المنشورات

خروج إِبْرَاهِيم إِلَى مَكَّة بإسماعيل وهاجر

وَرَوَى ابْن إِسْحَاق عَنْ أشياخه: أَن إِبْرَاهِيم [خرج] [6] ومعه جبرئيل، فكان لا يمر بقرية إلا قال: بهذه أمرت يا جبرئيل؟ فَيَقُول جبرئيل: امضه، حَتَّى قدم بِهِ مَكَّة وَهِيَ ذَات عضاء وسلم وسمر، وبها أناس يقال لَهُمْ العماليق خارج مَكَّة وحولها، والبيت يومئذ ربوة حمراء، فقال لجبرئيل: أهاهنا [أمرت] [7] أَن أضعهما؟ قَالَ: نعم، فعمد بهما إلى موضع الحجر فأنزلهما فيه، وأمر هاجر أَن تتخذ فِيهِ عريشا، ثُمَّ انصرف إلى الشام فتركهما [8] .

أخبرنا عبد الأول، أخبرنا ابن طلحة الدراوردي، أخبرنا ابن أعين السرخسي، حدثنا أبو عبد الله الفربري، حدثنا البخاري، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَكَثِيرُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ. ابن أبي وداعة- يزيد أحدهما على الآخر- عن سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
أَوَّلُ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمَنْطِقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ، اتَّخَذَتْ مَنْطِقًا لِتُعْفِيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أَنِيسٌ ولا شيء، فقالت له ذلك مرارا وَجَعَلَ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: اللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذًا لا يُضَيِّعُنَا.
ثُمَّ رَجَعَتْ فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنْيَةِ حَتَّى لا يَرَوْهُ، اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ، دَعَا بِهَؤُلاءِ الدَّعَوَاتِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ:
رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ 14: 37 حتى بلغ يَشْكُرُونَ 14: 37 [1] .
وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ [تُرْضِعُ ابْنَهَا] [2] وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي ماء السقاء عطشت وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى- أَوْ قَالَ: يَتَلَبَّطُ- فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرْ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرْفَ درعها ثم سعت سعي الإنسان الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ وَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا [فَلَمْ تر أحدا] [3] ، ففعلت ذلك سبع مرات.
قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلِذَلِكَ سَعَى النَّاسُ بَيْنَهُمَا» . فلما أشرفت عَلَى المروة سمعت صوتا، فَقَالَتْ: صه- تريد نفسها- ثُمَّ تسمعت فسمعت أَيْضًا، فَقَالَتْ: قد أسمعت إِن كَانَ عندك غواث، فَإِذَا هِيَ بالملك عِنْدَ موضع زمزم فبحث بعقبه- أَوْ قال: بجناحه- حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت، تغرف من الماء فِي سقائهما وَهُوَ يفور بعد ما تغرف.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا» . قَالَ: فشربت وأرضعت ولدها، فَقَالَ لها الملك: لا تخافوا الضيعة فإن هاهنا بيتا للَّه يبنيه هَذَا الغلام وأبوه، وإن اللَّه لا يضيع أهله، وَكَانَ الْبَيْت مرتفعا من الأَرْض كالرابية، وتأتيه السيول فيأخذ عَنْ يمينه وعن شماله، فكانت كَذَلِكَ حَتَّى مرت بهم رفقة من جرهم مقبلين من طريق كداء، فنزلوا فِي أسفل مَكَّة، فرأوا طائرا عائفا، فقالوا ان هذا الطائر ليدور عَلَى ماء لعهدنا بِهَذَا الوادي وَمَا فِيهِ ماء.
فأرسلوا جريا أَوْ جريين فَإِذَا هُمْ بالماء، فَقَالَ: أتأذنين لنا أَن ننزل عندك؟ فَقَالَتْ:
نعم، ولكن لا حق لكم فِي الماء. قَالُوا: نعم.
قَالَ ابْن عَبَّاس: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فألفى ذَلِكَ أم إِسْمَاعِيل وَهِيَ تحب الإنس، فنزلوا وأرسلوا إِلَى أهاليهم [فجاءوا] [1] فنزلوا معهم حَتَّى إِذَا كَانَ بها أَهْل أبيات مِنْهُم، وشب الغلام وتعلم العربية مِنْهُم وأنسهم وأعجبهم حِينَ شب، فلما أدرك زوجوه امرأة مِنْهُم. وماتت أم إسماعيل فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إِسْمَاعِيل يطالع تركته فلم يجد إِسْمَاعِيل، فسأل امرأته عَنْهُ، فَقَالَتْ: خرج يبتغي لنا، ثُمَّ سألها عَنْ عيشهم وهيئتهم، فَقَالَتْ: نحن بشر، [نحن] [2] فِي ضيق وشدة، فشكت إِلَيْهِ. فَقَالَ: إِذَا جاء زوجك فاقرئي عَلَيْهِ السَّلام وقولي لَهُ يغير عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا، فقال:

هَلْ جاءكم من أحد؟ قَالَتْ: نعم جاءنا شيخ [من صفته] [1] كَذَا وكذا فسألني عنك فأخبرته، فسألني كَيْفَ عيشنا فأخبرته أنا فِي جهد وشدة، قَالَ: فهل أوصاك بشيء؟
قَالَتْ: نعم أمرني أَن أقرأ عليك السَّلام وَيَقُول لَكَ: غَيْر عتبة بابك. قَالَ: ذَلِكَ أَبِي وقد أمرني أن أفارقك، فالحقي بأهلك، فطلقها، وتزوج مِنْهُم أُخْرَى. فلبث عَنْهُ إِبْرَاهِيم مَا شاء اللَّه، ثُمَّ أتاهم فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عَنْهُ، فَقَالَتْ خرج يبتغي لنا، قَالَ: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت: نحن بخير وسعة وأثنت عَلَى اللَّه، فَقَالَ: مَا طعامكم؟ قَالَتْ: اللحم، قَالَ: فَمَا شرابكم؟ قَالَتْ: الماء، قَالَ: اللَّهمّ بارك لَهُمْ فِي اللحم والماء.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَمْ يكن لَهُمْ يَوْمَئِذٍ الحب، ولو كَانَ لدعا لَهُمْ فِيهِ بالبركة» . قَالَ: فهما لا يخلوا عليهما أحد بغير ملة إلا يوافقاه. قَالَ: فَإِذَا جاء زوجك فاقرئي عَلَيْهِ السَّلام ومريه أَن يثبت عتبة بابه. فلما جاء إِسْمَاعِيل، قَالَ: هل أتاكم من أحد؟
قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عَلَيْهِ فسألني كَيْفَ عيشنا فأخبرته أنا بخير، قَالَ: أفأوصاك بشيء؟ قَالَتْ: نعم، هُوَ يقرأ عليك السَّلام، ويأمرك أَن تثبت عتبة بابك، فَقَالَ: ذاك أبي، وأنت العتبة، أمرني أَن أمسكك.
ثُمَّ جاء بَعْد ذَلِكَ وإسماعيل يبري نبلا تَحْتَ دوحة قريبا من زمزم، فلما رآه قام إِلَيْهِ وصنعا كَمَا يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، ثُمَّ قَالَ: يا إِسْمَاعِيل إِن اللَّه قَدْ أمرني بأمر، قَالَ: فاصنع مَا أمرك [ربك] [2] ، قَالَ: أوتعينني؟ قَالَ: وأعينك، قَالَ: فَإِن اللَّه أمرني أن أبني ها هنا بيتا، وأشار إِلَى أكمة مرتفعة عَلَى مَا حولها. قَالَ: فعند ذَلِكَ رفعا القواعد من الْبَيْت، فجعل إِسْمَاعِيل يَأْتِي بالحجارة وإبراهيم يبني حَتَّى إِذَا ارتفع البناء جاء بِهَذَا الحجر فوضعه، وقام عَلَيْهِ يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان:
رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 2: 127 [3] .
انفرد بإخراجه البخاري [4] .
وَقَدْ رَوَى عَطَاء بْن السائب، عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْحَدِيث: أَن زوجة إِسْمَاعِيل الثَّانِيَة قَالَتْ لإبراهيم لما قدم: انزل رحمك اللَّه حَتَّى أغسل رأسك [فقد شعث] [1] ، فلم ينزل بِهِ فجاءته بالمقام فوضعته عَنْ شقه الأيمن فوضع قدمه عَلَيْهِ [فبقي أثر قدمه عَلَيْهِ] [2] فغسلت شق رأسه الأيمن، ثُمَّ حولت المقام إِلَى شقه الأيسر [فغسلت شقه الأيسر] [3] . فَقَالَ لها: إذا جاء زوجك فاقرئيه السَّلام وقولي لَهُ: قَدِ استقامت عتبة بابك.




مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید