المنشورات

لا بُدَّ من كذا

أي: لا مُفارقة، وقد يُفَسَّرُ ب (وَجَبَ) ، وذلك لأنَّ أصله في الإِثبات: بَدُّ الأمرَ: فرَّقَ، وتبدَّدَ: تفرَّقَ، وجاءتَ الخيلُ بَدداً (75) ، أي: متفرّقةً. فإذا نُفي التفرّقُ والمُفارقة بينَ شيئينِ حصلَ تلازمٌ بينهما دائماً فصارَ أحدهما واجباً للآخر، من ثمَّ فسّروه ب (وَجَبَ) . وبُدَّ: اسم مبني على الفتح مع (لا) النافية، لأنّه اسمها والخبر محذوف، أي: (لنا) أو نحوه، وقد يُصرَّحُ به (76) . وذكر الفَنَرِيّ (77) في حواشي المطوّل (78) : أنّ الجار والمجرور متعلّق بالمنفي، أعني بُدَّ، على قول البغداديين حيث أجازوا (79) : (لا طالعَ جبلاً) [بترك] (80) تنوين الاسم المطول إجراءً له مجرى المضاف، والبصريون أوجبوا في مثله تنوين الاسم، وجعلوا متعلّق الظرف فيما بني الاسم فيه على الفتح كما فيما نحن فيه محذوفاً هو خبر المبتدأ، أي: لا بُدَّ ثابت لنا (81) . وقوله: (من كذا) خبر مبتدأ محذوف، أي: البدُّ المنفي من كذا. وهذه الجملة الاسمية المنفية لا محلَّ لها من الإِعراب، لأنّها جملة مستأنفة لفظاً. ويجوز أنْ يكون (من كذا) متعلّقاً بما دلّ عليه (لا بُدّ) ، أي: لا بُدَّ من كذا.
وقد أشار الشريفُ (82) في أواخر (بيان المفتاح) إلى أنّ الظرف في مثله خبر ل (لا) حيث قال: (في قوله: (لا تَلَقّيَ لإِشارته) أنّ (لإِشارته) ليس معمولاً للتلقي (83) وإلاّ لوجب نصبه على التشبيه بالمضاف بل هو خبر (لا) فتأمّل وقسْ على ما ذُكِرَ نظائر هذا التركيب) (84) . انتهى. وأقولُ: هذا ظاهرٌ فيما إذا قِيلَ: (لا بُدَّ من كذا) . أمّا إذا قيل: (لا بُدَّ لكذا من كذا) فالخبر هو الظرف الأول، إلاّ أنْ يُقال من تعدد الأخبار تأمّل. ثُم في قوله: (ويجوز أنْ يكونَ متعلِّقاً بما دلَّ عليه (لا بُدَّ) ، أي: لا بُدَّ من كذا) فيه نظرٌ إذْ لا فرقَ بينَ هذا المُقَدَّر والمذكور، فلا حاجة إلى تقديره تأمّل هذا (85) . ووقع في بعض العبارات: (لا بُدَّ وأَنْ يكونَ) واستعمله السَّعْدُ (86) في كتبه أيضاً. وقال الفَنَريّ (7) : إنّ الواوَ مَزيدةٌ في الخبر. وقالَ بعضُ المُحَشِّين: هذه الواو للّصوق، أي: لزيادة لصوق (لا) بالخبر. انتهى. وفيه بحثٌ، فإنّ الكون المنسبك من (أَنْ) والفعل لا يصلحُ أنْ يكونَ خبراً معنى (87) . فإنْ قِيلَ: حَذْفُ الجارِّ بَعْدَ (أَنَّ) و (أنْ) مطّردٌ.

قُلنا: إذا قُدِّرَ الجار يكون لغواً متعلقاً بقوله (بُدَّ) ، والخبر محذوف كما مرَّ. على أنّ صاحب المغني (88) لا يثبت واواً (89) للّصوق، كما ذكره بعضُ الفضلاء، ورجّح أنّ الواو هنا زائدة، وهي التي دخولها في الكلام كخروجها. ورأيت في بعض الهوامش أَنَّه رُوِيَ عن أبي سعيد السِّيرافيّ (90) في كتاب س (91) أنّه قالَ: تجيء الواو بمعنى (مِنْ) ، فإنْ ثبتَ ذلك يكونُ حَمل الواو هنا عليه أَوْلى من دعوى زيادتها فليُراجع.





مصادر و المراجع :

١-الفوائد العجيبة في إعراب الكلمات الغريبة

المؤلف: ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي (المتوفى: 1252هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید