المنشورات
كذا لغةً واصطلاحاً
قال ابنُ الحاجبِ: إنَّهُ منصوب على المفعولية المُطلقة، وإنّه من المصدر المؤكّد لغيره. صرّح به في أماليه (92) . وفيه نَظَرٌ من وجهين: الأول: أنّ اللغةَ ليستْ اسماً للحدثِ. الثاني: أنّها لو كانت مصدراً مؤكّداً لغيره لكانتْ إنّما تأتي بعدَ الجملةِ، فإنّه لا يجوزُ أنْ يتقدَّمَ ولا يتوسط، فلا يُقال: (حقًّا زيدٌ ابني) ولا (زيدٌ حقًّا ابني) ، وإنْ كانَ الزَّجّاجُ (93) يجيزُ ذلك.
فإنْ قلتَ: هل يجوزُ أنْ يكونَ مفعولاً لأجله، أو منصوباً على نزع الخافض، أو تمييزاً؟ قلتُ: لا يجوز الأوّلُ لأنّ المنصوب على التعليل لا يكون إلاّ مصدراً، ولا الثاني لوجهين: الأول: أنّ إسقاط الخافض سماعي، واستعمال مثل هذا التركيب مستمرٌّ شائعٌ في كلام العلماء. الثاني: أنّهم التزموا في مثل هذه الألفاظ التنكير ولو كانت على إسقاط الخافض لبقيت على تعريفها الذي كان (94) مع وجود الخافض، كما بقي التعريف في قوله (95) : تَمُرُّونَ الديارَ ولم تَعُوجُوا كلامُكُمُ عليَّ إذاً حَرامُ وأصله: تمرّون على الديار، أو بالديار. ولا الثالث لأنّ التمييز إمّا تفسيرٌ للمفرد ك (رطل زيتاً) أو تفسير للنسبة ك (طابَ زيدٌ نفساً) ، وهذا ليس شيئاً منهما. أمّا أنّه ليس تفسيراً للمفرد فلأنّه لم يتقدّمْ مبهمٌ وضعاً (96) فيميّز. وأمّا أنّه ليس تفسيراً (8) للنسبة فلأنّه لم تتقدّم (97) نسبةٌ. فإنْ قلتَ: يمكن أنّه من تمييز النسبة بأنْ يُقدَّرَ مضاف، أي: تفسيرها لغةً، فيكون من باب (أعجبني [طيبُهُ] (98) أباً) .
قلتُ: تمييز النسبة الواقع (99) بين المتضايفين (100) لا يكون إلاّ فاعلاً في المعنى. ثمّ قد يكون مع ذلك فاعلاً في الصناعة (101) باعتبار الأصل فيكون محوّلاً عن المضاف، نحو: (أعجبني طِيبُ زيدٍ أباً) ، إذا كان المراد الثناء على أبي زيد، وقد لا يكون كذلك فيكون صالحاً لدخول (من) نحو: (للهِ درُّهُ فارساً) و (وَيْحَهُ رَجُلاً) ، فإنّ الدرّ بمعنى الخير، وويح بمعنى الهلاك، ونسبتهما إلى الرجل كنسبة الفعل إلى فاعله، وتعلّق التفسير بالكلمة إنّما هو تعلّق الفعل بالمفعول لا بالفاعل. فإنْ قلتَ: ما وجهُ نصبِهِ؟ قلتُ: الظاهر أنْ يكونَ حالاً على تقدير مضاف من المجرور (102) ومضافين من المنصوب. والأصل تفسيرها: موضوع أهل اللغة، ثم حُذِفَ المتضايفان (103) على حدَّ حذفهما في قوله تعالى: (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً من أَثَرِ الرسولِ) (104) أي: أثر حافر فرس الرسول. ولمّا أُنيبَ الثالث عماّ هو الحالُ بالحقيقة التزم تنكيره لنيابته عن لازم التنكير. ولكَ أن تقول: الأصل موضوع اللغة، بتقدير مضاف واحد، ونسبة الوضع إلى اللغة مجازٌ. وهذا أحسنُ الوجوه، كذا حرَّرَه بعض المحققين 0105) ، وهو خلاصة ما ذكره ابن هشام في رسالته الموضوعة في هذه المسألة، ومَنْ أراد الاطلاع على أزيد من ذلك فعليه بها (106) .
مصادر و المراجع :
١-الفوائد العجيبة في إعراب الكلمات الغريبة
المؤلف: ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي
الحنفي (المتوفى: 1252هـ)
16 ديسمبر 2023
تعليقات (0)