المنشورات

ذا القرنين صفة بناء السد

ذكر أَبُو الْحُسَيْن بْن المنادي عَنِ الموجود فِي أيدي الفرس عَنْ كتبهم الموروثة: أَن ذا الْقَرْنَيْنِ لما عزم عَلَى المسير إِلَى مطلع الشمس أخذ عَلَى طريق كابل في الهند وتبت، فتلقته [2] الملوك بالهدايا العظيمة والتحايا الكريمة والطاعة والأموال إِلَى أَن صار إِلَى الأَرْض المنتنة السوداء، فقطعها سيرا فِي شَهْر، ثُمَّ جاءته الأدلاء فانتهوا به إلى الحصون الشامخة والمدن المعطلة من أهلها وَقَدْ بقيت مِنْهُم فِيهَا بقايا سألوه بأجمعهم أَن يسد عَنْهُمْ الفج الَّذِي بينهم وبين يأجوج ومأجوج، فسار إِلَيْهِ ونزل بجيشه العظيم الهائل ومعه الفلاسفة والصناع والحدادُونَ، فاتخذ قدور الحديد الكبار والمغارف الحديدية، وأمر أن يجعل كُل أربعة من تلك القدور عَلَى ديكدان طول كُل واحد خمسين ذراعا أَوْ نحوها، وأمر الصناع أَن يضربوا اللبن الحديد، فاتخذوا النحاس والحديد وأضرموا عليه النار فصارت حجارة لَمْ ير النَّاس مثلها كأنها تشبه جبل السد. طول كُل لبنة ذراع ونصف بالذراع الأعظم، وسمكها شبر.
فَمَا زالوا يبنون السد من جانب الجبل، وجعل فِي وسطه بابا عظيما طوله أقل من عرضه، فالعرض مائة ذراع، كُل مصراع خمسين ذراعا، والطول خمسين ذراعا، وعليه قفل عظيم نَحْو عشرة أذرع، وفوقه بأذرع غلق أطول من ذَلِكَ القفل. وكل ذَلِكَ أملس كملاسة الجبل وبلونه.
فذكروا أَنَّهُ لما فرغ من بناء السد أمر بالنار فأضرمت عَلَيْهِ من أسفله إِلَى أعلاه، فصار معجونا كأنه حجر واحد مثل الجبل سواء، فلما فرغ من بناءه مال راجعا بَعْد أَن لقي الأمم الَّتِي خلف يأجوج ومأجوج.
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن: وبلغني عَنْ خرداذبه، قَالَ: [3] حَدَّثَنِي سلام الترجمان: أَن الواثق لما رأى فِي المنام أَن السد الَّذِي سده ذو الْقَرْنَيْنِ ببناء بَيْنَ يأجوج ومأجوج انفتح وجهني فَقَالَ: عاينه واتني بخبره، وضم إلي خمسين رجلا ووصلني بخمسة آلاف دينار وأعطاني ديتي عشرة آلاف درهم، وأمر بإعطاء كُل رجل معي ألف درهم ورزق ستة أشهر، وأعطاني مائتي بغل يحمل الزاد والماء. فشخصنا من سرمن رأى بكتاب من الواثق إِلَى إِسْحَاق بْن إِسْمَاعِيل صاحب أرمينية وَهُوَ بتفليس، فِي إنفاذنا فكتب لنا إِلَى إِسْحَاق صاحب السرير، وكتب لنا ذاك إِلَى ملك الدان، فكتب لنا إِلَى قلانشاه، فكتب لنا إِلَى ملك الخرز، [وسرنا من عِنْدَ ملك الخرز] ، يوما وليلة، ثُمَّ وجه معنا خمسين رجلا أدلاء، فسرنا من عنده خمسة وعشرين يوما، ثُمَّ سرنا إِلَى أرض سوداء منتنة الريح وَقَدْ كنا تزودنا قبل دخولها طيبا/ نشمه للرائحة المكروهة، فسرنا فِيهَا عشرة أَيَّام، ثُمَّ صرنا إِلَى مدن خراب فسرنا فِيهَا سبعة وعشرين يوما فسألنا عَنْ تلك المدن الَّتِي كَانَ يأجوج ومأجوج طرقوها فخربوها، ثم صرنا إِلَى حصون بالقرب من جبل السد فِي شعب منه.
وَفِي تلك الحصون قوم يتكلمون بالعربية والفارسية مسلمون يقرءون الْقُرْآن، لَهُمْ كتاتيب ومساجد، فسألوا: من أين أقبلتم؟ فأخبرناهم أنا رسل أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، فأقبلوا يتعجبون ويقولون: أمِير الْمُؤْمِنيِنَ!! قلنا: نعم، فَقَالُوا: أشيخ هُوَ أم شاب؟ فقلنا:
شاب، فتعجبوا وَقَالُوا: أَيْنَ يَكُون؟ قلنا: بالعراق فِي مدينة يقال لها سرمن رأى، فَقَالُوا:
مَا سمعنا بِهَذَا قط.
ثُمَّ سرنا إِلَى جبل أملس لَيْسَ عَلَيْهِ خضراء، وإذا جبل مقطوع بواد عرضه مائة وخمسون ذراعا [1] ، [وفيه السد] [2] ، وإذا عضادتان مبنيتان للمشي مِمَّا يلي الجبل من جنبتي الوادي، عرض كُل عضادة خمسة وعشرون ذراعا الظاهر من تحتها عشرة أذرع خارج الباب، وعليه بناء مكين من حديد مغيب فِي نحاس فِي سمك خمسين ذراعا. وإذا دروند حديد طرفاه عَلَى العضادتين، طوله مائة وعشرون ذراعا، قَدْ ركب عَلَى العضادتين، عَلَى كُل واحد بمقدار عشرة أذرع فِي عرض خمسة أذرع، وَفَوْقَ الدروند بناء بِذَلِكَ الحديد المغيب فِي النحاس إِلَى رأس الجبل فِي ارتفاعه مد البصر، وَفَوْقَ ذَلِكَ شرف حديد فِي كُل شرفة قرنان يشير كُل [1] واحد منهما إِلَى صاحبه وإذا بَاب حديد مصراعين معلقين، عرض كُل مصراع خمسون ذراعا فِي ارتفاع خمسين ذراعا فِي ثخن خمسة أذرع، وقائمتاهما فِي دوارة فِي قدر، وعلى الباب قفل طوله سبعة أذرع فِي غلظ ذراع فِي الاستدارة، وارتفاع القفل من الأَرْض خمس وعشرون ذراعا، وَفَوْقَ القفل بقدر خمس أذرع غلق طوله أَكْثَر من طول القفل، وقعر، كُل واحد منهما ذراعان، وعلى الغلق مفتاح مغلق طوله ذراع ونصف، وَلَهُ اثنتا عشرة دندانجة كُل واحد كدستج أكبر مَا يَكُون من هاوون معلق فِي سلسلة طولها ثمانية أذرع فِي استدارة أربعة أشبار، والحلقة الَّتِي فِيهَا السلسلة مثل حلقة المنجنيق، وعتبة الباب عشرة أذرع بسط مائة ذراع سِوَى مَا تَحْتَ العضادتين، والظاهر منها خمس أذرع، وَهَذَا الذراع كُلهُ بالذراع السوداء.
ورئيس تلك الحصون يركب فِي كُل جمعة فِي عشرة فوارس مَعَ كُل فارس مرزبة حديد، في كل واحدة خمسون ومائة من، فيضرب القفل بتلك المرزبات فِي كُل يَوْم مرات ليسمع من نقباء الباب الصوت، فيعلموا أَن هنالك حفظة، ويعلم هَؤُلاءِ أَن أولئك لَمْ يحدثوا فِي الباب حدثا، وإذا ضرب أَصْحَابنا القفل وضعوا آذانهم فيسمعون بمن داخل دويا.
وبالقرب من هَذَا الموضع حصن كبير يَكُون وعشرة فراسخ فِي عشر فراسخ بكسر مائة فرسخ ومع الباب حصنان يَكُون كُل واحد منهما بمائتي ذراع فِي مائتي ذراع، وعلى بَاب هذين الحصنين شجرتان، وبين الحصنين عين عذبة، فِي أحد الحصنين آلة البناء الَّذِي كَانَ بَنِي بِهِ السد من القدور والحديد والمغارف الحديد، عَلَى كُل أنصبة أربع قدور مثل قدور الصابون، وهنالك بقية من اللبن قَدِ التزق بَعْضهَا ببعض من الصداء، واللبنة ذراع ونصف فِي سمك شبر.
وسألوا من هنالك: هل رأوا أحدا من يأجوج ومأجوج، فذكروا أنهم رأوا مرة عددا فَوْقَ الشرف، فهبت ريح سوداء فألقتهم إِلَى جانبهم، فكان مقدار الرجل مِنْهُم فِي رأي العين شبرا ونصفا.

قَالَ سلام الترجمان: فلما انصرفنا أخذتنا الأدلاء إِلَى ناحية خراسان فسرنا إِلَيْهَا حَتَّى خرجنا خلف سمرقند سبع فراسخ، وَقَدْ كَانَ أَصْحَاب الحصون زودُونَا مَا كفانا، ثُمَّ صرنا إِلَى عَبْد اللَّه بْن طاهر.
قَالَ سلام: فوصلني بمائة ألف درهم، ووصل كُل رجل معي بخمسمائة درهم.
وأجرى للفارس خمسة دراهم وللراجل ثلاثة دراهم فِي كُل يَوْم إِلَى الَّذِي. فرجعنا إلى سرمن رأى بعد خروجنا بثمانية وعشرين شهرا.
قَالَ ابْن خرداذبه: فحدثني سلام الترجمان بجملة هَذَا الْخَبَر ثُمَّ أتليته من كتاب كتبه الواثق.
وَقَدْ رَوَى أَن يأجوج ومأجوج يحفرون السد كُل يَوْم.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن جعفر، أخبرنا عبد الله بن أحمد، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو رافع، عن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ لَيَحْفُرُونَ السَّدَّ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى إِذَا كَادُوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدَا، فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ فَيَرَوْنَهُ أَشَدَّ مَا كَانَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتَهُمْ وَأَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْعَثَهُمْ عَلَى النَّاس حَفَرُوا حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ: ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ، فَيَحْفِرُونَهُ وَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ، فَيُنَشِّفُونَ الْمِيَاهَ وَيَتَحَصَّنُ النَّاسُ مِنْهُمْ فِي حُصُونِهِمْ، فَيَرْمُونَ بِسَهَامِهِمْ نَحْوَ السَّمَاءِ فَتَرْجِعُ وَعَلَيْهَا كَهَيْئَةِ الدَّمِ، فَيَقُولُونَ: قَهَرْنَا أَهْلَ الأَرْض وَعَلَوْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ. فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَغْفًا فِي أَقْفَائِهِمْ فَيَقْتُلُهُمْ بِهَا» . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ دَوَابَّ الأَرْضِ لَتَسْمَنُ وَتَشْكُرُ مِنْ لُحُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ» [1] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبُحْتِرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ بِشْرٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الكلابي، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، فَقَالَ: «لَيَسْتَوْقِدُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ جُعَابِهِمْ وَثِيَابِهِمْ وَتَرَاسِيهِمْ وَقِسِيِّهِمْ سَبْعَ سِنِينَ» .







مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید