المنشورات
الْمَلِك المسمى بالضحاك
وَهُوَ بيوراسب. لما قهر جما الْمَلِك ملك مكانه، وسار فِي الناس بجور شديد.
وذكر بعض المؤرخين أَن نوحا بعث فِي زمان هَذَا الرجل إِلَيْهِ وإلى أَهْل مملكته مِمَّن تمرد وعصى، وأنهم هلكوا بمخالفته، فلذلك ذَكَرْنَا خبره هاهنا.
كَانَ الضَّحَّاك عظيم المملكة. ويقال: أَن جما الْمَلِك زوج أخته من بعض أشراف أهل بيته، وملكه على اليمن، فولدت له الضحاك [8] .
واليمن تدعيه وتزعم أَنَّهُ من أنفسها، وأنه الضَّحَّاك بْن علوان بْن عبيد بْن عويج، وأنه ملك على مصر أخاه سنان [1] بْن علوان، وَهُوَ أول الفراعنة، وأنه ملك مصر [حِينَ] [2] قدمها الخليل.
والفرس تنسب الضَّحَّاك غَيْر هَذَا النسب، فترفع نسبه إِلَى جيومرث، وقيل: كَانَ كثير الإقامة ببابل.
وعامة المؤرخين ذكروا أَنَّهُ ملك الأقاليم السبعة كلها، وأنه كَانَ ساحرا فاجرا.
قَالَ هِشَام بْن مُحَمَّد: ملك الضَّحَّاك بَعْد جم- فيما يزعمون- ألف سَنَة، وسار بالجور والقتل، وَكَانَ أَوَّل من سن الصلب والقطع، وأول من وضع العشور وضرب الدراهم، وأول من تغنى وغني لَهُ.
ويقال أَنَّهُ خرج فِي منكبه سلعتان [3] كانتا تضربان عَلَيْهِ حَتَّى يطليهما بدماغ إِنْسَان، وَكَانَ يقتل لِذَلِكَ فِي كُل يَوْم رجلين، ويطلي سلعتيه بدماغيهما، فَإِذَا فعل ذَلِكَ سكن مَا يجد [4] .
قَالَ الشيخ الإمام أَبُو الفرج: وَهَذَا الضَّحَّاك هُوَ الَّذِي غناه حبيب بْن أوس بقوله:
بَل كَانَ كالضحاك فِي سطواته ... بالعالمين وأنت أفريدُونَ
[5] وأفريدُونَ من نسل جم الْمَلِك الَّذِي كَانَ [من] [6] قبل الضَّحَّاك، ثم قدم إلى منزل الضحاك فاحتوى عليه وأوثق الضَّحَّاك، وسمي ذَلِكَ اليوم مهرجانا، وعلا أفريدُونَ سرير الْمَلِك. وَكَانَ عرض صدر الْمَلِك أفريدون أربعة أرماح [7] .
والفرس تزعم أَن الْمَلِك لَمْ يكن إلا للبطن الَّذِي منه أوشهنج وجم وطهمورث، وأن الضَّحَّاك كَانَ غاصبا، غصب أَهْل الأَرْض بسحره [وخبثه] [1] . وَكَانَ عَلَى منكبيه ناتئتان، كُل واحدة كرأس الثعبان، فكان يسترهما ويزعم أنهما حيتان يقتضيانه الطعام، وكانتا تتحركان إِذَا جاع، وزعم أَنَّهُ نبي [2] .
وقيل: مَا زال النَّاس مَعَهُ فِي جهد حَتَّى وثب رجل اسمه كابي من أَهْل أصبهان كَانَ قَدْ قتل لَهُ ابنين، فجمع النَّاس لقتاله، فهرب الضَّحَّاك وولى مكانه أفريدُونَ فاحتوى عَلَى ملك الضَّحَّاك [3] .
وملك أفريدُونَ خمسمائة سنة، وكان عمر الضحاك ألف سنة، وملكه ستمائة سَنَة، وَقَدْ زعم بَعْض نسابي الفرس أَن أفريدُونَ هُوَ نوح الَّذِي قهر الضَّحَّاك وغلبه وسلبه ملكه.
وَقَالَ قوم: أفريدُونَ هُوَ ذو الْقَرْنَيْنِ. وَقَالَ بَعْضهم: هُوَ سُلَيْمَان بْن دَاوُد، وقال الفرس: أفريدون من ولد جم الْمَلِك، وَهُوَ التاسع من ولده [4] .
وَكَانَ أفريدُونَ قَدْ أمر بالعدل ورد المظالم، وَهُوَ أول من نظر فِي النجوم والطب، وأول من ذلل الفيلة وامتطاها وقاتل بها الأعداء، واتخذ الأوز والحمام [5] .
وَكَانَ شديد القوة حسن الصورة، وعالج الدرياق، وَهُوَ أول من سمي بكي، وَكَانَ يقال لَهُ «كي أفريدُونَ» وَهِيَ كلمة معناها التنزيه، أي: هُوَ منزه متصل بالروحانية [6] .
وأنه ملك الأَرْض فقسمها بَيْنَ أولاد لَهُ ثلاثة، فوثب اثنان مِنْهُم عَلَى الثالث فقتلاه واقتسما الأرض فملكاها ثلاثمائة سَنَة. ثُمَّ بغى مِنْهُم طوج بْن أفريدُونَ، ثُمَّ نشأ لَهُ أفراسياب بْن ترك الَّذِي تنسب إليه الترك من ولد طوج.
ويقال: الضَّحَّاك هُوَ نمرود الخليل وأن الخليل ولد فِي زمانه، وأنه صاحبه الَّذِي أراد إحراقه. والله أعلم.
مصادر و المراجع :
١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
(المتوفى: 597هـ)
16 ديسمبر 2023
تعليقات (0)