المنشورات

(قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)) .

قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا ذَلُولٌ) : إِذَا وَقَعَ فَعُولٌ صِفَةً لَمْ يَدْخُلْهُ الْهَاءُ لِلتَّأْنِيثِ، تَقُولُ: امْرَأَةٌ صَبُورٌ شَكُورٌ، وَهُوَ بِنَاءٌ لِلْمُبَالَغَةِ. وَذَلُولٌ: رُفِعَ صِفَةً لِلْبَقَرَةِ، أَوْ خَبَرَ ابْتِدَاءٍ مَحْذُوفٍ، وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ صِفَةً.
(تُثِيرُ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي ذَلُولٍ، تَقْدِيرُهُ: لَا تَذِلُّ فِي حَالِ إِثَارَتِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَفْعًا إِتْبَاعًا لِذَلُولٍ.
وَقِيلَ: هُوَ مُسْتَأْنَفٌ ; أَيْ هِيَ تُثِيرُ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْبَقَرَةَ كَانَتْ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَمْ تَكُنْ تَسْقِي الزَّرْعَ، وَهُوَ قَوْلٌ بَعِيدٌ مِنَ الصِّحَّةِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ: (وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ) : فَنَفَى الْمَعْطُوفَ ; فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى وَاحِدٌ. أَلَا تَرَى أَنَّكَ لَا تَقُولُ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ قَائِمٍ وَلَا قَاعِدٍ، بَلْ تَقُولُ: لَا قَاعِدٍ بِغَيْرِ وَاوٍ، كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُنَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا لَوْ أَثَارَتِ الْأَرْضَ لَكَانَتْ ذَلُولًا، وَقَدْ نَفَى ذَلِكَ.
وَيَجُوزُ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَثْبَتَ هَذَا الْوَجْهَ أَنْ تَكُونَ تُثِيرُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ صِفَةً لِلْبَقَرَةِ.
(وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً أَيْضًا ; وَأَنْ يَكُونَ خَبَرَ ابْتِدَاءٍ مَحْذُوفٍ. وَكَذَلِكَ: (مُسَلَّمَةٌ) ، وَ «لَا شِيَةَ فِيهَا» وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً.
وَالْأَصْلُ فِي (شِيَةَ وَشِيَةَ) ; لِأَنَّهُ مِنْ وَشَا يَشِي، فَلَمَّا حُذِفَتِ الْوَاوُ فِي الْفِعْلِ حُذِفَتْ فِي الْمَصْدَرِ، وَعُوِّضَتِ التَّاءُ مِنَ الْمَحْذُوفِ، وَوَزْنُهَا الْآنَ عِلَةَ.
وَفِيهَا خَبَرٌ لَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ. (قَالُوا الْآنَ) : الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْآنَ زَائِدَةٌ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ ; قَالَ الزَّجَّاجُ: بُنِيَ ; لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى حَرْفِ الْإِشَارَةِ ; كَأَنَّكَ قُلْتَ هَذَا الْوَقْتَ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: بُنِيَ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى لَامِ التَّعْرِيفِ ; لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ الْمَلْفُوظَ بِهِمَا لَمْ تُعَرِّفْهُ وَلَا هُوَ عَلَمٌ وَلَا مُضْمَرٌ ; وَلَا شَيْءٌ مِنْ أَقْسَامِ الْمَعَارِفِ ; فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفُهُ بِاللَّامِ الْمُقَدَّرَةِ، وَاللَّامُ هُنَا زَائِدَةٌ زِيَادَةً لَازِمَةً، كَمَا لَزِمَتْ فِي الَّذِي، وَفِي اسْمِ اللَّهِ.
وَفِي الْآنَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: تَحْقِيقُ الْهَمْزَةِ ; وَهُوَ الْأَصْلُ.
وَالثَّانِي: إِلْقَاءُ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ عَلَى اللَّامِ وَحَذْفُهَا وَحَذْفُ أَلِفِ اللَّامِ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ ; لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ اللَّامِ فِي الْأَصْلِ ; لِأَنَّ حَرَكَةَ اللَّامِ هَاهُنَا عَارِضَةٌ.
وَالثَّالِثُ: كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُمْ حَذَفُوا أَلِفَ اللَّامِ لَمَّا تَحَرَّكَتِ اللَّامُ فَظَهَرَتِ الْوَاوُ فِي قَالُوا. وَالرَّابِعُ: إِثْبَاتُ الْوَاوِ فِي اللَّفْظِ وَقَطْعُ أَلِفِ اللَّامِ وَهُوَ بَعِيدٌ.
(بِالْحَقِّ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ ; وَالتَّقْدِيرُ أَجَأْتَ الْحَقَّ ; أَوْ ذَكَرْتَ الْحَقَّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ التَّاءِ تَقْدِيرُهُ: جِئْتَ وَمَعَكَ الْحَقُّ.




مصادر و المراجع :

١-التبيان في إعراب القرآن

المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى : 616هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید