المنشورات

مَا حدث وآدم فِي الْجَنَّة

وَهُوَ مَا حدث وآدم فِي الْجَنَّة لما سجدت الْمَلائِكَة لآدم وأبعد اللَّه إِبْلِيس أسكن آدَم الْجَنَّة، فَمَا حدث أباح آدَم جميع أشجار الْجَنَّة سِوَى شجرة واحدة، اختلفوا فِيهَا، فقيل: هِيَ الحنطة، وقيل: الكرمة إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا قَدْ شرحناه فِي التفسير [5] .
ومما حدث: مَا رَوَى السدي عَنْ أشياخه: لما أسكن آدَم الْجَنَّة كَانَ يمشي فِيهَا وحشا لَيْسَ لَهُ زوج، فنام نومة فاستيقظ فَإِذَا عِنْدَ رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه، فسألها: مَا أَنْتَ؟ قَالَتْ امرأة، قَالَ: وَلَمْ خلقت؟ قَالَتْ: تسكن إلي، قَالَتْ لَهُ الْمَلائِكَة ينظرون مَا بلغ علمه: مَا اسمها يا آدَم؟ قَالَ: حواء، قَالُوا: وَلَمْ سمت حواء؟ قَالَ: لأنها خلقت من شَيْء حي، فَقَالَ اللَّه: يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ. 2: 35 قَالَ قَتَادَة: خلق حواء من ضلع من أضلاعه.
قَالَ مجاهد: خلقت من قصيرى آدَم [1] .
ومما حدث: احتيال إِبْلِيس فِي الدخول إِلَى الْجَنَّة لاستذلال آدَم.
رَوَى السدي عَنْ أشياخه، قَالَ: لما أراد إِبْلِيس أَن يدخل الْجَنَّة إِلَى آدَم فمنعه الخزنة، فأتى الحية، وَهِيَ دابة لَهَا أربع قوائم، كأنها البعير، وَهِيَ كأحسن الدواب فكلمها أَن تدخله فِي فمها فأدخلته فِي فمها فَقَالَ: يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ 20: 120 [2] ، فأبى أَن يأكل، فقدمت حواء فأكلت، ثُمّ قَالَتْ: يا آدَم قَدْ أكلت وَلَمْ يضرني، فلما أكل بدت لهما سوءاتهما [3] .
وروى طاووس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ إِبْلِيسَ عَرَضَ نَفْسَهُ عَلَى الدَّوَابِّ لِتَحْمِلَهُ حَتَّى تُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ حَتَّى يُكَلِّمَ آَدَمَ، وَكُلُّ الدَّوَابَّ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ، حَتَّى كَلَّمَ الْحَيَّةَ، فَجَعَلَتْهُ بَيْنَ نَابَيْنِ من أنيابها ثم دَخَلَتْ بِهِ، وَكَانَتْ كَاسِيَةً [عَلَى أَرْبَعِ قَوَائِمٍ، فَأَعْرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى وَجَعَلَهَا تَمْشِي عَلَى] [4] بَطْنِهَا [5] .
وَقَالَ وهب بْن منبه: لما دخلت الحية [الْجَنَّة] خرج من جوفها، فأخذ من الشجرة، وجاء بها إِلَى حواء، فَقَالَ: انظري إِلَى هذه الشجرة، مَا أطيب ريحها وطعمها وأحسن لونها، فأكلت منها وذهبت بها إِلَى آدَم، فقالت: انظر إلى هذه ما أطيب ريحها وطعمها، فأكل فبدت لهما سوءاتهما، فدخل آدَم فِي جوف الشجرة، فناداه ربه: يا آدَم أين أَنْتَ؟ قَالَ: أنا هَذَا يا رب، قَالَ: يا حواء، أَنْتَ غررت عبدي، فلا تحملين حملا إلا حملته كرها، فَإِذَا أردت أَن تضعي مَا فِي بطنك أشرفت عَلَى الْمَوْت مرارا. وَقَالَ للحية: أَنْتَ الَّذِي دَخَلَ الملعون فِي جوفك حَتَّى غر عبدي، ملعونة أَنْتَ لعنة تتحول قوائمك فِي بطنك، ولا يكن لَكَ رزق إلا التراب، أَنْتَ عدوة بَنِي آدَم وَهُمْ أعداؤك، حيث لقيت مِنْهُم أحدا أخذت تسميه [1] ، وحيث لقيك شدخ رأسك [2] .
وَرَوَى مُحَمَّد بْن إِسْحَاق، عَنْ بَعْض أَهْل العلم: أَن آدَم لما رأى نعم الْجَنَّة قَالَ:
لو أَن خالدا، فاغتنمها إِبْلِيس فأتاه من قبل الخلد [3] .
قَالَ ابْن إِسْحَاق: وحَدِيث أَن أول مَا ابتدأهما بِهِ من كيده أَنَّهُ ناح عليهما نياحة أحزنتهما حِينَ سمعاها، فقالا لَهُ: مَا يبكيك؟ قَالَ: أبكي عليكما، إنكما تموتان فتفارقان مَا أنتما فِيهِ من النعمة والغبط [4] ، فوقع ذَلِكَ فِي أنفسهما، ثُمَّ أتاهما فوسوس إليهما، وَقَالَ: يا آدَم هل أدلك عَلَى شجرة الخلد [5] .
وَقَالَ ابْن زَيْد [6] : وسوس الشَّيْطَان إِلَى حواء فِي الشجرة حَتَّى أتى بها إِلَيْهَا، ثُمَّ حسنها فِي نَفْسه [7] ، قَالَ: فدعاها آدَم لحاجته، فَقَالَتْ: لا، إلا أَن تأتي هَذَا، قَالَ: مَا آتي؟ قَالَتْ: تأكل من هذه الشجرة، فأكلا منها، فبدت سوءاتهما، وذهب آدَم هاربا إِلَى الْجَنَّة، فناداه ربه يا آدَم أمني تفر؟ قَالَ: لا يا رب، ولكن حياء منك، وَقَالَ: يا آدَم أني أتيت؟ قَالَ: من قبل هَذَا أي رب، قَالَ: فَقَالَ اللَّه: إِن لَهَا عَلِي أَن أدميها فِي كل شهر مرة، كَمَا أدمت هذه الشجرة، وأن أجعلها سفيهة فَقَدْ كنت خلقتها حليمة، وأن أجعلها تحمل كرها وتضع كرها [1] .
وَكَانَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب يحلف باللَّه مَا يستثني: مَا أكل آدَم من الشجرة وهو يعقل، ولكن حواء سقته الخمر حَتَّى إِذَا سكر قادته إِلَيْهَا فأكل [2] .
قَالَ المؤلف [3] : وَفِي هَذَا بَعْد من جهتين، أحدهما: أَن خمر الْجَنَّة لا يسكر، لقوله تعالى: لا فِيها غَوْلٌ 37: 47 [4] .
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لا يخلو أَن يَكُون شربه مباحا لَهُ أَوْ محظورا وَقَدْ حظره لأن الظاهر إباحته جميع مَا فِي الْجَنَّة لَهُ سِوَى تلك الشجرة ومن فعل المباح لَمْ يؤاخذ بِمَا يؤثره، عَلَى أَن راوي هَذَا الْحَدِيث مُحَمَّد بْن إِسْحَاق وفيه مقال [5] .







مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید