المنشورات

طسم وجديس

قَالَ مؤلف الكتاب [1] : كانوا فِي أيام ملوك الطوائف، وكان فناء جديس عَلَى يد حسان بْن تبع [2] .
قَالَ علماء السير: / كان طسم وجديس من ساكني اليمامة، وهي إذ ذاك من أخصب البلاد وأعمرها وأكثرها خيرا، فيها من صنوف الثمار ومعجبات الحدائق والقصور الشامخة، وكان عليهم ملك من طسم، ظلوم غشوم، لا ينهاه شَيْء عَنْ هواه، يقال له: عملوق.
وكان مما لقوا من ظلمه أنه أمر بألا تهدى بكر من جديس إِلَى زوجها حَتَّى تدخل عَلَيْهِ فيفترعها [3] ، فَقَالَ رجل من جديس يقال له الأسود بْن غفار لرؤساء قومه: قد ترون ما نحن فيه من العار والذل الذي ينبغي للكلاب أن تعافه وتمتعض منه، فأطيعوني، فإني أدعوكم إِلَى عز الدهر ونفي الذل، قالوا: وما ذاك؟ قَالَ: إني صانع للملك وقومه طعاما، فإذا جاءوا نهضنا إليهم بأسيافنا، فأنفرد به فأقتله، وليجهز كل رجل منكم عَلَى جليسه.
فأجابوه إِلَى ذلك وأجمع رأيهم عَلَيْهِ، فأعد طعاما، وأمر قومه فانتضوا سيوفهم ودفنوها في الرمل، وَقَالَ: إذا أتاكم القوم يرفلون فِي حللهم فخذوا سيوفهم [4] ، ثم شدوا عليهم قبل أن يأخذوا مجالسهم، ثم اقتلوا الرؤساء، فإنكم إذا قتلتم الرؤساء [1] لم تكن السفلة شيئا.
ففعلوا ذلك فأفنوهم، فهرب رجل من طسم يقال له: رياح [2] بْن مرة، حَتَّى أتى حسان بْن تبع فاستغاث به، فخرج حسان فِي حمير [3] ، فلما كان من اليمامة عَلَى ثلاث، قَالَ له رياح: أبيت اللعن! إن لي أختا متزوجة فِي جديس، يقال لها: اليمامة، ليس عَلَى وجه الأرض أبصر منها، إنها لتبصر الراكب من مسيرة ثلاث، وأنا أخاف أن تنذر القوم بك، فمر أصحابك فليقلع [4] كل رَجُل منهم شجرة فليجعلها أمامه، ويسير وهي فِي يده.
فأمرهم حسان بذلك ففعلوا، ثم سار [5] ، فنظرت اليمامة إليهم فأخبرت بحالهم- عَلَى ما تقدم- وصبحهم حسان فأبادهم [6] وهدم قصورهم وحصونهم، وقتل اليمامة- وكانت فيما ذكر [7] أول من اكتحل بالإثمد [8] .
وحسان هَذَا يقال/ له: تبع بْن تبع [بْن] أسعد أبي كرب بْن ملكيكرب [9] بْن تبّع، وهو أبو تبّع الأصغر بْن حسان، الذي يزعم أهل اليمن أنه قدم مكة وكسى الكعبة شعب المطابخ [10] ، وإنما سمي بهذا الاسم لنصبه المطابخ فِي ذلك الموضع وإطعامه الناس، وأن أجيادا إنما سمي أجيادا، لأن خيله كانت هناك، وأنه قدم يثرب، فنزل منزلا يقال له: منزل الملك، وقتل من اليهود مقتلة عظيمة بسبب شكاية [11] من شكاهم إليه من الأوس والخزرج بسوء الجوار، وأنه وجه ابنه حسان إِلَى السند وسمرا ذا الجناح إِلَى خرسان، وأمرهما أن يستبقا إِلَى الصين، فمر سمر [1] بسمرقند، فأقام عليها حَتَّى افتتحها، وقتل مقاتلتها [وسبى] [2] وحوى ما فيها، ونفذ إِلَى الصين، فوافى حسان بها.
فمن أهل اليمن من يزعم أنهما ماتا هنالك، ومنهم من يزعم أنهما انصرفا إِلَى تبع بالأموال والغنائم [3]






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید