المنشورات

كتاب أم الإسكندر إِلَى ذي القرنين

قَالَ كعب الأحبار: إِن أم ذي الْقَرْنَيْنِ كانت حازمة عاقلة، فلما بلغها أَن ابنها قَدْ فتح المدائن واستعبد الرجال، ودانت لَهُ الملوك كتبت إِلَيْهِ.
بسم اللَّه الرحمن الرحيم. من روقية أم الإسكندر إِلَى الإسكندر الموتى لَهُ، الضعيف الّذي بقوة ربه قوي، وبقدرته قهر، وبعزته استعلى، يا بَنِي لا تدع للعجب فيك مساغا فَإِن ذَلِكَ يرديك، ولا تدع للعظمة فيك مطمعا فَإِن ذَلِكَ يضعفك، يا بَنِي ذلل نفسك [للذي رفعك] [2] . واعلم أنك عَنْ قليل محول عما أَنْتَ فِيهِ، يا بَنِي إياك والشح فَإِن الشح يرديك ويزري بك، وانظر هذه الكنوز الَّتِي جمعتها أَن تعجل حملها إلي كلها مَعَ رجل مفرد عَلَى فرس أجرد.
فلما ورد عَلَيْهِ الكتاب جمع النَّاس، فَقَالَ: انظروا فيما كتبت أمي وسألتني فِيهِ:
أَن أرسل بهذه الأموال، فقالوا: وكيف السبيل إِلَى حملها عَلَى فرس؟ فَقَالَ: هل عندكم غير هذا؟ قالوا: لا، فدعا كاتبه فَقَالَ: اكتب كُل مال جمعته فاحصه واجعله فِي كتاب وبين مواضعها وعدتها، ففعل الكاتب ثُمَّ ختم الكتاب، وحمل رجل عَلَى فرس، ثُمَّ قَالَ لَهُ: امض بِهَذَا الكتاب إِلَى أمي، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: إِنَّمَا سألتني أمي أن أبعث إليها بعلم ما لي أجمع ومواضعها. قَالَ: إِن ذَلِكَ إِلَى اليوم معروف بالروم فِي بَيْت مملكتهم وبيوت أموالهم يجدُونَ علم ذَلِكَ فِي أرض كَذَا وكورة كَذَا، وموضع كَذَا وكذا، ومن المال كَذَا كذا مِمَّا كنزه الإسكندر، وَكَانَ اللَّه لَمْ يجعل فِيهِ من الحرص شَيْئًا، وَلَمْ يجمع الدنيا إلا مَا كَانَ يسر بمن مَعَهُ فيقويهم عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ مسيرة ذَلِكَ رحمة للمؤمنين.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید