المنشورات

" مُحَدِّث الأمَّة" (محمد ناصر الدين الألباني)

" ما رأيت تحت أديم السماء عالمًا بالحديث في العصر مثل العلامة محمد ناصر الدين الألباني"
(الشيخ عبد العزيز بن باز)
ما أعظم هذا الدين! فكلما تعمقت أكثر في تاريخ الإِسلام وتاريخ عظماء أمة الإِسلام، أدركت حجم النعمة التي نحن فيها، وأدركت عِظم هذا الدين الذي نحن عليه. فما الذي جعل رجلًا من أقاصي بلاد فارس ينذر حياته كلها في جمع أحاديث بلغة ليست بلغته، لنبي ليس من قوميته؟ وما الذي دفع رجلًا أوروبيًا ليس فيه جذورٌ عربية -عدنانية كانت أو قحطانية- أن يسخر كل حياته لكي يصحح الأحاديث المروية عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليفصل منها الغث من السمين، وليحمل راية الجرح والتعديل في أصعب زمنٍ مرت به الأمة الإِسلامية على الإطلاق؟! إننا في صدد الحديث عن رجلٍ اعتبره كبار علماء هذه الأمة مجدد الإِسلام في القرن الأخير، إننا نتحدث عن الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه اللَّه تعالى- الذي سخر عمره في تصحيح وتحرير سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقبل أن نتحدث عن الشيخ الألباني رحمه اللَّه، أرى أنه من الواجب أن نتكلم قليلًا عن "ألبانيا"، البلد الذي ينتسب إليه هذا العالم الإِسلامي العظيم، فمن منا يعلم أن في قلب أوروبا المسيحية بلدٌ إسلامي اسمه ألبانيا؟ من منّا سمع باسم "تيرانا" تلك العاصمة الإِسلامية لهذا البلد؟ بل من منا سمع باسم ألبانيا أصلًا في حياته كلها؟!! واللَّه يا إخوة إن حال هذه الأمة لن يتغير إذا لم نغير نحن من أنفسنا أولًا، فلا يستقيم أبدًا أن نحمل شرف أن يقال علينا أننا أتباع محمد بن عبد اللَّه الذي علّم البشرية كلها معنى العلم ونحن بهذه الدرجة المتخلفة من الثقافة! ولا يستقيم أبدًا -وأوجه كلامي هنا خاصة لطلبة العلم الشرعي- أن نهتم بحفظ القرآن الأحاديث ودراسة الفقه والعقيدة ونهمل الاضطلاع على أمور العالم من حولنا لدرجة تجعلنا معزولين بالكلية عن العالم الخارجي وما يدور من حولنا! فما هكذا كان أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الذين كانوا أعلم منا بألاف المرات بالقرآن والسنة، فالذي لا يعرفه الناس عن الصحابة الكرام رضوان اللَّه عليهم أنهم كانوا يتعلمون اللغات الأجنبية، وكانوا يحفظون الشعر وينظمونه دفاعًا عن دين اللَّه، وكانوا على دراية كبيرة بعلوم الزراعة والتجارة والصناعة بل وحتى علوم التاريخ والجغرافيا، والذي لا يعرفه الكثيرون عن أبي بكر رضي اللَّه عنه وأرضاه أنه كان عالمًا كبيرًا من علماء التاريخ الإنساني وعلماء الأنساب على مستوى الجزيرة العربية كلها، مما أهله لكي يكون مستشار رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مفاوضاته مع القبائل العربية قبل الهجرة. وزيد بن ثابت الأنصاري رضي اللَّه وأرضاه (وهو الشاب الذي كلفه عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه وأرضاه بقيادة فريق الصحابة لجمع القرآن الذي هو بين أيدينا الآن) تعلم العبرية في وقت قياسي بناءً على أمر شخصي من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأضاف إليها السريانية، مما أهله ليكون ترجمان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وليسأل كل واحدٌ فينا نفسه: هل لو كنت تعيش في زمن الصحابة، أكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سيستعين بك في شيء، أم أن ما في جعبتك من علوم الدنيا لا يؤهلك لخدمة رسول العالمين في شيء؟!!
وألبانيا يا سادة دولة إسلامية في منطقة البلقان الأوروبية، التي كانت جزءً من ديار الإِسلام لما يزيد عن 500 عام في ظل الخلافة الإِسلامية العثمانية الراشدة، وقد يُفاجأ البعض عند علمهم أن الإِسلام دخل إلى ألبانيا مبكرًا، وبالتحديد مع القرن الأول الهجري في ظل دولة الأمويين! فلقد بعث بنو أمية الدعاة والتجار إلى البلقان لينشروا الإِسلام هناك، فأسلم الألبان عن بكرة أبيهم، ليبدأ مسلسل مجازر الصرب الأرثذوكس على المسلمين منذ ذلك الوقت المبكر، وحتى الآن!
وفي عام 1333 هـ - 1914 م وُلد لشيخٍ طيبٍ من شيوخ عاصمة ألبانيا القديمة "أشقدورة" هو الحاج (نوح بن نجاتي بن آدم الأشقودري) طفل أسماه محمدًا تيمنًا برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وصادف ذلك الزمن ظهور رئيسٍ مجرمٍ في ألبانيا اسمه (أحمد زوغلو)، هذا الرئيس كانت له اتجاهات غربية، فمنع النساء من ارتداء الحجاب، وأغلق، المدارس الدينية، وفرض الفكر الغربي على المسلمين هناك. فقرر الحاج نوح أن يترك الدار والأهل ليهاجر في سبيل اللَّه إلى أرض الشام المباركة، وصدق رسول اللَّه إذ قال: "من كانت هجرته للَّه ورسوله، فهجرته للَّه ورسوله"، فقد كافأ اللَّه الحاج نوح على تضحيته بأن جعل من ابنه محمد إمام عصره وزمانه، ليكون بالفعل ناصر الدين في هذا الزمن، فلقد علم الحاج نوح ابنه محمدًا على يديه، فوضع له برنامجًا صارمًا في حفظ القرآن والحديث والنحو والتصريف، وفي نفس الوقت علمه مهنة إصلاح الساعات ليكون واحدًا من أشهر أرباب هذه المهنة في الشام كلها، فالألباني يا إخوة الذي صحَّح أحاديث محمد بن عبد اللَّه في مصنفاتٍ ضخمة لم يكن "دكتورًا جامعيًا" أو "أكاديميًا مروموقًا" بل كان "ساعاتيًا"! فهل قدمتم يا دكاترة هذا الزمان عُشر مِعشار ما قدمه هذا الساعاتي للإسلام؟ فإذا ما قرأت حديثًا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ووجدت من تحته عبارة "صححه الألباني" فاعلم أن فضل ذلك يعود لهذا العالم الإِسلامي العظيم!
ولكن الألباني ومِن قبله البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم، ما كانوا ليكونوا ما كانوا عليه، لولا كينونة كائن نحيلٍ كان لا يكُنُّ في كيانه أيَّ شيءٍ كان يقوله أعظم كائنٍ كان في الكون. . . . كونوا معنا!
يتبع. . . . . "فما خُلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني! "





مصادر و المراجع :

١- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

المؤلف: جهاد التُرباني

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید