المنشورات
" القائد العابد" (موسى بن نصير)
" واللَّه لو انقادوا إليَّ لقدتهم إلى رومية (روما) ولفتحها اللَّه على يدي إن شاء اللَّه"
(موسى بن نصير)
لكي أكون منصفًا. . . . لا بد أن أذكر أنني قرأت عن هذا القائد المجهول في كتب التاريخ المدرسية، ولكني أذكر أيضًا أنني لاحظت لمز الكتاب بأن موسى بن نصير هذا الذي كان واليًا للشمال الأفريقي إنما كان يغار من مولاه طارق بن زياد بعد فتحه للأندلس مما دفع القائد موسى للإسراع إلى الأندلس حتى يُنسب المجد إليه لا لطارق! وهنا أسأل نفس السؤال الذي سألته من قبل والذي سوف أسأله مِرارًا في صفحات هذا الكتاب: لمصلحة من يُشوَّه تاريخنا ويُصوَّر أبطالنا كأنهم أناس انتهازيون إن لم يكونوا مجرد مجرمين في بعض الحالات؟!
ليس عندي من الشك أدناه أن من يشيع مثل هذه الروايات الكاذبة لا يقصد هؤلاء الأبطال بقدر ما يقصدك أنت بالتحديد!!! فهو يعلم أنه بذلك يجعل الفرد منا يمقت هذا التاريخ الذي يبدو أسودًا بفضلهم، والحقيقة أن تاريخنا إذا ما أزيح الغبار عنه -وهذا ما نحاول فعله في هذا الكتاب- فإننا سنجد تاريخًا مشرقًا ناصع البياض لم تعرف أمم الأرض تاريخًا مثله، عندها سيكون لشبابنا القدوة تلو القدوة، وعندها فقط ستأخذ الأمة بأسباب النصر التي أخذ بها أجدادنا لننتصر بعد ضعف، كما انتصروا هم بعد ضعف!
والحقيقة التي أخفاها أولئك المزورون أن القارئ لترجمة موسى بن نصير من مصادرها الأصلية ككتاب "البداية والنهاية" لـ (ابن كثير) يجد أمامه بطلًا عجيبًا غير من مسار التاريخ، فقد تولى موسى بن نصير ولاية الشمال الأفريقي بأكملها وهي تعج بالفوضى والثورات، فلاحظ أن قبائل البربر ترتد عن الإسلام ثم تعود للإسلام مرةً أخرى وهكذا دواليك، فأدرك رحمه اللَّه أن السبب الرئيسي لارتداد البربر هو عدم فهمهم لتعاليم الشريعة الإسلامية التي أتت باللغة العربية التي لا يفهمونها أصلًا، فقام القائد موسى باستحضار التابعين من بلاد الشام واليمن ليعلموا الإسلام للأمازيغ ممن يعرفون العربية، ثم يقوم هؤلاء بدورهم بتعليم أبناء جلدتهم بلغتهم، وهكذا حتى يفهم الناس الإسلام بدون عجلة، فلمّا استتب الأمر في شمال أفريقيا كله جاء الدور لنشر الإسلام في أوروبا وتحرير أوروبا من حكم الرومان الذي كانوا يستعبدون كل شعوب أوروبا، ولكن كانت هناك مشكلة كبيرة، فلقد كان المسلمون يفتقدون للأسطول البحري، عندها قام القائد موسى ببناء ميناء "القيروان" لصناعة السفن، وبينما كان المسلمون يأخذون بأسباب النصر حدث شيء غريب! فلقد وصلت رسالة سرية إلى أمير طنجة طارق بن زياد مصدرها مدينة "سبتة" المغربية التي كانت تحت حكم ملك نصراني يسمى (يوليان)، فقد كان لهذا الملك بنت فائقة الجمال اسمها الأميرة (فلوريندا)، ابتعثها أبوها إلى قصور إسبانيا لكي تتعلم هناك، فهاجمها الملك (لوذريق) واغتصبها، فأرسلت برسالة إلى أبيها تشكو له ما جرى لها، فعرض هذا الملك النصراني على طارق بن زياد أن يسلمه مدينة سبتة وأن يعيره السفن اللازمة للفتح الإسلامي للأندلس وأن يرشده على الطرق المجهولة في جبال الأندلس مقابل القضاء على لوذريق، على أن يعطيه المسلمون ضيعًا كان يملكها الملك غيطشة إذا ما فتحوا تلك البلاد. إذًا فالسفن التي أبحر بها طارق إلى الأندلس لم تكن مُلكًا للمسلمين بل كانت مُلكًا ليوليان وجب على طارق إرجاعها له بعد الفتح، وهذا ما يفند رواية الحرق!
وبعد أن انتصر طارق بن زياد في معركة "وادي مرباط" التي سبق وأن ذكرناها في معرض حديثنا عن طارق، أسرع القائد موسى بن نصير إلى الأندلس وهو شيخ قارب على الثمانين من عمره ليجاهد في سبيل اللَّه، بل إن القائد موسى أراد أن يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، فرغم سنه المتقدمة أراد هذا العظيم الإسلامي أن ينفذ خطة يراها المؤرخون معجزة عسكرية! هذه الخطة كانت قد راودت الخليفة الراشد (عثمان ابن عفان) رضي اللَّه عنه وأرضاه من قبل، ألا وهي فتح "القسطنطينية" عاصمة الروم من الغرب بدلًا من الشرق! فبعد أن فتح هذا الشيخ الثمانيني "إسبانيا" و"البرتغال"، استأذن موسى بن نصير الخليفة الأموي (الوليد بن عبد الملك) بأن يفتح كل من "فرنسا" و"إيطاليا" و"سلوفينيا" و"كرواتيا" و"النمسا" و"صربيا" و"بلغاريا" ثم "اليونان" قبل أن يفتح "القسطنطينية"!!!
المهم أن الخليفة الأموي جزاه اللَّه خيرًا رأى أن تلك المهمة قد تعرض حياة المسلمين للخطر، فرفض تلك الخطة، أما "القسطنطينية" فقد فتحها المسلمون بعد ذلك كما سنرى في هذا الكتاب، وأما القائد موسى فقد قال:
"واللَّه ما هزمت لي راية قط، ولا بدد لي جمع، ولا نكب المسلمون معي منذ اقتحمت الأربعين إلى أن بلغت الثمانين"
الطريف في الأمر أنه كما أن عمل طارق بن زياد كان في ميزان حسنات موسى ابن نصير، فإن حسنات الاثنين معًا كانت في ميزان صحابي جليل فتح بلاد فارس وفتح بلاد الشام وأبى اللَّه إلّا أن يجعله من المشاركين في فتح شمال أفريقيا والأندلس حتى بعد وفاته. . . فكيف ذلك؟
فما هو أصل موسى بن نصير؟ ومن يكون ذلك الصحابي الجليل الذي أراد في يوم من الأيام قتل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليتحول بعد إسلامه إلى القائد الأعلى للقوات الإسلامية المقاتلة؟ ولماذا أصبحت خطط هذا القائد الإسلامي العظيم تدرَّس في جامعات الغرب العسكرية إلى يومنا هذا؟
يتبع. . . .
مصادر و المراجع :
١- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ
المؤلف: جهاد التُرباني
2 ديسمبر 2023
تعليقات (0)