المنشورات
(ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)) .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: (ذَلِكَ) : ذَا اسْمُ إِشَارَةٍ، وَالْأَلِفُ مِنْ جُمْلَةِ الِاسْمِ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ الذَّالُ وَحْدَهَا هِيَ الِاسْمُ، وَالْأَلِفُ زِيدَتْ لِتَكْثِيرِ الْكَلِمَةِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: ذِهِ أَمَةُ اللَّهِ ; وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ اسْمٌ ظَاهِرٌ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ اسْمٌ ظَاهِرٌ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ حَتَّى يُحْمَلَ هَذَا عَلَيْهِ، وَيَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي التَّصْفِيرِ: ذَيًّا فَرَدُّوهُ إِلَى الثُّلَاثِيِّ، وَالْهَاءُ فِي ذِهِ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ فِي ذِي.
وَأَمَّا اللَّامُ فَحَرْفٌ زِيدَ لِيَدُلَّ عَلَى بُعْدِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ.
وَقِيلَ هِيَ بَدَلٌ مِنْ هَا ; أَلَا تَرَاكَ تَقُولُ هَذَا، وَهَذَاكَ ; وَلَا يَجُوزُ هَذَلِكَ.
وَحُرِّكَتِ اللَّامُ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ سَاكِنَانِ، وَكُسِرَتْ عَلَى أَصْلِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَقِيلَ كُسِرَتْ لِلْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ اللَّامِ وَلَامِ الْجَرِّ، إِذْ لَوْ فَتَحْتَهَا فَقُلْتَ: ذَلِكَ، لَالْتَبَسَ بِمَعْنَى الْمِلْكِ.
وَقِيلَ: ذَلِكَ هَاهُنَا بِمَعْنَى هَذَا. وَمَوْضِعُهُ رَفْعٌ، إِمَّا عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ الم، وَالْكِتَابُ عَطْفُ بَيَانٍ، وَلَا رَيْبَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ هَذَا الْكِتَابُ حَقًّا أَوْ غَيْرَ ذِي شَكٍّ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُبْتَدَأٌ، وَالْكِتَابُ خَبَرُهُ، وَلَا رَيْبَ حَالٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ عَطْفَ بَيَانٍ، وَلَا رَيْبَ فِيهِ الْخَبَرَ، وَرَيْبٌ مَبْنِيٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ; لِأَنَّهُ رُكِّبَ مَعَ لَا، وَصُيِّرَ بِمَنْزِلَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَعِلَّةُ بِنَائِهِ تَضَمُّنُهُ مَعْنَى مِنْ، إِذِ التَّقْدِيرُ لَا مِنْ رَيْبٍ، وَاحْتِيجَ إِلَى تَقْدِيرِ مِنْ لِتَدُلَّ لَا عَلَى نَفْيِ الْجِنْسِ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ لَا رَجُلَ فِي الدَّارِ فَتَنْفِيَ الْوَاحِدَ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ، فَإِذَا قُلْتَ لَا رَجُلٌ فِي الدَّارِ، فَرَفَعْتَ وَنَوَّنْتَ، نَفَيْتَ الْوَاحِدَ وَلَمْ تَنْفِ مَا زَادَ عَلَيْهِ إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرَ.
وَقَوْلُهُ: (فِيهِ) فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ فِي مَوْضِعِ خَبَرِ لَا، وَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ لَا رَيْبَ كَائِنٌ فِيهِ، فَيَقِفُ حِينَئِذٍ عَلَى فِيهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لَا رَيْبَ آخِرَ الْكَلَامِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ لِلْعِلْمِ بِهِ، ثُمَّ تَسْتَأْنِفُ، فَتَقُولُ فِيهِ هُدًى، فَيَكُونُ هُدًى مُبْتَدَأٌ، وَفِيهِ الْخَبَرُ، وَإِنْ شِئْتَ كَانَ هُدًى فَاعِلًا مَرْفُوعًا بِفِيهِ، وَيَتَعَلَّقُ فِي عَلَى الْوَجْهَيْنِ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ.
وَأَمَّا هُدًى فَأَلِفُهُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ يَاءٍ ; لِقَوْلِكَ: هَدَيْتُ وَالْهُدَى.
وَفِي مَوْضِعِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: رَفْعٌ، إِمَّا مُبْتَدَأٌ، أَوْ فَاعِلٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ; وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ هُوَ هُدًى ; وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِذَلِكَ بَعْدَ خَبَرٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْهَاءِ فِي فِيهِ ; أَيْ لَا رَيْبَ فِيهِ هَادِيًا، فَالْمَصْدَرُ فِي مَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ، وَالْعَامِلُ فِي الْحَالِ مَعْنَى الْجُمْلَةِ تَقْدِيرُهُ: أُحَقِّقُهُ هَادِيًا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ مَعْنَى التَّنْبِيهِ وَالْإِشَارَةِ الْحَاصِلُ مِنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِلْمُتَّقِينَ) اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: كَائِنٌ أَوْ كَائِنًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْهُدَى، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ اللَّامُ بِنَفْسِ الْهُدَى ; لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَالْمَصْدَرُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْفِعْلِ، وَوَاحِدُ الْمُتَّقِينَ مُتَّقِي، وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنْ وَقَى فَعَلَ، فَفَاؤُهَا وَاوٌ، وَلَامُهَا يَاءٌ، فَإِذَا بَنَيْتَ مِنْ ذَلِكَ افْتَعَلَ قَلَبْتَ الْوَاوَ تَاءً، وَأَدْغَمْتَهَا فِي التَّاءِ الْأُخْرَى، فَقُلْتَ: اتَّقَى، وَكَذَلِكَ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ، نَحْوَ مُتَّقٍ وَمُتَّقًى.
وَمُتَّقٍ: اسْمٌ نَاقِصٌ، وَيَاؤُهُ الَّتِي هِيَ لَامٌ مَحْذُوفَةٌ فِي الْجَمْعِ لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ حَرْفِ الْجَمْعِ بَعْدَهَا ; كَقَوْلِكَ: مُتَّقُونَ وَمُتَّقِينَ وَوَزْنُهُ فِي الْأَصْلِ مُفْتَعِلُونَ ; لِأَنَّ أَصْلَهُ مُوْتَقِيُونَ، فَحُذِفَتِ اللَّامُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فَوَزْنُهُ الْآنَ مُفْتَعُونَ وَمُفْتَعِينَ، وَإِنَّمَا حُذِفَتِ اللَّامُ دُونَ عَلَامَةِ الْجَمْعِ ; لِأَنَّ عَلَامَةَ الْجَمْعِ دَالَّةٌ عَلَى مَعْنًى، إِذَا حُذِفَتْ لَا يَبْقَى عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى دَلِيلٌ، فَكَانَ إِبْقَاؤُهَا أَوْلَى.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
10 ديسمبر 2023
الأكثر قراءة
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
<div>البيت من معلقة طرفة بن العبد. يقول: إنّ الأيام ستكشف لك ما كان مستترا عنك وستأتيك الأخبار من غي...
المزیدفصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
<div>البيت لقطري بن الفجاءة، والخطاب لنفسه.</div><div>والشاهد: «فصبرا»، و «صبرا» حيث حذف منه فعله وه...
المزیدحننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
<div>فما حسن أن تأتي الأمر طائعا … وتجزع أن داعي الصبابة أسمعا</div><div>قفا ودعا نجدا ومن حل بالحمى...
المزیدأفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
<div>البيت لامرئ القيس من معلقته.</div><div>وقوله: أفاطم: الهمزة لنداء القريب، وفاطم: بالفتح، منادى...
المزیدإنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
منسوب إلى أبي النجم، وقيل لغيره.<br><div><div>والبيت شاهد على استخدام المثنى بالألف دائما وهو «غايتا...
المزید
تعليقات (0)