المنشورات

ما عوقب به بنو إسرائيل لقتلهم يحيى بْن زكريا

[قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ هَوَانِ الدُّنْيَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا قَتَلَتْهُ امْرَأَةٌ» ] [2] .
زعم السدي، عَنْ أشياخه: أن رجلا رأى فِي المنام أن خراب بيت المقدس وهلاك بني إسرائيل عَلَى يدي غلام يتيم ابن أرملة من أهل بابل يدعى «نصر» ، فأقبل يسأل عنه حَتَّى نزل عَلَى أمه وهي تحتطب، فلما جاء عَلَى رأسه حزمة حطب ألقاها ثم قعد فِي البيت، فكلمه ثم أعطاه ثلاثة دراهم، فاشترى بها طعاما وشرابا، فلما كان فِي اليوم الثاني فعل به ذلك، وكذلك في اليوم الثالث، ثم قَالَ له: إني أحب أن تكتب لي أمانا إن أنت ملكت يوما من الدهر. قَالَ: تسخر بي؟!. قَالَ: لا، ولكن ما عليك أن تتخذ عندي بها يدا. قالت له أمه: وما عليك إن كَانَ، وإلا لم ينقصك شيئا. فكتب له أمانا، فَقَالَ: أرأيت إن جئت والناس حولك قد حالوا بيني وبينك فاجعل لي آية تعرفني بها. قَالَ: ترفع صحيفتك عَلَى قصبة فأعرفك بها، فكساه وأعطاه.
فلما قتل يحيى أصبح دمه يغلي، فلم يزل يلقى عَلَيْهِ التراب ويغلي إِلَى أن بلغ سور [3] المدينة، وخرج نصر من قبل صيحائين الملك، فتحصن القوم منه فِي مدائنهم، فلما اشتد عَلَيْهِ المقام هم بالرجوع، فخرجت إليه عجوز من عجائز بني إسرائيل، فقالت: إن فتحت لك المدينة أتعطيني ما أسألك فتقتل من آمرك بقتله، وتكفئ إذا أمرتك؟ قَالَ: نعم. قالت: إذا أصبحت فأقسم جندك أربعة أرباع، ثم أقم على كل زاوية ربعا، ثم ارفعوا أيديكم إِلَى السماء فنادوا: إنا نستفتحك باللَّه بدم يحيى [ابن زكريا [1] ، فإنها سوف تتساقط.
ففعلوا فتساقطت المدينة ودخلوا من جوانبها، فقالت: أقتل عَلَى هَذَا الدم حَتَّى يسكن، فقتل سبعين ألفا، فلما سكن الدم، قالت: كف يدك، فإنه إذا قتل نبي لم يرض اللَّه حَتَّى يقتل من قتله، ومن رضي قتله.
فأتاه صاحب الصحيفة بصحيفة فكف عنه وعن أهل بيته، وخرب بيت المقدس، وأمر أن يطرح فِيهِ الجيف، وَقَالَ: من طرح فيه جيفة فله جزيته تلك السنة، وأعانه عَلَى إخرابه [2] الروم من أجل بني إسرائيل إذ قتلوا يحيى.
فلما خربه بخت نصر ذهب معه بوجوه بني إسرائيل، منهم: دانيال، فلما قدم أرض بابل وجد صيحائين قد مات، فملك مكانه، فَقَالَ له المجوس: إن الذين قدمت بهم دانيال وأصحابه لا يعَبْدون إلهك، ولا يأكلون من ذبيحتك، [فدعاهم، فسألهم، فقالوا: أجل [إن] [3] لنا ربا نعَبْده ولا نأكل من ذبحتكم] فأمر بخد فخد لهم، فألقوا فيه وهم ستة وألقي معهم سبع ضار ليأكلهم، فلما راحوا إليهم وجدوهم جلوسا، والسبع مفترش ذراعيه، ووجدوا معهم رجلا فعدوهم فوجدوهم سبعة، فقالوا: إنما كانوا ستة، فخرج السابع وكان ملكا فلطم نصر لطمة، فصار فِي الوحش فكان فيهم سبع سنين [4] .
قال أبو جعفر ابن جرير الطبري: وقول من قَالَ إن بخت نصر هو الذي غزا بني إسرائيل عِنْدَ قتلهم يحيى غلط عند أهل العلم بأمور الماضين، لأنهم أجمعوا عَلَى أن بخت نصر إنما غزا بني إسرائيل عند قتلهم نبيهم شعيا فِي عهد إرمياء، وبين أرمياء وتخريب بخت نصّر بيت المقدس إلى مولد يحيى أربعمائة سنة وإحدى وستون سنة،وهذا مما يتفق عَلَيْهِ اليهود والنصارى، ويذكرون أن ذلك فِي أسفارهم مبين، وذلك أنهم يعدون من لدن تخريب بخت نصر بيت المقدس إِلَى حين عمرانها [1] فِي عهد كيرش أصبهبذ بابل من قبل بهمن، ثم من قبل خماني سبعين سنة، ثم من بعد عمرانه إِلَى ظهور الإسكندر عليها وحيازة مملكها [2] إِلَى مملكته ثمانيا وثمانين سنة، ثم من بعد مملكة الإسكندر [3] إلى مولد يحيى ثلاثمائة وثلاث سنين، فذلك على قولهم أربعمائة وإحدى وستون سنة.
وأما المجوس: فإنها توافق اليهود والنصارى فِي مدة خراب بيت المقدس وأمر بخت نصّر، وما كَانَ من أمره وأمر بني إسرائيل [إِلَى غلبة الإسكندر عَلَى بيت المقدس والشام وهلاك دارا، وتخالفهم فِي مدة ما بين ملك الإسكندر] [4] ومولد يحيى، فتزعم أن مدة ذلك إحدى وخمسون سنة [5] .
وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق: لما رجع بنو إسرائيل من بابل إِلَى بيت المقدس ما زالوا يحدثون الأحداث، ويبعث إليهم [6] الرسل، فريقا يكذبون وفريقا يقتلون حَتَّى كان من آخر من بعث إليهم زكريا ويحيى وعيسى، وكانوا من بيت آل داود، فلما رفع اللَّه عز وجل عِيسَى، وقتلوا يَحْيَى- وبعض [الناس] [7] يقول: وقتلوا زكريا- ابتعث اللَّه إليهم ملكا من ملوك بابل [يقال له: خردوس، فسار إليهم بأهل بابل] [8] ، حَتَّى دخل عليهم [الشام] [9] ، فَقَالَ لصاحب شرطته: إني كنت حلفت بإلهي: لئن [10] أنا ظهرت عَلَى أهل بيت المقدس لأقتلنهم حَتَّى تسيل دماؤهم فِي وسط عسكري، إِلَى ألَّا أجد أحدا أقتله،فدخل بيت المقدس، فوجد دما يغلي، فَقَالَ: ما بال هَذَا الدم يغلي؟ فقالوا: هَذَا دم قربان قربناه فلم يقبل منا. فَقَالَ: ما صدقتموني.
فقتل منهم خلقا كثيرا عَلَى ذلك الدم فلم يسكن. فَقَالَ: ويلكم أصدقوني قبل ألّا أترك منكم أحدا، فقالوا: هَذَا دم نبي منا قتلناه، فَقَالَ: لهذا ينتقم منكم ربكم، فأمر وذبح من الخيل والبقر والبغال والغنم حَتَّى سال الدم إِلَى خردوس، فأرسل إليه:
حسبك.
وهذه الوقعة الأخيرة التي قَالَ اللَّه تعالى فيها: فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ 17: 7 [1] .
فكانت الوقعة الأولى بخت نصر وجنوده، ثم رد اللَّه له الكرة عليهم، ثم كانت الوقعة الأخيرة/ خردوس وجنوده، وهي كانت أعظم الوقعتين، فيها كان خراب بلادهم، وقتل رجالهم، وسبي ذراريهم ونسائهم، يقول اللَّه تعالى: وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً 17: 7 [2]
. فصل
قَالَ مؤلف الكتاب: وقد بعث اللَّه عز وجل بين موسى وعيسى عليهما السلام خلقا كثيرا من الأنبياء، أكثرهم لم يذكر اسمه، وقليل منهم يذكر.
قَالَ ابن مسعود: كان بنو إسرائيل يقتلون في اليوم ثلاثمائة نبي، ثم يقوم سوق نعلهم [3] آخر النهار.
وَرَوَى أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «مَا صُدِّقَ نَبِيٌّ مَا صُدِّقْتُ إِنَّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ مَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ مِنْ أُمَّتِهِ إِلا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ» . فمن الأنبياء أصحاب الرس، قَالَ علي بْن أبي طالب رضي الله عنه: كان أصحاب الرس يعَبْدون شجرة، فبعث اللَّه تعالى إليهم نبيا من ولد يهوذا بْن يعقوب، فحفروا له بئرا وألقوه فيها فهلكوا. وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْرٍ: كان لهم نبي يقال له: «حنظلة بْن صفوان» قتلوه فأهلكهم اللَّه.
فأما قتادة ووهب، فقالا: هم قوم شعيب.
وَقَالَ السدي: هو حبيب النجار. والله أعلم







مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید