المنشورات

كلّ فَرْدٍ فَرْدٍ

كقول المطوّل (156) : (معرفة كلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ من جزئيات الأحوال) . قال المحقّقُ الفَنَريّ: الأقربُ أنّه من التوكيد اللفظي، وقد يُجعل من قبيل وصف الشيء بنفسه قصداً إلى الكمال، أو (157) المراد: كلّ فرد منفرد عن الآخر، وحاصله معرفة (12) كلّ فرد على سبيل التفصيل والانفراد دون الاقتران، وقد يُترك لفظ (كلّ) في مثله، مع أنّ العمومَ مرادٌ، كما يُقال: (معرفة فَرْدٍ فَرْدٍ) ، والظاهر أنّ العمومَ مستفادٌ من قريته المقام، فإنّ النكرة في الإِثبات قد تعمُّ، ويحتملُ أنْ يُحملَ على حذف المضاف، وهو (كلّ) بتلك القرينة. ومنها قولهم: ولا سِيَّما كذا قالَ المحقّق الفَنَري (158) : (لا) لنفي الجنس، و (سِيّ) ، مثل (مِثْل) وزناً ومعنى، اسمُها عند الجمهور. وأصله: (سِوْيٌ) أو (سِيْوٌ) ، والواقع بعدها إذا كانَ معرّفاً، إمّا مجرور (159) على أنّه مضاف (160) إليه (161) ، و (ما) زائدة، كما في قوله تعالى: (أيّما الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ) (162) ، أو بدل من (ما) ، وهي نكرة غير موصوفة، أي: لا مِثلَ شيءٍ علم البيان. وإمّا مرفوع خبر مبتدأ محذوف، والجملة صلة إنْ جُعلت (ما) موصولة، أو صفة إنْ جُعلت موصوفة. والجرُّ (163) أَوْلى من هذا (164) الوجه لقِلّة حذف صدر الجملة الواقعة صلة أو صفة، صرّح به الرضيّ (165) ، على أنّه يقدح في اطّراده لزوم إطلاق (ما) على ذات مَنْ يعقلُ وهم يأبونه، وعلى الوجهين فحركة (سِيّ) إعراب لأنّه مضافٌ. وإمّا منصوبٌ على تقدير: (أعني) ، أو على أنّه تمييز إنْ كانَ نكرةً لأنّ (ما) بتقدير التنوين، وهي (166) كافة عن الإِضافة، والفتحة بنائية مثلها في: (رجلَ) ، وقيل على الاستثناء في الوجهين فعدم تجويز النصب، إذا كان معرفة، وَهْمٌ من الأندلسي (167) . وعلى التقادير خبر (لا) محذوف عند غير الأخفش (168) ، أي: لا مِثْلَ علم البيان موجود من العلوم فإنّ التحلّي بحقائقه أحقُّ بالتقدير من التحلّي بحقائق غيره. وعنده (ما) خبر لا، ويلزمه قطع (سيّ) عن الإِضافة من غير عوض. قيل: وكون خبر (لا) معرفة، وجوابه أنّه يقدّر (ما) نكرة موصوفة، وأمّا الجوابُ باحتمال أنْ يكون قد رجع إلى قول س (169) في: (لا رجلَ قائمٌ) مِن أنّ ارتفاع الخبر بما كان مرتفعاً به لا ب (لا) النافية، فلا يفيدُ فيما نحن فيه كما لا يخفى. وقد يحذفُ منه كلمة (لا) تخفيفاً مع أنّها مرادة، ولهذا لا يتفاوتُ المعنى، كما في قوله تعالى: (تَفْتَؤُ تذكرُ) (170) أي: لا تَفْتَؤُ، لكن ذكر البلياني (171) في شرح تلخيص (13) الجامع الكبير أنَّ استعمال (سِيّما) بلا [لا] (172) لا نظير له في كلام العرب. وقد تخفّف الياء مع وجود (لا) وحذفها. وقد يُقال: لا سواءَ [ما] (173) مقام (لا سِيّما) . والواو التي تدخل علياه في بعض المواضع كما في قوله (174) : ولا سِيَّما يوماً بدارةِ جلجلِ اعتراضية، ذكره الرضيّ (175) . [وقيل: حاليّة] (176) . وقيل: عاطفة. ثم عدّها من كلمات الاستثناء لكونِ ما بعدها مُخْرَجاً عمّا قبلها من حيث أَوَّليته بالحكم المتقدّم وإلاّ (177) فليس فيها حقيقته. صرّح به الرضي (178) . وقد يُحذفُ ما بعد (لا سيّما) ، وقد تُنقل من معناها الأصلي إلى معنى (خصوصاً) فيكون منصوب المحلّ على أنّه مفعول مطلق. فإذا قلت: (زيدٌ شجاعٌ ولا سيّما راكباً) ، فراكباً حال من مفعول الفعل المقدّر، أي: وأخصُّهُ بزيادة الشجاعة خصوصاً راكباً. وكذا في: (زيدٌ شجاعٌ ولا سيّما وهو راكبٌ) ، والواو التي بعده للحال، وقيلَ: عاطفة على مقدّر، كأنّه قيل: ولا سيّما وهو لابسٌ السلاحَ وهو راكبٌ. وعدم مجيء الواو قبله حينئذٍ كثير، إلاّ أنّ المجيء أكثر. انتهى.







مصادر و المراجع :

١-الفوائد العجيبة في إعراب الكلمات الغريبة

المؤلف: ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي (المتوفى: 1252هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید