المنشورات

قتل قابيل أخاه هابيل

اختلفوا في السبب الذي قتله لأجله:
فروى السدي عَنْ أشياخه، قَالَ: كَانَ لا يولد لآدم مولود إلا ومعه جارية، وكان يزوج غلام هَذَا البطن جارية هَذَا البطن الآخر، وجارية هَذَا البطن غلام هَذَا البطن الآخر. حتى ولد لَهُ قابيل وهابيل، وَكَانَ قابيل صاحب زرع، وهابيل صاحب ضرع، وَكَانَ قابيل الأكبر، وكانت لَهُ أخت أَحْسَن من أخت هابيل، وطلب هابيل أَن ينكح أخت قابيل، فأبى عَلَيْهِ، وَقَالَ: هِيَ أَحْسَن من أختك [1] ، وأنا أحق أَن أتزوجها، فأمره آدَم أَن يزوجه إياها [2] ، فأبى.
فقربا قربانا، وَكَانَ آدَم قَدْ ذهب إِلَى مَكَّة، فَقَالَ آدَم للسماء: احفظي ولدي بالأمانة، فأبت، وقال للأرض، فأبت، وَقَالَ للجبال فأبت، فَقَالَ لقابيل، فَقَالَ: نعم، ترجع فتجد أهلك كَمَا يسرك.
فلما انطلق [آدم] [3) ق] ربا قربانا، قرب هابيل جذعة سمينة، وقرب قابيل حزمة سنبل، فنزلت فأكلت قربان [هابيل] [4] وتركت قربان قابيل، فغضب وَقَالَ: لأقتلنك حَتَّى لا تنكح أختي فطلبه ليقتله، فذهب إلى رءوس الجبال، فأتاه يوما وَهُوَ نائم فِي الجبل، فرفع صخرة فشدخ بها رأسه فمات وتركه بالعراء، [لا يدري] [5] كَيْفَ يدفن، إِلَى أَن بعث اللَّه غرابين فاقتتلا، فقتل أحدهما الآخر ثُمَّ حفر لَهُ ثُمَّ حثا عَلَيْهِ، فقال حينئذ: أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ 5: 31 [6] .
أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيْوَيَةَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا محمد بن سعد، حدثنا موسى بن إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قال: كان لآدم أربعة أولاد توأم ذكر وَأُنْثَى مِنْ بَطْنٍ [وَذكر وَأُنْثَى مِنْ بطن] [7] ، فكانت أخت صاحب الحرث وَضِيئَةً، وَكَانَتْ أُخْتُ صَاحِبِ الْغَنَمِ قَبِيحَةً، فَقَالَ صَاحِبُ الْحَرْثِ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا، وَقَالَ صَاحِبُ الغنم: ويحك أتريد أن تستأثر بوضاءتها عليّ، تعالى حَتَّى نُقَرِّبَ قُرْبَانًا، فَإِنْ تُقُبِّلَ قُرْبَانُكَ كُنْتَ أحق بها، وَإِنْ تُقُبِّلَ قُرْبَانِي كُنْتُ أَحَقَّ بِهَا. قَالَ: فَقَرَّبَا قُرْبَانَيْهِمَا، فَجَاءَ صَاحِبُ الْغَنَمِ بِكَبْشٍ أَعَنَّ أَقْرَنَ أَبْيَضَ، وَجَاءَ صَاحِبُ الْحَرْثِ بَصُبُرَةٍ مِنْ طَعَامِهِ، فَقُبِلَ الْكَبْشُ فَجَعَلَهُ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا، وَهُوَ الْكَبْشُ الَّذِي ذَبَحَهُ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ صَاحِبُ الْحَرْثِ: لأَقْتُلَنَّكَ، فَقَتَلَهُ، فَوَلَدُ آَدَمَ كلهم من ذلك الْكَافِرِ [1] .
قَالَ موسى: وحدثنا حماد، عَنْ عَلِي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ آدَم يزوج ذكر هَذَا البطن بأنثى هَذَا البطن، وأنثى هَذَا البطن بذكر هَذَا البطن.
وَقَدْ ذكر ابْن إِسْحَاق عَنْ بَعْض أَهْل الكتاب: أَن قابيل كان يفتخر على هابيل ويقول: أنا وأختي من ولادة الْجَنَّة، فامتنع من تزويجه فقتله بَعْد هَذَا [2] .
وَرَوَى العوفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أنهما قربا قربانا تطوعا لأجل المرأة فلم يتقبل قربان قابيل، فغضب وقتل أخاه، وَقَالَ: لا ينظر النَّاس إلي وإليك وأنت خير مني.
وَقَدْ روينا عَنِ الْحَسَن أَن ابني آدَم هذين من بَنِي إسرائيل وَلَمْ يكونا من صلب آدم، وان أول من مَات آدَم.
وَفِي هَذَا بَعْد، فإنا قَدْ ذَكَرْنَا أَن حواء لَمْ يكن لَهَا ولد، فسمت ولدها عبد الحارث، ويقال ان أول من مَات آدَم.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بن محمد، أخبرنا الحسن بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «لا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلا كَانَ عَلَى ابْنِ آَدَمَ الأَوَّلَ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا» ، لأَنَّهُ كَانَ أول من سن القتل [3] .

أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وذكر فِي التوراة: أَن هابيل قتل وَلَهُ عشرون سَنَة، وَكَانَ لقابيل يَوْمَئِذٍ خمس وعشرون سَنَة.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُور عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن عَلِي بْن ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا الأَزْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِي بْن عُمَر الْحَافِظ. حَدَّثَنَا إسماعيل بن العباس الوراق، حدثنا أبو الْبَخْتَرِيُّ عَبْدُ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ شَاكِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْمَخْرَمِيُّ، عَنْ عَبْد العزيز بن الرَّيَّاحِ، عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة، عَنِ ابْن أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا قَتَلَ ابْنُ آدَمَ أَخَاهُ، قَالَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ:
تَغَيَّرَتِ الْبِلادُ وَمَنْ عَلَيْهَا ... فَوَجْهُ الأَرْضِ مُغْبَرٌ قَبِيحٌ
تَغَيَّرَ كُلُّ ذِي طَعْمٍ وَلَوْنٍ ... وَقَلَّ بَشَاشَةُ الْوَجْهِ الصَّبِيحِ [1]
قَتَلَ قابيل هابيلا أخاه ... فوا حزنا مَضَى [2] الْوَجْهُ الْمَلِيحُ
فَأَجَابَهُ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ:
تَنَحَّ عَنِ الْبِلادِ [3] وَسَاكِنِيهَا ... بَنى فِي الْخُلْدِ ضَاقَ لَكَ الْفَسِيحُ [4]
وَكُنْتَ بِهَا وَزَوْجَكَ فِي رَخَاءٍ [5] ... وَقَلْبَكُ مِنْ أَذَى الدُّنْيَا مُرِيحٌ
فَمَا انْفَكَّتْ مُكَايَدَتِي وَمَكْرِي [6] ... إِلَى أَنْ فَاتَكَ الثَّمَنُ الرَّبِيحُ [7]
فَلَوْلا رَحْمَةُ الْجَبَّارِ أَضْحَى ... بِكَفِّكَ مِنْ جنان الخلد ريح [8]
ومن الأحداث [1]
إِن قابيل [بَعْد أَن] [2] قتل أخاه هرب إِلَى اليمن وشاع فِي أولاده الزنا وشرب الخمر والفساد، فأوصى آدَم أَن لا ينكح بنو شيث بَنِي قابيل، فجعل بنو شيث آدَم فِي مغارة وجعلوا عَلَيْهِ حافظا لا يقربه أحد من بَنِي قابيل. وَكَانَ الَّذِينَ يأتونه ويستغفر لَهُمْ بنو شيث، فَقَالَ مائة من بَنِي شيث صباح: لو نظرنا مَا فعل عمنا. يعنون بَنِي قابيل، فهبطت المائة إِلَى نساء من بَنِي قابيل فاحتبسوهن، ثُمَّ قَالَ مائة أُخْرَى: لو نظرنا مَا فعل/ إخوتنا فهبطوا فاحتبسهم النساء ثُمَّ هبط بنو شيث كلهم فجاءت المعصية، فكثر بنو قابيل حتى ملئوا الأرض، وهم الذين غرقوا أَيَّام نوح.
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن محمد القزاز، أخبرنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمَأْمُونِ، أَخْبَرَنَا عبد الله بن محمد بْن حَنَانَهْ، حَدَّثَنَا الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِي بْن زَيْد، عَنْ أَبِي عُثْمَان، عَنْ ابْن مَسْعُود، وَابْنُ عَبَّاسٍ قَالا:
لَمَّا كَثُرَ بَنُو آدم دعت عليهم السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَالْمَلائِكَةُ: رَبَّنَا أَهْلِكْهُمْ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْمَلائِكَةِ: أَنِّي لَوْ أَنْزَلْتُ الشَّيْطَانَ وَالشَّهْوَةَ فِيكُمْ مَنْزِلَتَهُمَا مِنْ بَنِي آدَمَ لفعلتم كما يفعلون، فحدثوا أنفسهم بِأَنَّهُمْ إِنِ ابْتُلُوا سَيَعْتَصِمُونَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمْ أن اختاروا من أفضلكم ملكين، فاختاروا هَارُوتَ وَمَارُوتَ فَاهْبِطَا إِلَى الأَرْضِ حَكَمَيْنِ، وَهَبَطَتِ الزَّهْرَةُ فِي صُورَةِ امْرَأَةٍ. وَأَهْلُ فَارِسٍ يُسَمُّونَهُ بَيْدَخْتَ، وَكَانَ الْمَلائِكَةُ قَبْلَ ذَلِكَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا، فَلَمَّا وَقَعَا فِي الْخَطِيئَةِ اسْتَغْفَرُوا لِمَنْ فِي الأَرْضِ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن جعفر، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مَوْسَى بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«إِنَّ آَدَمَ لَمَّا أَهْبَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الأَرْضِ، قَالَتِ الْمَلائِكَةُ: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا، نَحْنُ أَطْوَعُ لَكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ، فَقَالَ تَعَالَى لِلْمَلائِكَةِ: هلموا ملكين من الملائكة حتى نهبطهما إلى الأَرْضَ، نَنْظُرُ كَيْفَ يَعْمَلان، قَالُوا: هَارُوتُ وَمَارُوتُ. وأهبطا إلى الأرض، ومثلت لهما الزهرة امرأة مِنْ أَحْسَنَ النِّسَاءِ، فَجَاءَتْهُمَا فَسَأَلاهَا نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: لا وَاللَّهِ حَتَّى تَتَكَلَّمَا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنَ الشِّرْكِ، فَقَالا: وَاللَّهِ لا نُشْرِكُ باللَّه شَيْئًا، فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي فسألاها نفسها، فَقَالَتْ: لا وَاللَّهِ حَتَّى تَقْتُلا هَذَا الصَّبِيَّ، فَقَالا: لا وَاللَّهِ لا نَقْتُلُهُ أَبَدًا، ثُمَّ رَجَعَتْ بِقَدَحِ خَمْرٍ [تَحْمِلُهُ] [1] ، فَسَأَلاهَا نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: لا وَاللَّهِ حَتَّى تَشْرَبَا هَذِهِ الْخَمْرَ، فَشَرِبَا فَسَكِرَا فَوَقَعَا عَلَيْهَا وَقَتَلا الصَّبِيَّ، فَلَمَّا أَفَاقَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ: وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُمَا شَيْئًا مِمَّا أبيتما علي إِلا قَدْ فَعَلْتُمَا حِينَ سَكِرْتُمَا، فَخُيِّرَا بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ فَاخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا [2] وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ بَعْدَ رَفْعِ إِدْرِيسَ.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید