المنشورات

أبو السُّعُود

المفسر محمّد بن محمّد بن مصطفى، أبو السعود العمادي الحنفي.
ولد: سنة (898 هـ) ثمان وتسعين وثمانمائة.
من مشايخه: المولى قادري جلبي، وأبوه وغيرهما.
من تلامذته: المولى محمّد المعروف بالسعودي قاضي حلب وأحد وغيره.
كلام العلماء فيه:
* تراجم الأعيان: "هو المولى العلامة الكامل الفهامة شيخ الإسلام على الإطلاق ومفتي الدهر بالإتفاق الذي اشتهر صيته في الآفاق، وبرع على علماء عصره وفاق.
كان والده شيخًا صوفيًا، وعالمًا تقيًا.
كان محافظًا على الورع والديانة، مثابرًا على التقوى والأمانة" أ. هـ.
* الشذرات: كان طويل القامة، خفيف العارضين غير متكلف في الطعام واللباس غير أنه فيه نوع اكتراث بمداراة النّاس والميل الزائد لأرباب الرئاسة فكان ذا مهابةٍ عظيمةٍ واسع التقرير سائغ التحرير يلفظ الدُّرر من كلمه، وينثر الجوهر من حكمه بحرًا زاخرًا وطودًا باذخًا.
وينسب إليه البيتان اللذان أجيب بهما بيتًا العجم وهما:
نحن أناس قد غدا دأبنا ... حب عليّ بن أبي طالب
يعيبنا النّاس على حبه ... فلعنةُ اللهِ على العائب
فأجاب أبو السعود:
ما عيبكم هذا ولكنه ... بغضُ الذي لقب بالصاحب
وقولكم فيه وفي بنته ... فلعنة الله على الكاذب
* الكواكب: "كان عالمًا عاملًا وامامًا كاملًا حسن الجاورة وافر الإنصاف دينًا خيّرًا" أ. هـ.
* الأعلام: "مفسر، شاعر من علماء الترك المستعربين" أ. هـ.
* قلت: هذه بعض المواضع المأخوذة من تفسيره والتي توضح عقيدته في الأسماء والصفات.
فقال في صفحة (2/ 87): {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} وحيث لم ينكر عليه الآخرون ورضوا به نسبت تلك العظيمة إلى الكل كما يقال بنو فلان قتلوا فلانًا، وإنما القاتل واحد منهم وأرادوا بذلك لعنهم الله أنه قال ممسك يقتر بالرزق فإن كلا من غل اليد وبسطها مجاز عن محض البخل والجود من غير قصد في ذلك إلى إثبات يد وغل أو بسط ألا يرى أنهم يستعملونه حيث لا يتصور فيه ذلك كما في قوله:
جاد الحمى بسط اليدين بوابل ... شكرت نداه تلاعه ووهاده
وقد سلك لبيد هذا المسلك السديد حيث قال:
وغداة ريح قد شهدت وقرة ... إذا أصبحت بيد الشمال زمامها
فإنه إنما أراد بذلك إثبات القدرة التامة للشمال على التصرف في القرة كيفما تشاء على طريقة المجاز من غير أن يخطر بباله أن يثبت لها يدًا ولا للقرة زمامًا، وأصله كناية فيمن يجوز عليه إرادة المعنى الحقيقي كما مر في قوله تعالى {وَلَا يَنْظُرُ إِلَيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} في صورة آل عمران، وقيل أرادوا ما حكى عنهم بقوله تعالى {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ}.
وفي (2/ 349) قال: " {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} أي استوى أمره واستولى وعن أصحابنا (1) أن الإستواء على العرش صفة الله تعالى بلا كيف والمعنى أنه تعالى استوى على العرش على الوجه الذي عناه منزهًا عن الإستقرار والتمكن والعرش الجسم الحيط بسائر الأجسام سمى به لإرتفاعه أو للتشبيه بسرير الملك فإن الأمور والتدابير تنزل منه وقيل الملك" وقال في (3/ 614): "وقوله تعالى {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وجعل الرحمة عنوان الموضوع الذي شأنه أن يكون معلوم الثبوت للموضوع عند المخاطب للإيذان بأن ذلك أمر بين لا سترة به غني عن الإخبار به صريحًا وعلى متعلقة باستوى قدمت عليه لمراعاة الفواصل والجار والمجرور على الأول خبر مبتدأ محذوف كما في قراءة الجر وقد جوز أن يكون خبرًا بعد خبر والإستواء على العرش مجاز عن الملك والسلطان متفرع على الكناية فيمن يجوز عليه القعود على السرير يقال استوى فلان على سرير الملك يراد به ملك وإن لم يقعد على سرير أصلًا والمراد بيان تعلق إرادته الشريفة بإيجاد الكائنات وتدبير أمرها".
وفي (4/ 590) قال: " {قَال يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} أي خلقته بالذات من غير توسط أب وأم والتثنية لإبراز كمال الإعتناء بخلقه عليه الصلاة والسلام المستدعى لإجلاله وإعظامه قصدًا إلى تأكيد الإنكار وتشديد التوبيخ" أ. هـ.
* قلت: قال صاحب كتاب جهود علماء الحنفية: "من عظماء الحنفية في الدولة العثمانية صاحب مناصب ووجاهة عند الدولة، منطقي فلسفي ماتريدي تفسيره نسخة ثانية كمدارك النسفي لكشاف الزمخشري في غير الإعتزال" أ. هـ.
ومن كتاب "المفسرون بين التأويل والإثبات" نذكر ما نصه: "وأما عقيدته في الصفات: فهو على طريقة المؤولة حاد عنها، تبع الرازي في تصرفه مع الصفات بل ينقل ترجيحات الرازي ويقرها، ولا أظن أنه شم رائحة مذهب السلف، وهذه عادة كثير من "الأتراك الحنفيين، فإنهم يجمدون على المذهب، وعلى العقيدة الأشعرية أو الماتريدية، ولم يتيسر للأتراك من يعلمهم المذهب السلفي".
قلت: الغالب على الحنفية هو اعتقادهم العقيدة الماتريدية كما صرح هو -أي العمادي- بذلك في تفسيره بقوله: "وعن أصحابنا" ويقصد بهم الحنفية.
وإليك بعض تأويلاته من كتاب المفسرون بين التأويل والإثبات: "صفة الرحمة.
قال عند قوله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} والرحمة في اللغة رقة القلب والإنعطاف، ومنه الرحم لإنعطافها على ما فيها، والمراد هنا التفضل والإحسان، أو إرادتهما بطريق إطلاق اسم السبب بالنسبة إلينا على مسببه البعيد أو القريب، فإن أسماء الله تعالى تؤخذ بإعتبار الغايات التي هي أفعال، دون المبادئ التي هي انفعالات (1).
صفة الغضب:
قال عند قوله تعالى: {غَيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} والغضب هيجان النفس لإرادة الانتقام، وعند إسناده إلى الله سبحانه يراد به غايته بطريق إطلاق إسم السبب بالنسبة إلينا على مسببه القريب، إن أريد به إرادة الإنتقام على مسببه البعيد إن أريد به نفس الإنتقام، ويجوز حمل الكلام على التمثيل، بأن يشبه الهيئة المنتزعة من سخطه تعالى للعصاة، وإرادة الإنتقام منهم لمعاصيهم، بما ينتزع من حال الملك إذا غضب على الذين عصوه وأراد أن ينتقم منهم ويعاقبهم، وعليهم مرتفع بالمغضوب قائم مقام فاعله. والعدول عن إسناد الغضب إليه تعالى كالأنعام، جرى على منهاج الأداب التنزيلية في نسبة النعم والخيرات إليه عزَّ وجلَّ (1).
صفة الإستواء قالا:
سلك أبو السعود في تفسيره عند قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} مسلك المتأولة الفارين من مذهب السلف إلى ما لبسه عليهم إبليس، من دعوى التنزيه خوفًا من التشبيه، لأنهم رسخ في ذهنهم التشبيه، فانقبوا إلى التعطيل، فقال عند قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} مجاز عن الملك والسلطان، متفرع على الكناية فيمن يجوز عليه القعود على السرير، يقال: استوى فلان على سرير الملك يراد به ملك وإن لم يقعد على السرير أصلًا. والمراد بيان تعلق إرادته الشريفة بإيجاد الكائنات وتدبير أمرها (2).
قلت: القول بالمجاز في القرآن من أسس منهج الماتريدية وهذا يرجح أن العمادي ماتريدي وليس أشعري كما أسلفنا" أ. هـ.
وفي صفة الإتيان والمجيء قال: قال عند قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ}.
أي أمره وبأسه، أو يأتيهم الله بأمره وبأسه، فحذف المأتي به لدلالة الحال عليه.
وقال عند قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ}.
استئناف مسوق لبيان أنه لا يتأتى منهم الإيمان بإنزال ما ذكر من البينات والهدى، أي أنهم لا يرعوون عن التمادي في المكابرة، واقتراح ما تنافي الحكمة التشريعية من الآيات الملجئة، وأن الإيمان عند إتيانها مما لا فائدة له أصلًا مبالغة في التبليغ والإنذار، وإزاحة العلل والأعذار، أي ما ينتظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك حسب ما اقترحوا بقولهم: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَينَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا} وبقولهم: {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} وبقولهم: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيهِ مَلَكٌ} ونحو ذلك، أو إلا أن تأتيهم ملائكة العذاب أو يأتي أمر ربك بالعذاب (3).
وقال عند قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} أي ظهرت آيات قدرته وآثاره قهره، مثل ذلك بما يظهر عند حضور السلطان من أحكام هيبته وسياسته، وقيل: جاء أمره تعالى وقضاؤه على حذف المضاف للتهويل (4).

التعليق:
أما أبو السعود فعباراته في تفسير الآيات واضحة في التأويل والتعطيل، غفر الله لنا وله" أ. هـ.
قلت: ثم يستمر المغراوي يعرض بقية الصفات وكيف إنه يؤولها ويصفها بأنها مجاز كما في تفسيره للكرسي وتفسيره لصفة اليد واليمين حيث يقول: "قال عند قوله تعالى: {وَقَالتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيفَ يَشَاءُ} الآية.
غل اليد وبسطها، مجاز عن عض البخل والجود، من غير قصد في ذلك إلى إثبات يد وغل أو بسط، ألا يرى أنهم يستعملونه حيث لا يتصور فيه ذلك كما في قوله:
جاد الحمى بسط اليدين بوابل ... شكرت يده تلاعه ووهاد
وقد سلك لبيد هذا المسلك السديد حيث قال:
وغداة ريح قد شهدت وقرة ... إذا أصبحت بيد الشمال زمامها
فإنه إنما أراد بذلك إثبات القدرة التامة للشمال على التصرف في القرة كيفما تشاء على طريقة المجاز، من غير أن يخطر بباله أن يثبت لها يدًا ولا للقرة زمامًا، وأصله كناية في من يجوز عليه إرادة المعنى الحقيقي" أ. هـ.
وفاته: سنة (982 هـ) اثنتين وثمانين وتسعمائة.
من مصنفاته: ألف مؤلفات حافلة منها التفسير المشهور المسمى بالإرشاد وسماه صاحب الشذرات "إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم" جمع فيه ما في تفسير البيضاوي وزاد فيه زيادات حسنة من تفسير القرطبي والثعلبي والواحدي والبغوي وغيرها.







مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید