المنشورات

‌‌المقابلة

يعد قدامة بن جعفر من أوائل من تكلموا عن «المقابلة» فقد ذكرها في معرض الحديث عن بعض الخصائص الأسلوبية التي تعلي من قيمة الشعر. قال قدامة: «والذي يسمى به الشعر فائقا، ويكون إذا اجتمع فيه مستحسنا صحة المقابلة، وحسن النظم، وجزالة اللفظ، واعتدال الوزن، وإصابة التشبيه، وجودة التفصيل، وقلة التكلف، والمشاكلة في المطابقة.
وأضداد هذا كله معيبة تمجّها الآذان، وتخرج عن وصف البيان» (1).
وقد عرفها في كتابه «نقد الشعر» بقوله: وصحة المقابلة أن يضع الشاعر معاني يريد التوفيق أو المخالفة بين بعضها وبعض، فيأتي في الموافق بما يوافق، وفي المخالف على الصحة، أو يشرط شروطا أو يعدد أحوالا في أحد المعنيين، فيجب أن يأتي فيما يوافقه بمثل الذي شرطه وعدده، وفيما يخالف بضد ذلك (1) ومن أمثلته على ذلك قول الشاعر:
أموت إذا ما صد عني بوجهه … ويفرح قلبي حين يرجع للوصل
وقد علّق قدامة على البيت بقوله: «فجعل ضد الموت فرح القلب، وضد الصد بوجهه الوصل، وهذه مقابلة قبيحة، ولو قال:
أموت إذا ما صدّ عني بوجهه … وأحيا إذا مل الصدود وأقبلا
فجعل جزاء الموت الحياة، وجزاء الصد بالوجه الإقبال لكان مصيبا» (2).
وجاء أبو هلال العسكري بعد قدامة فعرف المقابلة بقوله: «هي إيراد الكلام ثم مقابلته بمثله في المعنى واللفظ على وجه الموافقة أو المخالفة، نحو قوله تعالى: وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً، فالمكر من الله تعالى العذاب، جعله الله عز وجل مقابلة لمكرهم بأنبيائه وأهل طاعته» (3).
وعرّف ابن رشيق القيرواني المقابلة بقوله: «هي ترتيب الكلام على ما يجب، فيعطى أول الكلام ما يليق به أولا وآخره ما يليق به آخرا، ويؤتي في الموافق بما يوافقه، وفي المخالف بما يخالفه. وأكثر ما تجيء المقابلة في الأضداد، فإذا جاوز الطباق ضدين كان مقابلة، مثال ذلك ما أنشده قدامة لبعض الشعراء، وهو:
فيا عجبا كيف اتفقنا فناصح … وفي ومطويّ على الغلّ غادر فقابل بين النصح والوفاء بالغل والغدر، وهكذا يجب أن تكون المقابلة الصحيحة» (1).
كذلك عرف الخطيب القزويني المقابلة في كتابه التلخيص بقوله:
«هي أن يؤتى بمعنيين متوافقين أو أكثر ثم بما يقابل ذلك على الترتيب» (2) وهو يعني بالتوافق خلاف التقابل، نحو قوله تعالى: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً.
ومن التعاريف السابقة يمكن القول بأن المقابلة هي: أن يؤتى بمعنيين متوافقين أو معان متوافقة، ثم بما يقابلهما أو يقابلها على الترتيب.
والبلاغيون مختلفون في أمر المقابلة، فمنهم من يجعلها نوعا من المطابقة ويدخلها في إيهام التضاد، ومنهم من جعلها نوعا مستقلا من أنواع البديع، وهذا هو الأصح، لأن المقابلة أعم من المطابقة.
وصحة المقابلات تتمثل في توخي المتكلم بين الكلام على ما ينبغي، فإذا أتى بأشياء في صدر كلامه أتى بأضدادها في عجزه على الترتيب، بحيث يقابل الأول بالأول، والثاني بالثاني، لا يخرم من ذلك شيئا في المخالف والموافق. ومتى أخل بالترتيب كانت المقابلة فاسدة 

 

مصادر و المراجع:
1-سحر البلاغة وسر البراعة
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (ت ٤٢٩هـ)
2-أسرار البلاغة
المؤلف: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار (ت ٤٧١هـ)
3-الإيضاح في علوم البلاغة
المؤلف: محمد بن عبد الرحمن بن عمر، أبو المعالي، جلال الدين القزويني الشافعي، المعروف بخطيب دمشق (ت ٧٣٩هـ)
4-الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز
المؤلف: يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم، الحسيني العلويّ الطالبي الملقب بالمؤيد باللَّه (ت ٧٤٥هـ)
5- عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح
المؤلف: أحمد بن علي بن عبد الكافي، أبو حامد، بهاء الدين السبكي (ت ٧٧٣ هـ)
6-تلوين الخطاب لابن كمال باشا دراسة وتحقيق
المؤلف: أحمد بن سليمان بن كمال باشا، شمس الدين (ت ٩٤٠هـ)
7-الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم
المؤلف: إبراهيم بن محمد بن عربشاه عصام الدين الحنفي (ت: ٩٤٣ هـ)
8- معاهد التنصيص على شواهد التلخيص
المؤلف: عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن أحمد، أبو الفتح العباسي (ت ٩٦٣هـ)
9-حاشية الدسوقي على مختصر المعاني لسعد الدين التفتازاني (ت ٧٩٢ هـ) [ومختصر السعد هو شرح تلخيص مفتاح العلوم لجلال الدين القزويني]
المؤلف: محمد بن عرفة الدسوقي
10- جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع
المؤلف: أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي (ت ١٣٦٢هـ)
11-علوم البلاغة «البيان، المعاني، البديع»
المؤلف: أحمد بن مصطفى المراغي (ت ١٣٧١هـ)
12- بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة
المؤلف: عبد المتعال الصعيدي (ت ١٣٩١هـ)
13-علم البديع
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
14-علم البيان
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
15- علم المعاني
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
16-البلاغة العربية
المؤلف: عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني الدمشقي (ت ١٤٢٥هـ)
17-البلاغة الصافية في المعاني والبيان والبديع
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
18- النظم البلاغي بين النظرية والتطبيق
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
19-من قضايا البلاغة والنقد عند عبد القادر الجرجاني
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
20- أساليب بلاغية، الفصاحة - البلاغة - المعاني
المؤلف: أحمد مطلوب أحمد الناصري الصيادي الرفاعي
21-الأسلوب
المؤلف: أحمد الشايب
22- المنهاج الواضح للبلاغة
المؤلف: حامد عونى
23-خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني
المؤلف: محمد محمد أبو موسى
24- البديع عند الحريري
المؤلف: محمد بيلو أحمد أبو بكر
25- شرح مائة المعاني والبيان
المؤلف: أبو عبد الله، أحمد بن عمر بن مساعد الحازمي
26-البلاغة ٢ - المعاني
كود المادة: LARB٤١٠٣
المرحلة: بكالوريوس
المؤلف: مناهج جامعة المدينة العالمية
الناشر: جامعة المدينة العالمية
27-علوم البلاغة «البديع والبيان والمعاني»
المؤلف: الدكتور محمد أحمد قاسم، الدكتور محيي الدين ديب

28-علم البديع

المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید