المنشورات
(فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا) : هُوَ هُنَا مَصْدَرٌ عَلَى غَيْرِ لَفْظِ الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ نَائِبٌ عَنْ إِثْبَاتٍ.
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: فَنَبَتَتْ نَبَاتًا، وَالنَّبْتُ وَالنَّبَاتَ بِمَعْنًى ; وَقَدْ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنِ النَّابِتِ.
وَتَقَبَّلَهَا: أَيْ قَبِلَهَا، وَيُقْرَأُ عَلَى لَفْظِ الدُّعَاءِ فِي تَقَبَّلَهَا وَأَنْبَتَهَا وَكَفَّلَهَا، وَرَبَّهَا بِالنَّصْبِ ; أَيْ يَا رَبَّهَا وَ «زَكَرِيَّا» الْمَفْعُولُ الثَّانِي.
وَيُقْرَأُ فِي الْمَشْهُورِ كَفَّلَهَا بِفَتْحِ الْفَاءِ. وَقُرِئَ أَيْضًا بِكَسْرِهَا، وَهِيَ لُغَةٌ يُقَالُ كَفِلَ يَكْفَلُ مِثْلُ عَلِمَ يَعْلَمُ.
وَيُقْرَأُ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ، وَالْفَاعِلُ اللَّهُ، وَزَكَرِيَّا الْمَفْعُولُ.
وَهَمْزَةُ زَكَرِيَّا لِلتَّأْنِيثِ، إِذْ لَيْسَتْ مُنْقَلِبَةً وَلَا زَائِدَةَ لِلتَّكْثِيرِ وَلَا لِلْإِلْحَاقِ.
وَفِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ: هَذِهِ إِحْدَاهَا. وَالثَّانِيَةُ: الْقَصْرُ. وَالثَّالِثَةُ: زَكَرِيُّ بِيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ. وَالرَّابِعَةُ: زَكَرُ بِغَيْرِ يَاءٍ) . (كُلَّمَا) : قَدْ ذَكَرْنَا إِعْرَابَهُ أَوَّلَ الْبَقَرَةِ.
وَ (الْمِحْرَابَ) : مَفْعُولُ دَخَلَ، وَحَقُّ «دَخَلَ» أَنْ يَتَعَدَّى بِفِي أَوْ بِإِلَى، لَكِنَّهُ اتُّسِعَ فِيهِ فَأُوصِلَ بِنَفْسِهِ إِلَى الْمَفْعُولِ. وَ (عِنْدَهَا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِوَجَدَ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الرِّزْقِ، وَهُوَ صِفَةٌ لَهُ فِي الْأَصْلِ ; أَيْ رِزْقًا كَائِنًا عِنْدَهَا. وَ (وَجَدَ) الْمُتَعَدِّي إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ جَوَابُ كُلَّمَا.
وَأَمَّا (قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ) : فَهُوَ مُسْتَأْنَفٌ ; فَلِذَلِكَ لَمْ يَعْطِفْهُ بِالْفَاءِ، وَلِذَلِكَ «قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَالَ بَدَلًا مِنْ وَجَدَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: فَقَالَ، فَحَذَفَ الْفَاءَ كَمَا حُذِفَتْ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) [الْأَنْعَامِ: 121] ; وَكَذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا.
وَهَذَا الْمَوْضِعُ يُشْبِهُ جَوَابَ الشَّرْطِ ; لِأَنَّ «كُلَّمَا» تُشْبِهُ الشَّرْطَ فِي اقْتِضَائِهَا الْجَوَابَ.
(هَذَا) : مُبْتَدَأٌ، وَأَنَّى خَبَرُهُ ; وَالتَّقْدِيرُ: مِنْ أَيْنَ وَ «لَكِ» تَبْيِينٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَرْتَفِعَ هَذَا بِلَكِ، وَأَنَّى ظَرْفٌ لِلِاسْتِقْرَارِ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
11 ديسمبر 2023
تعليقات (0)