المنشورات

الكناية

[في الانكليزية] Metonymy ،antonomasia
[ في الفرنسية] metonymie
بالكسر في اللغة واصطلاح النحاة أن يعبّر عن شيء معيّن بلفظ غير صريح في الدلالة عليه لغرض من الأغراض كالإبهام على السامعين، كقولك جاءني فلان وأنت تريد زيدا. والمراد بها في باب المبنيات ما يكنى به لا المعنى المصدري ولا كلّ ما يكنى به بل البعض المعيّن منه، وهو كم وكذا كناية عن العدد وكيت وذيت للحديث، ومنها كأين كذا في الفوائد الضيائية، قال ابن الحاجب: الكناية في باب المبنيات لفظ مبهم يعبّر به عما وقع مفسّرا في كلام متكلّم إمّا لإبهامه على المخاطب أو لنسيانه.
واعترض عليه بأنّ كم ليس من هذا القبيل ولا لفظ كذا في قولك عندي كذا رجلا لأنّه ليس حكاية لما وقع في كلام متكلّم مفسّرا، ولا كيت وذيت في قولك كان من الأمر كيت وذيت. بلى قولك قال فلان كذا فقال كيت وذيت داخل في حدّه. وأجيب بأنّ المراد صحة الوقوع لا الوقوع حقيقة أي عما يصحّ أن يقع في كلام متكلّم مفسّرا أو من شأنه أن يقع كذا في الموشح «2». ويطلق الكناية أيضا على الضمير لأنّه يكنى به عن متكلّم أو مخاطب أو غائب تقدّم ذكره. وعند الأصوليين والفقهاء مقابل للصريح. قالوا الصريح لفظ انكشف المراد منه في نفسه أي بالنظر إلى كونه لفظا مستعملا، والكناية لفظ استتر المراد منه في نفسه سواء كان المراد منهما أي من الصريح والكناية معنى حقيقيا أو مجازيا. فالحقيقة التي لم تهجر صريح والتي هجرت وغلب معناها المجازي كناية، والمجاز الغالب الاستعمال صريح وغير الغالب كناية. واحترز بقيد في نفسه عن استتار المراد في الصريح بواسطة غرابة اللفظ أو ذهول السامع عن الوضع أو عن القرينة أو نحو ذلك، وعن انكشاف المراد في الكناية بواسطة التفسير والبيان، فمثل المفسّر والمحكم داخل في الصريح ومثل المشكل والمجمل داخل في الكناية لما تقرّر من أنّ هذه الأقسام متمايزة بالاعتبار لا بالذات. وما يقال من أنّ المراد الاستتار والانكشاف بحسب الاستعمال بأن يستعملوه قاصدين الاستتار وإن كان واضحا في اللغة أو الانكشاف وإن كان خفيا في اللغة احترازا عن أمثال ذلك فلا يخفى ما فيه من التكلّف. وبالجملة المعتبر عندهم في الصريح والكناية الاستتار في نفس الأمر، ولا دخل لقصد المستعمل في جعل الواضع في اللغة مستترا أو لا في عكسه، قالوا كنايات الطلاق تطلق مجازا لأنّ معانيها غير مستترة لكن الإبهام فيما يتّصل بها كالبائن فإنّه مبهم في أنّها بائنة من أي شيء عن النكاح أو عن غيره، فإذا نوى نوعا منها تعيّن وتبيّن بموجب الكلام. وفيه بحث لأنّه إن أريد أنّ مفهوماتها اللغوية غير مستترة فهذا لا ينافي الكناية، واستتار مراد المتكلّم بها كما في جميع الكنايات، وإن أريد أن ما أراد المتكلّم بها ظاهر لا استتار فيه فممنوع. كيف ولا يمكن التوصّل إليه إلّا ببيان من جهة المتكلّم وهم مصرّحون بأنّها من جهة المحل مبهمة مستترة ولم يفسّروا الكناية إلّا بما استتر منه المراد، سواء كان باعتبار المحلّ أو غيره ولم يشترطوا إرادة اللازم ثم الانتقال منه إلى الملزوم كما اشترطه أهل البيان، بدليل أنّهم جعلوا الحقيقة المهجورة والمجاز الغير المتعارف كناية بمجرّد الاستتار كذا في التلويح وغيره. وعند علماء البيان لفظ قصد بمعناه معنى ثان ملزوم له أي لفظ استعمل في معناه الموضوع له لكن لا ليتعلّق به الإثبات والنفي ويرجع إليه الصدق والكذب، بل لينتقل منه إلى ملزومه فيكون هذا مناط الإثبات والنفي ومرجع الصدق والكذب، كما تقول فلان طويل النّجاد قصدا بطول النّجاد إلى طول القامة، فيصحّ الكلام وإن لم يكن له نجاد قط بل وإن استحال المعنى الحقيقي كما في قوله تعالى وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ «1» وقوله الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى «2» وأمثال ذلك، فإنّ هذه كلها كنايات عند المحقّقين من غير لزوم كذب، لأنّ استعمال اللفظ في معناه الحقيقي وطلب دلالته إنّما هو لقصد الانتقال منه إلى ملزومه. فالمراد في الكناية اللازم بالعرض والملزوم بالذات وحينئذ لا حاجة إلى ما قيل إنّ الكناية مستعملة في المعنى الثاني، لكن مع جوار إرادة المعنى الأوّل ولو في محلّ آخر، وباستعمال آخر، بخلاف المجاز فإنّه من حيث إنّه مجاز مشروط بقرينة مانعة عن إرادة الموضوع له. وميل صاحب الكشاف إلى أنّه يشترط في الكناية إمكان الحقيقي لأنّه ذكر في قوله تعالى وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ «3» أنّه مجاز عن الاستهانة والسّخط، وأنّ النظر إلى فلان بمعنى الاعتداد به والإحسان إليه كناية إن أسند إليه من يجوز عليه النّظر ومجاز إن أسند إلى من لا يجوز عليه النظر. وبالجملة كون الكناية من قبيل الحقيقة صريح في المفتاح وغيره. فإن قيل قد ذكر في المفتاح أنّ الكلمة المستعلمة إمّا أن يراد بها معناها وحده أو غير معناها وحده أو معناها وغير معناها معا، والأول الحقيقة في المفرد والثاني المجاز في المفرد والثالث الكناية، وهذا مشعر بكون الكناية قسما للحقيقة والمجاز مباينا لهما. قلنا أراد بالحقيقة هاهنا الصريح منها بقرينة جعلها في مقابلة الكناية، وتصريحه عقيب ذلك بأنّ الحقيقة والكناية تشتركان في كونهما حقيقتين وتفترقان بالتصريح وعدمه. لا يقال فإذا أريد بالكلمة معناها وغير معناها معا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز إذ لا معنى له إلّا إرادة المعنى الحقيقي والمجازي معا لأنّا نقول الممتنع إنّما هو إرادتهما بالذات وفي الكناية إنّما أريد المعنى الحقيقي للانتقال منه إلى المعنى المجازي، وهذا بخلاف المجاز فإنه مستعمل في غير ما وضع له على أنّه مراد قصدا، وبالذات إذ لا معنى لاستعمال اللفظ في غير معناه لينتقل منه إلى معناه فينافي إرادة الموضوع له لأنّ إرادته حينئذ لا يكون للانتقال إلى المعنى المجازي الداخل تحت الإرادة قصدا من غير تبعية، بل لكونه مقصودا بالذات فيلزم إرادة المعنى الحقيقي والمجازي معا بالذات وهو ممتنع. وبهذا يندفع ما يقال لو كان الاستعمال في غير ما وضع له منافيا لإرادته الموضوع له لامتناع الجمع بين الحقيقة والمجاز لكان استعماله فيما وضع له أيضا منافيا لإرادة غير الموضوع له لذلك كذا كذا في التلويح.
قال أبو القاسم في حاشية المطوّل: ذهب المحقّقون إلى أنّه يجوز كون المعنى الحقيقي في الكناية مستحيلا وحينئذ لا يعلم الفرق بينها وبين المجاز أصلا، فإنّ استحالة المعنى الحقيقي من أقوى قرائن المجاز، فإذا جوّز في الكناية استحالة المعنى الحقيقي ولم يجعل مانعا عن إرادة المعنى الحقيقي لينتقل منه إلى المقصود فلا يكون شيء من قرائن المجاز مانعا عن إرادته لينتقل منه إلى المقصد، فلا تتميّز الكناية عن المجاز في شيء من الصور. ولو سلّم فلا شكّ في عدم التمييز في صورة الاستحالة. قال صاحب الأطول: يمكن أن تجعل الكنايات كلها حقائق صرفة ويكون قصد ما به يجعل معنى كنائيا من قبيل قصد النتيجة بعد إقامة الدليل فيكون فلان كثير الرّماد حقيقة صرفة ذكرت دليلا على أنّه مضياف فيكون التقدير فهو مضياف ولا يكون هناك استعمال كثير الرماد في المضياف انتهى. وفرّق السّكّاكي وغيره بينهما بأنّ الانتقال فيها من اللازم إلى الملزوم وفي المجاز بالعكس كالانتقال من الأسد الذي هو ملزوم الشجاع إلى الشجاع.
وردّ بأنّ اللازم ما لم يكن ملزوما لم ينتقل منه لأنّ اللازم يجوز أن يكون أعمّ من الملزوم، والانتقال إنّما يتصوّر على تقدير تلازمهما وتساويهما، وحينئذ يكون الانتقال من الملزوم إلى اللازم كما في المجاز. وأجيب بأنّ المراد باللازم ما يكون وجوده على سبيل التّبعية كطول النجاد لطول القامة، ولذا جوّزوا كون اللازم أخصّ كالضاحك بالفعل للإنسان، فالكناية أن يذكر من المتلازمين ما هو تابع ورديف ويراد به ما هو متبوع ومردوف، والمجاز بالعكس، وفيه نظر لأنّ المجاز قد يكون من الطرفين كاستعمال الغيث في النبت واستعمال النبت في الغيث كذا في المطول. قال أبو القاسم ذكر أهل الأصول أنّه لمّا كان مبني المجاز على الانتقال من الملزوم إلى اللازم أي من المتبوع إلى التابع فإن كان اتصال الشيئين بحيث يكون كلّ منهما أصلا من وجه وفرعا من وجه جاز استعمال الأصل في الفرع دون العكس، فالعلّة أصل من جهة احتياج المعلول إليه والمعلول المقصود أصل من جهة كونه منزلة العلّة الغائية، وهي وإن كانت لوجودها معلولة لمعلولها إلّا أنّها لماهياتها علّة له، ومن هذا القبيل إطلاق النبت على الغيث فاندفع الاعتراض. والقول بأنّ اصطلاح أهل العربية مخالف لاصطلاح الأصول مما لا يلتفت إليه انتهى. اعلم أنّ الكناية في اصطلاحهم كما تطلق على اللفظ نفسه كذلك تطلق على المعنى المصدري الذي هو فعل المتكلم أعني ذكر اللازم وإرادة الملزوم، فاللفظ يكنى به والمعنى يكنى عنه كذا في المطول

 

مصادر و المراجع :

١- موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم

المؤلف: محمد بن علي ابن القاضي محمد حامد بن محمّد صابر الفاروقي الحنفي التهانوي (المتوفى: بعد 1158هـ)

٢- شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم

المؤلف: نشوان بن سعيد الحميرى اليمني (ت ٥٧٣هـ)

٣- لسان العرب

المؤلف: محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (ت ٧١١هـ)

٤- تاج العروس من جواهر القاموس

المؤلف: محمّد مرتضى الحسيني الزَّبيدي

٥- كتاب العين

المؤلف: أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري (ت ١٧٠هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید