المنشورات

الكَرَجِيّ

المفسر: محمّد بن عبد الملك بن محمّد بن عمر، أبو الحسن الكرجي وقيل الكرخي.
ولد: سنة (458 هـ) ثمان وخمسين وأربعمائة.
من مشايخه: مكي بن علان الكرجي، وأبو القاسم عليّ بن أحمد بن بيان الرزاز وغيرهما.
من تلامذته: ابن السمعاني، وأبو موسى المديني وجماعة.
كلام العلماء فيه:
* الأنساب: "كان إمامًا، متقنًا، مكثرًا من الحديث .. " أ. هـ.
* المنتظم: "كان محدثًا فقيهًا شاعرًا أديبًا على مذهب الشافعي إلا أنه كان لا يقنت في الفجر، وكان يقول إمامنا الشافعي، قال: إذا صح عندكم الحديث فاتركوا قولي وخذوا بالحديث، وقد صح عندي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك القنوت في صلاة الصبح ... وكان حسن المعاشرة ظاهر الكياسة" أ. هـ.
* طبقات الشافعية لابن صلاح: "من فضلاء وقته المفتين .. ذكره شيرويه فقال: كان ثقة فاضلًا".
ثم قال: "وكان حسن المجالسة، مليح المعاشرة" أ. هـ.
* طبقات الشافعية للسبكي: "قال ابن السمعاني فيه: أبو الحسن من أهل الكِرج، رأيته بها، إمام ورع، عالم، عاقل، فقيه، مفتٍ، محدث، شاعر، أديب [له] مجموع حسن.
أفنى طول عمره في جمع العلم ونشره.
وكان شافعي المذهب إلا أنه كان لا يقنت في صلاة الصبح ثم قال السمعاني: وله قصيدة بائية في السنة، شرح فيها اعتقاده واعتقاد السلف، تزيد على مائتي بيت، قرأتها عليه في داره بالكرخ.
قلت -السبكي-: ثبت لنا بهذا الكلام، إن ثبت أن ابن السمعاني قاله، أن لهذا الرجل قصيدة في الإعتقاد على مذهب السلف، موافقة للسنة، وابن السمعاني كان أشعري العقيدة (1)، فلا نعترف بأن القصيدة على السنة، واعتقاد السلف إلا إذا وافقت ما نعتقد أنه كذلك وهو رأى الأشعري.
إذا عرفت هذا فاعلم أنا وقفنا على قصيدة تعزى إلى هذا الشيخ، وتلقب بـ"عروس القصائد في شموس العقائد" نال فيها من أهل السنة، وباح بالتجسيم، فلا حيا الله معتقدها ولا حيى قائلها كائنا من كان، وتكلم فيها في الأشعري أقبح كلام، وافترى عليه أي افتراء.
ثم رأيت شيخنا الذهبي حكى كلام ابن السمعاني الذي حكيته، ثم قال: قلت أولها:
محاسن جسمي بدلت بالمعايب ... وشيب فودي شوب وصل الحبائب
ومنها:
عقائدهم أن الإله بذاته ... على عرشه مع علمه بالغوائب
ومنها:
ففي كرجٍ والله من خوف أهلها ... يذوب بها البدعي يا شر ذائب
يموت ولا يقوى لإظهار بدعةٍ ... مخافة حز الرأس من كل جانب
انتهى ما حكاه الذهبي.
وكان يتمنى فيما أعرفه منه أن يحكي الأبيات الأخر، ذات الطامات الكبر، التي سأذكرها لك، ولكن يخشى صولة الشافعية، وسيف السنة المحمدية.
وأقول أولًا: إني ارتبت في أمر هذه القصيدة، وصحة نسبتها إلى هذا الرجل، وغلب على ظني أنها إما مكذوبة عليه، كلها، أو بعضها، والذي يرجح أنها مكذوبة عليه كلها أن ابن الصلاح ترجم هذا الرجل، وحكى كلام ابن السمعاني، إلا فيما يتعلق بهذه القصيدة، فلم يذكره، فيجوز أن يكون ذلك قد دس في كتاب ابن السمعاني، ليصحح به نسبة القصيدة إلى الكرجي، وقد جرى كثير مثل ذلك، ويؤيد هذا أيضًا أن ابن السمعاني ساق كثيرًا من شعره، ولم يذكر من هذه القصيدة بيتًا واحدًا، ولو كان قد قرأها عليه، لكان يوشك أن يذكر ولو بعضها.
ويحتمل أن يكون له بعضها، ولكن زيدت الأبيات المقتضية للتجسيم وللكلام في الأشاعرة، ويؤيد ذلك أن القصيدة المشار إليها تزيد على المائتين وأربعين، وابن السمعاني، قال: تزيد على المائتين، وظاهر هذه العبارة أنها تزيد بدون عقد، وأنها لو كانت مائتين وأزيد من أربعين، لقال على المائتين وأربعين، ويؤيده أيضًا أن أبياتها غير متناسبة، فإن بعضها شعر مقبول، وأظنه شعره، وبعضها وهو المشتمل على القبائح، في غاية الرداءة، لا يرضي به من يحسن الشعر.
وها أنا أحكي لك بعضها.
فأولها [يقول]:
محاسن جسمي شانها بالمعايب ... وشيب فودي شوب وصل الحبائب
وأقبل شيبي والشبيبة أدبرت ... وقرب من أحزاننا كل غارب
ومنها أيضًا:
وليس يرد العمر ما قلت آهة ... ولا الحزن يدني قاصيات الشبائب
وهذا كله شعر مقبول، لا يصل إلى درجة الحسن، ولا ينزل إلى درجة الرد، كما يعرف ذلك من يذوق الأدب.
ومنها [أيضًا]:
عقائدهم أن الإله بذاته ... على عرشه مع علمه بالغوائب
وهذا من أسهل ما فيها، ولس فيها ما ينكر معناه إلا قوله "بذاته"، وهي عبارة سبقه إليها ابن أبي زيد المالكي، في "الرسالة" إلا أنه بيت سمج مردود، فإن قوله "على عرشه مع علمه بالغوائب" كلام لا ارتباط لبعضه ببعض، فإنه لا ارتباط لعلم الغيب بمسألة الاستواء.
وقوله "بالغوائب" إن أراد جمع غيب، فهو لحن، فإن الغيب لا يثنى ولا يجمع لأنه اسم جنس، ولئن جمع فجمعه غيوب، وإن أراد جمع غائبة، لحن عليه.
ثم ساق أبياتًا في اليدين، والكيف، والصوت، والضحك، ووضع القدم، والأصابع، والصورة، والغيرة، والحياء، وأنحاء ذلك.
وليس فيه كبير أمر، إلا أن جمعها دليل منه على محاولة التجسيم، فإنها لم ترد في الشريعة مجموعة بل مفرقة، وفي كل مكان قرينة ترشد إلى المراد، فإذا جمعها جامع أضل ضلالًا مبينًا.
ثم ذكر التجسيم، والتجهم، والاعتزال، والرفض، والارجاء، وجمع الكل في بيتين، فقال:
طرائق تجسيم وطرق تجهم ... وسبل اعتزالٍ مثل نسجِ العناكبِ
وفي قدر والرفضِ طرقٌ عميةٌ ... وما قيل في الإرجاء من نعبِ ناعبِ
ثم قال:
وخبث مقال الأشعري تخنثٌ ... يضاهي تلويه تلوى الشغازب (1)

يُزيِّن هذا الأشعري مقاله ... ويقشبه بالسم يا شر قاشبِ
فينفي تفاصيلًا ويثبت جملةً ... كناقضةٍ من بعد شد الذوائبِ
يؤول آيات الصفات برأيه ... فجرأته في الدين جرأة خاربِ
ويجزم بالتأويل من سنن الهدى ... ويجلِبُ أغمارًا فاشئمْ بخالبِ
وهذا كلام من لا يستحي من الله، والغرض على كلامه لائح، فإن أهل البدع، الذين هم أهل البدع حقًّا بلا خلاف بين المحدثين والفقهاء، هم المجسمة، والمعتزلة، والقدرية، [و] هم المجسمة والجهمية، والرافضة، والمرجئة، لم يشتغل بهم إلا في بيتين، وأطال في الأشاعرة، ولا يخفى أن الأشاعرة إنما هم [نفس] أهل السنة أو هم أقرب النّاس إلى أهل السنة.
ثم إن قوله "مقال الأشعري، تخنث" من ردئ الكلام، ومن أعظم الافتراء. ويعجبني من كلام الشيخ كمال الدين بن الزملكاني، في رده على ابن تيمية، قوله: إن كانت الأشاعرة الذين فيهم القاضي أبو بكر الباقلاني، والأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، وإمام الحرمين، والغزالي، وهلم جرا، إلى الإمام فخر الدين، مخانيث، فليس بعد الأنبياء والصحابة فحل.
وأقول: إن كان هؤلاء أغمارًا، والأشعري يخلبهم، فليس بعد الأنبياء والصحابة فطن، فيالله والمسلمين!
ثم قال، يعني الأشعري.
ولم يك ذا علمٍ ودينٍ وإنما ... بضاعته كانت مخوق مداعب
وفي هذا البيت من الكذب ما لا يخفى على لبيب، فإن أحدًا من الطوائف لم ينكر علم الأشعري، بل اتفقوا على أنه كان أوحد عصره، لا يختلف في ذلك لا من ينسبه إلى السنة، ولا من ينسبه إلى البدعة ..
وأما دينه فاتفقوا على زهده وورعه.
ثم قال:
وكان كلاميًا بالأُحْساء موته ... بأسوأ موتٍ ماته ذو السوائبِ
وهذا أيضًا كذب، لم يبلغنا أنه مات إلا كما مات غيره من الصالحين، ولم يمت بالأحساء.
ثم قال:
كذا كل رأسٍ للضلالة قد مضى ... بقتلٍ وصلبٍ باللحى والشواربِ
كجعدٍ وجهمٍ والمريسى بعده ... وذا الأشعري المبتلى شرُّ دائبِ
فقبحه الله، ما أجراه على الله، أي بليةٍ ابتلى بها الأشعري، وقد مات على فراشه حتف أنفه، ومات يوم مات والمسلمون باكون، وأهل السنة ينوحون، وأي صلبٍ أو قتلٍ كان، وكيف يجمع بينه وبين جعدٍ وجهمٍ والمريسى، وهؤلاء ثلاثة لا يختلف في بدعتهم، وسوء طريقتهم؟ وما أبرد هذا الشعر، وأسمجه!
ثم قال هذا البيت:
معايبهم توفِي على مدح غيرهم ... وذا المبتلى المفتون عيب المعايبِ
فقبحه الله، جعل شيخ السنة شرًّا من هؤلاء المبتدعين.
فهذا ما أردت حكايته منها، ولو أمكن إعدامها من الوجود كان أولى، والأغلب على الظن أنها ملفقة موضوعة، وضع ما فيها من الخرافات من لا يستحي.
ثم أقول: قبح الله قائلها [كائنا]، من كان، وإن يكن هو هذا الكرجي، فنحن نبرأ إلى الله منه، إلا أنى على قطعٍ بأن ابن السمعاني لا يقرأ هذه الأبيات، ولا يستحل روايتها، وقد بينت لك من القرائن الدالة على أنها موضوعة ما فيه كفاية" أ. هـ.
* قلت: لاحظنا من خلال هذا الكلام أن السبكي دافع كثيرًا وبقوة عن الأشعري ومعتقده، وهو المعروف عن آل السبكي بأشعريتهم والذب عنهم، نسأل الله تعالى التوفيق والسداد في الدين.
* البداية: "سمع الكثير في بلاد شتى، وكان فقيهًا مفتيًا" أ. هـ.
وفاته: سنة (532 هـ) اثنتين وثلاثين وخمسمائة.
من مصنفاته: صنف في المذهب والتفسير، وله كتاب "الذرائع في علم الشرائع"، وله "الفصول في إعتقاد الأئمة الفحول" يذكر فيه مذاهب السلف في باب الإعتقاد ويحكي فيه أشياء غريبة حسنة.






مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید