما كان المذهب الشيعي سائدًا على القيروان فإنه لم يستطع أن يبدل أهلها عقيدتهم السنية لأنها كانت عقيدة تأصلت فيهم منذ الفتح الإسلامي وتواطأت نفوسهم عليها، وكانوا يكرهون تلك البلبلة التي أحدثتها المذاهب في العراق والشام ويخشون منها، ولذلك كانوا يتشبثون بمذهبهم الأول، بل لا يعتبرونه مذهبًا، وإنما هو الإسلام خالصًا من غير شوائب وبدع. ولا بد أن نذكر أيضًا أن الفاطميين كانوا يبسطون مذهبهم بسطًا بالسيف - في إفريقية خاصة - ولم تكن طرق الدعاية عندهم قائمة على الإقناع المجرد وإنما هي في باطنها دعاية إرهابية. وقد شهد بطشهم في أول دخولهم إلى إفريقية وما أثاروه من فتن وقلاقل وتأليب للقبائل على بعضها، فاقترن أمرهم في نفوس الناس بالظلم والقوة والغشومة، وأنه قام على الجور وأن الجور لن يعمّر، وكان عزاؤهم أن يلوذوا بالصبر وأن يتحلوا بمزيد من الإيمان والتشبث بمعتقدهم السني في مقابل أن يظهروا الطاعة للفاطميين ويقضى الله أمرًا كان مفعولًا، وهذا ما يقتضيه منهم إيمانهم. غير أن غضبهم المكتوم سيولد في نفوسهم نقمة عظيمة عليهم ويعجل بالمناسبة التي تخلصهم منهم، وهذا ما كان.
فإنه ما كاد ينتقل ثقل الدولة الفاطمية إلى مصر حتى انتفضت القيروان على الشيعة سنة (407 هـ) تلك الانتفاضة الحاسمة التي غيَّرت مجرى الحوادث.
وكانت تلك الوقعة المشهورة بوقعة المشارقة وفيها صب السُّنيون في القيروان جام غضبهم ونقمتهم على الفاطميين وأتوا على أتباعهم كالسيل العرم.
في هذه الوقعة صنع الشعراء قصائد ملحمية رائعة سجَّلوا فيها انتصارهم الساحق على الشيعة وفرحتهم بإشراق شمس السنة من جديد على ربوعهم، وفي هذه الوقعة ستتجلى لنا حقيقة مذهب أبي عبد الله وما كان عليه.
يحدثنا ابن رشيق أن شيخه قُدمت له جميع القصائد التي صنعها الناس كلهم وجعل يوازن بينها ويأخذ ويترك من أبياتها إلا قصيدة واحدة اختيرت بأجمعها، فكأنَّما كان يختار هذه القصائد لتلقى في حفل أو اجتماع عام، وكأنه نُصّب حكمًا لذلك. وظهور القزاز في هذه المناسبة في مثل المكانة لا يدل على مجرد براعته النقدية وذوقه الفني وإنما لا بد أن يكون وراء ذلك عنصر أساسي فعَّال في الميزان النقدي عنده، نعني به التعاطف مع السنةء وما ينبغي أن يتصدر لهذا الأمر إلا شخص معروف بصدقه في الإيمان بالسنة أيام محنتها وكربها، أو على الأقل فإن المتملقين ومن كان لهم هوى نحو الشيعة لا يجدون الجرأة للظهور في هذه المناسبة بمثل المظهر الذي رأينا فيه القزاز. فهو على هذا كان سنيًا، ولعل محبة العامة له جاءته من هذا الجانب، ولعل أيضًا مهابة الأمراء الفاطميين له جاءت هي الأخرى من هذا الجانب، وليس هذا غريبًا. ذلك لأنه كان يملك لسانه ملكًا شديدًا عن التعرض لما ليس من الدين والعلم، وكان لا يخوض في شيء مما يجلب عليه نقمة السلطة واستنكار العامة. فهو ليس مُصْلِحًا دينيًّا يعبئ طاقات أتباعه بمبادئه ليثيرهم ضد الشيعة، وهو ليس داعيًا من دعاة الفاطميين ليحمل الناس حملًا على مذهبهم وبذلك يوغر صدورهم عليه، وإنما كان لغويًّا نحويًّا أديبًا. فهو قد ارتضى لنفسه طريقًا قلَّما تعصف بمن فيه التيارات المتضاربة في المجتمع.
ومن الطريف أن نقرأ تلك القصيدة التي اختارها كلها القزاز لعلها تعكس لنا مشاعره إلى حد ما أو تجاوبه مع أحاسيس وتصور لنا مع ذلك نموذجًا من التعبير الفني الذي يميل إليه القزاز. وهي قصيدة لابن الزنجي الكاتب القيرواني:
سقى الغيظ في طي الضمير المكتم ... دماء كلاب حُلَلّت في المحرمِ
فلا أرقأ الله الدموع التي جرت ... أسىً وجوىً فيما أريق من الدم
هي المنّة العظمى التي جل قدْرُها ... وسارت بها الركاب في كل موسم
فيا سمرًا أمسى علالة مُنْجد ... ويا خبرًا أضحى فكاهة مُتهِمٍ
ويا نِعْمَةً بالقيروان تباشرت ... بها عصب حَوْل الحطيم وزمزمِ
وأهدت إلى قَبرِ النبي وصحبه ... سلامًا كعرف المسك من كل مسلمٍ
غزونا أعادي الدين لا الرمح ينثنى ... نيرًا ولا حد الحسام المصممِ
بكل فتىً شَهْمٍ الفؤاد كأنما ... تسربل يوم الروع جلْدَة شيهم
ذا أم لم يشدد عُرَاه تخَوفٌ ... وإِنَّ هَمْ لم يُحلل حُبي مُتَقَدمٍ
من القيروانيين في المنصب الذي ... نَمَى وإلى خير البرية ينتمي
وكنا نظن الكفر في جاهليةٍ ... فتعسًا لكفر جاهليٍّ مخضرمٍ
سببتم عتيقًا والإمامين بعده ... فلم تُعتقوا يوم الحريق المضرمِ
وسؤتم نبي الله في خير أهله ... وأفضل بكْرٍ في النساء وأيِّمٍ
وكم عاثر منكم إذا صافح الثرى ... من الذعر قلنا لليدين وللفم
فلا نفق في الأرض أخفى مكانكم ... ولا شاهق يُرقى إليه بُسلمٍ
لقد رفضتكم كل أرض وبُقعة ... وقد صَرَخَتْ منكم بقاع جهنمِ
لعمري إن هذه القصيدة الرائعة جميلة فهي قوية البناء جديدة السبك سلسة الألفاظ قوية الإيحاء لطيفة التشبيه، وهي من ناحية أخرى صادقة التعبير عن المشاعر السنية تجاه الشيعة الحاكمة بالعسف والطغيان. وقد عبَّر البيت الثاني:
فلا أرق الله الدموع التي جرت ... أسى وجوى فيما أريق من الدم
عن الثأر الدفين الذي حمله القيروانيون للعبيديين. ولا شك أنها نستوقفنا تلك الأبيات التي تمجد الخلفاء الراشدين وتؤكد صلة ما بين القيروانيين وآل النبي من قربى وانتماء، وأنهم إنما ثاروا على الشيعة أوعياء في نسبهم" أ. هـ.
من أقواله: المقفى: من شعره:
أضمروا لي ودًّا ولا تظهروه ... يُهْدِه منكمُ إليَّ الضميرُ
ما أبالي إذا بلغت رضاكُم ... في هواكم لأيّ خالٍ أصيرُ
وفاته: سنة (412 هـ) اثنتين وأربعمائة.
من مصنفاته: "الجامع" في اللغة، أكبر معجم لغوي، و"الحروف" في النحو، في عدة مجلدات و"العثرات" في اللغة وغيرها.





مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید