المنشورات

الفرق بين الوجدان والادراك

 أن الوجدان في أصل اللغة لما ضاع أو لما يجري مجرى الضائع في أن لا يعرف موضعه، وهو على خلاف النشدان فأخرج على مثاله يقال نشدت الضالة إذا طلبتها نشدانا فاذا وجدتها قلت وجدتها وجدانا فلما صار مصدره موافقا لبناء النشدان إستدل على أن وجدت هاهنا إنما هو للضالة، والادراك قد يكون لما يسبقك ألا ترى أنك تقول وجدت الضالة ولا تقول أدركت الضالة وإنما يقال أدركت الرجل إذا سبقك ثم اتبعته فلحقته، وأصل الادراك في اللغة بلوغ الشئ وتمامه ومنه إدراك الثمرة وإدراك الغلام وإدراكك من تطلب يرجع إلى هذا لانه مبلغ مرادك ومنه
قوله تعالى " قال أصحاب موسى إنا لمدركون " (1) والدرك الحبل يقرن بحبل آخر ليبلغ ما يحتاج إلى بلوغه، والدرك المنزلة لانها مبلغ من تجعل له، ثم توسع في الادراك والوجدان فاجريا مجرى واحدا فقيل أدركته ببصري ووجدته ببصري ووجدت حجمه (2) بيدي وأدركت حجمه بيدي ووجدته بسمعي وأدركته بسمعي وأدركت طعمه بفمي ووجدت طعمه بفمي وأدركت ريحه بأنفي ووجدت ريحه بأنفي، وحد المتكلمون الادراك فقالوا هو ما يتجلى به المدرك تجلي الظهور ثم قيل يجد بمعنى يعلم ومصدره الوجود وذلك معروف في العربية ومنه قول الشاعر: وجدت الله أكبر كل شئ * محاولة (1) وأكثرهم جنودا أي علمته كذلك إلا أنه لا يقال للمعدوم موجود بمعنى أنه معلوم وذلك أنك لا تسمى واجدا لما غاب عنك فإن علمته في الجملة فذلك في المعدوم أبعد وقال الله تعالى " يجد الله غفورا رحيما " (2) أي يعلمه كذلك وقيل يجدونه حاضرا فالوجود هو العلم بالموجود، وسمي العالم بوجود الشئ واجدا له لا غير وهذا مما جرى على الشئ ثم ما قاربه وكان من سببه، ومن هاهنا يفرق بين الوجود والعلم.






مصادر و المراجع :

١- معجم الفروق اللغوية

المؤلف: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید