المنشورات

قتيل بَنِي إِسْرَائِيل

رَوَى السدي عَنْ أشياخه، قَالَ: كَانَ رجل من بَنِي إسرائيل مكثرا من المال، وكانت لَهُ بنت، وَكَانَ لَهُ ابْن أخ محتاج فخاطب إِلَيْهِ ابْن أخيه ابنته، فأبى أَن يزوجه، فغضب الصبي، وقال: والله لأقتلن عمي ولآخذن ماله ولأنكحن ابنته ولآكلن ديته.
فأتاه الفتى فَقَالَ لَهُ: يا عم، قَدْ قدم تجار فِي بَعْض أسباط بَنِي إسرائيل، فانطلق معي فخذ لي من تجارة هَؤُلاءِ الْقَوْم لعلي أصيب فِيهَا فإنهم إِذَا رأوك معي أعطوني.
فخرج العم مَعَ الفتى ليلا، فلما بلغ ذَلِكَ السبط قتله الفتى ثُمَّ رجع إِلَى أهله، فلما أصبح جاء كأنه يطلب عمه لا يدري أين هُوَ، وإذا هُوَ بِذَلِكَ السبط مجتمعين عَلَيْهِ، فأخذهم، وَقَالَ: قتلتم عمي فأدوا إلي ديته، وجعل يبكي ويحثو التراب على رأسه، وينادي: وا عمّاه.
قَالَ أَبُو العالية [5] : وأتى القاتل إِلَى موسى، فَقَالَ: إِن قريبي قتل ولا أجد من يبين لي من قتله غيرك. فنادى موسى فِي النَّاس: أنشدكم اللَّه، من كَانَ عنده من هَذَا القتيل علم إلا بينه لنا، فلم يكن عندهم علم، فأقبل القاتل عَلَى موسى/ وَقَالَ: أَنْتَ نبي اللَّه فأسأل اللَّه أن يبين لنا. فسأل ربه فأمره بذبح البقرة.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْن حبيب، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِي بْن الْفَضْلِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا محمد بن عَبْد الصمد، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَد بْن حمويه، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن حمويه، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن خريم، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الحميد بْن حميد، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الكريم، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْد الصمد بْن معقل، إنه سمع وهبا يَقُول [1] :
إِن فتى من بَنِي إسرائيل كَانَ برا بوالدته، وَكَانَ يقوم ثلث الليل يصلي ويجلس عِنْدَ رأس والدته ثلث الليل، فيذكرها التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد، وَيَقُول: يا أماه إِن كنت ضعفت عَنْ قيام الليل فكبري اللَّه وسبحيه وهلليه، وَكَانَ ذَلِكَ عملهما الدهر كُلهُ، فَإِذَا أصبح أتى الجبل فاحتطب عَلَى ظهره، فيأتي بِهِ السوق فيبيعه بِمَا شاء اللَّه أَن يبيعه، فيتصدق بثلثه، ويبقي لعبادته ثلثا، ويعطي الثلث أمه، فكانت أمه تأكل النصف وتتصدق بالنصف، فكان ذَلِكَ عملهما الدهر.
فلما طال ذَلِكَ عليهما، قَالَتْ: يا بَنِي اعلم إني ورثت من أبيك بقرة وختمت عنقها وتركتها فِي البقر عَلَى اسم اللَّه إله إِبْرَاهِيم وإسحاق ويعقوب وسأبين لَكَ مَا لونها وهيئتها فادعها باسم إله إِبْرَاهِيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، وإن علامتها أَنَّهَا ليست بهرمة ولا فتية غَيْر أَنَّهَا بينهما، وَهِيَ صفراء فاقع لونها تسر الناظرين، إِذَا نظرت إِلَى جلدها خيل إليك إِن شعاع الشمس يخرج من جلدها، وليست بالذلول لونها واحد، فإذا رأيتها فخذ عنقها فأزلها تتبعك بإذن إله إسرائيل.
فانطلق الفتى وحفظ وصية والدته، وسار فِي البرية يومين أَوْ ثلاثة، ثُمَّ صاح بها، وَقَالَ: بإله إِبْرَاهِيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب إلا مَا أتيتيني، فأقبلت البقرة إِلَيْهِ وتركت الرعي وقامت بَيْنَ يدي الفتى. فأخذ بعنقها، فتكلمت البقرة وَقَالَتْ: يا أيها الفتى البر بوالدته اركبني، فَقَالَ الفتى: لَمْ تأمرني والدتي أَن أركب عليك ولكنها أمرتني أن أسوقك، فأحب أَن أتبع قولها، قَالَتْ: وإله إسرائيل لو ركبتني مَا كنت لتقدر عَلِي، فانطلق أيها الفتى البر بوالدته، فإنك لو أمرت هَذَا الجبل أَن ينقلع من أصله لاقتلع لبرك بوالدتك وطاعتك إلهك.
فانطلق فطار طائر من بَيْنَ يديه فاختلس البقرة، فدعاها بإله إِبْرَاهِيم فأقبلت وَقَالَتْ: إِن الطائر إِبْلِيس اختلسني فلما ناديتني جاء ملك من الملائكة فانتزعني منه فردني إليك لبرك بوالدتك وطاعتك إلهك.
فدخل الفتى إِلَى أمه فأخبرها بالخبر، فَقَالَتْ: يا بَنِي إني أراك تحتطب عَلَى ظهرك فاذهب بِهَذِهِ البقرة فبعها وخذ ثمنها وتقوبه فَقَالَ: بكم أبيعها؟ قَالَتْ: بثلاثة دنانير عَلَى رضى مني.
فانطلق إِلَى السوق فبعث اللَّه ملكا من الْمَلائِكَة فَقَالَ للفتى: بكم تبيعها؟ قال:
بثلاثة دنانير عَلَى رضى من والدتي، قَالَ: لَكَ ستة دنانير ولا تستأمر والدتك، قَالَ: لو أعطيتني زنتها لَمْ أبيعها حَتَّى أستأمرها. فخرج الفتى فأخبر والدته الخبر فقالت: بعها بستة دنانير عَلَى رضى مني. فانطلق فأتاه الْمَلِك وَقَالَ: مَا فعلت؟ فَقَالَ: أبيعها بستة دنانير عَلَى رضى من والدتي، فَقَالَ: فخذ اثني عشر دينارا ولا تستأمرها، قَالَ: لا.
فانطلق إِلَى أمه، فَقَالَتْ: يا بَنِي إِن الَّذِي يأتيك ملك من الْمَلائِكَة فِي صورة آدمي، فَإِذَا أتاك فقل لَهُ: إِن والدتي تقرأ عليك السَّلام وتقول: بكم تأمرني أَن أبيع هذه البقرة؟ فَقَالَ لَهُ الْمَلِك: أيها الفتى يشتري بقرتك هذه موسى بْن عمران لقتيل يقتل فِي بَنِي إسرائيل، فاشتروها منه عَلَى أَن يملئوا له جلدها دنانير، فعمدوا إلى جلدها فملئوه دنانير ثم دفعوه إلى الفتى. فعمد الفتى فتصدق بالثلثين عَلَى الفقراء من بَنِي إسرائيل، وتقوى بالثلث





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید