المنشورات

الخَادِمِي

المفسر: محمّد بن محمّد بن مصطفى بن عُثْمَان الخادمي النقشبندي الحنفي، أبو سعيد.
ولد: سنة (1113 هـ) ثلاث عشرة ومائة وألف.
كلام العلماء فيه:
* الأعلام: "فقيه أصولي، من علماء الحنفية، أصله من بخارى" أ. هـ.
* معجم المؤلفين: "فقيه، أصولي، صوفي، منطقي، محدث، مفسر" أ. هـ.
* قلت: هذه بعض المواضع المنقولة من كتابه "البريقة المحمودية في شرح الطريقة المحمدية للبركلي" والتي توضح أنه ماتريدي العقيدة، صوفي، نقشبندي الطريقة ... ففي (1/ 5) قال: " {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قد قضينا الوطر فيحق البسملة الشريفة في رسالة مخصوصة من جهات الفنون إلى أن تبلغ إلى ثماني عشر فنًا فلنكتف بما لم يذكر فيها، وهو أن المختار عند بعضهم كالبيضاوي ترجيح جانب الاستعانة في الباء مع الاتفاق في جوازها لكن لا يخفى أن حاصل الاستعانة طلب المعاونة على إيقاع الفعل وإحداثه؛ وذلك بإفاضة القدرة ممكنة أو ميسرة عليه على ما في علم الأصول والمراد من الفعل إما التصنيف أو القراءة أو العبادة أو نحوها، فإن أريد بتلك القدرة القوة التي يصح صرفها للفعل وعدمه فهي حاصلة قبل الطلب؛ فيلزم تحصيل الحاصل وإن أريد القدرة المعبرة عنها بالصرف أي صرف العبد قدرته إلى الفعل فهو أمر عدمي لا يتعلق به الخلق والإيجاد على أن تعلق قدرة الله بفعل العبد مشروط بذلك الصرف على حسب عادته ومقتضى حكمته، فلو لم يوجد الصرف من العبد لا يوجد الخلق من الله تعالى على عادته، وإن أريد تعلق قدرته عند ذلك الصرف من العبد فهو ضروري أيضًا على عادته تعالى فلا فائدة في طلبه.
وبالجملة طلب المعاونة هو طلب القدرة فالقدرة المطلوبة إن كانت ما هي صفة للعبد صالحة صرفها للضدين على سبيل البدل أو سلامة الآلات التي يعتمد عليها صحة التكليف، فهي حاصلة قبل الطلب فلا فائدة في الطلب وإن كان عين ذلك الصرف ولو مجازًا، فقد قرر أنه أمر عدمي في الخارج وصدوره من قدر العبد فقط، ولو فرض صدوره من الله يلزم الجبر فلا معنى لطلب المعاونة من الله على فعل ما ونحوه.

طلب الهداية والتوفيق والعصمة ونحوها ومنذ زمان كثير يختلج ذلك في صدر هذا الفقير عصمة الله ولا يجد ملجأ غير التفويض إلى علمه تعالى والتبعية بالنصوص والسلف، ثم اطلعت في بحث الأفعال الاختيارية للعبد من البيضاوي ولصعوبة هذا المقام أنكر السلف مناظرته لتأديه إلى إنكار التكليف أو الشرك بالله ثم قال الأصفهاني بعد ما قال الأولى: هو طريق السلف من ترك المناظرة وتفويض العلم إلى الله تعالى، هذا ثم سبق إلى الخاطر أنه يجوز طلب المعاونة بالقاء نحو الشوق والمحبة وأخطار الأمر الملايم بالقلب على وجه يرجح العبد جانب الفعل مثلًا يعني يحصل الصرف بلا رتبة إيجاب واضطرار ونحوها لا يبعد صدوره عن الله تعالى؛ لأن الظاهر أنها من مقولة الكيف الذي هو موجود يتعين به الخلق على أنه لا شك في كونها موجودة في نفس الأمر، ولا يبعد صدور نحو هذا الموجود من الله تعالى كالموجودات الخارجية، وغايته لزوم عدم المخلوقية في بعض ما صدر عنه تعالى لعله لا بأس فيه، بل قد يفهم عن كلام بعض المحققين فلعلك بهذا القدر تفهم تحقيق المقام على وجه يرتفع حجب نحو الهداية والتوفيق، بل استصعاب البيضاوي واعتراف الأصفهاني حتى التفتازاني في شرح العقائد، وبالتأمل الصادق بحقائق المقام، ينكشف ظلمات الأوهام بعناية المفضل المنعام".
وقال في (1/ 48): " (الطريقة) الظاهر طريقة المتابعة المذكورة (المحمدية) المنسوبة إلى محمّد - صلى الله عليه وسلم - من حيث الوصول إلى اعتقاده وأقواله مثلًا (فإن قلت الظاهر من هذا الإطلاق عدم اختصاص بأمر ومن تعلق لفظ الفاء اختصاصه بالاقتصاد أي ما بين الإفراط والتفريط (قلنا يجوز أن يكون المراد الطريقة المحمدية المتعلقة بالاقتصاد لكن يرد أن الاقتصاد إنما هو بعض فصول من بعض أبواب هذا الكتاب إلا أن يقال إن ما في هذا الفصل إنما هو حكمه وماهيته وإما مصداق أفراده فجميع ما في الكتاب ولو ادعاء أو أضافه ثم لفظ محمّد أشهر أسمائه - صلى الله عليه وسلم - التي هل هي ثلثمائة أو ألف أو تسعمائة وهو في الأصل مفعول من التحميد مبالغة الحمد يقال فلان محمود إذا أثنى على جميع خصاله وإذا بلغت النهاية وتكاملت يقال محمّد فوجه التسمية لبلوغ خصاله الحميدة إلى غاية الكمال ثم إن هذه المبالغة إنما هي من التكثير الذي هو بناء بابه لا من الصيغة (وأحببت أن أبين) أوضح (السيرة) من سار يسير بمعنى الطريقة أيضًا لكن في الصيغة إشارة إلى طريقة أرباب السلوك التي هي التصوف فالأول علم الظاهر والثاني إشارة إلى علم الباطن (الأحمدية) أي المنسوبة إلى أحمد يقال اسمه في الأرض محمّد وفي السماء أحمد (حتى يعرض عليها) أي على الطريقة المحمدية التي هي اسم لهذا الكتاب لأن هذه العبارة وإن دلت مطابقة على المعنى الوصفي الذي ذكر لكن فيه إشارة إلى اسم هذا الكتاب كأنه نقل من الوصفية إلى العلمية ووجه المناسبة بين المنقول والمنقول عنه ظاهر فالاسم مطابق للمسمى (عمله) ولو عمل قلب ولسان وإلا فلا يشمل جميع ما ذكر (كل سالك) كل من يريد سلوك طريق يوصل إلى رضي الله تعالى أو لقائه أو الجنة قدم العمل مع كونه مفعولًا على كل سالك مع كونه فاعلًا لاهتمام العمل لأن المقام مقام العمل يعني الغرض من التصنيف هو العرض ليكون ميزانًا مميزًا كما يصفه لا شيء آخر من أغراض نحو الدّنْيا (فتميز) بالنصب عطف على يعرض أو رفع جواب لمحذوف أي إذا عرض كل سالك عليها فيتميز أي يميز ذلك السالك (المصيب) في عمله (عن المخطئ) لتبين ماهية كل من الصواب والخطاء وأحكامهما فيها وهذا أولى من التفسير بالمطابقة والمخالفة هذا بحسب الدنيا وأما قوله (والناجي) من الفوز والنجاة (من الهالك) فبحسب الآخرة ولهذا قدمهما عليهما فكل مصيب ناج كما أن كل غطئ هالك (ورتبته) أي الذي اسمه الطريقة المحمدية وتذكير الضمير لإرادة الإسم استخدامًا كما أشير وتأنيثه فيما يعرض عليها لإرادة المعنى الوصفي هناك والأولى تذكيره هناك أيضًا لعل الغرض لكونه حال المعنى اعتبر هذا الجانب (على ثلاثة أبواب) الظاهرة من سوق ما تقدم أن يجعل الباب أربعة في الاعتقاد والأقوال والأخلاق والأعمال لكن لما كان نظره على نحو آخر لم يراع وفق السياق ثم إن أريد إرجاع ضمير رتبته إلى نفس الكتاب فمن قبيل تقسيم الكل إلى أجزائه وأن إلى نحو ما يتضمنه الكتاب فمن تقسيم الكلي إلى جزيئاته لأنه على الأول مجرد تحليل وعلى الثاني يحمل كل فرد من مسائله على المقسم وبالعكس (متوكلًا على رب الأرباب) حال من فاعل رتبته أي معتمدًا على مالك المالكين ومن فسره بإله الآلهة لم يحسن ولما كان هذا التصنيف أمرًا عظيمًا يستبعد حصوله بقوة نفسه وموهمًا للعجب رجع إلى الله تعالى مفوضًا حصوله إليه مشيرًا أن حصوله ليس بطاقته بل بتوفيقه تعالى ومنبهًا إلى ما نقل عن بعض السلف من قوله من علامة النجح في النهايات الرجوع إلى الله تعالى في البدايات وعن آخر التوكل هو الاعتصام بالله تعالى.
وفي (1/ 214) قال: (في تصحيح الاعتقاد وتطبيقه لمذهب أهل السنة) أي أصحاب سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي التمسك بها (والجماعة) أي جماعة رسول الله وهم الأصحاب والتابعون وهم الفرقة الناجية المشار إليها في قوله - صلى الله عليه وسلم - ستفترق أمتي ثلاثًا وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل ومن هم قال الذين هم على ما أنا عليه وأصحابي قال العلامة العضد الفرقة الناجية وهم الأشاعرة لعل مراده إما تغليب أو عموم مجازًا أو ادعاء اتحادهم مع الماتريدية الذين تابعوا في الأصول كالحنفية إلى علم الهدى الشيخ أبي منصور الماتريدي وجه كونهم فرقة ناجية التزامهم كمال متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في معتقداتهم بلا تجاوز عن ظاهر نص بلا ضرورة ولا استرسال إلى عقل خلافًا لمخالفيهم كما ذكر العلامة الدواني وفي أوائل كتاب الاستحسان من التاتارخانية عن المضمرات (روى عن عليّ - رضي الله عنه - أنه قال المؤمن إذا أحب السنة والجماعة استجاب الله تعالى دعاءه وقض حوائجه وغفر له الذنوب وكتب الله له براءة من النار وبراءة من النفاق (وفي خبر عن عبد الله بن عم - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من كان على السنة والجماعة كتب الله له بكل خطوة يخطوها عشر حسنات ورفع له عشر درجات وتمامه مع تفصيله هنالك (وجملته) أي جملة مذهب أهل السنة بمعنى واحد واحد مما يكون ضروريًا بحيث يكون عدمه كفرًا أو ضلالة فإن ما ذكرهنا جميع هذه الأصول أو جملته إجماله بمعنى ما ذكر هنا قضايا كلية يندرج تحتها تفصيلات مذهب أهل السنة وإلا فتفاصيل مذهبهم لم تذكر هنا ولا يتحمل ذكرها كتابنا فالمذكور هنا تفصيل الأصول وإجمال الكل (إن الله. تعالى واحد) المتبادر وحدة ذاتية وإن شئت قلت مطلقًا أي ذاتية أو وصفية وفي تصديره بأن المؤذنة بالتحقيق والدالة عليه إشارة إلى لزوم الاطلاع والعرفان على وجه التحقيق واليقين في كونه مذهب أهل السنة لكن يشكل باعتبار إيمان المقلد عندنا وقد يعتبر بعضهم جواز الظن في أصل الإيمان فيدفع بإرادة كمال المذهب (فإن قيل كلمة أحد أكمل من الواحد كما في الإتقان عن أبي حَاتِم ومختص بوصف الله دون كلمة واحد كما نقل هو عن مفردات القرآن للراغب فلم اختار أحدًا على واحد) قلنا نعم لكن أحد مستعمل في النفي أكثريا وهنا إثبات وأما في سورة الإخلاص فيجوز لرعاية الفواصل لعل الأولى أن يبدأ بوجوده تعالى ثم يجرى عليه سائر صفاته ولعله اكتفى بالدلالة الالتزامية إذ الوحدانية تستلزم الوجود وإنما اكتفى بهذه الدلالة مع أنه لايق بتصريحه لأنه بديهي بالنسبة إلينا وإلى جميع مخالفينا خلافًا معتدًا به وأنا أقول لقد أعجب في ابتدائه حيث افتتح ذلك المبحث بمضمون افتتاح الإيمان من الكلمة الطيبة التوحيدية ثم معرفة كونه تعالى واحدًا هو التوحيد المفسر بأنه إثبات وجود فرد واحد للواجب وامتناع فرد آخر منه فقولنا الله وإحد يدل على قولنا الواجب الذاتي واحد مطابقة وعلى قولك الواجب الذاتي يمتنع تعدده التزامًا تأمل ثم برهان توحيد الواجب أنه لو تعدد الواجبان فوقوع الممكن إما بهما جميعًا فنقص لهما أو بكل منهما فتوارد أو بأحدهما فترجيح بلا مرجح ولأن أحدهما إن لم يتمكن من ضد ما قصده الآخر فعجز وإن تمكن فإن وافقا لزم اجتماع الضدين وإلا لزم عجزهما أو عجز أحدهما ولأنهما إن اتفقا على كل مقدور فالتوارد والا فالتمانع والنصوص القطعية كثيرة وقوله تعالى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} إشارة إلى دليل التمانع كذا ذكره العلامة التفتازاني في كلام التهذيب وقال في شرح العقائد بعدما قال ابن برهان التمانع مشار إليه بتلك الآية وقرر التمانع بوجه آخر حاصله راجع إلى بعض ما ذكر هنا وأعلم أن قوله تعالى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} حجة إقناعية والملازمة عادية على ما هو اللائق بالخطابيات فإن العادة جارية بوجود التمانع عند تعدد الحاكم فإنه إن أريد الفساد بالفعل فلا نسلم الملازمة لجواز الإنفاق على هذا النظام وإن أريدا مكان الفساد فلا نسلم بطلان التالي لشهادة النصوص على خراب العالم وفنائه وقال حفيد العلامة المرقوم وصرح بإقناعية الملازمة العلامة في شرح المفتاح والشيخ محيي الدين في التدبيرات الآلهية".
وقال في (1/ 217): ط (لا يشبهه شيء) لأن المشابهة أي المماثلة إما بالاتحاد في النوع كزيد وعمر وفي كونهما إنسانًا فظاهر إذ لا مكان والوجوب نوعان مختلفان واما بصلاحية كل منهما لما يصلح له الآخر فلأن أوصافه تعالى أعلى وأجل مما في المخلوقات بحيث لا مناسبة بينهما وأن المشابهة تقتضي المساواة ولا شيء يساويه في ذاته تعالى وصفاته (ليس بجسم) لأن الجسم مركب فيحتاج إلى الجزء والاحتياج دليل الإمكان (ولا عرض) لأنه يفتقر إلى محل يقومه فيكون ممكنًا (ولا جوهر) وهو الجزء الذي يتجزأ فجزء للجسم ومتحيز فيكون ممكنًا وأما عند الفلاسفة فلأنهم جعلوه من أقسام الممكن قال العلامة التفتازاني إذا أريد بالجسم القائم بذاته وبالجواهر الموجود لا في موضوع فإنما يمتنع إطلاقهما لعدم ورود الشرع (ولا مصور) أي ذي صورة مثل صورة الإنسان لأن ذلك من خواص الأجسام (ولا متناه) أي ليس له نهاية في زمان أو مكان لأن ذلك من صفات المقادير والأعداد (ولا متحيز) لأن الحيز هو الفراغ المتوهم الذي يشغله شيء ممتد أو غير ممتد فلو تحيز فإما في الأزل فيلزم قدم الحيز أولًا فيكون محلًا للحوادث وأنه يلزم احياجه إلى الحيز فيكون ممكنا (ولا يطعم) شيئًا من المطعومات (ولا شرب) من المشروبات لأنهما من خواص الأجسام وموجب للاحتاج قال الله تعالى {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ}).
وفي صفحة (1/ 218) قال " (ولا يتمكن بمكان) لأن التمكن عبارة عن نفوذ بعد في بعد آخر متوهم أو متحقق يسمونه المكان والبعد عبارة عن امتداد قائم بالجسم أو بنفسه عند القائلين بوجود الخلاء والله تعالى منزه عن المقدار والامتداد لاستلزام التجزي ولأنه لو كان في مكان لزم قدم المكان وأيضًا يلزم افتقاره إليه وكل مفتقر ممكن فيلزم كون الواجب ممكنًا وأيضًا يلزم كونه جوهرًا وقد أبطلناه وأورد عيه بأن كل موجود متحيز ببداهة العقل ودفع بأنه بداهة الوهم لا بداهة العقل لأن الوهم في غير المحسوسات ليس بمقبول وأما النصوص الظواهر في التجسم المستلزم للمكان نحو قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} {وَجَاءَ رَبُّكَ} {إِلَيهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} قال صاحب المواقف أنها ظواهر ظنية لا تعارض اليقينات الدالة على نفي المكان فلزم أنها متشابهات فنفوض علمها إلى الله تعالى كما هو مذهب السلف أو نؤولها بنحو الاستيلاء على العرش وجاء ربك أي أمر ربك وإليه يصعد الكلم الطيب أي يرتضيه (ولا يجري عليه زمان) لأن الزمان متجدد يقدر به متجدد آخر كما هو عند المتكلمين أو مقدار الحركة والله منزه عنهما لأن التجدد لا يتصور في القديم وكذا المقدار (وليس له جهة من الجهات الست ولا هو في جهة منها) وهي فوق وتحت ويمين ويسار وقدام وخلف والجهة عند المتكلمين نفس المكان بإضافة جسم آخر إليه فإذا انتفت الجسمية والمكانية تنتفي الجهة لأنها من خواص الأجسام ولأنه تعالى لو كان في جهة أو زمان لزم قدم المكان أو الزمان ولأنه أمارة الإمكان للافتقار إليه فإن قيل على ما ذكرت إن الجهة راجعة إلى المكان فما وجه ذكره بعده قلت الوجه زيادة التوضيح في باب التنزيه وتصريح الرد وتأكيده للمخالف كما ذكره التفتازاني (ولا يجب عليه شيء) كاللطف والأصلح دينًا أو دنيويًا فلا يجب إثابة المطيع وعقوبة العاصي وإلا لما خلق الكافر الفقير المعذب في الدّنْيا والآخرة ولما يستحق الله الحمد والشكر في إفاضة الخيرات لكونهما أداء للواجب ولما كان لسؤال العصمة والتوفيق وكشف الضر ونحوها معنى لأن ما لم يفعل في حق كل مفسدة يجب على الله تركها والتفصيل في شرح العقائد ثم الواجب إما ما يكون تركه مخلًا بالحكمة أو ما يستحق تاركه الذم أو ما قدر الله على نفسه فعله بحيث لا يتركه وإن كان جائزًا والأول باطل لانا نعلم إجمالا أن جميع أفعاله على حكمة وإن لم يحط علمنا وكذا الثاني لأنه مالك الكل على الإطلاق فلا يتصور الذم في فعله أو تركه وكذا الثالث لأنه إذا كان الترك جائزًا فإطلاق الوجوب عليه مجرد اصطلاح وموهم للمعنيين الممنوعين السابقين وفي شرح الطوالع ثواب المطيع فضل ودليله الطاعة وعقاب العصاة عدل ودليله العصيان (ولا يحل فيه حادث) وما في بعض النسخ من قوله ولا يحل في حادث فلعله من قلم الناسخ وإن صحح بتكلف قال الشريف العلامة في بيانه لأن ما يقوم به تعالى لا بد أن يكون من صفات الكمال فلو كان حادثًا لكان خاليًا عنه في الأزل والخلو عن صفة الكمال نقص وأورد عليه شيء يمكن دفعه ولا يتحمل المقام إيراده وقال في تهذيب الكلام لأنه تغير ولأنه يمتنع في الأزل فيلزم الانقلاب ويوجب زوال ضده فيلزم عدم الخلو عن الحوادث واما الاتصاف بما له تعلق حادث أو بما يتجدد من السلوب والإضافات والأحوال فليس من المتنازع انتهى".
وفي صفحة (1/ 220) قال: " (قديم) أي لا ابتداء لوجوده قال العلامة الثاني إذ لو كان حادثًا مسبوقًا بالعدم لكان وجوده من غيره ضرورة ثم قال القدم الزماني عدم المسبوقية بالعدم فالقدم هنا هو القدم الزماني وهذا المعنى هو معنى القدم الزماني فإن قيل هنا المراد من القدم سلب العدم السابق على الوجود وهو ليس بقدم زماني والقدم الزماني مرور الأزمنة على الشيء مع بقائه فلا يستقيم بوجهين على أن مقابل القدم الزماني هو القدم الذاتي المفسر بكون الشيء غير محتاج إلى غيره وهذا ليس بثابت عند المتكلمين بل هو مختص بالفلاسفة قال ذلك العلامة ما ذهب إليه الفلاسفة من انقسام كل من القدم والحدوث إلى الذاتي والزماني رفض كثير من القواعد الإسلامية وما ذكره إما معنى مجازي أو لغوي أو اصطلاح لغير المتكلمين (أزلي) جمع أزل والأزل هو استمرار الوجود في أزمنة مقدرة غير متناهية في جانب الماضي كما أن الأبد استمرار الوجود في أزمنة مقدرة في جانب المستقبل كما في التعريفات (فإن قيل فالزمان مأخوذ في مفهوم الأزلي والأبدي والله تعالى ليس بزماني قلنا كما يقال على الزماني يقال على غير الزماني لأنه قيل الأزلي يكون له نهاية ولا يكون له بداية والأبدي عكسه وقيل عن زبدة الحقائق من ظن أن الأزلية شيء ماض فقد أخطأ خطأ فاحشًا فإنه لا ماضي ولا مستقبل فيها بل هي محيطة بالزمن المستقبل كالماضي وقيل هذا هو التحقيق قبل الفرق بين الأزلي والقديم إن الأول شامل للعدم والثاني مختص بالوجود فلعل كونه قديمًا بالنسبة إلى ذاته تعالى وصفاته الكاملة الموجودة في الخارج وكونه أزليًا بالنسبة إلى صفاته الإضافية والنسبية فمن قال إن صفاته تعالى نفسية وسلبية وغيرهما قديمة لم يفهم الفرق أو لم يرض أو تجوز (له صفات) جمع صفة أصلها وصف فحذفت الواو وعوض عنها التاء والمراد هنا هو مباديء المشتقات لا أنفسها كالعلم والقدرة لا العالم والقادر وأنكرها الفلاسفة والمعتزلة قائلين بأنها عين ذاته تعالى تحاشيًا عن تكثير القدماء والواجبات وأجابوا بأن الجال تكثر القدماء بالذات وهو غير لازم (قديمة) استحالة قيام الحوادث بذاته تعالى خلافًا للكرامية قال العلامة الثاني ينبغي أن يقال الله تعالى قديم بصفاته ولا يطلق القول بالقدماء لئلا يذهب الوهم إلى أن كلا منهما قائم بذاته موصوف بصفات الألوهية (قائمة بذاته) كالتوضيح والتأكيد لأن القيام مأخوذ في مفهوم الصفة لكمال العناية أو لرد بعض المخالفين كالمعتزلة في أنه تعالى متكلم والكلام قائم بغيره تعالى كاللوح وشجرة موسى وفؤاد جبرائيل وله إرادة حادثة لا في محل قال التفتازاني في شرح العقائد ولما تمسكت المعتزلة بأن في إثبات الصفات إبطال التوحيد لما أنها موجودات قديمة مغايرة لذات الله تعالى فيلزم قدم غير الله تعالى وتعدد القدماء إلى آخره أشار إلى الجواب بقوله (لا) تلك الصفة (هو) سبحانه وتعالى يعني ليست عين ذاته (ولا غيره) غير ذاته تعالى فلا يلزم قدم الغير ولا تعدد القدماء إما نفي العينية فلان الصفات من قبيل العرض والذات من قبيل الجوهر يعني شبيهه في القيام بنفسه وعدمه فعدم العينية بديهية وأن الصفات محتاجة إلى الذات فممكنة بأنفسها والذات واجبة مستغنية والواجب لا يكون عين الممكن وقيل وردت النصوص بالاشتقاق نحو عالم وقادر وكون الشيء عالمًا معلل بقيام العلم في الشاهد فكذا في الغائب وأورد بأنه قياس فقهي وقياس غائب على شاهد مع الفارق لأن القدرة في الشاهد تزيد وتنقص وتعدم بخلاف الغائب والمفهوم من كلام الشريف العلامة في شرح المواقف أنه عند اتحاد العلة والحد والشرط في الغائب والشاهد لا يضر ذلك ولا شك أن علة كون الشيء عالمًا في الشاهد هو العلم فكذا في الغائب وأيضًا حد العالم هو من قام به العلم سواء في الغائب أو الشاهد وشرط صدق المشتق على شيء ثبوت أصله في الغائب والشاهد وأما نفي الغيرية فبأن العرف واللغة والشرع يشهد بأن الصفة والموصوف ليسا بغيرين كالكل والجزء (فإن قيل هذا رفع النقيضين في الظاهر وجمع بينهما في الحقيقة) قلنا أجيب عنه بأن الغير ما يمكن الانفكاك في التصور والعين ما يتحد في المفهوم بلا تفاوت فيمكن الواسطة بأن لا يتحدان في المفهوم ولا يوجد أحدهما بدون الآخر فالصفة مع الذات من هذا القبيل ويمكن أن نفي العينية بحسب المفهوم ونفي الغيرية بحسب الوجود كما في المواقف فلا تناقض لاختلاف الجهة وإيراد الدواني بأن هذا إنما يصح في المشتقات والكلام في مباديها ولا يصح فيها في غاية السقوط إذ العلم مثلًا ليس عين ذاته تعالى مفهومًا ويمتنع وجوده بدونه وقيل في الجواب إنها عين الذات إذا نظر إليها من جانب الذات وغير الذات إذا نظر من جانب انقسام الوجود إلى الأقسام وأوضح بمثال أن العشرة في نفسها واحد لا ينقسم وبالنسبة إلى الخمسة ضعف وإلى العشرين نصف وإلى ثلاثين ثلث وهذه الأوصاف الدائرة على العشرة واحدة من وجه وكثيرة من وجه آخر لا يخفى أن هذا ليس مما نحن فيه إذ يقتضي كون الصفات بعضها مع بعض والذات أيضًا متحدة في الحقيقة والتغاير إنما هو في الأسامي وهو عين مذهب الفلاسفة والمعتزلة (هي) أي الصفات الكاملة القديمة ثمانية (الحياة) صفة توجب صحة العلم لدلالة النصوص القاطعة وإجماع الأنبياء بل جميع العقلاء ولأن الخلو عنها نقص وما يقال إنها اعتدال المزاج وتأثير الحاسة فممنوع (والعلم) صفة تنكشف بها المعلومات عند تعلقها بها موجودة أو معدومة ممتنعة أو ممكنة قديمة أو حادثة متناهية أو غير متناهية جزئية أو كلية مادية أو مجردة قال الخيالي فإن للعلم تعلقات قديمة غير متناهية بالفعل بالنسبة إلى الأزليات والتجددات باعتبار أنها سيجدد وتعلقات حادثة متناهية بالفعل بالنسبة إلى المتجددات باعتبار وجودها الآن أو قبل ويلزم من حدوث التعلق حدوث العلم وأما دليل العلم فإما سمعي نحو عالم الغيب والشهادة وإما عقلي لاستناد العالم إليه مع إتقانه واحكامه وانتظامه ومن البين دلالة الأفعال المتقنة على علم فاعلها ومن تأمل في البدايع السماوية والأرضية وفي نفسه وجد دقايق حكم تدل على حكمة صانعها وعلمه الكامل وأورد بأن الحيوان قد يصدر عنه أفعال متقنة كبيوت النحل وغيرها ورد بأنه مخلوق له تعالى إذ لا مؤثر غيره تعالى على أن عدم علم الحيوان ممنوع بل ظاهر الكتاب والسنة على علمه قال الله تعالى {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي} الآية (والقدرة) صفة تؤثر في المقدورات بجعلها ممكنة الوجود من الفاعل عند تعلقها بها فتعلقات القدرة كلها قديمة وعندنا في التكوين فقديمة أيضًا عند بعضهم بمعنى أنها تعلقت في الأزل بوجود المقدور فيما لا يزال وحادثة عند بعضهم وقيل القدرة صحة الفعل والترك لعل هذا مذهب من قال بعدم تأثير القدرة بل لها تعلق محض بلا تأثير للأدلة السمعية ولأن القدرة كمال وضدها أعني العجز نقص يجب تنزيه الله تعالى غنه (والسمع) صفة تتعلق بالمسموعات (والبصر) صفة تتعلق بالمبصرات فيدرك بلا طريق تخيل وتأثير حاسة ووصول هواء للأدلة السمعية الظاهرة في كونهما صفتين زائدتين والصرف عن الظواهر بلا صارف ليس بحائز فلا يكونان راجعين إلى العلم بالمسموعات والمبصرات كما زعمت الفلاسفة والكعبي والحسين البصري قبل والأشعري أيضًا فتكون المسموعات والمبصرات كما هما متعلق علمه متعلق سمعه وبصره (فإن قيل فإثباتهما تكثير القدماء بلا ضرورة والأصل تقليلها قلنا قال في شرح المواقف الأولى أن يقال لما ورد الشرع بهما آمنا بذلك وعرفنا أنهما لا يكونان بالآلتين المعروفتين واعترفنا بعدم الوقوف على حقيقتهما لقصورنا ونقصاننا (والإرادة) صفة توجب تخصيص أحد المقدورين بالوقوع على وفق علمه لأنه لما كانت نسبة القدرة إلى الضدين سواء فلا بد من مرجح بأحد الطرفين وليس هذا هو العلم لتبعيته للمعلوم فتعين صفة أخرى وهي الإرادة وشاملة لجميع الكائنات منها أفعال العباد ولو شرورًا ومعاصي كالكفر خلافًا للمعتزلة والإرادة كالقدرة لا تتعلق إلا بالممكنات لكن القدرة تعم المعدومات والموجودات والإرادة تختص بالموجودات ولهذا قال في العقائد العضدية قادر على جميع الممكنات مريد لجميع الكائنات ومتعلق شامل للواجبات والممتنعات كالممكنات" أ. هـ.
وفاته: سنة (1176 هـ) ست وسبعين ومائة وألف.
من مصنفاته: "تفسير سورة الفاتحة"، و"تفسير {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} "، و"البريقة المحمودية في شرح الطريقة المحمدية للبركلي"، و"حقيقة كلمة التوحيد عند الكلاميين والصوفية"، وله رسالة في وحدة الوجود وغير ذلك.




مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید