المنشورات

عَبْد المطلب

فاسمه: شيبة [الحمد] [1] ، سمي بذلك لأنه ولد وَفِي رأسه شيبة.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طالب مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بن عَسَاكِرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ يُونُسَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: قَالَ أَبِي عَبْدُ الْمُطَّلِبِ [2] :
خَرَجْتُ إِلَى الْيَمَنِ فِي رِحْلَةِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَنَزَلْتُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ يَقْرَأُ الزَّبُورَ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، ائْذَنْ لِي فَأَنْظُرُ فِي بَعْضِ جَسَدِكَ. فَقُلْتُ [3] : انْظُرْ مَا لَمْ يَكُنْ [4] عَوْرَةٌ. فَنَظَرَ فِي مِنْخَرِي فَقَالَ: أَجِدُ فِي أَحَدِ مِنْخَرَيْكَ مُلْكًا وفي الأخرى نبوّة، فهل [لك] [5] ما شَاعَةٍ؟ قُلْتُ: وَمَا الشَّاعَةُ؟ قَالَ: الزَّوْجَةُ. قُلْتُ: أَمَّا الْيَوْمَ فَلا. قَالَ:
فَإِذَا قَدِمْتَ مَكَّةَ فَتَزَوَّجَ. فَقَدِمَ فَتَزَوَّجَ هَالَةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ حَمْزَةَ، وَصَفِيَّةَ، وَتَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ آمِنَةَ، فَوَلَدَتْ/ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَقُولُ: فَلَجَ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى أَبِيهِ [6] .
قَالَ مؤلف الكتاب [7] : يقول العرب: فلج فلان على خصمه، أي: فاز وغلب.
فصل
قَالَ مؤلف الكتاب [1] : وإنما قيل له عَبْد المطلب، لأن هاشما خرج إِلَى الشام فِي تجارة، فمر بالمدينة، فرأى سلمى بنت عمر- وبعضهم يقول: بنت زيد بْن عمرو بْن لبيد [2] بْن حرام بْن خداش بْن جندب بْن عدي بْن النجار فأعجبته، فخطبها إِلَى أبيها فأنكحها منه [3] ، وشرط عَلَيْهِ أن لا تلد ولدا إلا فِي أهلها [4] ، ثم مضى هاشم لوجهه قبل أن يبني بها، ثم انصرف راجعا من الشام، فبنى بها [5] فِي أهلها بيثرب، فحملت منه، ثم ارتحل إِلَى مكة وحملها معه، فلما أثقلت ردها إِلَى أهلها، ومضى إِلَى الشام فمات بغرة، فولدت له عَبْد المطلب، فمكثت بيثرب سبع سنين أو ثماني سنين [6] ، ثم إن رجلا من بني الحارث بْن عَبْد مناة مر بيثرب [7] ، فإذا غلمان ينتضلون [8] ، فجعل شيبة إذا خسق [9] قال: أنا ابن هاشم، أنا ابن سيد البطحاء [10] . فَقَالَ له الحارثي: من أنت؟
قَالَ: أنا شيبة بْن هاشم بْن عَبْد مناف. فلما أتى الحارثي مكة قَالَ للمطلب وهو جالس فِي الحجر: [يا أبا الحارث] [11] ، تعلم أني وجدت صبيانا ينتضلون [12] بيثرب، وفيهم غلام إذا خسق قَالَ: أَنَا ابن هاشم أنا ابن سيد البطحاء. فَقَالَ المطلب [13] : والله لا أرجع إِلَى أهلي حَتَّى آتي به. فَقَالَ له الحارثي: هَذِهِ راحلتي بالفناء فأركبها [14] .
فجلس المطلب [1] عليها، فورد يثرب عشاء، حَتَّى أتى عدي بْن النجار، فإذا غلمان يضربون كرة بين ظهري المدينة، فجلس فعرف ابن أخيه. فَقَالَ للقوم: أهذا ابن هاشم؟ قالوا: نعم، هَذَا ابن أخيك، فإن كنت تريد أخذه فالساعة قبل أن تعلم [به] [2] أمه، فإنها إن علمت لم تدعك وحلنا بينك [3] وبينه. فدعاه فَقَالَ: يا ابن أخي أنا عمك.
وقد أردت الذهاب بك إِلَى قومك. وأناخ راحلته، فما كذب أن جلس عَلَى عجز الناقة/، فانطلق به، ولم تعلم أمه حَتَّى [4] كان الليل، فقامت تدعوه فأخبرت أن عمه ذهب به، وقدم به المطلب ضحوة، والناس فِي مجالسهم، فجعلوا يقولون [5] : من هَذَا وراءك؟ فيقول: عَبْد لي [6] ، حَتَّى أدخله منزله عَلَى امرأته خديجة بنت سَعِيد بْن سهم، فقالت: من هَذَا؟ قَالَ: عَبْد لي. ثم خرج المطلب [7] حَتَّى أتى الحزورة، فاشترى حلة فألبسها شيبة، ثم خرج به حَتَّى كان العشي أتى مجلس بني عَبْد مناف، فجعل بعد ذلك يطوف فِي سكك مكة في تلك الحلة. فيقال [8] هَذَا عَبْد المطلب، لقوله: «هَذَا عَبْدي» حين سأله قومه، فَقَالَ المطلب: فِي ذلك [9] :
عرفت شيبة والنجار قد جعلت ... أبناؤها حوله بالنبل تنتضل
[10] قَالَ مؤلف الكتاب: [11] هَذَا حديث الواقدي، وهشام عَنْ أبيه. وقد رواه علي بْن حرب الموصلي، عن ابن معن [12] عَنْ مُحَمَّد بْن أبي بكر الأنصاري عن مشايخ الأنصار، قالوا:
تزوج هاشم امرأة من بني عدي بْن النجار ذات شرف، وكانت تشرط عَلَى من خطبها المقام بدار قومها فولدت له شيبة الحمد، فربي [1] فِي أخواله مكرما. فبينا هو يناضل فتيان الأنصار إذ أصاب [خصلة] [2] قَالَ: أنا ابن هاشم. وسمعه رجل مجتاز، فلما قدم مكة قال لعمه المطّلب: [قد] [3] مررت بدار بني قيلة فرأيت فتى من صفته كذا، يناضل فتيانهم فاعتزى إِلَى أخيك، وما ينبغي ترك مثله فِي الغربة [4] . فرحل المطلب حَتَّى ورد المدينة، فأراده عَلَى الرحلة [5] . فَقَالَ: ذاك إِلَى الوالدة، فلم يزل بها حَتَّى أذنت له، فأقبل به قد أردفه، فإذا لقيه اللاقي [6] ، وَقَالَ: من هَذَا يا مطلب؟ قَالَ:
عَبد لي [7] فسمي عَبْد المطلب، فلما قدم مكة وقفه عَلَى ملك أبيه، وسلمه إليه [8] .
فصل
[9] وكان إِلَى عَبْد المطلب بعد هلاك [عمه] المطلب ما كان [10] إِلَى من قبله من بني [11] عَبْد مناف من أمر السقاية والرفادة، وشرف فِي قومه، وعظم خطره، فلم يكن يعدل به منهم أحد [12] .
وكان إذا أهل رمضان/ دخل حراء فبقي فيه طول الشهر، وكان يطعم المساكين، ويعظم الظلم، ويكثر الطواف بالبيت [13] .
فصل
وعَبْد المطلب [هو] [1] الذي أتي فِي منامه فقيل له: احفر زمزم، قَالَ: وما زمزم [2] ؟ قيل: لا تنزح ولا تذم، [3] تسقي الحجيج الأعظم، وهي بين الفرث والدم، عَنْ نقرة الغراب الأعصم [وهي شرب لك ولولدك، وكان غراب أعصم] [4] لا يبرح عند الذبائح مكان الفرث والدم، فحفرها ثلاثة أيام فبدأ [له] [5] الطوي [6] ، فكبر، وَقَالَ:
هَذَا طوي إسماعيل. فقالت له قريش: أشركنا فيه فَقَالَ: ما أنا بفاعل، هَذَا شَيْء خصصت به دونكم، فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه [7] ، قالوا: كاهنة بني سعد. فخرجوا إليها، فعطشوا فِي الطريق حتى أيقنوا بالموت، فقال عبد المطلب: والله إن إلقاءنا هكذا بأيدينا لعجز، [8] ألا نضرب فِي الأرض، فعسى اللَّه أن يرزقنا ماء. وقام إِلَى راحلته فركبها [9] فلما انبعثت به انفجر [10] من تحت خفها عين ماء عذب، فكبّر عبد المطّلب، وكبر أصحابه [وشربوا] [11] . وَقَالُوا: [قد] [12] قضى لك الّذي سقاك، فو الله لا نخاصمك فيها أبدا. [فرجعوا] [13] . وخلوا بينه وبين زمزم. [14] .
وكان عَبْد المطلب قد وجد فِي زمزم غزالين من ذهب كانت جرهم دفنتهما فيه [1] حين أخرجت من مكة، وأسيافا وأدرعا، فجعل الأسياف [2] بابا للكعبة، وضرب الغزالين صفائح في الباب فكان أول ذهب حليتها الكعبة.
وقد روى ابن حبيب فِي حديث الغزالين [3] شيئا آخر، قَالَ: كان معين بْن عَبْد القيس مالقا لشباب قريش يسقون عنده ويشربون وكان عيادة فتاك قريش وحلفاؤهم، منهم: أبو لهب، والحكم بن أبي العاص، والحارث بْن عامر بْن نوفل وغيرهم، وأقبلت عير من الشام تحمل خمرا، فقال لهم أَبُو لهب: ويلكم أما عندكم نفقة.
قالوا: لا. قَالَ: فعليكم بغزال الكعبة، فإنما هو غزال أَبِي، وكان عَبْد المطلب استخرجه من زمزم ووجد بها سيوفا والغزال، فحمله للكعبة. فانطلقوا بالَّليلِ فحمل أَبُو مسافع [4] ، والحارث بْن عامر عَلَى ظهورهما حَتَّى ألقياه/ عَلَى الكعبة، فضرب الغزال فوقع، فتناوله أَبُو لهب ثم أقبلوا به فكسروه فأخذوا الذهب وعينيه، وكانت من ياقوت، وطرحوا طوقه، وكان عَلَى خشب فِي منزل شيخ من بني عامر، فأخذ أَبُو لهب العنق والرأس والقرنين، وانطلق فلم تقربهم وذهبوا فاشتروا كل خمر كان [معهم] وأعطوا الشنف والقرط القسيس، فافتقدت قريش الغزال، فتكلموا فيه، وجد فِي لبرة عَبْد اللَّه بْن جدعان، فمر الْعَبَّاس، وهو شاب بدور بني سهم وهم يغنون ويقولون:
إن الغزال الذي كلتم وحليته ... يعنونه بخطوب الدهر والعثر
طافت به عصبة من سر قومهم ... أهل العلا والندا والبيت ذي الستر
فأخبر أَبُو طَالِبٍ [5] فجاءوا ابن جدعان وغيرهم فسمعوا الغناء، وأقبلوا من الغد ووجدوا العينين: إحداهما مقرط قرط الغزال والأخرى مشنفة بالمنفد، فهرب الحارث بْن عامر، وقطعت يد الرجل، وصولح القوم على خمسين ناقة ففدوا بها الكعبة.
فصل
وكانت كنية عَبْد المطلب: أبا الحارث، كني بذلك لأن الأكبر من ولده الذكور كان اسمه الحارث [1] .
قَالَ هشام بْن مُحَمَّد بْن السائب: ولد لعَبْد المطلب عشرة بنين منهم: عبد الله أبو نبينا صلى الله عليه وسلم [2] ، وأبو طالب، والزبير: أمهم فاطمة بنت عمرو مخزومية، والعباس، وضرار: أمهما نتيلة النمرية، وَحَمْزَة، والمقوم: أمهما: هالة بنت وهب، وأبو لهب أمه: لبني خزاعية، والحارث: أمه صفية من بني عامر بْن صعصعة، والغيداق: أمه من خزاعة.
وأما هاشم فاسمه عمرو. وإنما قيل له هاشم لأنه أول من هشم الثريد [لقومه] [3] وأطعمه.
فَقَالَ ابن الزبعري فيه:
عمرو العلا هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف
[4] ذلك أن قومه من قريش أصابهم قحط، فرحل إِلَى فلسطين، فاشترى الدقيق، فقدم به/ مكة، فأمر بِهِ فخبز له ثم نحر جزورا، ثم اتخذ لقومه من مرقه ثريدا بذلك الخبز.
وهو أول من سن الرحلتين لقريش رحلة الشتاء والصيف [5] .
أَخْبَرَنَا المبارك بْن علي الصيرفي قَالَ: أخبرتنا فاطمة بنت عَبْد اللَّه بْن الحرثة قالت: أَخْبَرَنَا علي بْن الحسن بْن الفضل قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّد بْن خالد قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابن المغيرة الجوهري قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيد الدمشقي قال: حدّثنا الزبير ابن بكار قَالَ: حدثني مُحَمَّد بْن يحيى قَالَ حدثني عمران بْن عَبْد العزيز قَالَ [1] :
كانت [2] قريش فِي الجاهلية تعتقد وكان اعتقادها أن أهل البيت منهم كانوا إذا هلكت أموالهم خرجوا إِلَى براز من الأرض فضربوا عَلَى أنفسهم الأخبية، ثم تناوموا فيها حَتَّى يموتوا من قبل أن يعلم بحالتهم، حَتَّى نشأ هاشم بْن عَبْد مناف، فلما عظم قدره قال: يا معشر قريش، إن العز مع كثرة العدد، وقد أصبحتم أكثر العرب أموالا وأعزها نفرا، وإن هَذَا الاعتقاد قد أتى عَلَى كثير منكم، وقد رأيت رأيا. قالوا: رأيك رشد فمرنا نأتمر [3] . قال: رأيت أن أخلط فقراءكم بأغنيائكم وأعمد إِلَى رجل غني فأضم إليه فقيرا [أجمع] [4] عياله بعدد عياله، وأذره فِي الرحلتين، فما كان من مال الغني من فضل [5] عاش الفقير وعياله فِي ظله، وكان ذلك قاطعا للأحقاد قالوا: نعم ما رأيت. فألف بين الناس، فلما بعث اللَّه تعالى رسوله عَلَيْهِ السلام، كان فيما أنزل عَلَيْهِ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ 105: 1 [6] ثم نزلت: [7] لِإِيلافِ قُرَيْشٍ 106: 1 [8] أي: لتراحمهم وتواصلهم، وإن كانوا عَلَى شرك
. فصل
وكان هاشم وعَبْد شمس أكبر ولد عَبْد مناف، وقيل: ولدا توأمين، وإن أحدهما ولد قبل صاحبه [9] ، وأصبع أحدهما ملتصقة بجبهة صاحبه [10] ، فنحيت عنها، فسال من ذلك دم فتطيّر من ذلك [11] . فقيل: يكون بينهما دم.

وأخوهما المطلب أصغرهم [1] ، وأم الثلاثة: عاتكة بنت نمرة السلمية، وأخوهم:
نوفل، وأمه واقدة، فسادوا كلهم بعد أبيهم عَبْد مناف، وكان يقال لهم: المجبرون، فلهم يقول/ القائل:
يا أيها الرجل المحول رحله ... ألا نزلت بآل عَبْد مناف!
[2] وكان أول من أخذ [3] لقريش العصم [4] ، فانتشروا من الحرم، أخذ لهم هاشم حبلا من ملوك الشام والروم وغسان [5] ، وأخذ لهم عَبْد شمس من النجاشي الأكبر، فاختلفوا بذلك السبب إِلَى أرض الحبشة، وأخذ لهم نوفل حبلا من الأكاسرة، فاختلفوا بذلك السبب إِلَى [العراق وأرض الشام، وأخذ لهم المطلب حبلا من ملوك حمير، فاختلفوا بذلك السبب إِلَى] [6] اليمن فجبر اللَّه لهم قريش فسموا المجبرين [7]
. فصل
وولي هاشم بعد أبيه عَبْد مناف السقايه والرفادة، وأطعم الناس، فحسده أمية بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف، وكان ذا مال فتكلف [8] ، أن يصنع صنيع هاشم، فعجز عنه، فشمت به ناس من قريش، فغضب ونال من هاشم، فدعاه إِلَى المنافرة، فكره هاشم ذلك، فلم تدعه قريش، واحفظوه، قَالَ: فإني أنافرك عَلَى خمسين ناقة سود الحدق، تنحرها [ببطن] [9] مكة، والجلاء عَنْ مكة عشر سنين. فرضي بذلك أمية، وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي، فنفر هاشما عَلَيْهِ، فأخذ هاشم الإبل فنحرها، وأطعمها من حضره،وخرج أمية إِلَى الشام، فأقام بها عشر سنين فكانت هَذِهِ أول عداوة وقعت بين هاشم وأميّة [1] .
أنبأنا يحيى بن الحسن البناء. قَالَ: أخبرنا ابن المسلمة قَالَ: أخبرنا المخلص قال: أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي قال: أَخْبَرَنَا الزُّبَيْر بْن بكار قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَر بْن أبي بكر الْمَوْصِليّ قَالَ: حدثني يزيد بْن عَبْد الملك بْن المغيرة، عَنْ نوفل، عَنْ أبيه قَالَ [2] :
اصطلحت قريش عَلَى أن يولي هاشم بْن عَبْد مناف السقاية والرفادة، وذلك أن عَبْد شمس كان يسافر قبل ما يقيم بمكة، وكان رجلا مقلا، وكان هاشم رجلا موسرا، وكان إذا حضر الحج قام فِي قريش، وَقَالَ: يا معشر قريش، إنكم جيران اللَّه، وأهل بيته، وإنه يأتيكم في هذا الموسم نفار اللَّه، يعظمون حرمة/ بيته، وهم ضيف اللَّه، وأحق الضيف بالكرامة [ضيفه] [3] وقد خصكم اللَّه بذلك، وأكرمكم به، فأكرموا ضيفه، فإنهم يأتون شعثا غبرا من كل بلد، وقد أوجفوا وثقلوا وأرملوا، فأقروهم وأعينوهم، فكانت قريش ترافد عَلَى ذلك حَتَّى إن كان أهل البيت ليرسلون بالشَّيْء اليسير عَلَى قدرهم، وكان هاشم يخرج كل سنة مالا كثيرا، فكان يأمر بحياض من أدم فيجعل فِي موضع زمزم قبل أن تحفر [4] ، ثم يستقي [5] فيها من الآبار [6] التي بمكة فيشرب الحاج، وكان يطعمهم قبل التروية بيوم بمكة وبمنى وبجمع وبعرفة، وكان يثرد لهم الخبز والشحم والسمن والسويق [والتمر] [7] ويحمل لهم الماء، وكان هاشم أول من سن الرحلتين: رحلة إِلَى أرض الحبشة إِلَى النجاشي ورحلة إِلَى أرض الشام، وربما دخل عَلَى قيصر فيكرمه، فمات بغزة.
قَالَ الزُّبَيْرُ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَسَنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ [قَالَ] [1] : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَخَذَ لَهَا الإِيلافَ وَأَجَازَ لَهَا الْعِيرَاتِ هَاشِمٌ، وَاللَّهِ مَا نَبَذَتْ قُرَيْشٌ خَيْلا، وَلا أَنَاخَتْ بَعِيرًا بِحَضَرٍ [2] إِلا لِهَاشِمٍ، وَاللَّهِ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَقَى بِمَكَّةَ مَاءً عَذْبًا وَجَعَلَ بَابَ الْكَعْبَةِ ذَهَبًا لَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارك قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ محمد جعفر الأزدي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا [3] سُلَيْمَان بْن حَرْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ قَالَ:
تَفَاخَرَ رَجُلانِ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، فَقَالَ هَذَا:
قَوْمِي أَسْخَى مِنْ قَوْمِكَ. وَقَالَ هَذَا: قَوْمِي أَسْخَى مِنْ قَوْمِكَ. فَقَالَ: سَلْ فِي قَوْمِكَ حَتَّى أَسْأَلَ فِي قَوْمِي. فَافْتَرَقَا عَلَى ذَلِكَ فَسَأَلَ الأُمَوِيُّ عَشْرَةً مِنْ قَوْمِهِ فَأَعْطَوْهُ مِائَةَ أَلْفٍ، كُلُّ وَاحِدٍ [مِنْهُمْ] [4] عَشْرَةَ آَلافٍ. قَالَ: وَجَاءَ/ الْهَاشِمِيُّ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَأَعْطَاهُ مِائَةَ أَلْفٍ، ثُمَّ أَتَى الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فسأله: هل أتيت أحدا قبلي؟ نَعَمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ فَأَعْطَانِي مِائَةَ أَلْفٍ. قَالَ [5] : فَأَعْطَاهُ الْحَسَنُ مِائَةَ أَلْفٍ وَثَلاثِينَ أَلْفًا، ثُمَّ أَتَى الْحُسَيْنَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: هَلْ أَتَيْتَ أَحَدًا قَبْلِي قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي [6] ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَخَاكَ الْحَسَنَ، فَأَعْطَانِي مِائَةَ أَلْفٍ وَثَلاثِينَ أَلْفًا، قَالَ: لَوْ أَتَيْتَنِي قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ أَخِي [7] أَعْطَيْتُكَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ لا أَزِيدُ عَلَى [8] سَيِّدِي [قَالَ] [9] : فَأَعْطَاهُ مِائَةَ أَلْفٍ وثلاثين ألفا.
قَالَ: فَجَاءَ الأُمَوِيُّ بِمِائَةِ أَلْفٍ مِنْ عَشْرَةٍ. وجاء الهاشمي بثلاثمائة أَلْفٍ وَسِتِّينَ أَلْفٍ مِنْ ثَلاثَةٍ. فَقَالَ الأُمَوِيُّ: سَأَلْتُ عَشْرَةً مِنْ قَوْمِي فَأَعْطَوْنِي مِائَةَ أَلْفٍ. وَقَالَ الْهَاشِمِيُّ: سَأَلْتُ ثَلاثَةً مِنْ قَوْمِي فَأَعْطَوْنِي ثلاثمائة أَلْفٍ وَسِتِّينَ أَلْفًا. قَالَ: فَعَجَزَ الْهَاشِمِيُّ [عَلَى] [1] الأُمَوِيُّ، فَرَجَعَ الأُمَوِيُّ إِلَى قَوْمِهِ فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ [2] ، وَرَدَّ عَلَيْهِمِ الْمَالَ فَقَبِلُوهُ، وَرَجَعَ الْهَاشِمِيُّ إِلَى قَوْمِهِ فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ وَرَدَّ عَلَيْهِمِ الْمَالَ فَأَبَوْا أَنْ يَقْبَلُوهُ، وَقَالُوا: لَمْ نَكُنْ [3] لِنَأْخُذَ شَيْئًا قَدْ أَعْطَيْنَاهُ. [4] .
وقد روى هشام عَنْ أشياخ له: أن عَبْد المطلب بْن هاشم وحرب بن أميّة رحلا [5] إلى النجاشي [الحبشي] [6] فأبى أن ينفر بينهما فجعلا بينهما نفيل بْن عَبْد العزى بْن رباح فَقَالَ لحرب: يا أبا عمرو، أتنافر رجلا هو أطول منك قامة، وأعظم منك هامة، وأوسم منك وسامة وأكثر منك ولدا، فنفره عَلَيْهِ، فَقَالَ له حرب: إن من انتكاث [الزمان] [7] أن جعلناك حكما [8] .
وكان أول من مات من ولد عَبْد مناف ابنه هاشم، مات [9] بغزة من أرض الشام، ثم مات عبد شمس بمكة فقبر بأجياد، ثم مات نوفل بالسلمان من طريق العراق، ثم مات المطلب بردمان من أرض اليمن، وكانت الرفادة، والسقاية بعد هاشم إِلَى أخيه المطّلب [10] .
فصل
[1] قَالَ هشام بْن مُحَمَّد السائب [2] الكلبي، انتهى الشرف من قريش فِي الجاهلية ووصل في الإسلام إلى عشرة رهط من عشرة أبطن وهم:
هاشم، وأمية، ونوفل، وعَبْد/ الدار، وأسد، وتيم، ومخزوم، وعدي، وجمح، وسهم.
وكان من بني هاشم العباس بْن عَبْد المطلب، يسقي الحجيج فِي الجاهلية، وبقي ذلك له [3] فِي الْإسْلَام، وكانت له العمادة، وهي أن لا يتكلم أحد فِي المسجد الحرام برفث ولا هجر، ولا يرفع صوت [4] ، كان العباس رضي اللَّه عنه ينهاهم عَنْ ذلك [5] .
ومن بني أمية أَبُو سفيان بْن حرب. كانت عنده العقاب راية قريش، وإذا كانت عند رجل أخرجها إذا حميت الحرب، فإن اجتمعت قريش عَلَى أحد أعطوه العقاب، وإن لم يجتمعوا عَلَى أحد رأسوا صاحبها وقدموه.
ومن بني نوفل الحارث بْن عامر وكانت إليه الرفادة، وهي مال كانت [6] تخرجه من أموالها وترفد بِهِ منقطعي الحاج.
ومن بني عَبْد الدار عثمان بْن طلحة كان إليه اللواء والسدانة مع الحجابة، ويقال والندوة فِي بني عَبْد الدار.
ومن بني أسد يزيد بْن ربيعة بْن الأسود، وكانت إِلَيْهِ المشورة، وذَلِكَ أن رؤساء قريش لم يكونوا يجتمعون عَلَى أمر حَتَّى يعرضوه عَلَيْهِ، فإن وافقه والاهم عَلَيْهِ، وإلا تخير [7] فكانوا أعوانا، واستشهد مَعَ رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالطائف.
ومن بني تيم: أَبُو بكر الصديق [رضي اللَّه عنه] [1] كانت إليه فِي الجاهلية الإساف، وهي الديات والمغرم [وكان إذا احتمل شيئا يسأل فيه قريش سدنة وإحماله من ينظر فيه] [2] وإن أحمله غيره خذلوه.
ومن بني مخزوم: خالد بْن الوليد كانت [إليه] [3] القبة والأعنة، فأما القبة فإنهم [4] كانوا يضربونها، ثم يجمعون إليها ما يجهزون به الجيش، وأما الأعنة فإنه كان يكون على خيل قريش فِي الحرب.
ومن بني عدي: عمر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه، كانت إليه السفارة فِي الجاهلية وذلك إذا وقعت بين قريش وغيرهم [حرب] [5] بعثوه سفيرا أو إن نافرهم حي المفاخرة بعثوه مفاخرا، ورضوا به.
ومن بني جمح: صفوان بْن أمية، وكانت إليه الأيسار، وهي الأزلام كان هو الذي يجري [6] ذلك عَلَى يديه.
ومن بني/ سهم: الحارث بْن قيس، وكانت [إليه] [7] الحكومة والأموال التي يسمونها لآلهتهم إِلَيْهِ.
فهذه مكارم قريش التي كانت فِي الجاهلية، وهي السقاية [والعمادة والعقاب والرفادة والحجابة والندوة واللواء والمشورة والإساف] [8] والقبة والأعنة والأيسار والحكومة والأموال المحجرة للآلهة، وكانت إِلَى هَؤُلاءِ العشرة [من البطون العشرة] [9] ، وجاء الإسلام فوصل ما يصلح وصله، وكذلك كل شرف من شرف الجاهلية أدركه الإسلام فوصله، وكانوا إذا كانت حرب اقترعوا [10] بين أهل الرئاسة،فمن [1] خرجت القرعة عَلَيْهِ أحضروه صغيرا كان أو كبيرا، فلما كان يوم الفجار اقترعوا بين بني هاشم، فخرج منهم العباس، وكان صغيرا فأجلسوه [2] عَلَى الفرس






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید