المنشورات

قصة قوم عاد وكفرانهم

لما تجبروا وعتوا وعبدوا الأوثان أرسل اللَّه تَعَالَى إليهم هود بْن عَبْد اللَّهِ بْن رباح بْن الخلود بْن عاد بْن عوص بْن إرم [بْن سام بْن نوح] [4] . ومن النسابين من يَقُول:
الخلود بضم الخاء واللام، كَذَلِكَ رأيته بخط المنادي، قال: ويقال بالجيم المكسورة، واللام المفتوحة. ومنهم من يَقُول هود هُوَ: عابر بْن شالخ بْن أرفخشد بْن سام بْن نوح. فدعاهم إِلَى التوحيد/ وترك الظلم، فكذبوه وَقَالُوا: من أشد منا قوة! فلم يؤمن مِنْهُم بهود إلا القليل، فبالغ فِي وعظهم فزادوا فِي طغيانهم إِلَى أَن قَالُوا:
سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ من الْواعِظِينَ 26: 136 [5] .
فحبس اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُم المطر ثَلاث سنين حَتَّى جهدوا فبعثوا إِلَى مَكَّة وفدا حتى يستسقي لهم مِنْهُم: قيل، ولقيم وجلهم، ومرثد بْن سَعْد، وَكَانَ يكتم إيمانه، ولقمان بْن عاد [6] ، فنزلوا عَلَى بَكْر بْن مُعَاوِيَة فجعل يسقيهم الخمر وتغنيهم الجرادتان [7] شهرا، ثُمَّ بعثوا آخر، فدعا فقال: اللَّهمّ إني لم أجئك لأسير فأفاديه، ولا لمريض فأشفيه، فاسق عادا مَا كنت مسقيه. فرفعت لَهُ سحابة فنودي منها:
اختر، فجعل يَقُول: اذهبي إِلَى بَنِي فُلان، واذهبي إِلَى بَنِي فُلان. فمرت سحابة سوداء، فقال: اذهبي إِلَى بَنِي فُلان، واذهبي إِلَى بَنِي فُلان. فمرت سحابة سوداء، فَقَالَ: اذهبي إِلَى عاد، فنودي منها: خذها رمادا، رمددا لا تدع من عاد أحدا. قَالَ:
وكتمهم والقوم عِنْدَ بَكْر بْن مُعَاوِيَة يشربون.
وَفِي رواية [1] : أَن بَكْر بْن مُعَاوِيَة لما رأى طول مقامهم عنده، قَالَ: هلك أخوالي وأصهاري، وَهَؤُلاَءِ ضيفي، وَمَا أدري مَا أصنع، واستحى أَن يأمرهم بالخروج [2] ، فشكى ذَلِكَ إِلَى قينتيه الجرادتين، فقالتا لَهُ: قل شعرا نغنيهم بِهِ. قَالَ: [3] :
ألا يا قيل، ويحك قم فهينم ... لعل اللَّه يصبحنا [4] غماما
فيسقي أرض عاد، إِن عادا ... قَدْ أمسوا لا يبينون الكلاما
من العطش الشديد، فليس نرجو ... بِهِ الشيخ الكبير ولا الغلاما
وَقَدْ كانت نساؤهم بخير ... فَقَدْ أمست نساؤهم عياما
وإن الوحش تأتيهم جهارا ... ولا تخشى لعادي سهاما
وأنتم ها هنا فيما اشتهيتم ... نهاركم وليلكم التماما
فقبح وفدكم من وفد قوم ... ولا لقوا التحية والسلاما!
فلما سمعوا هَذَا قَالُوا: ويلكم ادخلوا الحرم فاستسقوا لقومكم، فَقَالَ مرثد: إنكم والله لا تسقون بدعائكم، ولكن إِن أطعتم نبيكم سقيتم. فَقَالَ جلهم: احبسوا هَذَا عنا ولا يقدمن معنا مكة، فَإِنَّهُ قَدِ اتبع دين هود.
ثُمَّ خرجوا يستسقون، فنشأت سحابة وقيل لَهُ: اختر، فاختار سحابة سوداء، فساقها اللَّه تَعَالَى إِلَى عاد حَتَّى خرج عَلَيْهِم من واد لَهُمْ يقال له «مغيث» فلما رأوها استبشروا بها، فقالوا: هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا 46: 24 [1] . فكان أول من رأى مَا فِيهَا امرأة مِنْهُم فصاحت وصعقت، فقيل لَهَا: مَا رأيت؟ قَالَتْ: ريحا فِيهَا كشهب النار، أمامها رجال يقودُونَها، فسخرها اللَّه عَلَيْهِم سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً 69: 7 [2] .
فاعتزل هود ومن مَعَهُ من الْمُؤْمِنيِنَ فِي حظيرة مَا يصيبه منها إلا مَا تلين الجلود، وتلتذ عَلَيْهِ النفوس، فكانت تقلع الشجر وتهدم البيوت، فمن لَمْ يكن فِي بيته هبت الريح حَتَّى تقطعه بالجبال، وكانت ترفع الظعينة مَا بَيْنَ السماء وَالأَرْض وترميهم بالحجارة. فوصل الخبر إِلَى الوفد، وكانوا قَدْ قيل لَهُمْ: قَدْ أعطيتم مناكم لدعائكم فاختاروا. فَقَالَ مرثد: يا رب، أعطني برا وصدقا، فأعطي ذَلِكَ. وقيل لقيل: مَا تريد؟
فَقَالَ: أَن يصيبني مَا أصاب قومي [3] .
وَقَالَ لقمان بْن عاد: أعطني عُمَر سبعة أنسر، فعمر عُمَر سبعة أنسر، يأخذ الفرخ حِينَ يخرج من البيضة، فيأخذ الذكر لقوته حَتَّى إِذَا مَات أخذ غيره، فلما لَمْ يبق غَيْر واحد، قَالَ لَهُ ابْن أخيه: يا عم مَا بقي من عمرك إلا عُمَر هَذَا النسر، فَقَالَ لقمان: هَذَا لبد- ولبد بلسانهم الدَّهْر- فلما انقضى عُمَر النسر طارت النسور، وَلَمْ ينهض فمات لقمان.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید